اقتناء الروح القدس
ما يوقفني في حياة القديس سلوان حديثه عن التواضع وعلاقة هذا التواضع بالروح القدس، أي كيف يمكن لإنسانٍ أن يقتني الروح القدس وهو متكبر؟!. يقول القديس سلوان: الإنسان الذي يغادره التواضع يغادره الروح القدس. وأنتم تعرفون أنّ لا قداسة في هذه الكنيسة وفي هذا العالم بدون الروح القدس، أي أنت إن أردت أن تصبح إنساناً صالحاً بعين الله، طاهراً ونقياً يحلُّ فيك الروح القدس عليك أن تتواضع. في عالمنا هذا هل نتواضع؟! هل نعيش في هذا العالم ونحن نحاول أن نسعى لنقتني روح التواضع؟!
البعض يقولون: "نعم يا أبونا نحن نتواضع ولا نتكبر". هناك الكثير من الأسئلة الحساسة والدقيقة. مثلاً، أب وأم يريدون أن يأخذ أبناءهم علامات مرتفعة وتامة. السؤال الحساس هنا: لماذا يريدونهم أن يأخذوا هكذا علامات؟! هل ليفتخروا بهم أمام ذويهم؟! أم كي يتقدم أبناؤهم بالعلم ويصبحوا أناساً مهمين ويعملون في هذا المجتمع بطريقة أو بأخرى؟!. هذا السؤال الحساس الصغير يجعلنا نعرف إن كان عندهم التواضع أم لم يكن. إنسانٌ آخر عند حديثه أمام الناس، مع أقربائه، مع أصدقائه، مع جيرانه، مع الذين يعملون معه، دوماً كلمة الأنا موجودة: "أنا عملت. أنا في حياتي صنعت كذا وكذا". هكذا روح وضَعت الأنا مكان الروح القدس هي لا تعرف التواضع. هناك أمثلة حياتية كثيرة نطرد فيها الروح القدس بتكبرنا.
يا أخوة، التكبر هو مرضٌ روحيٌ يلغي الروح القدس من حياتنا. لنسعى جاهدين بانتباه: كيف نتكلم، كيف نتصرف، كيف نربي أولادنا،….. لتكون كلها بروح التواضع، عندما نقف لا نقف ليرانا كل الناس. لا نسعى لنأكل قبل كل الناس. لا يجوز أن نلغي الآخر كي نوجد نحن. إن أنت ألغيت الآخر لتوجِد ذاتك، أي أوجدت الأنا التي فيك ظاهرةً عندها سيغادرك الروح القدس، وعندها لا قداسة. إن لم تقتن الروح القدس لا قداسة لك، عندها لا شراكة لك مع الله، أي أن الإنسان الذي يشارك حياته بالروح القدس يتشارك مع الله في السماوات. هذه حياتنا على الأرض. نحن المسيحيون لا موت لنا. إن مات الجسد الروح باقية، ولكن أين ستبقى؟! هل ستبقى في حضن الله؟! أم ستغادره إلى أماكن بعيدة حيث النار لا تطفأ؟!. الإنسان المسيحي يسعى جاهداً أن يحيا حياةً أبدية. حياته الأبدية تبتدأ من الآن عندما يسعى مجاهداً إلى اقتناء الروح القدس. وأكبر مثال لنا هو القديس سلوان، الذي سعى في حياته، بعد أن كان إنساناً يعيش في هذا العالم بتخبطاته وخطاياه، فعرف الروح القدس ولم يستطع أن يتركه يغادره. تجربة مرّ بها لسنوات عديدة غادره الروح القدس، شعر بألم، شعر بفراغ، شعر بحزن داخلي، ولكن بجهاد، بصلاة، بصوم، بقراءات مقدسة، بمحبة، بتواضع، بخدمة الآخرين، استطاع أن يعاود اقتناء الروح القدس.
نحن جميعنا، فلنفترض أننا لا نقتني الروح القدس، كيف نستطيع أن نحصل عليه؟. أهم شيء أن نضع في ذهننا التواضع. القاعدة الأولى: إن لم نتواضع، كما يقول القديس سلوان، لن نستطيع اقتناء الروح القدس. مهما علت المراتب والمكانات و… إلخ، الإنسان غير المتواضع لن يستطيع اقتناء الروح القدس، لأن الروح القدس لا يسكن في إنسان متكبر والأنا ساكنةٌ فيه. ثانياً، علينا أن نجاهد، نصلي، نصوم، نحب الآخرين، نخدمهم، نقدم ونضحي لعائلتنا وللذين حولنا، وألا نكذب أو نخطئ ونطبق وصايا الله. عندها يكون الروح القدس ساكنٌ فينا. غير ذلك عبثاً نعيش في هذا العالم. نأكل ونشرب ونموت كمثل الكثيرين الذين يأكلون ويشربون ويموتون. هل تريد أن تكون حياتك عبثاً؟! أرجوك لا. اقتن الروح القدس. اقتن التواضع.