|
رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
الكنعانيّون
نحو 1300 ق م كانت "كنعان" ولاية مصرية تشمل لبنان وسورية وفلسطين. وربما أُطلق الاسم في أول الأمر على السهل الساحلي ثم اتسع نطاقه ليتضمن الأموريين سكان المعاقل الجبلية (راجع عدد 13: 29؛ 35: 10؛ يشوع 5: 1). وإلى جانب الكنعانيين والأموريين كان في البلاد جماعاتٌ أخرى، وفي تثنية 7: 1 ذكرٌ لخمسٍ أخرى. وهكذا باتت لفظة "الكنعانيين" تدل على خليط من الشعوب. التجارة:انصرف سكان الساحل إلى التجارة. والواقع أن التجارة كانت جزءًا لا يتجزأ من الحياة الكنعانية حتى باتت الكلمة "كنعاني" تعني تاجراً عند العبرانيين (تجدها مستعملة بهذا المعنى في أمثال 31: 24 مثلاً). وأهم مرافئها كانت صور وصيدا وبيروت وبيبلوس (جبيل) على الساحل الكنعاني الممتد شمالاً (ساحل لبنان الحديث). من هذه المرافئ كانت تُصدر أخشاب الأرز وجِرار الزيت والخمر، وغيرها من البضائع، إلى مصر وكريت واليونان. وفي المقابل كانت ترد النفائس المصرية وورق الكتابة، والخزف اليوناني، والمعادن الخام. وكانت مدينة أوغاريت العظيمة (قرب اللاذقية الحديثة) خارج حدود كنعان، إلا أنها شاركت في عدة خصائص كنعانية. هذه المدينة أيضاً كانت مركزاً تجاريا مهماً. الأبجدية:ولكن موقع كنعان جسراً بين آسيا ومصر، وازدهار النشاط التجاري فيها، كان الكنعانيون عرضة للتأثرات الحضارية من كل نوع. فرُب قصرٍ أو بيت بُني على الطريقة المصرية لوالٍ مقيم أو حامية في إحدى المدن. وربما اتُبع الطراز السوري في مدينة أخرى. وقد شاع استعمال الخنافس وسائر الحلى المصرية، إلى جنب الأختام البابلية الاسطوانية والتُحف الذهبية المجلوبة من تركيا. وأوضح مظهر لهذه التأثرات هو في استخدام الكنعانيين لطريقتي الكتابة المصرية (الهيروغليفية) والبابلية (المسمارية) معاً. يكاد يكون يقيناً أن أعظم تركة قدمها الكنعانيون إلى العالم هي الأبجدية، وقد اخترعوها ما بين 2000 و 1600 ق م. وأفضى التأثر بالمصريين إلى استعمال الورق (البردي) كمادة عادية للكتابة. ولأن الورق لم يعمر عبر العصور في كنعان، فالأمثلة على الأبجدية الأولى نادرة، إذ تقتصر على الأشياء الأكثر بقاءً- كالأسماء المحفورة على الفناجين الخزفية مثلاً. المدن والحكام:كانت المدن الكنعانية محاطة بأسوار دفاعية من الحجارة والتراب لإبعاد المغيرين والوحوش. وفي الداخل كانت البيوت تُبنى متلاصقة، كما هي اليوم في مدن الشرق الأدنى القديمة. وكان عامة الشعب يعملون في قطع أرض صغيرة تخصهم، أو في مهن شتى، أو كانوا موظفين عند الملك والملاكين والتجار. وخارج المدن كانت تنتشر قرى الفلاحين والرعاة. الكنعانيون وبنو إسرائيل:كان حكام المدن يتخاصمون ويتقاتلون دائماً. وكانت بعض المدن عرضة للهجومات من قبل قطاع الطرق والمتشردين المختبئين في الغابات. وفي رسائل العمارنة، المكتشفة في مصر، وصفٌ لهذه الحالة نحو 1360 ق م. كذلك يبين سفرا يشوع والقضاة أن الحالة كانت على هذه الصورة تقريباً بعد قرن أو قرنين. هذا الأمر يسر فتح الأرض من قبل بني إسرائيل. ولو كانت كنعان متحدة، لكان ذلك أصعب جداً (راجع قائمة الملوك في يشوع 10 و 12). كانت لغة الكنعانيين قريبة جداً من العبرانية، أو ربما كانت هي إياها. ولم تكن حياة الفلاحين الكنعانيين تختلف كثيراً عن حياة بني إسرائيل في مصر قبلما صاروا عبيداً. وهكذا استطاع بنو إسرائيل أن يستوطنوا في أرض كنعان بسهولة. وكانت أمامهم دائماً تجربة الوقوع في التشبه بالكنعانيين في أمور أخرى أيضاً. غير أن الديانة الكنعانية كانت بعيدة جداً عن محبة الله وطاعة شرائعه الخلقية الواضحة. لذا مُنع بنو إسرائيل أن يُخالطوا هذه الشعوب ويُصاهروها. الديانة الكنعانية:أمر الله بني إسرائيل من على جبل سيناء بألا يتخذوا لهم آلهةً غيره. فكان عليهم بعد فتح كنعان أن يتجنبوا أي احتكاك بالديانة الكنعانية. ولكن الإسرائيليين بدأوا عبادة بعل، إله الكنعانيين، حتى قبل دخولهم كنعان. وبعد استقرارهم في الأرض، صار بعل منافساً خطراً لإله بني إسرائيل. ويصف سفر القضاة ما سببه ذلك من كدر وخراب، وكيف قاوم عبادةَ بعل رجالٌ كجدعون. وفيما لا يقال الكثير عن بعل في أيام الملك داود والملك سليمان، نجد أنه كاد يحل محل إله بني إسرائيل في ما بعد، لما صار أخآب ملكاً على مملكة إسرائيل في الشمال. وكان ذلك من عمل ايزابل الملكة زوجة أخآب التي كانت من صيدون الكنعانية وجلبت معها كثيرين من كُهان بعل. آلهة الكنعانيين:خروج 20: 3؛ 23: 23 و 24؛ 1 ملوك 16: 29 والأصحاحات التالية. كانت آلهة الكنعانيين وإلاهاتهم قوى الطبيعة مشخصة. وكان بعل، ومعناه ربّ، لقباً لهدد، إله الطقس عندهم (يلاحظ التشابه بين لفظ اسنه وصوت الرعد). اعتبروه مسيطراً على المطر والضباب والندى، وبالتالي حاملاً لمفتاح الغِلال الجيدة التي لا بد منها لبقاء الكنعانيين على قيد الحياة. قصص الآلهة:وكانت عشتار، زوجة بعل، وقد عرفت أيضاً باسم عنات، إلاهة الحب والحرب. أما أبوه فكان إيل، رئيس الآلهة، إلا أنه في زمن فتح بني إسرائيل لأرض كنعان كان قد أمسى شخصاً تكتنفه الظلال. وكانت زوجة إيل هي آشيراه، الإلاهة الأم وإلاهة البحر. وغالباً ما كانت آشيراه وعشتاروت تُدعيان "السيدة" (بعلة) وحسب. ومن أربابهم الأخرى المتقدمة: شماش (الشمس)؛ رشف (إله الحرب والعالم السفلي)، داجون (الحنطة)؛ فضلاً عن جمهرة من الآلهة الأدنى مقاماً والتي تكونت منها أسرة كل إلهٍ كبير وحاشيته. هذه الصورة العامة اختلفت من مكان إلى آخر، إذ كان لكل مدينة إلهُها المفضل المعتبر شفيعاً لها، وغالباً ما يُدعى "ربَّ" ذلك المكان أو "ربته". تُعرف القصص هؤلاء الآلهة والإلاهات من مصادر كنعانية (أوغاريتية) وأجنبية. وقد كانوا هواة حرب متعطشين إلى الدماء يبتهجون بمقاتلة بعضهم بعضاً وينغمسون في علاقات جنسية جامحة. وكانوا يتدخلون في شؤون البشر لإرضاء نزواتهم فقط، بصرف النظر عما يسببونه من آلام. وفي الوقت نفسه، يمكنهم أن يكونوا لطفاء وكرماء. إنهم لم يكونوا سوى صورٍ تنعكس فيها أحوال عبدتهم الذين يخافونهم ويتعبدون لهم. معابد الكنعانيين وكهّافهم:وكان طبيعياً أن تؤثر هذه القصص في عبادة الكنعانيين. فأصبحت الاحتفالات الدينية مهرجانات منحطة يُطلق فيها العنان للجانب الحيواني في الإنسان. حتى إن كتاب اليونان والرومان صعقهم ما رأوه من ممارسات عند الكنعانيين باسم الدين. ولذلك لا نعجب البتة إذا كان الكتاب المقدس يدين كلياً شر هذه الآلهة. تثنية 18: 9؛ 1 ملوك 14: 22- 24؛ هوشع 4: 12- 14 كان للآلهة المهمين معابد موقوفة لهم ومجهزة، بسخاء، بالكهان والجوقات وخدمة المعبد. وفي أيام الأعياد كان الملوك يؤمونها في مواكب لتقديم القرابين، ومنها ما كان يُحرق برمته، فيما كان بعضها موضوع تشارك بين الإله وعبدته. والأرجح أن عامة الشعب كانوا يشتركون في الطواف ثم يشاهدون الطقوس من بُعد. وقد كانت مباني المعابد فسيحة فلا يدخلها إلا ذوو الامتياز. القرابين:تباهى الملوك بتشييد المعابد الفخمة والضخمة، وتغشية تماثيل الآلهة وجدران المعبد بالمعدن الثمين، وتقديم الأطباق الذهبية لتوضع فيها أطعمة الآلهة. وإلى جانب تمثال الإله، أو تمثال حيوان يرمز إليه (كانوا يرمزون إلى بعل بثور، وإلى آشيراه بلبوة) كان يوجد داخل المعبد أيضاً مذبحٌ لتقديم الأضاحي وموقد للبخور، وربما عددٌ من الأعمدة الحجرية. وكانوا يعتقدون أن هذه الأخيرة هي بيوت الآلهة أو الأرواح. كذلك أقيمت في أعالي الجبال أعمدة حجرية ومذابح وسوارٍ من خشب (شبه عمود أو جذع شجرة منصوب) كمعابد في الهواء الطلق ("مرتفعات") تستطيع عامة الشعب التوجهإليها لتقديم القرابين أو للصلاة. وكانت الأعمدة (أو الأنصاب)، أحياناً، تمثل بعل، فيما تمثل السواري آشيراه (راجع تثنية 12: 3) وعند تقديم ذبيحة، كان الكاهن غالباً ما يتفحص أحشاء الحيوان المذبوح لكشف طالع العابد (راجع ديانة أشور وبابل). ومن الطرق الأخرى لكشف الطالع استطلاع النجوم ومناجاة أرواح الموتى والدخول في غيبوبة نبوئية. كذلك كان الكهان يُقصدون لشفاء المرضى بالصلاة والتعزيم. كانت تقدم للآلهة عادةً قرابين من الحيوانات والأطعمة. ويتضح من نهي بني إسرائيل عن تقديم الذبائح البشرية، ومن معلومات وردت في كتابات اليونان والرومان لاحقاً، أن هذه الممارسات كانت جارية، ولكن لا يتبين مدى انتشارها. وربما كانت طقساً يُمارس في مناسبات استثنائية، حين يُعتبر أن أقصى تضحيةٍ هي واجبة لتملق الآلهة كي تُبدي الرضى في تصرفها. ويبدو أن الإله "مولك" الذي يُذكر اسمه في سياق الذبائح البشرية كان واحداً من آلهة العالم السفلي. الديانة الكنعانية والدين اليهودي:هذا، وتتشارك اللغتان الكنعانية والعبرانية في عدة كلمات تُطلق على القرابين والكهنة وبعض الشؤون الدينية الأخرى. ثم إن هنالك أيضاً بعض التعابير المشتركة بينهما. فمن الواضح أن قسماً من الكلمات الدينية كان عاماً، غير أن الأفكار التي تدل هذه الكلمات عليها تختلف من مكان إلى آخرى. لاويين 18" 21؛ تثنية 12: 31؛ 2 ملوك 3: 27 كانت ديانة الكنعانيين مختلفة كلياً عن الدين اليهودي. فلم يُعثر في الديانة الكنعانية على أثرٍ لأي قانون أخلاقي شبيه بالوصايا العشر. ولا نعرف أي ذِكر للمحبة تجاه أي إلهٍ كنعاني، ويبدو أن العبادة الكنعانية لم تتضمن إلا النزر اليسير من الفرح والسرور. هذا من جهة؛ ومن جهةٍ أخرى فمعلوماتنا محدودة. إنما يجدر بنا أن نذكر أنه كان يُتوقع من الملوك أن يعتنوا بالفقراء والأرامل والأيتام. وقد واجه بنو إسرائيل تجربة قوية تُغويهم أن يوقروا الآلهة الموجودة في الأرض قبل دخولهم إليها، والمفترض أنها مسؤولة عن الخصب فيها. أضف إلى هذا أن عبادة الآلهة الكنعانية لم تكن تطلب من الإنسان مطالب صارمة وكثيرة كشأن الدين اليهودي بشرائعه وفرائضه المتنوعة. وقد سقط كثيرون من بني إسرائيل في هذه التجربة، فكانت النتيجة هي الانحدار التدريجي نحو الكارثة الموصوفة في سفري الملوك. فإن الله الحي الذي عبده بنو إسرائيل كان يطلب من الإنسان ولاءً مطلقاً لعزته. |