12 - 05 - 2012, 09:51 AM
|
|
|
..::| VIP |::..
|
|
|
|
|
|
حياة الفضيلة بين الهدف والوسيلة
Monday, 26 October 2009 البابا شنودة الثالث
كلنا تقريبا نتفق في الأهداف أو الأغراض, ما دام الهدف سليما وخيرا. ولكننا نختلف في الوسائل المؤدية الي الهدف.. فما هي أسباب اختلاف الوسائل إذن؟ سببها اختلاف الفكر والعقل. كل منا له فكره الخاص, ونظرته الخاصة إلي الأمور. كذلك تختلف الأفكار بدرجة الذكاء, وبالتالي في الحكم علي الأمور. كما يختلف الناس أيضا في الطباع وفي نوع النفسية. كما يختلفون من جهة البيئة المحيطة بكل منهم ومدي تأثيرها عليهم.... لذلك نجد أناسا طيبين, ويريدون الخير, ومع ذلك فوسائلهم مختلفة. كل واحد له منهجه الخاص في الوصول إلي الغرض. أحيانا يوجد تنوع, وأحيانا يوجد اختلاف وخلاف.. والتنوع شيء طبيعي. ولكن الاختلاف كثيرا مايتسبب في انقسام وصراعات. وربما يتحول من الموضوعية إلي خلاف شخصي. وربما إلي خصام وإلي عداوة.
مثال لذلك موضوع الإصلاح: كلنا نحب أن تنصلح الأمور. ولكن يختلف الأسلوب, فإنسان يري أن الاصلاح يأتي عن طريق الحكمة والتفكير والتفاهم. وآخر أسلوبه في الإصلاح هو العنف. عن طريق النقد الشديد والمنشورات والتجريح والتشهير. ويقول ان المخطئين لايصلحهم إلا اتخاذ الشدة معهم.
وآخر يقول: تنصلح الأمور بالصبر وطول الآناة, وآخر يقول: نصلي ونصوم, والله يتدخل ويصلح كل شيء.
لذلك إن اشتركت مع احد في عمل ما, او من اجل خير ما, لايكفي ان يكون مشتركا معك في الهدف والغرض. إنما ينبغي ان يكون ايضا مشتركا معك في الوسيلة وأسلوب العمل. لئلا تكون طريقته في تنفيذ الغرض المشترك غير طريقتك. فتختلفان معا, أويسبب لك مشاكل باعتباركما شريكين في عمل واحد. الخطير في مسألة الوسيلة هو المبدأ الميكافلي. وكان ميكافلي يقول: الغاية تبرر الوسيلة فيظنه البعض ان الهدف الطيب يبرر الوسيلة الخاطئة!! فمثلا إنسان باسم الغيرة المقدسة علي عمل الخير, لامانع عنده من أن يصيح وينتهر ويوبخ ويشتم, وربما يرفع قضايا... ونحن نقول لمثل هذا الشخص: إن الغيرة المقدسة تناسبها وسيلة مقدسة.
وبالمثل أب يقسو جدا علي ابنه حتي يعقده نفسيا, ويحتج بغرض مقدس هو تربية ابنه!
الغرض سليم ولكن الوسيلة خاطئة. أو أب من أجل حرصه علي عفاف ابنته يعاملها بشدة وقسوة حتي تهرب من بيته, وتبحث عن صدر حنون يعطف عليها.. أو زوج يحبس زوجته في البيت ويقيد كل تحركاتها وكلامها بحجة الحفاظ عليها! الوسيلة أيضا خاطئة... أو أم تتدخل في صميم الحياة الزوجية لابنتها, وعلاقة الابنة بزوجها. وقد تتسبب في فصلها عن زوجها. وتختفي وراء هدف مقدس هو الحرص علي ابنتها وضمان راحتها.
كثيرا ما ضيع الناس أنفسهم وعلاقتهم بالوسيلة الخاطئة: مثال ذلك شخص يسعي الي مصالحة غيره. وهذا هدف سليم بلاشك, ولكنه يري ان الوسيلة هي العتاب. لا مانع. ولكنه في طريقة العتاب, يعيد الأوجاع والجروح القديمة, ويضغط عليها بأسلوب يتعب الطرف الآخر. ويخرج من العتاب, وقد ساءت العلاقة عن ذي قبل لان وسيلة العتاب كانت خاطئة.. بعكس ذلك إنسان آخر يستطيع بالعتاب ان يكسب الموقف, بل يجعل الطرف الآخر يتفهم الامور ويعتذر له, ويخرجان صديقين كأن شيئا لم يكن. العتاب هو العتاب. ولكن وسيلته عند واحد مقبولة ومجدية, وعند آخر متعبة ومؤذية وتأتي بعكس المطلوب... فواحد يعاتب بطريقة هادئة,والآخر يعاتب بطريقة ساخطة. جماعة تدخل في جمعية او مؤسسة ما.
وكلهم يريدون الخير لهذه المؤسسة. ولكنهم يختلفون في الوسيلة, أحدهم يري أن الوسيلة هي التعامل الكامل, ولو في ذلك لون من إنكار الذات. ولكن عضوا آخر يري ان وسيلته هي السيطرة وتدبير الأمور حسب حكمته هو. كل واحد له طريقته. ولكن يحدث الاختلاف حينما يري البعض ان وسيلته هي الطريق الوحيدالسليم.
وينتقد غيره من الوسائل او يحاول تحطيمه. يمكن ان يوجد تنسيق وتكامل وتعاون بين الطرق المتنوعة المتعددة الواصلة إلي غرض واحد. ولكن يحدث التصارع بين الوسائل المتناقضة. نطرق موضوع معاملة المخطئين: كلنا نكره الخطأ, ونأخذ من أصحابه موقفا معارضا.
هذا غرض واحد ولكن الوسائل تختلف: البعض يبعد عن المخطئين, ينعزل عنهم ولايختلط بهم.
والبعض يأخذ منهم موقف المقاومة, ويرد لهم بالمثل, ويحاسبهم علي كل خطأ, ولايترك الأخطاء تمر بسهولة او بدون مؤاخذة. والبعض يحاول ان يصلح هؤلاء ويكسبهم, ربما بالحب والصبر, وربما بالمواجهة والإقناع.. والمهم ان نوصلهم الي الله والي الطريق السليم ونربح نفوسهم.
أحيانا تتحول الوسائل إلي أهداف. فكلنا نري ان هدفنا الروحي هو الوصول إلي الله. ونري ان من الوسائل الصلاة والصوم.... الخ, ولنأخذ الصوم مثلا وكيف يتحول عند البعض الي هدف في ذاته, بينما هو وسيلة نوجد بها في فترة روحية تساعدنا علي الوصول الي الله. فنمنع انفسنا عن كل مانشتهيه لكي نتعود السيطرة علي الارادة, وبهذا يمكن ان نمنعها عن الخطأ كما منعناها عن الأكل. هل نحن نحرص في صومنا ان يوصلنا الي هذا الهدف الروحي؟!
أم نحن نصوم لمجرد الصوم بلا هدف وبلا فائدة وبلانتيجة! لذلك كله ينبغي ان يراجع كل انسان هدفه. ويتحقق ان وسيلته توصله اليه.
يتأكد ان الهدف سليم وروحي, وانه لم ينحرف عنه الي هدف آخر, وأنه يستخدم الوسيلة السليمة التي تحقق هدفه الروحي... الهدف الروحي الوحيد هو الوصول الي ارضاء الله والوصول الي ملكوته. وما الصلاة والصوم والقراءة الروحية والتأمل والوحدة سوي وسائل توصل الي هذا الهدف, وكذلك الفضائل هي مجرد وسائط توصل الي الهدف الذي هو الله... ولكن للأسف قد تتحول هذه الوسائط كلها الي اهداف!!
|