|
رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
معنى التوبــــــــــــة في العهدين
1 – [ العودة أو الرجوع ]، ففي توبيخ إرميا النبي لحماقة شعب الله يقول: [ هل يسقطون ولا يقومون أو يرتد احد ولا يرجع ] (إرميا 8: 4) 2 – يوجد تعبير آخر أقل شيوعاً وهو: [ يندم ويتوب ] واستقر الفهم في المعنيان في (1، 2) على العودة إلى الله والتحوِّل إليه، بعد تغيير في الفكر الذي ترسخ فيه ضرورة العودة لله لأجل الخلاص والحياة وأن الشرّ لا ينفع لأنه يدمر النفس، وهذا يأتي عادة بعد خبرة حياة الشرّ والشعور بعدم منفعته لأنه الشر بطبيعته مُدمر لملكات النفس على كل وجه... فإسرائيل مدين بطاعة الله لأنه هو حياته، لأنه شعبه الخاص الذي أحبهم ويحملهم ويقودهم حسب قصده كأحباء أخصاء له، لذلك يقع في الدينونة في حالة العصيان وتنكيث العهد، ويُمكنهم إرضاء الله بالندم والتأسف على ما فعلوا ومن ثمَّ الرجوع إليه بالتوبة والاعتراف بخطاياهم وذنوب آبائهم، وتوجد أيام للتوبة في إسرائيل لكافة جموع الشعب نجد ملامحها في نحميا 9: [ وفي اليوم الرابع والعشرين من هذا الشهر اجتمع بنو إسرائيل بالصوم وعليهم مسوح وتراب، وانفصل نسل إسرائيل من جميع بني الغرباء، ووقفوا واعترفوا بخطاياهم وذنوب آبائهم، وأقاموا في مكانهم وقرأوا في سفر شريعة الرب إلههم رُبع النهار وفي الرُبع الآخر كانوا يحمدون ويسجدون للرب الههم... وصرخوا بصوت عظيم إلى الرب إلههم ] (نحميا 9: 1 – 3) ونجد هنا علامات التوبة واضحة من الناحية العملية على المستوى الواقع العملي المُعاش:
ولو كملنا في هذا السفر ورأينا الصلاة بعد ذلك، فسنجد أن هذه الصلاة مثال الصلوات التي تخص التوبة وفيها تذكُّر مراحم الرب لإسرائيل وعمله معهم، ثم التضرع للرب لأجل الرحمة والنجاة، ثم الميثاق وقطع العهد مع الله بتقديم توبة صادقة مع التعهد بالتزام بنودها وصدق الأمانة لله... ونجد أيضاً هذا ظاهر في باقي الأسفار فيقول إشعياء النبي عن مراحم الله:
+ ونجد أن الأسفار تُعلن أن التوبة الحقيقية الفاعلة في قلب الإنسان لن تأتي إلا نتيجة الفداء الإلهي حسب الوعد الأول الذي ظهر فور سقوط آدم (نسل المرأة يسحق راس الحية)، لذلك يقول إشعياء النبي بروح النبوة عن المواعيد لإسرائيل: [ قد محوت كغيم ذنوبك وكسحابة خطاياك. أرجع إليَّ لأني فديتك ] (إشعياء 44: 22) ويقول إرميا النبي: [ بل هذا هو العهد الذي أقطعه مع بيت إسرائيل بعد تلك الأيام يقول الرب. أجعل شريعتي في داخلهم وأكتبها على قلوبهم، وأكون لهم إلهاً وهم يكونون لي شعباً ] (إرميا 31: 33) ويقول حزقيال: [ وأعطيهم قلباً جديداً وأجعل في داخلهم روحاً جديداً، وأنزع قلب الحجر من لحمهم وأعطيهم قلب لحم ] (حزقيال 21: 19)
لذلك نجد نداء القديس يوحنا المعمدان نداء من نوع خاص يُظهر فيه متطلبات التوبة في بداية العهد الجديد لذلك يقول: [ فاصنعوا ثماراً تليق بالتوبة، ولا تفتكروا (تتحججوا) أن تقولوا لنا إبراهيم أباً، لأني أقول لكم أن الله قادر أن يُقيم من هذه الحجارة أولاداً لإبراهيم. والآن وُضِعت الفأس على أصل الشجرة، فكل شجرة لا تصنع ثماراً جيدة تُقطع وتُلقى في النار ] ( متى 3: 8 – 10) ولو ركزنا في كلام القديس يوحنا المعمدان فأننا نُلاحظ أنه يُوجه الناس للتوبة الحقيقية على مستوى الواقع العملي لا النظري، وينفي كل حجة تُقال من جهة الافتخار بالانتساب لله عن طريق إبراهيم أب الآباء الذي حُسِب إيمانه براً، وهذا ما نفعله على المستوى الشخصي أحياناً بظني إني أحيا مع الله ولا حاجة لي للتوبة لأني ابناً لله كمسيحي والله قبلني ويقبلني في أي وقت وساعة، وذلك لأني آمنت به وأحيا معه، مع إنني أحتاج لأن أتوب وأتغير باستمرار ويظهر هذا كثمر في حياتي الشخصية عملياً وليس مجرد كلمات تُقال وألفاظ يُنطق بها معتمداً على لطف الله وطول أناته وأعمل ما شئت أنا:
وقد شرح الرب بنفسه معنى التوبة لكي نفهم أصولها حسب قصده هو لا حسب معرفتنا وفلسفتنا الشخصية، لأنه وضح أن التوبة ليست مجرد أن يكف الإنسان عن الخطية ويُصبح إنسان ذو أخلاق في المجتمع وحياة التوبة بالنسبة له حياة خارجية أمام الناس، لكنه أظهر أن التوبة ضرورية للحياة فيه لذلك تتضمن الشخص بكامله، أي داخله وخارجه معاً، لأن التوبة تمس العقل أولاً لتغيير الفكر ليعي الإنسان ويُدرك أنه يحتاج أن يدخل في سرّ التوبة، ثم بعد ذلك تنزل لقلبه فيتغير داخلياً ثم تثمر فيه ثمراً جيداً يظهر أمام الجميع فيكون المدح لله الذي عمل فيه ووضع سره الخاص في داخله، لذلك يقول الرب يسوع: [ اجعلوا الشجرة جيدة وثمارها جيداً... لأن من الثمر تُعرف الشجرة ] (متى 12: 33)، لأن يا إخوتي أن كان الغرس جيد، والبذرة صحيحة جيدة، فأنها تُخرج شجرة أن تم رعايتها رعاية صالحة فأن ثمرها يعبر عن جودتها... ولذلك نجد أن الرب يعود ويوضح ويؤكد على الداخل لذلك يقول: [ نقِ أولاً داخل الكأس والصفحة لكي يكون خارجها أيضاً نقياً ] (متى 23: 26)، لذلك علينا أن نحذر من أن نهتم بالخارج فقط وننسى الداخل، لأن الأصل في الداخل وليس بالخارج، لأن الخارج يُعبر عن الداخل، وأن غيرنا الخارج ليُصبح جميلاً أمام الناس وتركنا الداخل، فأننا نخدع أنفسنا ونغشها، لأنه ماذا ينتفع إنسان من أن يُطلي بيته من الخارج ويضع له كل زينة مع زروع وأزهار رائعة يسقيها ويعتني بها، حتى أن كل من يمر به يمدحه ويحسده على بيته، مع أنه أهمل داخل البيت حتى أنه امتلئ من كل قذارة ووسخ وسكنته الحشرات الضارة، وفاحت فيه كل رائحة نتنة حتى أن كل من يدخله يصاب بالاختناق والأعياء، وبكونه تعود وعاش في هذا الجو الموبوء فأنه لا يشعر بمدى الأمراض التي اصابته من جراء هذا العفن الذي ملأ بيته من الداخل... وهكذا كل من يهتم بشكله أمام الناس وينسى داخله يُصبح مريضاً بكل مرض ولا يشعر بمدى مرضة بل وقد يفتخر بعمله الظاهر الممدوح من الناس مع أنه مملوء من كل خراب وفي دمار نفسي وقلبي ومنطرح عن الله بعيداً جداً... وهذا يحتاج إلى أن يُسرع ليستفيق طالباً العناية الإلهية الفائقة التي للطبيب الأعظم شخص ربنا يسوع حتى تُشفى نفسه ويأتيه مسرعاً ليطرد من بيته كل الوحوش الضارة أي الخطية التي فتكت بنفسه وشوهت داخله ويعيده مثل ولد في البراءة وبساطة القلب النقي: [ إن لم ترجعوا وتصيروا مثل الأولاد فلن تدخلوا ملكوت السماوات ] (متى 18: 3)
ونرى أن الرب يسوع قد أعلن أن هذا الزمان الذي يقيم فيه الإنسان من تحت سلطان الموت والفساد، قد أتى الآن [ قد كمل الزمان واقترب ملكوت الله، فتوبوا وآمنوا بالإنجيل ] (مرقس 1: 15) والإيمان على هذا المستوى هو عبارة عن تحول من الفساد لعدم الفساد، من الموت للحياة، لأن التوبة في مفهومها الأصيل، هي عبارة عن تغيير في الفكر، بإحلال فكر محل فكر أي بالمعنى الرسولي: [ أما نحن فلنا فكر المسيح ]، وايضاً هي تحول في الاتجاه، من اليسار إلى اليمين أي من الموت للحياة، ومن الدينونة للبرّ، وبالمعنى الكتابي هو هتاف فرحة قلب انتقل من الموت للحياة بالإيمان الحي [ أين شكوتك يا موت أين غلبتك يا هاوية ]، وفي النهاية هذا كله يظهر في تغيير سلوك الإنسان كُلياً بناء على الإيمان الجديد الحي الذي اقتناه بالسرّ في قلبه كهبة نعمة ومنحة من الله، مبني على أساس استنارة الذهن، أدى إلى علاقة صحيحة مع الله الحي. |
|
قد تكون مهتم بالمواضيع التالية ايضاً |
الموضوع |
جُهًنَم في العهدين |
إله العهدين |
نبي العهدين |
فترة ما بين العهدين |
ظهورات ما بيت العهدين |