الجن بين الحقيقة والأسطورة
ترجمت كلمة أوب " العبرية فى الترجمات العربية للكتاب المقدس تارة بمعنى " جان " وتارة بمعنى " تابعة " وعلة ذلك أن اللغة العربية وفيرة بالمسميات الدالة على هوية الأرواح وعملها بتعبيرات مباشرة. فالكلمات " جان " و" تابعة " هى أسماء تطلق على الروح النجس الذى يساكن الوسيط أو الساحر أو العراف رجلا كان أو امرأة ليمنحه قدرات شيطانية معينة.
والكلمة " جان " ومفردها " جنى " فارسية الأصل وتعنى روح وقد وردت هكذا فى كتاب زرادشت المسمى " فيستا " وقد أخذ العرب الاسم منهم إلا أنه ارتبط بالشياطين باعتبارها قوات مستترة تحت أرضية تنتمى إلى جنس الملائكة.
والتابعة عند العرب هو القرين وهو شيطان من الجن يسكن الوسيط ويمنحه عرافة وسحر.
والعفاريت عند العرب هى من شياطين الجن التى تنتحل شخصية أو هيئة الموتى, وكثيرا ما تظهر كأشباح أو أطياف أو أخيلة.
ويعتقد العرب أن إبليس كان من ملائكة الجن وفى هذا يقول الأعشى الذى صور معتقد العرب فى الجن باعتبارهم من الملائكة بقوله:
وسخر من جن الملائكة سبعة قياما لديه يعملون بلا أجر
ويقول جرير فى الخليفة عمر بن عبد العزيز:
رأيت رقى الشيطان لا تستفزه وقد كان شيطانى من الجن راقيا
ويعتقد العرب أن ملائكة الجن خلقت من نار وهذا توافقه كلمة الله القائلة:
" الصانع ملائكته رياحا وخدامه لهيب نار " (العبرانيين 1: 7).
ونرى أن المقصود بالجن أصلا هم ملائكة الكروبيم وهم النوع الملائكى الذى سقط منهم الشيطان وقواته وطرحوا إلى الأرض.
ثم مع الوقت اقتصر اسم الجان على الشياطين باعتبارها كائنات غير منظورة تقطن باطن الأرض.
ثم فى تطور لاحق وتحت تأثير تعاليم السحرة والعرافين ساد الجزيرة العربية الإعتقاد بأن بعضا من شياطين الجن خير وأن البعض شرير. متناسين أن ملائكة الجن ومنهم إبليس قد طرحوا إلى باطن الأرض بسبب تمردهم على الله وأن ليس لهم توبة وأنهم مقيدون تحت الظلام بقيود أبدية تحت دينونة اليوم العظيم.
أيا كان الأمر فإن للعرب معتقدات متناقضة ومتضاربة مرتبطة بالجن ففى حين يعتقد البعض معتقدنا بأنهم شياطين وأنهم ملائكة ساقطين استوطنوا باطن الأرض بعد طرحهم من السماء.
يرى البعض الآخر أنهم خليقة ثالثة غير الملائكة والبشر ويرتبط بهذه العقيدة الأخيرة معتقدات خرافية بأنهم يزوجون ويتزوجون ويتناسلون كالبشر وزعموا إمكانية زواجهم من الإنس فيما يعرف بالمخاوة بين القرين من الجن وقرينته من الإنس أو العكس وحدوث معاشرات زوجية بينهما.
وهذه العقائد تخالف الحق الكتابى لأن أصحاب الأجساد النارية الروحانية لا يأكلون ولا يشربون (رومية 14: 17) ولا يزوجون ولا يتزوجون (لوقا 20: 34 – 36) إذ ليس فيهم ذكور وإناث وبالتالى لا يتناسلون. لأن الأكل والشرب والزواح والتزاوج هى من سمات أصحاب الأجساد الترابية الحيوانية لا النارية الروحانية.