|
رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
كلمة البابا دروس من الميلادتسعد وتفتخر وطني عبر مشوارها بما سطره فكر وقلم ذهبي الفم قداسة البابا شنودة الثالث بابا وبطريرك الكرازة المرقسية -ومن قبل الأنبا شنودة أسقف التعليم... القمص أنطونيوس السرياني -نظير جيد- واليوم نسعد ونفخر أن قداسته بالإضافة إلي مقاله الأسبوعي المنشور علي الصفحة الثانية خص قراءنا بمقال في عيد الميلاد المجيد... وعرفانا لقداسة البابا... أطال اله حياته سنين كثيرة وأزمنة سالمة مديدة. وطني دروس من الميلاد أحب أن أضع أمامكم حقيقة وهي: أن الله يريد لأولاده أن يفرحوا وأن تكون لهم أعياد. هذه الحقيقة يجدر بنا أن نتخذها مجالا للتأمل. لأن التأمل فيها يفرح النفس... عندما سلم الله الشريعة لموسي النبي, لم تكن شريعته مجرد وصايا, أوامر ونواه... وإنما وضع ضمن الشريعة أياما للفرح, أياما للأعياد. أراد فيها أن يفرح الناس ويعيدوا, وتكون عطلة مقدسة للرب, ومواسم للبهجة. فالله لم يقصد أن تكون كل وصاياه فروضا علي الناس, وإنما وصاياه هي لسعادتهم ونقاوتهم, ومعها وصايا أيضا لفرحهم وبهجتهم. نقرأ عن هذه المواسم المفرحة في سفر اللاويين, في الإصحاح الثالث والعشرين: حيث يقول وكلم الرب موسي قائلا: هذه مواسم الرب للمحافل المقدسة التي تنادون بها في أوقاتها (لا23:1-4). فالأعياد في الكتاب المقدس هي مواسم للرب... ليست للهو ولا للعبث, ولكنها للرب. إنها أيام فرح للناس. ولكنه فرح في الرب (في4:4). وأول عيد منحه الرب للناس, هو اليوم السابع, ويقول فيه ستة أيام يعمل عمل, وأما اليوم السابع ففيه سبت عطلة محفل مقدس, لا تعملوا... إنه سبت للرب (لا23:3).إنه يوم راحة, ولكنه أيضا يوم مقدس, يوم للرب, مخصص للرب وليس للعالم, لا تعمل فيه سوي عمل للرب. يوم العطلة هو في الإنجليزية Holyday A أي يوم مقدس قلبه الغربيون إلي End week. أي أنه مجرد نهاية للأسبوع وقد فصلوا عنه قداسته!! ولكنه في اليونانية لا يزال محتفظا بروحانيته, إذ يسمونه كيرياكي أي الخاص بالرب, أي يوم الرب. وهذا تعبير جميل, لأنه لماذا نسلب الرب في يومه في كل أسبوع من أسابيع حياتنا... ويتابع الرب في سفر اللاويين في ذكر الأعياد المقدسة. تلك التي كانت رموزا لأعياد العهد الجديد, أو كما قال الرسول كانت ظل الأمور العتيدة (كو2:16-17) فالسبت كان رمزا للأحد. والفصح كان رمزا لذبيحة المسيح. وعيد الخمسين كان رمزا لعيد البندكستي الذي هو يوم العنصرة. وما أسهل التأمل في باقي الأعياد الأخري ومعانيها الروحية معا لا مجال له الآن... وكانت للأعياد قديما طقوسها الدينية التي تمارس بها. علي اعتبار أنها أيام للرب... أمر الرب بها, ووضح طريقة ممارستها. وكل تلك الطقوس كانت لها معانيها الروحية ومقاصدها. ولذلك نحن لا نكتفي بتقديس يوم العيد, بالصلوات التي تقام في الكنيسة. إنما يجب أن نحرص علي أن تكون ليوم العيد قدسيته الكاملة... وأهم شئ في يوم العيد, أن نتذكر الدروس والمعاني الروحية التي يوحي بها إلينا, لكيما نكتسبها ونمارسها في حياتنا العملية. فما هي الدروس التي يقدمها لنا عيد الميلاد؟ إنها دروس كثيرة جدا بلا شك, من الصعب علينا أن نحصيها في مقال... ولكننا سنحاول هنا أن نركز علي بعض من دروس الميلاد نوجه إليها الأنظار, لكي نعرفها وندرب أنفسنا عليها عمليا, حتي تصبح جزءا من حياتنا العملية. وبهذا تظهر فاعلية عيد الميلاد في حياتنا. واعلموا أن احتفالنا بعيد الميلاد, ليس معناه الاحتفال بنهاية الصوم أو بمجرد تبادل التهاني والزيارات والمجاملات... إنما العيد الحقيقي, هو فرحنا بالرب, وببداية قصة الخلاص. وأيضا فرحنا باكتساب الفضائل التي يوحي بها هذا العيد... وإن لم نفعل هذا يكون فرحنا بالعيد مجرد فرح اجتماعي أو فرح جسداني. الدرس الأول الذي يقدمه عيد الميلاد هو الاتضاع. بعد أن تلقت السيدة العذراء بشارة الملاك لها, قالت في تسبحتها إن الرب نظر إلي اتضاع أمته (لو1:48). لم تنظر إلي نفسها كأم, وإنما كعبدة... بينما قالت لها أليصابات من أين لي هذا أن تأتي أم ربي إلي (لو1:43). بل فلنتأمل بالأكثر في اتضاع السيد المسيح الذي أخلي ذاته وأخذ شكل العبد, صائرا شبه الناس... ووجد في الهيئة كإنسان (في2:7, 8). حقا إن قصة ميلاد المسيح هي أروع درس في الاتضاع. وإن صورناها بغير هذا الاتضاع, تفقد عمق جمالها! فلنفكر إذن ونبحث عن كل ما هو ضد الاتضاع في حياتنا, لكي نتجنبه... الدرس الثاني لعيد الميلاد, وهو نابع أيضا من الاتضاع, هو عدم الاهتمام بالمظاهر: واضح أن السيد المسيح في يوم ميلاده, لم يهتم مطلقا بالمظاهر. وإلا فبماذا نفسر إرادته في أن يولد بمدينة صغيرة هي بيت لحم, وفي مكان حقير هو مذود بقر!! (لو2:7).وأيضا ميلاده في هدوء, بدون احتفالات! كان في إمكان المسيح أن يأتي إلي العالم في موكب علي مركبات الكاروبيم, وحوله السارافيم وطغمات الملائكة. ولكنه جاء إلي عالمنا بعيدا عن كل مظاهر العظمة, في يوم قارس البرد جدا. وفي موضع لا يسعد أحد بأن يولد فيه. فماذا نتعلمه من كل هذا؟ نتعلم أن قيمة الشخص -لا في مظاهره- بل في حقيقته فالعظمة الحقيقية ليست في أبهة المسكن: أين نسكن؟ أو كيف نسكن؟... وليست في الغني ولا في الاحتفالات, ولا في الأبهة ولا في الزينة, ولا في الإعلان عن الذات... إنما العظمة الحقيقية هي في نوعية وقدسية هذه الذات, وكيف تكون صورة الله. وقد كان الابن الوحيد هي صورة الله غير المنظور (كو1:15). وهو بهاء مجده ورسم جوهره (عب1:3). ولم ينقص قدره في شئ إنه ولد في مذود بقر. لذلك تدربوا يا إخوتي علي البعد عن المظاهر... ابحثوا عن المظاهر التي تقعون فيها تجنبوها. وابتعدوا عن الاهتمام بالمجد الباطل ومحبة مديح الناس. وكل الفضائل التي تمارسونها, اهتموا بعمقها الروحي لا بمظاهرها. الدرس الثالث لعيد الميلاد هو البساطة: إننا نلاحظ في مناسبة الميلاد أن بعض الناس قد اختارهم الرب, وأعلن لهم مشيئته... بينما هناك آخرون علي الرغم من وجهاتهم وعلو مراكزهم, لم يقع اختيار الرب عليهم, إذ لم تكن لهم بساطة القلب التي تتلقي الخبر في إيمان فتصدقه وتفرح به. أعلن الرب بشارة الميلاد للرعاة وأعلنها للمجوس. ولكهم سمعوا وفرحوا... والمجوس علي الرغم من علمهم, إلا أنهم ببساطة قلب ذهبوا إلي حيث ولد الصبي, وسجدوا له وقدموا هداياهم ذات الرموز. ولم يقولوا في قلوبهم: هل هذا المولود في مذود هو الملك؟! (مت2:11). حدث هذا, بينما لم تعلن البشارة لكثيرين آخرين كانت لهم مراكزهم الكبري في المجتمع اليهودي... بل إن رؤساء الكهنة وكتبة الشعب لما سمعوا بأمر المجوس, اضطربوا هم والملك هيرودس وجميع أورشليم معه (مت2:1-3). ولم يذهب أحد منهم إلي حيث كان الصبي. إذن هناك قلوب بسيطة مستعدة لقبول الرسالة... لذلك يعلن الرب لها. وهناك قلوب أخري غير مستعدة, وغير مستحقة, لعدم بساطتها وعدم نقاوتها... وهذه حتي إن وصلتها الرسالة, تقاومها ولا تستجيب. حقا إن أسرار الله إنما تعلن لقلوب معينة تفرح بها, مثل قلوب الرعاة والمجوس. إن أردت يا أخي أن تكون مستحقا لأن يعلن لك الرب أسراره, فليكن لك القلب البسيط, الذي لا يعقده الشك, ولايسيطر عليه العقل أكثر من الإيمان... إن المجوس مع كونهم حكماء, كانوا أيضا بسطاء لما أرشدهم النجم صدقوا. وكذلك صدقوا هيرودس في زعمه أنه سوف يذهب إلي الطفل ويسجد له! غير أنهم لما أعلن لهم الرب في حلم ألا يسلكوا حسب مشورة هيرودس. صدقوا الرب أيضا ولم يعودوا إلي هيرودس (مت1). ليتنا نسعي لكي تكون لنا بساطة الإيمان. لأن العالم المعاصر -بمدنيته وعلومه وشكوكه- قد أفقد الكثيرين بساطتهم. وأصبح من الصعب علي الناس أن يؤمنوا دون أن يروا (يو10:29). إن بساطة القلب, وبساطة الإيمان, كنز من الخسارة أن يضيع. وكثيرون لم تحدث لهم معجزات, مثلما حدث لغيرهم, لأن لم تكن في قلوبهم البساطة التي تصدق حدوث المعجزة. والبساطة ليست ضد الحكمة, فقد دعانا الله أن نكون حكماء وبسطاء في نفس الوقت (مت10:16). درس رابع من دروس الميلاد, وهو أن كل شئ يقع في ملء الزمان. لقد وعد الله بالخلاص منذ آدم وحواء (تك3:15) ولكن السيد المسيح لم يولد لأجل خلاصنا إلا في ملء الزمان (غل4:4-5). فليس لنا أن نستعجل الأوقات أو أن نحددها, إذ قال الرب ليس لكم أن تعرفوا الأزمنة والأوقات التي جعلها الآب في سلطانه وحده (أع1:7). إنما علينا أن ننتظر الرب, وننتظره في ثقة, حسب قول المزمور تقو وليتشدد قليك, وانتظر الرب (مز27:14). لا تجعل حمي السرعة تسيطر علي حياتك. لأن ذلك يوقعك في القلق,وربما تجعلك تلجأ إلي طرق بشرية غير روحية, كما أن شيطان السرعة يفقدك فضيلة الصبر وربما فضيلة الإيمان معها, بأن يوقعك في الشك. ليت الله يمنحنا صبرا, وسعة صدر تقبل الصبر. لكي لا نكون قلقين من جهة أمورنا ولكي لا نشك في مواعيد الرب, مهما بدا لنا أن الوقت قد تأخر! إن الخير الذي يريده الرب لنا, سيأتي في الوقت المناسب, حسب حكمة الله في اختيار الأوقات. لا تقل أين يحدث هذا أو متي... وإنما انتظر الرب... تقو وليتشدد قلبك وانتظر الرب... وكن واثقا أن كل شئ سيتم في حينه الحسن, في ملء الزمان في الموعد الذي يحدده الرب. فإن تدربنا علي هذه الفضيلة, لابد أن الطمأنينة ستدخل إلي قلوبنا. هناك دروس أخري كثيرة ننالها من عير الميلاد. وقد كتبنا لكم كتابين في هذا الموضوع هما من وحي الميلاد وتأملات في الميلاد إنما المهم ليس فقط أن تعرفوا هذه الدروس, وإنما أن تدربوا أنفسكم علي جعلها جزءا من حياتكم... بهذا تكون للعيد فاعلية فيكم... فهذه هي رسالة العيد. ادخلوا إذن في روح المناسبة... اكتشفوا روحياتها, وطبقوها في حياتكم. وقولوا لأنفسكم في كل عيد: ماهو الدرس الذي يريد الله أن يعطينا إياه في هذه المناسبة المقدسة؟ ما هي رسالة الله إلينا؟ ولا تجعلوا يوم العيد يمر عليكم مرورا عابرا دون أن يكون له تأثير روحي في حياتكم. اشعروا أن العيد قد أحدث في حياتكم تغييرا إلي الأفضل, وكانت فيه دفعة قوية قربتكم إلي الله. وليكن فرحكم فيه فرحا روحيا... فالعيد أرسله الله لتكون لكم حياة ويكون لكم أفضل (يو10:10) |
|