الروح القدس يحث ويُحذر، أين يكون فينا حينما نُخطئ
وربما يتساءل البعض: أين يكون الروح عندما يُخطئ الشخص الذي سبق وأن حل عليه الروح ؟
هنا يمكنك أن تفهم ما سبق أن قلته من أن الروح لا يُرغم النفس على عمل الصلاح، ولا يمنعها من ارتكاب الشر. ولكنه يمنح أمرين للإرادة : أولاً – أن يحث ؛ ثانياً – أن يُحذر .
وفي الحقيقة كما أن الشيطان لا يقودنا بالقوة إلى الشرّ، فإن روح الله أيضاً لا يدفعنا إلى الصلاح مرغماً إيانا عليه. بل في حالة الشرّ كما في الله الصلاح، يحاول كل واحد منهما أن يحثنا ويجتذبنا إلى اتجاهه. وهكذا فإن نعمة الروح القدس التي قبلناها في مياه المعمودية تظل فينا عندما نُخطئ. ومهما كثرت خطايا المعمد، فأنه يظل دائماً مُعمد، والروح لا يمنع إرادتنا بالقوة الجبرية عندما يرى أننا نميل إلى الخطية .
فإذا عرف العقل كيف يقبل هذا التوبيخ، وإذا قبل ضميرنا تأنيبه فإن الإنسان يمتنع عن الخطية. وعلى الفور يظهر الروح القدس في الضمير مع نوره ويملأه من الفرح والتهليل. وهذا ما يحدث عادة لمن يغلبون الخطية في جهادهم ضدها.
ولكن إذا لم يطع الضمير، الروح الساكن فيه وأكمل الخطية بالفعل – فعلى الفور تظلم النفس وينمو فيها القلق، وضباب الخوف، وتمتلئ النفس بالحزن والكآبة ويُغطي العار النفس، وكما هو مكتوب في كتاب الراعي لهرماس " أن الروح القدس يحزن ويحول وجهه عن النفس ( هرماس التعليم 10 ) ، وهذا ما كان يفكر فيه الرسول بولس عندما قال " لا تحزنوا الروح القدس الذي به خُتمتم استعداداً ليوم الفداء " ( أفسس 4 : 30 ). وبولس يُعلمنا أمرين :
الأول : أن الروح القدس فينا، والثاني: أنه لذلك يحزن بسبب خطايانا. وهذا واضح من قوله " لا تحزنوا الروح " الذي هو – على الخصوص – فيكم.
وهكذا فإن الروح يسكن فينا، ويوبخنا كي لا نُخطئ ولا نحزنه، كي لا تنطفئ قوته الداخلية في نفوسنا كما يقول بولس في موضع آخر " لا تطفئوا الروح " ( 1 تس 5 : 19 ). أي لا تحزنوه بالخطية لئلا ينطفئ نوره في نفوسكم. وأيضاً إذا اشتعل فيكم يكون لنفوسكم النور الذي يُضيء في داخلها.
لأن الروح هو الذي يُعطي للنفس قوة لا يعبر عنها، تجعلها قادرة على أن تُصارع الرؤساء والقوات، وتُحارب الأرواح الشريرة التي تحت السماء، وترفض العالم كله مع كل ملذاته...، كل هذا يتحقق بواسطة حرارة قوة الروح الذي فينا. وبولس الذي يعرف قوة عمل الروح يُعلمنا قائلاً " كونوا حارين في الروح " ( رو 12 : 11 ). وأيضاً " الذين يقبلون أن ينقادوا بروح الله فأولئك هو أولاد الله " ( رو 8 : 14 ) .