|
رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
إرميا ونموذج الخادم العظيم أما وقدأطلنا الحديث عن شخصية إرميا ومقوماته كإنسان متسع ، يبدو ممزقاً أو موزعاً بين عواطفه الذاتية ، والنداء الإلهى الموجه إليه ، فإنه يجمل بنا أن نراه كخادم أمين للّه ، وهو فى هذا المجال ، من أروع خدام اللّه العظام فى كل التاريخ ، وربما نستطيع التركيز فى الأصحاح الثانى والعشرين من سفره ، عندما كلفه اللّه بأن يذهب إلى الملك ورجاله فى القصر الملكى ليتحدث إليهم برسالة الرب ، وهنا نرى الخادم فى أجل أوصافه : الخادم والرسالة العلوية قال الرب لإرميا : « انزل إلى بيت ملك يهوذا » " إر 22 : 1 " ويبدو إن إرميا كان فى الهيكل ، والهيكل كان فى أعلى بقعة ، فمن يترك الهيكل لابد سينزل نزولا جغرافياً ، لكن المعنى أشمل وأعمق من مجرد النزول الجغرافى ، إذ أن من يحمل رسالة اللّه عليه أن يدرك بأنه يحمل رسالة تعلو فى مركزها وسلطانها وأمرها على كل عظماء الأرض وسادتها ، وملوكها ، ... ويبدو أن النبى قد أمر بالذهاب إلى العائلة المالكة لأنه يعلم مدى نفوذها فى الخير أو الشر على حد سواء ، والناس على دين ملوكهم ، وينسجون دائماً على منوالهم ، إذ يرغبون فى تتبع اثارهم ومحاكاتهم وتقليدهم فى كافة الظروف والأوضاع ، وليس أدل على ذلك من أنه فى أيام الرئيس ترومان رئيس الولايات المتحدة ، بدأ هذا الرجل يلبس القمصان المشجرة ، فإذا بها تنتشر فى كل الولايات المتحدة ، بل فى العالم بأجمعه ، ... وإذا أدركنا ذلك كم يبدو لنا كقادة أو آباء أو أمهات ، عمق تأثيرنا فيمن يتطلعون إلينا ، ويسيرون فى أثرنا ويحاكوننا ، عن دراية أو عن غير دراية !! .. ومن اللازم أن نلاحظ ههنا شجاعة النبى وبراعته وحكمته ... فالشجاعة أن تذكر القادة بأن عليهم أن يتقبلوا كلمة اللّه وأمره لا تفضلا أو تجملا بل امتثالا وخضوعاً وانتظاراً ، وعلى الخادم أن يتحرك فيذهب حاملا الرسالة ، دون أن ينتظر أن يأتى إليه السامع ، أو كما قال أحدهم ، إن من واجب الخادم ألا ينتظر من سامعيه أن يجروا وراءه ، بل من واجبه أن يخلق الاجتماع ، وعليه أن يجعل رسالته رسالة علانية واضحة ، لا أن يخفيها فى حيز ضيق صغير ، وعليه ألا يخدم فقط بين جدران الكنيسة ، حيث من السهل أن يتقبل السامعون الرسالة ، بل عليه أن يخرج إلى الخارج ليتحدث بها بين أناس قد يعادونه ويؤذونه بسببها !! ... إن الدين ليس لمن يقبلونه فقط، بل هو أيضاً للعشارين والخطاة ، ومن يظنهم الناس أنهم أبعد الجميع منه !! .. الخادم والرسالة المشجعة ذهب إرميا إلى الملك والقادة يحمل رسالة إيجابية مشجعة : « أجروا حقاً وأنقذوا المغصوب من يد الظالم والغريب واليتيم والأرملة لا تضطهدوا ولا تظلموا ولا تسفكوا دماً زكياً فى هــــذا الموضع » " إر 22 : 3 " وهذا وعظ إيجابى عملى واضح ، لم يحلق فيه الواعظ نحو النجوم ، أو يتحدث بلغة الفلسفة ، ولم يلجأ إلى المنحنيات والدروب فى التعبير ، بل هو كلام مستقيم لا التواء فيه ، كما أنه وعظ يبدأ بالتشجيع والترغيب قبل التوبيخ والانتهار ، وهذا يعلمنا أن نضع الشجاعة فى موضعها ، وأن نمتنع عن كل تهور واندفاع فى غير موضعهما ، بل هذا فى الواقع حسن الاستهلال الذى ينبغى أن يبدأ به الواعظ رسالته ، ليكتسب الأذان ويجتذب المشاعر ، ولم يكتف النبى بهذا التشجيع بل لوح بالوعود المباركة إذ قال : « إن فعلتم هذا الأمر يدخل فى أبواب هذا البيت ملوك جالسون لداود على كرسيه راكبين فى مركبات وعلى خيل » ( عدد 4 ) وكم كان من الواجب أ ن يشرح هذا قلب الملك لأنه سيجد حماية وحراسة رب الجنود ملك إسرائيل ، فى الوقت الذى فيه تتهدده الجيوش الأجنبية ، بل إن فى القول : « ملوك جالسون لداود على كرسيه » ... إعلان عن إمكانية عودة المملكة إلى مجدها القديم أيام داود ، وامتداد رفاهيتها وسلطانها أجيالا طويلة !! .. الخدام والرسالة المحذرة ومن الواضح أن إرميا ، عندما اتجه إلى أعلى الطبقات فى البلاد وأكثرها سطوة وجاهاً ونفوذاً ، لم يجعل من صفاتهم أو مناصبهم معطلاً له عن إتمام الرسالة على أكمل وجه ، وقد كان عليه أن يوجهها إليهم كما توجه إلى أضعف الناس أو أقلهم نفوذاً... ومن الوعاظ من يتحدث بالسهل اللين اليسير من الكلام ، دون التحذير الواضح، لكن إرميا لم يفعل هكذا ، ... لقد تحدث إلى الملك والقادة بأن سر عظمة المملكة يرجع أولاً وأخيراً ، إلى ما عندها من أخلاق أكثر مما عندها من مادة ، إذ لم يقل للملك أن سر النجاح والنجاة للملكة يرجع إلى ما عندها من جيوش ، وما تملك من قوات ، أو تنال يدها من ذهب ، .. إنما الأمم الأخلاق ما بقيت فإن هم ذهبت أخلاقهم ذهبوا هذه هى الحقيقة الدائمة فى كل العصور ، وقد كان على الملك أن يجرى أولا ، الحق والعدل ، ... والحق أوسع وأشمل من العدل ، إذ أن الحق يشمل كل ما هو ضد الباطل والكذب والاستبداد والاستعباد سواء فى علاقة الناس بعضهم ببعض أو فى تصرفاتهم الفردية ، بينما يتحدث العدل عن موازنة الحقوق بين الأطراف المتنازعة ويبدو هنا أن الملك يهوياقيم كان قد داس الحق والعدل معاً ، فى أعماله ، إذ سخر الشعب فى بناء قصره ، دون أجر أو رحمة ، ... وكان الأمر الثانى معونة الضعيف ، ويبدو هذا فى الوقوف إلى جانب المغصوب ضد الظالم ، وعدم اضطهاد اليتيم والأرملة والغريب ، ويجمل بنا هنا أن نذكر أن مساعدة هؤلاء ليست مجرد عمل اجتماعى تمليه الديموقراطية أو الاشتراكية الحقة ، بل هو العمل الذى يسر به قلب اللّه !! » .. وجدير بالذكر أن التحذير كان واضح التعبير ، ظاهر الدلالة ، وعدم الانتباه له ، سيجلب نتيجته المؤكدة ، النتيجة التى أقسم الرب بها فى خراب المملكة ، والبيت المالك معاً ، ... وكانت المأساة الكبرى أيام إرميا هى التعلق بالشكليات ، فمدينة أورشليم فى تصور شعبها مدينة محبوبة من اللّه ، ومادام الهيكل موجوداً بها ، فلا يمكن أن تمسها قوة فى الأرض ، ......... وكان حديثهـم : « هيكل الرب هيكل الرب هو » " إر 7 : 4 " .. وكأنما اللّه يسكت على الشر والفساد مادام الظاهر من الدين موجوداً ، .. وإذا باللّه يقول : "حى أنا يقول الرب ولو كان كنياهو بن يهوياقيم ملك يهوذا خاتماً على يدى اليمنى فإنى من هناك أنزعك ، وأسلمك ليد طالبى نفسك وليد الذين تخاف منهم وليد نبوخذ ناصر ملك بابل وليد الكلدانيين » ... " إر 22 : 24 و 25 " . أجل إنه من الحماقة أن يظن إنسان أو شعب أنه لمجرد أن اسم اللّه قد وضع عليه ، فإنه آمن من كل خطر أو ضرر أو شر ، مهما يرتكب من إثم أو خطية .. أما عن يهوياقيم نفسه ، الذى قسى قلبه وأحرق الدرج ، وفعل الظلم والشر والفساد ، فقد بين له الفرق بينه وبين أبيه يوشيا : « هل تملك لأنك أنت تحاذى الأرز أما أكل أبوك وشرب وأجرى حقاً وعدلا ؟ حينئذ كان له خير . قضى قضاء الفقير والمسكين . حينئذ كان له خير . أليس ذلك معرفتى يقول الرب ؟ لأن عينيك وقلبك ليست إلا على خطفك وعلى الدم الزكي لتسفكه وعلى الاغتصاب والظلم لتعملهما . لذلك هكذا قال الرب عن يهوياقيم بن يوشيا ملك يهوذا : لا يندبونه قائلين آه يا أخى أو آه يا أخت ، لا يندبونه قائلين آه يا سيد أو آه ياجلالة ، يدفن دفن حمار مسحوباً ومطروحاً بعيداً عن أبواب أورشليم !! " إر 22 : 15 - 19 " . |
|
قد تكون مهتم بالمواضيع التالية ايضاً |
الموضوع |
إرميا النبي | جاء ملك مصر بجيشه العظيم لمحاربة نبوخذنصر |
إرميا النبي | الإله العظيم الجبار رب الجنود اسمه |
إرميا ومشجعات الخادم |
إرميا الخادم الحقيقي |
نموذج الضحية ونموذج تحمل المسؤولية |