|
رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
الحياة اليوميَّة
عاش دائماً في الأرض التي يتحدث عنها الكتاب المقدس بدوٌ رُحل (متنقلون من مكان إلى آخر) وقومٌ حضر (حلوا في مواطن مستقرة). بناء البيوت:ولما دعا الله إبراهيم إلى ترك موطنه، استبدل بحياته المتحضرة والمستقرة في أور الواقعة بين النهرين نمط حياة شبه بدوي. فسكن في خيام من شعر المعزى. وكانت شُقق هذه الخيام ذات الخطوط السوداء والبنية تنسج من شعر المعزى بعد جزه، وذلك على نولٍ يُدقُ في الأرض بأوتاد. وكانت حلقات من خشب تثبت على طول الحافة وفي الوسط لتعلق على تسع دعائم في ثلاثة صفوف. وصف الدعائم الوسطي يرتفع نحو مترين، فيما يبلغ ارتفاع الصفيف المتطرفين أقل من ذلك قليلاً. كانت الخيمة تُصنع بنصب شقة طويلة من شعر الماعز بعرضٍ يناهز المترين. وكانت النساء يقمن بعمل شاق إذ ينصبن الخيمة ويثبتن الدعائم بحبال مشدودة. أما جوانب الخيمة العمودية فكانت تُسد بشقق من شعر المعزى أو حصر القش الصفيقة، ثم تقسم الخيمة إلى "حجرتين"، إحداهما عبارة عن رواقٍ مفتوح يُستقبل فيه الزوار، والأخرى تشكل خباءً مستوراً للنساء ومكاناً تُحفظ فيه المخزونات. ولم يكن مسموحاً أن يدخل هذا الخباء من الذكور الراشدين أحدٌ غير رب الأسرة. أما أرضية الخيمة فكانت تُفرش أحياناً بالحصر والبسط، ولكنها في الغالب كانت تترك أرضاً عارية. وكانت الخيام تُنصب مجموعات طلباً للأمان. وقلما خُصصت للنساء خيمة كاملة، إلا إذا كانت الأسرة غنية جداً. عاشت ذرية إبراهيم في خيام طوال مئاتٍ من السنين، أولاً في كنعان، ثم في مصر، ثم في البرية (الصحراء). ولما فتحوا كنعان، استولوا على المدن الكنعانية ورمموا خرائبها وقلدوا أهلها في أسلوب البناء. كان الفقراء في أزمنة العهد القديم يسكنون في بيوت صغيرة جداً، مؤلفة من غرفة مربعة ودار خارجية. وكان يبني البيوت جمعٌ من الجيران أو بناؤون مهرة ينتقلون من مكان إلى آخر. الحياة البيتية:وإذا بُني البيت على سهلٍ أو في وادٍ كانت جدرانه تُصنع من اللبن. وكان يمكن أن تُضاف الغُرف إلى جانب البيت أو كطبقة عُليا متى تُحسن وضع الناس وتطورت مهارة البناء. وكانت قطع لبن كبيرة جداً- نحو 53× 25× 10 سم- وتُصنع بواسطة قوالب خشبية. وبنو إسرائيل الذين استقروا في كنعان كان آباؤهم وأجدادهم قد أتقنوا صناعة اللبن لما كانوا عبيداً في مصر. يبدأ العمل بإحداث حفرة في الأرض تملأ ماءً وقشاً وخشب نخيلٍ مكسراً وقطعاً من الصدف والفحم. ثم يدوس العمال الخليط إلى أن يصير طيناً لزجاً يُفرغ في قوالب. وبعد ذلك توضع اللبن تحت الشمس لتجف، ومنها ما يُجفف في أتون فيصير أصلح ليُستعمل في الأساس. كذلك كان الطين يُستعمل لوصل اللبن بعضه ببعض ولتمليط الجدار المبني. فلا عجب إذا كان البيت يَكِف في الشتاء، ويسهل على اللصوص الدخول إليه بنقب جداره. أما في الجبال، حيث يتوافر حجر الكلس والبازلت، وعلى السواحل حيث يوجد الحجر الرملي، فكانوا يستعملون حجاراً شبه مربعة لوضع الأساس، ثم يبنون فوقها حجارة خشنة من الحجر أو اللبن جدراناً يبلغ ثخنها نحو 90 سمً. هذه الجدران الصفيقة يُمكن نقرها لإحداث مخازن. ومع تطور آلات الحديد المستعملة لتشكيل الحجارة صارت حجارة البناء أقرب إلى التربيع بعدما كانت في قديم الزمان متفاوتة الشكل. أما النوافذ فكانت قليلة وصغيرة وفي أعلى الجدار طلباً للبرودة في الصيف والدفء في الشتاء. ولم يكن لها زجاج، بل كانت تُشبك لإبعاد المتطفلين. وفي أيام البرد والمطر كانوا يستعملون ستائر صوفية لحفظ الدفء. وأما الأبواب فكانت أولاً من حصائر. ثم استُعمل لها الخشب والمعدن فيما بعد، إذ تطورت المهارات. وكانوا يصنعون السقف بوضع عوارض فوق جدارين متقابلين وفوقها عوارض أصغر منها على نحوٍ متصالب. أما نوع الخشب فحسب الحالة: الجميز للبيوت العادية، والسرو والأرز لمن تطول يده. ثم تضاف طبقات من أغصان الشجر والتراب والطين، وتُرص بواسطة محدلة حجرية طولها نحو 60 سم كانت تُترك على السطح. وغالباً ما كان العشب ينبت على السطوح بعد المطر، بحيث يصلح مرعىً للحملان والجداء. وكان المطر يُجر بواسطة قنوات مفتوحة ليُجمع في خزانات طُليت بملاط مصنوع من الرماد والكلس والرمل والماء، لتصير صامدة للماء. وأن يكون للمرء صهريج خاص لخزن الماء في أزمنة العهد القديم إنما هو أمرٌ يدل على علو الشأن، وإن لم يكن صحياً من كل وجه. وقد كان السطح جزءاً مهماً من البيت. وللصعود إليه كان الفقراء يستعملون سلماً من خشب. أما الأحسن حالاً فكانوا يبتنون وصلة درج من حجر تؤدي من الفناء إلى السطح. وكانوا يستخدمون السطح لتجفيف الفواكه والحبوب (خبأت راحاب الكشافين تحت عيدان الكتان التي كانت تجففها على سطحها- يشوع 2: 6)، كما كان السطح بارداً في العشايا الحارة. وأحياناً ما كانوا يُقيمون على السطح خيمةً من أغصان الشجر وينامون فيها على السطح. ولما تحسن فن البناء، شاعت إقامة الطوابق العُليا الثابتة، فالمرأة الغنية في شونم بنت للنبي أليشع عُلّية خاصة (2 ملوك 4: 10). وكانوا أحياناً ينصبون تعريشات لتمتد فوقها عرائش الكرمة. وإذا كان البيت مبنياً على منحدر جبل، كان سطحه يُستعمل أحياناً كبيدر صغير للتذرية. وكان من عادة أرباب الأسرة أن ينادوا من سطح إلى سطح بالخبر الذي يريدون تبليغه بعيداً عن ضجة الأزقة تحتهم. ولأن السطح كان جزءاً حيوياً من البيت، شدّدت الشريعة على وجوب تسبيح حافته لتوفير الأمان (تثنية 22: 8). وقد بُدئ ببناء السقوف ذات الآجر المزفت قبيل أزمنة العهد الجديد. أما داخل البيت فكان يُقسم قسمين، مثل خيمة البدوي. وخلال الشتاء تُدخل الحيوانات الأليفة إلى مساحة منخفضة قرب الباب. وكانت أرضية هذه الفسحة من التراب المرصوص. أما العائلة فكانت تشغل مسطحاً أعلى بعيداً من الباب. وكانوا يستخدمون شبه الحجرة الصغيرة المتكوِّنة تحت هذا المسطح لخزن الأدوات والأواني، وأحياناً لإيواء الحيوانات الصغيرة. أما أدوات الطبخ والثياب والأسِرَّة وتوابعها فتُحفظ فوق السطح. وأحياناً كانت أرضية البيوت تُرصف برقاق الحجارة. ولكن فن فرش الأرض بالفسيفساء لم يُطور قبل السنة 300 ق م. إلا أنه لم يلقَ ترحيباً، لأسبابٍ دينية. حتى إن الأرضيات الفسيفسائية الوحيدة التي وُجِدت في إسرائيل خلال أزمنة الكتاب المقدس كانت في قصر الملك هيرودس الكبير في ماسادا، وفي بعض بيوت الأغنياء في أورشليم. كيف كان شكل الحياة البيتية عند الأسرة التي تسكن البيوت العادية الصغيرة؟ كان البيت خلال الصيف يعج بالحشرات، وخلال الأيام الباردة يعبق بالدخان الصاعد من الموقد. ولم يكن يوجد موقد حقيقيٌّ، بل كانت النار تُضرم في حفرة صغيرة داخل أرض الغرفة. وإذا كانت الأسرة ميسورة الحال، كانوا يتدفأون حول كانون، ولكن المداخن لم تكن معروفة. الأثاث:وإذا اشتد المطر ودام، أخذ السقف والجدران تُسرّب الماء. وقد عرف كاتب الأمثال ما ينطوي عليه الوكف من إزعاج، فقال: "الوكف المتتابع في يوم ممطر والمرأة المخاصمة سيّان" (أمثال 27: 15). ولم تكن توجد تسهيلات للاستحمام، وكان بيت العاميّ مظلماً دائماً حتى اقتضى إشعال مصباح ليلاً نهاراً. وكانوا يضعون السراج على دعامة أو في مشكاة أو نتوء بالجدار في أبعد مكان عن الباب. على أنه من أيام سليمان أخذت تبرز طبقة من الأغنياء هوّنت عليها أمور الحياة. فانتشرت الغرف حول فناءٍ ذي أشجار وفرت الظلال والهواء البارد صيفاً. وبات ممكناً في الشتاء استخدام الغرف المعرضة للشمس أكثر من سواها. وقد بُني البيت كله على نطاق أوسع، واستُعملت الدعائم لدعم عوارض السقف. وباستعمال الدعائم، توفرت الأروقة والسقائف ذات الأعمدة. وهوذا النبي عاموس يتكلم عن "بيت الشتاء مع بيت الصيف" ضمن البيوت التي يتنعم بها الأغنياء (عاموس 3: 15). وفي الفترة الواقعة بين العهد القديم والعهد الجديد بدأ بعض الأغنياء أيضاً يُضيفون حمامات خاصة ذات مغاطس مثبتة في أرضيتها. (يُقال إن سرجيوس أوراتا اخترع حماماً ذات تدفئة مركزية ومسيل مياه ساخنة، وذلك نحو 70 ق م!) وفي أزمنة العهد الجديد كان للأغنياء في فلسطين بيوت بنيت على الطراز الروماني ولها فناءان مستطيلان أحدهما خلف الآخر، وحول كلٍّ منهما غرف عديدة. إن أهل الشرق، حتى اليوم، يملكون من الأثاث أقل بكثير مما نجده في بعض البلدان الغربية. أما الطراز، حتى عند الأغنياء، فهو بسيط وغير مركوم، لا يتعدى بعض البسط أو السجاجيد للأرض، وبعض المقاعد والطاولات الصغيرة وإحدى وسائل التدفئة للشتاء. أدوات الطبخ:وعلى مدى الأزمنة الموصوفة في الكتاب المقدس، لم يملك الفقراء إلا القليل من الأثاث والتجهيزات المنزلية، فكان "السرير" فراشاً رقيقاً محشياً صوفاً، يُمد كل مساءٍ فوق المسطح المرتفع من أرض الغرفة، حيث ينام أفراد الأسرة جميعاً تحت لحفٍ من شعر المعزى. وفي الصباح كانوا يطوون الفرش واللحف أو يضعونها بعضها فوق بعض في زاوية من البيت. وقد كان الأثاث الذي أعدته المرأة الشونمية للنبي أليشع أفضل من المعتاد، إذ اشتمل على سرير وطاولة وكرسي ومصباح (2 ملوك 4: 10). أما مائدة السفرة فغالباً ما كانت مجرد حصير من قش يُبسط فوق المسطح المرتفع. وفي بعض البيوت، إنما ليس كلها بالطبع، كانت بعض الكراسي المنخفضة التي لا ظهر لها تُستعمل للجلوس. وكان في كل بيتٍ خوابٍ من حجر أو طين يخزنون فيها علف الحيوانات ومؤونة العائلة. وقد خُصِّصت جرارٌ لخزن الدقيق وزيت الزيتون، وأوانٍ من فخار لحفظ الماء ونقله. وكانت توجد أيضاً أوانٍ وأوعية للطبخ وصحاف لتقديم الطعام. كانت رحى الطحن واحداً من أهم الأشياء في البيت. وهي مصنوعة من حجرين دائريين أحدهما فوق الآخر. وفي الأكبر، وهو الأسفل، وتدٌ يدخل فيه ثُقب الأصغر الذي كان يُدار فوقه. فكانوا يضعون الحبوب في الثقب المركزي، وتُدير امرأتان الحجر الأعلى بواسطة مقبض فيخرج الدقيق من الأطراف بين الحجرين. وما كان أصعب هذا العمل! وكانت تُضرم في أرضية الغرفة نارٌ للطبخ، في حفرة أو في موقد فخاري أحياناً. أما الوقود فمن الحطب والشوك والزبل المجفف. وما تبقى من أدوات الطبخ الأساسية لا يتعدى صاج الخبز المقعّر الذي يوضع فوق النار وحدبته نحو الأعلى، وقدر الطبخ التي توضع في النار فوق حجرين أو أكثر. المصابيح:كان المصباح أهم شيء في البيت، لأن البيوت كانت معتمة. وخلال فترة العهد القديم كانت المصابيح سُرجاً مؤلفة من صحنٍ فخاري مستطيل مقعر ذي شفة عند طرفه. فيُسكب الزيت في الصحن ويُمدُّ فتيلٌ مغموس فيه إلى شفته. ومثل هذا السراج يبقى مشتعلاً نحو ساعتين أو ثلاث ثم يحتاج إلى تعبئة من جديد. وفي أزمنة العهد الجديد كان الفخاريون قد تعلموا كيف يصنعون سرجاً مقولبة كإناء مقفل له ثقب صغير للزيت وأنبوبة للفتيل. فكان هذا أسلم وأفعل. أما الفتيل فكان في العادة خيوطاً من كتان أو نحوه، ووقود الإنارة الأكثر استعمالاً هو زيت الزيتون أو الدهن الحيواني، وكانوا في أزمنة العهد الجديد قد بدأوا يستخرجون الزيت من الحبوب والخُضَر الأخرى. وكانت السرج صغيرة بحيث يمكن للمسافر أن يحملها بيده. ولعل هذه هي الصورة التي كانت في ذهن ناظم المزمور لما قال: "سراج لرجلي ونور لسبيلي" (مزمور 119: 105). بضائع بيتية أُخرى:كانت المكانس التي تُستعمل للتنظيف تؤخذ من القش البري أو قش الذرة. وكانت تُحفظ مع الأدوات التي يحتاج إليها الأب في مهنته. وكانت معظم الجرار والأواني المستعملة يومياً تُصنع من الفخار. ولكن بيوت الأغنياء كان فيها أوانٍ مصنوعة من المعدن. وحتى أزمنة العهد الجديد كان يُستعمل الزجاج المشكل فوق قوالب والمصنوع في مصر. ونحو 50 م طُوَّر في سوريا فنُّ صناعة الزجاج بالنفخ. ولكن الزجاج ظل بعيداً عن متناول معظم الناس، وإن كان قد صار أرخص. ولم تكن في البيت العادي أوانٍ تعرض للزينة، إذ وظف الناس مهاراتهم الفنية في صنع الأدوات المستعملة يومياً وفي زخرفتها وتزيينها. الأغنياء:كان الأغنياء ينعمون بوسائل راحة إضافية: أسِرَّة عالية، طاولات، كراسٍ، مقاعد. وغالباً ما كانت هذه تُصنع من الخشب المصقول المنحوت والمطعم بالعظم أو العاج. وكانوا يستعملون لأسرّتهم الوسائد والحرامات الصوفية الناعمة، ويخزنون مزيداً من الثياب والملاءات في صناديق. وفي أزمنة العهد الجديد كان الناس يتناولون طعامهم على الطريقة الرومانية، وهم متكئون على مقاعد مثلثة حول طاولة مربعة. أما قصور الملوك فكانت تغصُّ بمظاهر العظمة والأُّبهة، أكثر من كل شيء آخر- من الملك سليمان الذي بنى قصره بحجارة منحوتة مصقولة وغلَّف الجدران بخشب الأرز، إلى الملك أخآب الذي بنى في السامرة قصراً ازدان بمنحوتات العاج وأفخر الأثاث، إلى الملك هيرودس الكبير الذي كان له قصرٌ صيفي ذو حدائق غنّاء في أورشليم وآخر شتوي في أريحا. راجع أيضاً البناء. |
|