|
رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
إيليا والعناية الإلهية وكان لابد لعناية اللّه أن تظهر وتعمل عملها مع إيليا فى قلب المجاعة ، وكان على إيليا نفسه أن يأخذ بعض الدروس من المجاعة ولعل أول هذه الدروس هو أن المصلح لابد أن يشارك الشعب الذي يحاول إصلاحه متاعبه وضيقاته وآلامه ، كان لابد لإيليا نفسه أن يجوع ، ويعيش حياة الشظف مع الآخرين ، وقد حق لأحدهم أن يتصوره يخرج ذات يوم ليشرب من نهر كريت : " وكان بعد مدة من الزمان أن النهر يبس لأنه لم يكن مطر فى الأرض " ... " 1 مل 17 : 7 " .. وظل ذلك اليوم ظامئا ، وسار فى طريقه إلى أرملة صرفة صيدا ، ومن حديثه مع المرأة وطلبه منها أن تعمل له أولا كعكة صغيرة ، نحس مدى الجوع الذى وصل إليه ، ... ومع أن المجاعة لم تكن بسبب خطية ارتكبها هو ، أو أن اللّه قد تخلى عنه فى إحسانه وجوده ، لكنه مع ذلك كان لابد أن يكون شريكاً فى آلام قومه وشعبه ، وهى ضريبة المصلح فى كل العصور والأجيال ، ... والدرس الثانى الذى كان لابد أن يتلقنه ، هو الفرق بين الشجاعة والتهور ، فقد كان عليه أن يختبئ عند نهر كريت ، وقد تكون عناية اللّه مرات كثيرة بتخبئة المعتنى به من وجه الشر ، وقد خبأ اللّه إرميا من وجه الأعداء ، ورأى بولس عناية السيد ، عندما أنزل فى زمبيل من سور دمشق ، ... وهى العناية التى تملك الوسائل الطبيعية والمعجزية ، الظاهرة والخفية ، الكبيرة والصغيرة ومن الواجب أن نراها ونقبلها بالشكر ولا يجوز قط أن تبعدنا هذه العناية عن الحكمة والواجب إلتماسها ، بدعوى أنه مادام اللّه معنا ، فلا يجوز أن نلجأ إلى هذا التحفظ أو غيره من الأساليب أو الصور ، .. على أنه يلزم أن نعلم ، على أية حال ، أن عناية اللّه فى المجاعات تستطيع أن تشق الطريق ، مهما كانت العوائق والحواجز ، ونحن نرى العناية هنا تسلك سبيلا عجيباً ، سواء فى الانتصار على الغرائز أو فى قلب الأوضاع رأساً على عقب ، ... وقد مد اللّه عنايته لإيليا أولا عن طريق الغربان التى كانت تأتيه بالخبز واللحم مرتين كل يوم صباحاً ومساء ، ... وهذه الطريقة المثيرة جعلت البعض يتصورون أن كلمة الغربان " يمكن أن تترجم " العربان أو رجال البادية الذين كانوا يمدون إيليا مرتين ، وقالوا إن الأصل العربى كالعبرى يصح معه مثل هذه الترجمة ، وهذا تفسير واه ضعيف ، وليس أقل ضعفاً منه ذلك التفسير بأن الكلمات رمزية تشير إلى أنه كان يأكل بوفرة فى المجاعة ، ... ولعل الصعوبة عندهم هى أن غريزة الغراب الأولى هى الخطف وأنه يأخذ ولا يعطى ، ... وهذا فى عقيدتى ، هو السر فى استخدام اللّه له ، ليثبت جلاله ومجده فى السيطرة على الغرائز ، فهو يعطيك من حيث لا تدرى وهو يفنيك بتغيير مجرى الغرائز فى العجماوات أو البشر على حد سواء ، وأنه يمكن أن يجعل القاسى ودوداً ، والشحيح سخياً ، والشره باذلا ، والآخذ معطياً ، ويده لا تقصر عن استخدام الجماد والحيوان والإنسان فى إتمام قصده ومشيئته ، ... فإذا تلقن إيليا هذا الدرس ، فإنه يعطيه درساً آخر ، ليؤكده من وجه ثان ، إذ ينقله من إسرائيل إلى صرفه صيدا ، الواقعة فى أرض أثبعل أبى ايزابل ، الأرض التى لا يمكن أن يخطر ببال إنسان أن إيليا يلجأ إليها ، ويأتيه المدد من امرأة أرملة أممية معدمة ، تقف على الخط الفاصل بين الحياة والموت ، لتقش عيداناً ، لتعمل لقمة تتبلغ بها مع ابنها ، ثم يموتان ... وهكذا تأتى العناية عن طريق الجائع المسغب الذى يهلك جوعاً ، وليس هناك من قلب للاوضاع فى الدنيا مثل هذا القلب ، فالرجل تعوله امرأة ، والمرأة ليست إلا أرملة ، والأرملة ليست إلا الفقيرة المعدمة التى لا تملك قوت الحياة !! .. ذهبت المرأة لتسعف إيليا بجرعة ماء ، وتعتذر عن تقديم كسرة خبز له ، وتكشف عن آخر مكانها مع اللقمة الباقية ، ولكن إيليا رجل اللّه مع ذلك يطلب ، ويطلب كعكة صغيرة أولا ، ... يريد أن يعلمها أن حق اللّه يسبق كل حق ، ... وأنك يوم تعطى اللّه ، ولو شيئاً صغيراً مما تملك ، فإنك ستعثر على سر ينبوع البركة وستعرف سيلا من الزيت لا يمكن أن ينتهى حتى تنتهى المجاعة من الأرض !! .. عندما نقف أمام عناية اللّه ، ينبغى أن نلغى من الذهن البشرى كل مفهوم للحساب الأرضى ، وقواعده ، وأصوله ، وذلك لأن هذا الحساب يستطيع أن يعطى صورة جيدة للمنظور ، ولكنه يعجز تماماً عن أن يدخل إلى بحر غير المنظور ، ويقيم هناك حسابهن ، ... ولعل اللّه أراد أن يعطى إيليا درساً ثالثاً أبعد وأعمق من الدرسين السابقين ، ... فإذا بابن الأرملة يموت ، وإذا بالمرأة تعجز عن أن تفسر موته ، إلا أنه عقاب على خطايا سابقة ربما عملتها فى أيام الصبا ، ... سقط السلاح من يد المرأة ، وذهب الولد الذى كان رجاءها وتعزيتها فى الأرض ، ... ورفض إيليا هذا المنطق ، فهو لا يعتقد أن اللّه يمكن أن يجازى المرأة هذا الجزاء ، ... وهو يصرخ إلى الرب بلغة من أغرب اللغات وأجرأها ، تلك التى يتعود أبناء اللّه الاتجاه فيها إلى سيدهم فى لحظات الضيق والشدة والألم : " أيها الرب إلهى أ أيضاً إلى الأرملة التى أنا نازل عندها قد أسأت بإماتتك إبنها .. يارب إلهى لترجع نفس هذا الولد إلى جوفه " " 1مل 17 : 20 ت 21 " . هل تستطيع أيها المؤمن أن ترفع كل تحفظ بينك وبين اللّه ؟ ، وهل تستطيع – كابن اللّه – أن تعبر بأعمق تعبيرات النبوة ، إلى الدرجة التى تقول فيها مع موسى : " فرجع موسى إلى الرب وقال يا سيدى لماذا أسأت إلى هذا الشعب ؟ لماذا أرسلتنى ؟ " " خر 5 : 22 "... ومع إيليا : " قد أسأت بإماتتك ابنها " .. !! ؟ ... ألا يقبل اللّه التعبير المخلص ، حتى ولو بدا خشناً قاسياً ! ... بلى ! إنه عنده أفضل من التعبير المهذب المرائى ، الذى لا يتحدث بعمق الحب المتألم المخلص العميق !! ؟ .. إن اللّه يفضل أن نأتى إليه بالإخلاص ، مهما بدا هذا الإخلاص ضعيفاً أو خالياً من العبارة المصنوعة أو التعبير المتكلف ، ... إنه يريد أن تعانق روح المؤمن مع روحه فى الحب والألم والشركة المخلصة ، مهما كانت الظروف التى نعيش فيها !! .. وسمع اللّه لإيليا وأرجع الولد ، ... الذى يقول تقليد - لا يعلم إن كان صحيحاً أو غير صحيح - إن الغلام كبر ليكون يونان النبى الذى أرسله اللّه إلى نينوى الأممية ... على أنه على أية حال ، كان هذا النوع من العناية مقوياً ومشدداً للأرملة وللغلام ولإيليا ، ... وكان درساً خالداً فى كل الأجيال لكل الذين يتطلعون فى أرض الآلام والمتاعب والمجاعات ، إلى ينابيع العناية الإلهية التى لا تنضب . أو تنفد أو تفيض !! |
|
قد تكون مهتم بالمواضيع التالية ايضاً |
الموضوع |
كتابة كورش والعناية الإلهية |
أبو سيفين والعناية الإلهية وسط الآلام |
ديونسيوس والعناية الإلهية |
نوحُ والعناية الإلهية |
إيليا والعناية الإلهية |