منتدى الفرح المسيحى  


العودة  

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  رقم المشاركة : ( 1 )  
قديم 20 - 05 - 2012, 07:41 AM
الصورة الرمزية Magdy Monir
 
Magdy Monir
..::| VIP |::..

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو
  Magdy Monir غير متواجد حالياً  
الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 12
تـاريخ التسجيـل : May 2012
العــــــــمـــــــــر : 57
الـــــدولـــــــــــة :
المشاركـــــــات : 51,017

مزامير المصاعد


مزامير المصاعد



مزامير المصاعد (120 - 134) هي الترانيم التى كان الشعب القديم يشدو بها أثناء ترحاله فى طريق الحج إلى أورشليم وقت الأعياد، وفي الترجمة السبعينية (ترجمة العهد القديم إلى اللغة اليونانية)، يرد عنوان هذه المزامير : ترانيم الدرجات أو المراقى. لقد كان الشعب اليهودي يُعَيِّد ثلاثة أعياد كبرى فى السنة:

1- عيد الفصـح : وفيه يجددّون ذكريات خلاص الله العظيم لهم حينما كانوا مستعبدين في أرض مصر.
2- عيد الخمسين : ويجدّد الشعب خلاله ذكريات تكريسهم للعهد.
3- عيد المظـال : وفيه يجدّد الشعب فرحه ووحدته.

فى الطريق الطويل ، المرتفع جغرافياً، إلى الربوة العالية المقامة عليها مدينة أورشليم كان الشعب يسترجع الذكريات الجميلة، ذكريات معاملات الله العظيمة معه (خر 23 : 14-17، 34 : 22 - 24). وهذه الرحلة ربما تعنى لنا اليوم الصعود في سياحتنا المسيحية نحو الله من مجد إلى مجد (في 3 : 14). إنها تجسيد لرحلة الإيمان للفرد والشعب التى تذكرنا دائماً بـ :
- من نحن.
- إلي أين نحن ذاهبون (إش 2 : 3 ، 30 : 29).

على طريق الصعود نرتفع، ليس فقط على المستوى الجغرافى، بل أيضاً على المستوى الروحي والفكري والمعنوي ... وإلي المدينة السماوية التى صانعها وبارئها الله نتفكّر بهذه المعاني : إننا الشعب المفدى الذي تمتع بالخلاص، وشعب الطاعة المدعو لحفظ العهد ، والشعب الذى اختبر البركة والفرح.

في هذه المزامير، نجد كل احتياجات الطريق. لنا فيها أغانى مبهجة ومنعشة تُدخل السرور إلى القلب المشتاق للوصول، وكذلك لنا فيها الجانب العملي الذي يشبه الدليل أو الخريطة التي ترشد المسافر إلى وجهته الصحيحة. إنها كالعلامات الإرشادية على طريق سياحتنا المقدسة.

قد نرى هذه المزامير كآثار . وقد ننظر إليها كذلك على أنها آثار خطوات، فالآثار تشير إلى البعد التاريخي لهذه المزامير، ووقع الأقدام يذكرنا بمكان التحرك الصحيح بعيداً عن المزالق والمعاثر.

بعض الملاحظات على هذه المجموعة من المزامير :
1- هذه المجموعة تشبه سفر المزامير فى مجموعه، لأن السفر ينتهى ببركة وتمجيد، ونفس التمجيد يظهر فى نهاية مزمور 134.
2- البعض يقسّم سفر المزامير إلى خمسة أجزاء ويقسّم هذه المجموعة أيضاً إلى خمسة أجزاء كل جزء عبارة عن ثلاثة مزامير.
3- يقول بعض الشرّاح إن هذه المزامير كانت تتغنى بها الفرقة الموسيقية المختصّة بالغناء فى الهيكل، وهى تقف على درجات السلم الذى يفصل بين الدار الداخلية والدار الخارجية.
4- البعض الآخر من المفسرين يقول إن سرّ تسمية مزامير المصاعد بهذا الاسم، هو أن كل ترنيمة تسير فى تكوينها سيراً تصاعدياً، بحيث أن كل عدد يكمّل العدد الذى يليه، وهكذا إلى أن تصل الترنيمة إلى قمتها فى النهاية على طريقة القصائد.

القسم الأكبر من الدارسين يقول بأن الشعب كان يرددها وهو فى طريق صعوده إلى بيت الرب فى الأعياد اليهوديّة الكبرى

رد مع اقتباس
قديم 20 - 05 - 2012, 07:42 AM   رقم المشاركة : ( 2 )
Magdy Monir
..::| VIP |::..

الصورة الرمزية Magdy Monir

الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 12
تـاريخ التسجيـل : May 2012
العــــــــمـــــــــر : 57
الـــــدولـــــــــــة :
المشاركـــــــات : 51,017

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو

Magdy Monir غير متواجد حالياً

افتراضي

مزمور 120
محنة الغربة

1 إِلَى الرَّبِّ فِي ضِيقِي صَرَخْتُ فَاسْتَجَابَ لِي. 2يَا رَبُّ نَجِّ نَفْسِي مِنْ شِفَاهِ الْكَذِبِ مِنْ لِسَانِ غِشٍّ. 3مَاذَا يُعْطِيكَ وَمَاذَا يَزِيدُ لَكَ لِسَانُ الْغِشِّ؟ 4سِهَامَ جَبَّارٍ مَسْنُونَةً مَعَ جَمْرِ الرَّتَمِ. 5وَيْلِي لِغُرْبَتِي فِي مَاشِكَ لِسَكَنِي فِي خِيَامِ قِيدَارَ! 6طَالَ عَلَى نَفْسِي سَكَنُهَا مَعَ مُبْغِضِ السَّلاَمِ. 7أَنَا سَلاَمٌ وَحِينَمَا أَتَكَلَّمُ فَهُمْ لِلْحَرْبِ

الحياة رحلة يسافر فيها الإنسان من العالم إلى الأبدية، والحياة المسيحية على وجه الخصوص هى نوع من السياحة أو السفر إلى الله. يبدأ الإنسان هذه السياحة حينما يسمع دعوة الله له لأول مرة فيتجاوب مع الصوت الإلهى بقبول المسيح مخلصاً ورباً، وعندئذٍ تتحول الحياة من رحلة سياحة عادية إلى رحلة سياحة يختبر فيها حضور ومعيّة الله، أو لنَقُلْ رحلة سياحة إلى الله من خلال المسيح، الذى قال - بصدق - عن نفسه : " أَنَا هُوَ الطَّرِيقُ وَالْحَقُّ وَالْحَيَاةُ. لَيْسَ أَحَدٌ يَأْتِي إِلَى الآبِ إِلاَّ بِي " (يو 14 : 6). ولعل هذا هو سبب تسمية المسيحية بـ "الطريق" فى سفر الأعمال. لذلك فحينما ندخل المسيحية نحن ندخل الطريق، فالمسيحية إذن هى نوع من "السَفَر" أو "الخروج"، لأنها تحرك دائم نحو الآب .. نحو السماء

ومزمور 120 هو أول مزامير السياحة الخمسة عشر. يبدو هذا المزمور شخصياً بدرجة كبيرة حتى إن البعض اعتبره غريباً عن مزامير المصاعد. لكننى أرى أنه بداية موفقة لأنه يعبّر عن مشاعر الحجاج وهم فى بلاد بعيدة غريبة، وهم يبدأون الآن الرحلة إلى أورشليم

وإذ نقرأ هذا المزمور بعناية نكتشف أنه ليس أغنية فَرِحَة، بل بالأحرى صرخة يبدأها المرنم بالتعبير عن ضيقه (1) وتنتهى بالحرب (7). لكنها - على كل حال - صرخة أمينة وضرورية. فى هذه الصرخة نرى ثلاثة أشياء :

1- الطلب إلى الله (1و2)
يبدأ المرنم صراعه فى ضيقه باسترجاع واستعادة صرخته إلى الله. فيقول فى (1) " إِلَى الرَّبِّ فِي ضِيقِي صَرَخْتُ فَاسْتَجَابَ لِي". وهذا الاختبار المشجع دفعه إلى تكرار طلبه فى (2) "يَا رَبُّ نَجِّ نَفْسِي مِنْ شِفَاهِ الْكَذِبِ مِنْ لِسَانِ غِشٍّ". هنا نرى شخصاً يتعرض لحملة من الافتراءات والأكاذيب والغش، لذا نشعر وكأن المرنم ينزف من الألم والصدمة والإحباط والظلم. ويقول بعض المفسرين إن المناسبة التاريخية التى تعبّر عنها هذه الكلمات هى حملة الوشاية والافتراءات السامرية التى وُجِهت ضد اليهود أثناء إعادة بناء الهيكل والأسوار (عز 4 ، نح 4: 1 - 15، 6 : 1 - 14). وقد يكون هذا التخمين صحيحاً، لكن من المؤكد أيضاً أن هذه الكلمات يمكن أن تعبر عن حالة شخص أو جماعة تشقى بالغربة فى مجتمع مختلف، ممتلىء بالكذب والافتراء والخداع كجو عام. وبالتالى تصرخ هذه الجماعة إلى الله صرخة إنقاذ : "يَا رَبُّ نَجِّ نَفْسِي مِنْ شِفَاهِ الْكَذِبِ مِنْ لِسَانِ غِشٍّ"

2- العقاب للأعداء (3و4)
فى هذين العددين نجد الاستجابة لطلب المرنم .. وغريب أن الإجابة تأتى فى صورة سؤال ! يقول : "ماذا يعطيك وماذا يزيد لك لسان الغش؟". صحيح أن الكذاب يجرح الأمناء، لكنه ورغم ذلك لابد أن يتحطم بسهام أقوى من أكاذيبه هى سهام الله (الجبار) المسنونة، سهام الحق. ولابد أن يواجه المفترىِ الدينونة والعقاب. "مع جمر الرتم" ويقصد بها قطع أشجار الرتم المتفحمة رمز الدينونــة (مز 140 : 1و3و9 - 11، مز 64 : 1-8).
نعم .. إن الخطية خاطئة جداً وأول ضحاياها هو الخاطىء نفسه. وهكذا تَصْدُقُ من جديد كلمات الحكيم : "أيأخذ إنسانُُ ناراً فى حضنه ولا تحترق ثيابه ؟ أو يمشى إنسان على الجمر ولا تكتوى رجلاه؟" (أم 6 : 27و28)

3- المأزق (5 - 7)
يواصل المرنم صرخته ليعبر عن المأزق الذى يعيش فيه، مأزق الإحساس العميق بالغربة والوحدة. ليس فقط جغرافياً بمعنى أنه يسكن وسط وثنيين غرباء يرمز إليهم بماشك (سكان السهل أقصى شمال وغـرب إيـران وأرمينيـا الآن) وكـانـت ضمـن آسيـا الصغـرى (تــك 10 : 2 ، حز 32 : 26و27، 38 : 1، 39 :1)، وقيدار (منطقة من الصحراء السورية جنوب دمشق) (تك 25: 13، إر 2 : 10 ، 49 : 28 – 30). لكنه أيضاً يشعر بالاغتراب معنوياً وروحياً لأنه يسكن وسط مجتمع مختلف عنه فى أساليب التفكير وأنماط الحيـاة وفى الدوافع والاتجاهات والأهداف، فيضيف فى (6و7): "طال على نفس سكنهـا مـع مبغـض السلام. أنا سلام وحينما أتكلم (مهما حاولتُ أو فعلتُ) فهم للحرب". يا له من شعور قاسى بالغربة الشديدة جداً يؤكد قوله فى (5) : "ويلى لغربتى فى ماشك لسكنى فى خيام قيدار".


معاني كلمات

ماشك
اسم سامي ومعناه "طويل" أو "ممتد"، وهو: أحد ابناء يافث بن نوح السبعة (تك 10: 2).
الإشارة الوحيدة في سفر المزامير إلي "ماشك"، هي إشارة رمزية "فماشك وقيدار" يمثلان المجتمع الشرير الذي يعيش في وسطه المرنم (مز 120: 5).
كان ورود أول ذكر لشعب ماشك في التاريخ المدني في كتابات تغلث فلاسر الأول، ملك أشور في نحو 1100 ق. م. فيقول ملك أشور إنه حارب خمسة من ملوك "موشكي". ومع أنه يدعي أنه انتصر عليهم، إلا أنه من الواضح أنه وجد منهم مقاومة شديدة.

قيدار
كلمة سامية معناها "أسود أو داكن البشرة". وهو اسم الابن الثاني من أبناء إسماعيل بن إبراهيم (تك 25 : 13). وهو جد القبائل العربية التي يطلق عليها هذا الاسم في النبوات الكتابية من عصر سليمان إلى زمن السبي البابلي.
والصورة التي يقدمها لنا الكتاب المقدس عن قيدار هي صورة شعب من البدو لم يكونوا يعبدون الرب. ولكن إشعياء يتنبأ بأنهم سيكونون من الشعوب التي ستستمتع في المستقبل بملكوت الله (إش 42 : 11)

رتمة
الرتمة من أشهر الشجيرات في صحراء فلسطين وجنوبها حتى سيناء. ومع أنها لا تلقى ظلالاً كثيفة على الأرض إلا أنها تستخدم كملاذ يلتجئ إليه المسافر احتماء من قيظ حرارة الشمس، فنقرأ عن إيليا: " ثم سار في البرية مسيرة يوم حتى جاء وجلس تحت رتمة" (1 مل 19 : 14).
وتستخدم جذور الرتم وجذوعه في إنتاج نوع جيد من الفحم يعطي طاقة حرارية كبيرة. وتستخدم أغصان الرتمة في صنع نوع من المقشات.
وتوجد شجرة الرتم بوفرة في جنوبي فلسطين وشبه جزيرة سيناء. وأغصان الرتمة رفيعة وطويلة وأوراقها قصيرة تعطي ظلاً ضئيلاً متفرقاً وزهورها بيضاء أو صفراء. والقيمة الغذائية للرتم كعلف للماشية ، ضعيفة ولا تستخدم إلا في حالات الحاجة الشديدة


  رد مع اقتباس
قديم 20 - 05 - 2012, 07:44 AM   رقم المشاركة : ( 3 )
Magdy Monir
..::| VIP |::..

الصورة الرمزية Magdy Monir

الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 12
تـاريخ التسجيـل : May 2012
العــــــــمـــــــــر : 57
الـــــدولـــــــــــة :
المشاركـــــــات : 51,017

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو

Magdy Monir غير متواجد حالياً

افتراضي

مزمور 121
مخاطر الطريق ومصادر المعونة

1أَرْفَعُ عَيْنَيَّ إِلَى الْجِبَالِ مِنْ حَيْثُ يَأْتِي عَوْنِي. 2مَعُونَتِي مِنْ عِنْدِ الرَّبِّ صَانِعِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ. 3لاَ يَدَعُ رِجْلَكَ تَزِلُّ. لاَ يَنْعَسُ حَافِظُكَ. 4إِنَّهُ لاَ يَنْعَسُ وَلاَ يَنَامُ حَافِظُ إِسْرَائِيلَ. 5الرَّبُّ حَافِظُكَ. الرَّبُّ ظِلٌّ لَكَ عَنْ يَدِكَ الْيُمْنَى. 6لاَ تَضْرِبُكَ الشَّمْسُ فِي النَّهَارِ وَلاَ الْقَمَرُ فِي اللَّيْلِ. 7الرَّبُّ يَحْفَظُكَ مِنْ كُلِّ شَرٍّ. يَحْفَظُ نَفْسَكَ. 8الرَّبُّ يَحْفَظُ خُرُوجَكَ وَدُخُولَكَ مِنَ الآنَ وَإِلَى الدَّهْرِ

كاتب مزمور 121 استطاع أن يجد رفيق الرحلة الذى يقتسم معه الظلال، كما يقتسم معه النور والبريق فى نفس الوقت. إن هذا المزمور من أجمل أغنيات السياحة وفيه يواجه المرنم مخاطر الطريق، لكنه يرفع عينيه ليكتشف مصادر المعونة.


ويقول المفسرون إن هذا المزمور عبارة عن حوار، لكنهم انقسموا إلى آراء مختلفة حول هذا الحوار :

1- قال البعض إنه حوار بين الإنسان ونفسه : "أرفع عينّى إلى الجبال .. ترى من أين يأتى عونى؟". إنه حوار النفس، وما أكثر المرات التى نجرى فيها حواراً مع أنفسنا عبر رحلة الحياة، وعندما ننظر إلى ثقل المسؤوليات وإلى مخاطر ومخاوف الطريق.. نرفع عيوننا إلى أعلى ونقول : ترى من أين يأتى عوننا؟ هل نستطيع السفر؟ هل يمكن أن نستكمل المسيرة؟ هل ننجح فى إنجاز الأهداف التى وضعناها أمام عيوننا؟ من أين يأتى العون.. إنه الحوار مع النفس .

2- هناك رأى يقول إنه حوار بين متعبد وكاهن فى هيكل العبادة. لكن هذا الرأىّ لا يتفق كثيراً مع تسلسل هذه المجموعة من الأغنيات، لأن السائح مازال فى بداية رحلته، لم يصل بعد إلى أورشليم أو الهيكل.


3- رأىّ ثالث يقول إنه حوار بين مجموعة المسافرين وبين قائد الرحلة. كتعبير عن الغناء الفردى والجماعى (واحد يغنى وباقى المجموعة ترد عليه) وهذا الرأىّ هو أكثر الآراء ترجيحاً.


ولقـد اختــلف علمـاء الكلمـة المقدسـة حول المقصود بـ "الجبال" (1)، قال البعض إن هذه الجبال كانت مأوى اللصوص وقطاع الطرق، الذين يكمنون للحجاج وينقضّون عليهم فجأة ويسلبون أموالهم وأمتعتهم ويهددون حياتهم. وبذلك ينظر الحاج إلى الجبال بأخطارها ويتسـاءل : من أين يأتى عونى وقت الخطر الشديد؟


لكن البعض الآخر قال إن المرنم لا ينظر إلى الجبال كمصدر تهديد وخوف، بل كمكان للحماية والمـــلاذ، فهنـاك على قمم الجبال وضعت "أكشاك" لحراسة الحجاج والمسافرين وإمدادهم بالإسعافات الأولية فى حالة الإصابات. والمرنم حين يقول فى ترجمة أخرى : "أرفع عينّى إلى الجبال نحو هناك حيث يأتى عونى" فإنه يقصد أن الحارس البشرى قد يترك نوبتـه أو ينام من التعب، قـد يفـشـل فى أداء واجبه فى الحراسـة والإنـقاذ، لكن الرب خلـف هذا الحارس: "إنه لا ينعس ولا ينام حافظ إسرائيل" (4).


والمزمور يبدأ بتساؤل كأنه مرثاة، تعبّر عن حالة من عدم الاستقرار، والخوف، والقلق، بشأن متغيرات الحياة، لكنه يعرض هذه المتغيرات فى نور إيمانه بالإله الحافظ. ويستخدم المرنم بمهارة القمم وتكرار التوازيات كالموسيقى الذى يُخْرج من فكره عملاً غاية القوة والجمال. يرتكز هذا العمل فى كل أجزائه على وعد يتزايد ويرتفع إلى أن يصل إلى قمته فى النهاية.

وهكذا من جيل إلى جيل أمدّت كلمات هذا المزمور شعب الله بعون كبير وثقة فى وقت الأزمات، وكانت إلهاماً دائماً فى الحياة والعبادة.

ويمكننا أن نجد فى هذا المزمور ثلاث أفكار رئيسية :


1- الخالق المعين (1 و2) :

"أرفع عينّى إلى الجبال من حيث يأتى عونى، معونتى من عند الرب صانع السموات والأرض".
لقد كانت الرحلة إلى أورشليم تضطر المسافرين إلى السير والمبيت فى أماكن صحراوية جافة بين الجبال المحيطة بها (مز 125 : 2) والمليئة بالأخطار.
والسؤال : لماذا ينظر المرنم إلى الجبال ويتساءل من أين يأتى العون؟ هل ذلك تعبير عن حالة الخوف والقلق وعدم الاستقرار، أم تعبير عن عدم الإحساس بالأمان فى ظل الحارس البشرى؟ هل الجبال مصدر تهديد أم مصدر سلام؟ هل هناك أكشاك للحراسة ونخشى عدم قدرتها على فرض الأمان بسبب الأخطار (مز 11 : 1 - 3) ؟ هل تذكرنا هذه الكلمات بعبادات الوثنيين فوق المرتفعات أو عبادة الشمس والقمر؟
الاجابـة : "معـونتى مـن عنـد الرب صـانع السموات والأرض" (2). (إر 3 : 23، مز 33 : 13- 22، أم 15 : 3، رو 8 : 35 - 39، عب 4 : 13).
إن المرنم بهذه الكلمات ينظر إلى ما وراء الجبال والكون. إنه يتخطى المنظور ليرى الله خلف الجبال. إنه صاحب الرحلة ومصدر القوة والمعونة التى تصل فى حينها. إن المرنم يريد أن يقول : لا تضعوا قلوبكم على الخليقة ولا تتكلوا عليها ، بل وجهوا أنظاركم إلى السيد الخالق فهو لا يمكن أن يتخلى عن عمل يديه. إن كل الأفكار التى سبقت المسيحية قالت إن هناك قوة مجهولة أوجدت هذا الكون. وحينما ارتقت هذه الأفكار قالوا إن هناك خالق أوجد الكون وخلقه ثم تركه لنواميسه الطبيعية وهو الآن لا علاقة له به. لكن المسيحية جاءت لتعلن أن خالق هذا الكون مازال يحميه ويرعاه فى كل يوم . لذا فنحن نقرأ كثيراً فى العهدين القديم والجديد العديد من الأغانى التى تربط بين الخليقة وبين العناية. (إش 44: 1 - 5)

2- الرفيق الساهر (3 و4) :

يُعتقد أن عدد 3 جاء فى الأصل العبرى فى شكل سؤال أو استفهام، أو كتعبير عـن أمنية أو رغبة قلبية. "ليته لا يدع رجلك تزل، ليته لا ينعس حافظك" (3). وفكرة نوم الإله فكرة موجودة فى العهد القديم (مز 35 : 23 ، 44 : 23 ، 59 : 5) لذا نقرأ كثيراً تعبيرات "استيقظ يارب. انتبه يارب .." وكأن الإله يمكن أن يغفل أو ينام. ولقد استخدم إيليا هذه الصورة ساخراً من البعل وأنبيائه فى 1مل 18 : 27 قائـلاً لهم: "أدعوا بصوت عال لأنه إله! لعله مستغرق أو فى خلوة أو فى سفر! أو لعله نائم فينتبه!".
وتأتى الإجابة فى (4) :"إنه لا ينعس ولا ينام حافظ إسرائيل". قد ينعس الحارس لكن الله لا ينعس ولا يـنام . إنه الرفيق الساهر كل الرحلة، وهو كما قال عنه الرسول بولس بصدق : "عن كل واحد منا ليس بعيداً". (أع 17 : 27). إنه لا ينام ولا يترك خدمته، بل يعمل عمله ليس فقط للحراسة بل لتقويتنا وتجديد قوانا. إنه مستعد دائماً للإنقاذ، ويسير معنا فى كل ظروف الحياة وفى كل مراحل العمر المختلفة. إنه هو الذى بدأ الرحلة معنا وهو الذى ينتظرنا بنفسه فى نهايتها.

3- الرب الحافظ (5-8) :

فى تدرج واضح : يتحدث أولاً عن الخالق المعين وثانياً عن الرفيق السائر وأخيراً عن الرب الحافظ. إن الرب يحفظنا من مخاطر كثيرة. فهناك أولاً مخاطر قوى الشر والغدر، وهناك ثانياً مخاطر الطبيعة ممثلة فى الشمس والقمر. وقديماً كانوا يعتقدون أن هناك شيطاناً داخل الشمس وآخر داخل القمر. وهذا الشيطان هو الذى يتسبب فى أذية الناس لأنه وكيل الشر (إش 24 : 23). وهو الذى يسبب تغيّر الفصول المناخية مما يهيج أعصاب البشر ويثير أحاسيسهم بشكل قد يؤدى إلى الجنون.
هذه الأفكار الكثيرة المغلوطة والغريبة كانت تسيطر بقوة على أذهان الناس، وقد قادهم ذلك لعبادة إله الشمس وعبادة إله القمر الذى يكفيهم شر شيطان القمر. لكن المرنم بإزاء مثل هذه المخاوف يقدم حقيقة جامعة مانعة "الرب حافظك"، ثم يقدم لنا تفصيلات هذه الحقيقة المفرحة، إذ يقدم وعوداً للحفظ والحماية والعناية والمعونة. ويلاحظ فى هذه الوعود تكرار كلمتين هما (الرب والحفظ).

هكذا يبدأ المرنم بيقين جامع مانع

"الرب حافظك" يقين الدفاع والحماية
"الرب ظل لك عن يدك اليمنى" الستر والهيبة (عدد 14 : 9).
لذلك "لا تضربك الشمس فى النهار ولا القمر فى الليل" الحفظ الدائم ليلاً ونهاراً.
"الرب يحفظك من كل شر . يحفظ نفسك". الرب يحفظك من الشر المادى المحيط بك : الشمس والقمر، ويحفظ نفسك ومعنوياتك وإنسانك الداخلى فلا تخور ولا تنهار.
إنه يجعلك فوق الظروف والأحداث، لذا فحتى فى وقت هزيمتنا لا نخور ولا نستسلم، بل نصمد بمعونته ونكمِّل حياتنا فى ظل هذه المعونة.
"الرب يحفظ خروجك ودخولك. من الآن وإلى الدهر".
* الرب يحفظنا خلال أنشطتنا اليومية. وهذه العبارة "خروجك ودخولك" تعنى :
* الرب يحفظك من بداية اليوم (خروجك) إلى نهايته (دخولك مرة أخرى إلى بيتك).
* الرب يـحفظك خلال رحلة العمر كلـه. (خروجك من العالم ودخولك للأبدية).

ونحن فى رحلة الحياة يمكننا أن نستمتع بملء اليقين والإيمان أن الله سيحفظنا.. إنه يحفظ سلامتنا طوال الرحلة، وهو الضامن لها منذ البداية : منذ قبولنا للمسيح وبداية سياحتنا المقدسة، وحتى النهاية : حينما نصل بسلام إلى بيتنا الأبدى حيث نستمتع برفقته دون فراق. ألا يستحق كل ذلك أن نعطيه وحده كل المجد؟



  رد مع اقتباس
قديم 20 - 05 - 2012, 07:46 AM   رقم المشاركة : ( 4 )
Magdy Monir
..::| VIP |::..

الصورة الرمزية Magdy Monir

الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 12
تـاريخ التسجيـل : May 2012
العــــــــمـــــــــر : 57
الـــــدولـــــــــــة :
المشاركـــــــات : 51,017

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو

Magdy Monir غير متواجد حالياً

افتراضي

مزمور 122
مشهد الوصول





1فَرِحْتُ بِالْقَائِلِينَ لِي: [إِلَى بَيْتِ الرَّبِّ نَذْهَبُ]. 2تَقِفُ أَرْجُلُنَا فِي أَبْوَابِكِ يَا أُورُشَلِيمُ. 3أُورُشَلِيمُ الْمَبْنِيَّةُ كَمَدِينَةٍ مُتَّصِلَةٍ كُلِّهَا 4حَيْثُ صَعِدَتِ الأَسْبَاطُ أَسْبَاطُ الرَّبِّ شَهَادَةً لإِسْرَائِيلَ لِيَحْمَدُوا اسْمَ الرَّبِّ. 5لأَنَّهُ هُنَاكَ اسْتَوَتِ الْكَرَاسِيُّ لِلْقَضَاءِ كَرَاسِيُّ بَيْتِ دَاوُدَ. 6اسْأَلُوا سَلاَمَةَ أُورُشَلِيمَ. لِيَسْتَرِحْ مُحِبُّوكِ. 7لِيَكُنْ سَلاَمٌ فِي أَبْرَاجِكِ رَاحَةٌ فِي قُصُورِكِ. 8مِنْ أَجْلِ إِخْوَتِي وَأَصْحَابِي لَأَقُولَنَّ: [سَلاَمٌ بِكِ]. 9مِنْ أَجْلِ بَيْتِ الرَّبِّ إِلَهِنَا أَلْتَمِسُ لَكِ خَيْراً.

يتفق عدد كبير من دارسى العهد القديم عامة وسفر المزامير خاصة، أن هذا المزمور يعود فى تاريخ كتابته إلى فترة ما بعد السبى. وهو يعبر عن البهجة والفرحة الغامرة بزيارة أورشليم، ويعكس الإثارة العاطفية والروحية للوجود فى بيت الرب مع شعب الرب، فى عيد من الأعياد اليهودية الكبرى وهو عيد المظال. وفى هذا المزمور نجد الحديث عن:

أولاً : مشاعر الفرحة (1و2) :
واضح أن أورشليم بدأت تظهر للحجاج المسافرين، أو أنهم بالفعل قد وصلوا ودخلوا فناء الهيكل. وهنا عمت الفرحة وغمرت البهجة مشاعر الحجاج، فعبروا بصوت رجل واحد"فَرِحْتُ بِالْقَائِلِينَ لِي: [إِلَى بَيْتِ الرَّبِّ نَذْهَبُ]."وسواء كانت هذه الكلمات كما هى فى ترجمتنا العربية، أو كما جاءت فى بعض التراجم الأخرى"فرحت عندما قالوا لى ..." أو "فرحت مع القائلين لى ..." أو"فرحت بما قالوه لى ..."، فكلها تعبر عن مشاعر فرحة الوصول إلى بيت الرب وإلى مدينة الرب.
وفى العدد الثانى يؤكدون هذا الوصول بقولهم "تَقِفُ أَرْجُلُنَا فِي أَبْوَابِكِ يَا أُورُشَلِيمُ.". والترجمة الحرفية للأصل تعنى صارت واقفة "Have been standing".
أى والآن ها نحن واقفون داخل أبوابك يا أورشليم.
والكلمات سواء فى هذين العددين أو فى المزمور ككل، تعكس تغليب مشاعر الفرح والشوق التى دفعت إلى الرحلة أصلاً، بتشجيع المجموعة، على محنة الغربة فى مزمور 120، ومخاطر الطريق فى مزمور 121. هذا الفـرح نراه فى "ترنيمة السبـت" فى مزمور 92 : 1 - 5 ، 12 - 15
"1حَسَنٌ هُوَ الْحَمْدُ لِلرَّبِّ وَالتَّرَنُّمُ لاِسْمِكَ أَيُّهَا الْعَلِيُّ. 2أَنْ يُخْبَرَ بِرَحْمَتِكَ فِي الْغَدَاةِ وَأَمَانَتِكَ كُلَّ لَيْلَةٍ 3عَلَى ذَاتِ عَشْرَةِ أَوْتَارٍ وَعَلَى الرَّبَابِ عَلَى عَزْفِ الْعُودِ. 4لأَنَّكَ فَرَّحْتَنِي يَا رَبُّ بِصَنَائِعِكَ. بِأَعْمَالِ يَدَيْكَ أَبْتَهِجُ. 5مَا أَعْظَمَ أَعْمَالَكَ يَا رَبُّ وَأَعْمَقَ جِدّاً أَفْكَارَكَ...12اَلصِّدِّيقُ كَالنَّخْلَةِ يَزْهُو كَالأَرْزِ فِي لُبْنَانَ يَنْمُو. 13مَغْرُوسِينَ فِي بَيْتِ الرَّبِّ فِي دِيَارِ إِلَهِنَا يُزْهِرُونَ. 14أَيْضاً يُثْمِرُونَ فِي الشَّيْبَةِ. يَكُونُونَ دِسَاماً وَخُضْراً 15لِيُخْبِرُوا بِأَنَّ الرَّبَّ مُسْتَقِيمٌ. صَخْرَتِي هُوَ وَلاَ ظُلْمَ فِيهِ."
كما نرى الفرح أيضاً مع رؤية بيت الرب فى "تسبيحة الشكر" فى يهوذا 24، التسبيحة التى ترفع إلى الله "القادر أن يحفظكم غير عاثرين" فى توازى مع مزمور 121، والتى تعبر عن فرحة الوصول والوقوف قدامه "ويوقفكم أمام مجده بلا عيب فى الابتهــاج" فى تــوازى مع مزمور 122. والآن، بعــد أن تحققت الــزيارة يعبر عـن امتلائه العميق بالبهجة والسرور كما فى مزمور 84 : 1و2
"1مَا أَحْلَى مَسَاكِنَكَ يَا رَبَّ الْجُنُودِ. 2تَشْتَاقُ بَلْ تَتُوقُ نَفْسِي إِلَى دِيَارِ الرَّبِّ. قَلْبِي وَلَحْمِي يَهْتِفَانِ بِالإِلَهِ الْحَيِّ."

ثانياً : قوة الوحدة (3 - 5) :
فى هذه الأعداد يتحدث المرنم، عندما رأى كل الشعب الذى جاء من كل مكان ليعيد معاً، يتحدث عن الوحدة فى جمالها وهدفها وقيمها.
1- جمال الوحدة (3) : يقول "أُورُشَلِيمُ الْمَبْنِيَّةُ كَمَدِينَةٍ مُتَّصِلَةٍ كُلِّهَا" والفعل المستخدم فى كلمة "متصلة" نجده فى خروج 26 : 11 عند الحديـث عن صنـاعة الـخيام ".. وتـصل الخيمة فتصير واحدة". والكلمة "متصلة" لا تـشيـر فقط إلى وحدة الشكل والمبنى Bound firmly together، بل تشير إلى المعنى والمضمون، إلى وحدة الشعب، وحدة الأسباط معاً فيها. فالعبارة تشير إلى اتحاد شركــاء أو أعضـاء فى مجموعة واحدة، كما جاءت فى الترجمة السبعينية والفولجاتا، بمعنـى "أورشليم المدينة التى بنيت ليتحد ويترابط بها الإخوة معاً". ويقول البعض إن هذه العبارة تشير أيضاً إلى جمال وحدة شعب الرب فى حقيقته النهائية التى نجدها فى سفر الرؤيا فى رؤيا 21 : 10 - 27 ).
2- هدف الوحدة (4) : إن هدف هذا التجمع "حيث صعدت أسباط اسرائيل" فـى المدينة المقدسة، فـى هيكل الرب مكان اللقــاء معه، هو "ليحمدوا اسم الرب". ثم يضيف "شهادة إسرائيل" هذه الشهادة التى جاءت فى تثنية 16 : 16 و 17
"16«ثَلاثَ مَرَّاتٍ فِي السَّنَةِ يَحْضُرُ جَمِيعُ ذُكُورِكَ أَمَامَ الرَّبِّ إِلهِكَ فِي المَكَانِ الذِي يَخْتَارُهُ فِي عِيدِ الفَطِيرِ وَعِيدِ الأَسَابِيعِ وَعِيدِ المَظَالِّ. وَلا يَحْضُرُوا أَمَامَ الرَّبِّ فَارِغِينَ. 17كُلُّ وَاحِدٍ حَسْبَمَا تُعْطِي يَدُهُ كَبَرَكَةِ الرَّبِّ إِلهِكَ التِي أَعْطَاكَ."
وهو هدف مجيد فى حياة الشعب قديماً، وفى حياة الكنيسة. بل هو سر القوة دائماً، حتى أن يربعام الملك ملك اسرائيل خاف من نقطة القوة هـذه، قـوة التجمع معاً فى بيت الرب ليحمدوا اسم الرب، فحاول بخطيته - عندما صنع عجلين من ذهب ووضع واحداً فى بيت إيل والآخر فى دان- أن يقسم المملكة، وأن يشتت وحدة الشعب وأن يضرب تجمعه، لئلا يرجع قلب الشعب كلـه إلى رحبعـام ملك يهوذا (1 مل 12 : 26 - 30). وبـذلك تعـدى يربعام على الأمر الذى قرره الرب فى تثنية 12 : 13و 14
"13«اِحْتَرِزْ مِنْ أَنْ تُصْعِدَ مُحْرَقَاتِكَ فِي كُلِّ مَكَانٍ تَرَاهُ. 14بَل فِي المَكَانِ الذِي يَخْتَارُهُ الرَّبُّ فِي أَحَدِ أَسْبَاطِكَ. هُنَاكَ تُصْعِدُ مُحْرَقَاتِكَ وَهُنَاكَ تَعْمَلُ كُل مَا أَنَا أُوصِيكَ بِهِ."
كما تعدى وخالف شرط الوعد الذى قدّمه له الرب فى الملوك الأول 11 : 38
"38فَإِذَا سَمِعْتَ لِكُلِّ مَا أُوصِيكَ بِهِ وَسَلَكْتَ فِي طُرُقِي وَفَعَلْتَ مَا هُوَ مُسْتَقِيمٌ فِي عَيْنَيَّ وَحَفِظْتَ فَرَائِضِي وَوَصَايَايَ كَمَا فَعَلَ دَاوُدُ عَبْدِي، أَكُونُ مَعَكَ وَأَبْنِي لَكَ بَيْتاً آمِناً كَمَا بَنَيْتُ لِدَاوُدَ، وَأُعْطِيكَ إِسْرَائِيلَ."
3- قيم الوحدة (5) : وفى هذا العدد يريد المرنم أن يقول إن جمال الوحدة وقوتها، حيث يتجمع شعب الرب فى بيت الرب للعبادة ولحمد اسمه، يجب أن يظهر فى حيــاة الشعب وفى قيمهم. ويركز هنا على قيمة "العدل" كأعظم قيمة يجب أن تسود حياة شعب الرب، فيقول
"لأَنَّهُ هُنَاكَ اسْتَوَتِ الْكَرَاسِيُّ لِلْقَضَاءِ كَرَاسِيُّ بَيْتِ دَاوُدَ"
فالعدل هو القيمة الكبرى التى يجب أن تسود وتُمارس فى حياة شعب الرب، وهو القيمة التى يجب أن يقود شعب الرب المجتمع إليها. فالمرنم لم يذكر أورشليم كمدينـة وحدة فقـط بـل كمركـز للحكم لملوك يهوذا. يقول المرنم فى مزمور 72 : 1 - 4
"1اَللهُمَّ أَعْطِ أَحْكَامَكَ لِلْمَلِكِ وَبِرَّكَ لاِبْنِ الْمَلِكِ. 2يَدِينُ شَعْبَكَ بِالْعَدْلِ وَمَسَاكِينَكَ بِالْحَقِّ. 3تَحْمِلُ الْجِبَالُ سَلاَماً لِلشَّعْبِ وَالآكَامُ بِالْبِرِّ. 4يَقْضِي لِمَسَاكِينِ الشَّعْبِ. يُخَلِّصُ بَنِي الْبَائِسِينَ وَيَسْحَقُ الظَّالِمَ."
ويقـول إشعياء فى اشعياء 2 :3و4
"3وَتَسِيرُ شُعُوبٌ كَثِيرَةٌ وَيَقُولُونَ: «هَلُمَّ نَصْعَدْ إِلَى جَبَلِ الرَّبِّ إِلَى بَيْتِ إِلَهِ يَعْقُوبَ فَيُعَلِّمَنَا مِنْ طُرُقِهِ وَنَسْلُكَ فِي سُبُلِهِ». لأَنَّهُ مِنْ صِهْيَوْنَ تَخْرُجُ الشَّرِيعَةُ وَمِنْ أُورُشَلِيمَ كَلِمَةُ الرَّبِّ. 4فَيَقْضِي بَيْنَ الأُمَمِ وَيُنْصِفُ لِشُعُوبٍ كَثِيرِينَ فَيَطْبَعُونَ سُيُوفَهُمْ سِكَكاً وَرِمَاحَهُمْ مَنَاجِلَ. لاَ تَرْفَعُ أُمَّةٌ عَلَى أُمَّةٍ سَيْفاً وَلاَ يَتَعَلَّمُونَ الْحَرْبَ فِي مَا بَعْدُ."

ثالثاً : دعوة للصلاة (6 - 9):
وهنا رفع المرنم يديه إلى فوق وطلب من الشعب أن يصلّى ليحفظ الرب مدينته وشعبه. وثمر العدل الذى تحدثنا عنه كقيمة من قيم الوحدة التى ذكرت فى الفقرة السابقة هو"السلام" و "السلامة" بمعنى الأمان والخير. والسلام مأخوذ من اسم أورشليم (عب 7 : 2). ولذلك يقول المرنم "اسْأَلُوا سَلاَمَةَ أُورُشَلِيمَ." (6 أ). وفى دعوته للصلاة يطلب من أجل الأمان والسلام، ومن أجل الترابط والالتحام.
1- الأمان والسلام (6 ب – 7 ) : "لِيَسْتَرِحْ مُحِبُّوكِ." أى ليسترح كل محبيك، كل الشعب. فعندما يكون "سَلاَمٌ فِي أَبْرَاجِكِ" وهنـــا إشــارة إلى السلام والهدوء وإلى النجاح والوفرة كما فى مزمور 48: 12 - 14، تكون "رَاحَةٌ فِي قُصُورِكِ" أى أمان وسلام بلا حروب أو معاناة.
2- الترابط والالتحام (8 و9) : "مِنْ أَجْلِ إِخْوَتِي وَأَصْحَابِي لَأَقُولَنَّ: [سَلاَمٌ بِكِ]." (8)، "إخوتى وأصحابى" إشارة إلى الترابط والالتحام والتوحد مع رفاق الرحلة، الذين ارتبطوا معاً كإخوة وأصدقاء، والآن يرفعون بصوت واحد ونفس واحدة طلبة واحدة "لأقولن سلام بــك". فأورشليم مركز الجذب وبوتقة الصهر والترابط، إنها ملتقى حياة الشعب ومصدر وحدته وقوته.
ثم يضيف "مِنْ أَجْلِ بَيْتِ الرَّبِّ إِلَهِنَا أَلْتَمِسُ لَكِ خَيْراً." (9)، هنا تحولت الصلاة إلى "عهد" و "نذر". فمن أجل وجود بيت الرب فيك، من أجل هذا السبب فـوق كـل الأسبـاب الأخـرى "التمس لك خيراً".
والصلاة ككل شكل من أشكال البركة لأورشليم، وككل وعد بالبركة، تحمل كلمات البركة قوة تحقيقها. وواضح ان المرنم أخذ من اسم أورشليم ومن تركيبته العبرية مضمون البركة. فالإسم به وجوه عديدة تعنى الصلاة (شالو)، والسلام (شالوم)، والنجاح والتقدم (يشلايو)، والراحة والهدوء (شالواه).
  رد مع اقتباس
قديم 20 - 05 - 2012, 07:47 AM   رقم المشاركة : ( 5 )
Magdy Monir
..::| VIP |::..

الصورة الرمزية Magdy Monir

الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 12
تـاريخ التسجيـل : May 2012
العــــــــمـــــــــر : 57
الـــــدولـــــــــــة :
المشاركـــــــات : 51,017

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو

Magdy Monir غير متواجد حالياً

افتراضي

مزمور 123
مركز التوَجُّه





1إِلَيْكَ رَفَعْتُ عَيْنَيَّ يَا سَاكِناً فِي السَّمَاوَاتِ. 2هُوَذَا كَمَا أَنَّ عُيُونَ الْعَبِيدِ نَحْوَ أَيْدِي سَادَتِهِمْ كَمَا أَنَّ عَيْنَيِ الْجَارِيَةِ نَحْوَ يَدِ سَيِّدَتِهَا هَكَذَا عُيُونُنَا نَحْوَ الرَّبِّ إِلَهِنَا حَتَّى يَتَرَأَّفَ عَلَيْنَا. 3ارْحَمْنَا يَا رَبُّ ارْحَمْنَا لأَنَّنَا كَثِيراً مَا امْتَلَأْنَا هَوَاناً. 4كَثِيراً مَا شَبِعَتْ أَنْفُسُنَا مِنْ هُزْءِ الْمُسْتَرِيحِينَ وَإِهَانَةِ الْمُسْتَكْبِرِينَ.


إن الانتقال من مزمور 122 إلى مزمور 123 كالانتقال من الليل إلى النهار. الأول يكسوه الفرح والثانى يمتلئ بصرخات الهوان. وهذا يشير إلى التاريخ الكثير المتقلب للشعب القديم – بل ولكل الشعوب والأفراد – وندرك من خلال هذا المزمور أن توالى الفرحة والصرخة هو أمر طبيعى فى حياة البشر.

مزمور 122 يشير إلى نور الصباح ووقت البهجة، أما مزمور 123 فيظهر فيه انقلاب الحال وتغير الجو وظلام الليل "ارحمنا لأننا كثيراً ما امتلأنا هوانا".
مزمور 122 نشيد ابتهاج "فرحت بالقائلين لى ..." أما مزمور 123 فيعبر عن صرخة هوان وألم ومعاناة.
يبدأ المزمور كمرثاة أو كصرخة فردية (1) . ثم تتحول هذه الصرخة إلى صرخة قومية أو جماعية (2 – 4) . فهل يردد هذا المزمور – كالمزامير السابقة – حيث يرنم القائد العدد الأول ثم تردد المجموعة كلها الأعداد الباقية؟ ربما، وهذا هو تفسيرنا الوحيد للانتقال من ضمير المتكلم المفرد إلى ضمير المتكلم الجمع.
ويتشابه هذا المزمور مع مز 120 فى خلفية الاستهزاء والإهانة وحرب الألسنة الكاذبة من المحيطين بهم (نح 2 : 19 ، 4 : 2 – 4).
ويتشابه مع مز 121 فى رفع العينين إلى الرب، إله المعونة.
ويتشابه مع مز 122 فى الاتكال على الله، إله العدل.
ونستطيع أن نرى فى هذا المزمور ثلاث أفكار رئيسية .. يمكننا أن نضعها فى صورة ثلاثة أسئلة :
1- من هو مركز التوجه ؟ والإجابة هى : الله
2- كيف نقترب إلى هذا المركز ؟ والإجابة هى : روح الانتظار والاتضاع.
3- ماهى المشكلة أو القضية التى تدفعنا للاقتراب من الله؟
والإجابة هى : الوضع المؤلم والحالة السيئة التى نختبرها اليوم.

أولاً : من هو مركز التوجه؟ (1))

إن السائح – مع سائر الحجاج المسافرين معه – بعد أن يرفع عينيه إلى الجبال فى مز121، حيث تأتى معونته من عند الرب صانع السموات والأرض، يضع الآن قضيته وقضية شعبه فى الاتجاه الصحيح وبتحديد واضح .. فهو لا يرفع عينيه فقط إلى الجبال، بل إلى الرب، ففى وسط مشكلات الأيام وآلام الحياة يتجه المرنم إلى الله مباشرة : "إِلَيْكَ رَفَعْتُ عَيْنَيَّ" إليك وحدك .
كم من مرات اتجهت أنظارنا إلى أشخاص أو إلى أشياء أخرى ؟ كم من مرات اتكلنا على البشر ففشلنا ؟ هنا يقول المرنم إنه لا يستمد ثباته ولا أمانه إلا من الله السرمدى الذى لا يتغير، "يَسُوعُ الْمَسِيحُ هُوَ هُوَ أَمْساً وَالْيَوْمَ وَإِلَى الأَبَدِ." ( عب 13 : 8).
ثم يصف المرنم هذا الإله الذى يتكل عليه بالقول " يَا سَاكِناً فِي السَّمَاوَاتِ" . وهذه العبارة تشير إلى إيمان المرنم بسلطان الله المطلق فوق الجميع (مز 2 : 4، 11 : 4، 36 : 5، إش 57 : 15، 66 : 1). فالله الذى يسكن السموات هو الذى يملك التاريخ ويضبط الظروف ويقود الأيام ويضمن المستقبل. إنه صاحب السلطان المطلق فوق الملوك والحكام والشعوب والقضاة، بل "قَلْبُ الْمَلِكِ فِي يَدِ الرَّبِّ كَجَدَاوِلِ مِيَاهٍ حَيْثُمَا شَاءَ يُمِيلُهُ." (أم21 :1).
ثم يقول المرنم عن هذا الإله ما يعبر عن العلاقة الخاصة بين الرب وشعبه، علاقة العهد "هكذا عيوننا نحو الرب إلهنا"، فهو ليس فقط الإله العالي صاحب السلطان المطلق فى كل الأكوان، لكنه أيضاً الإله القريب منا الذي قطع العهد ليكون لنا إلهاً ونكون نحن شعبه وغنم مرعاه.إنه الإله الذي ارتضى أن يرتبط بنا – إنه خالقنا ونحن عمل يديه. إنه أبونا المحب ونحن أولاده. لذلك هو يعرفنا ويعرف ظروفنا، ويكفى أن نرفع عيوننا نحوه، بل هو يعلم ما نحتاج إليه قبل أن نسأله.
تُرى من هو إلهك – عزيزى؟ هل لك هذا الإيمان؟ هل تستطيع أن تضع ثقتك وطموحك وتوقعاتك فيه وحده وليس سواه؟

ثانياً : كيف نقترب من هذا المركز؟ (2)

إن كان إلهنا هكذا، المرتفع صاحب السلطان المطلق، وإله العهد المحب، فكيف يمكن أن نضع أقدارنا بين يديه؟ كيف يمكن أن نلقى رجاءنا عليه؟ كيف نقترب إليه؟
فى العدد الأول يتحدث المرنم عن التوجه الشخصى العام نحو الله.
فى العدد الثانى نجد التركيز والانتباه فى كيفية وروح التوجه إلى الله.
إن المرنم هنا يستعير إحدى الصور التى كانت منتشرة ببلاد الشرق وقت كتابة المزمور. كان العبيد والجوارى يقفون على أهبة الاستعداد لتنفيذ الأمر الذى يصدر من السيد فوراً. كانت وقفتهم تدل على قمة التركيز والانتباه والاستعداد الكامل للطاعة الفورية.
ويقول البعض الآخر من الشّراح والمفسرين إن العبيد والإماء كانوا يظهرون الاهتمام والتركيز لتعلم مهارة معينة من خلال يد السيد التى يحركها لإدارة شؤون البلاط.
لكن فريقاً ثالثاً من الدارسين قال إن العبيد والجوارى يثبتون أنظارهم إلى أيدى السادة طلباً للعون وانتظاراً للرحمة والرأفة . ولعل الموقف هنا في خلفية هذا المزمور يؤكد هذا المعنى الأخير فيقول
" عُيُونُنَا نَحْوَ الرَّبِّ إِلَهِنَا حَتَّى يَتَرَأَّفَ عَلَيْنَا".
والجميل أيضاً الذى نراه فى "روح" هذا الانتظار أنه ليس فقط انتظار العبيد الذين يتوقعون الرحمة والرأفة من السيد، بل أيضاً هو الانتظار الواثق الذى يتجلى فى التأكيد والإلحاح : "3ارْحَمْنَا يَا رَبُّ ارْحَمْنَا ". إن المرنم يطلب طلبته بلجاجة شديدة وكأنه يقول للرب : ننتظر رحمتك وتدخلك وعونك .. ليس فى تركيز وانتباه فقط ، بل فى يقين وتوقع وانتظار، وفى تواضع وانكسار وانسحاق.. فى اتضاع أرتمى عليك وأطلب منك وحدك الرحمة والرأفة. هذه هى الكيفية التى ينبغى أن نتوجه بها إلى الله .

ثالثاً : لماذا نقترب إلى الله؟ ما هى المشكلة؟ (3 –4)

يشخص المرنم المشكلة بقوله: "لأَنَّنَا كَثِيراً مَا امْتَلَأْنَا هَوَاناً. 4كَثِيراً مَا شَبِعَتْ أَنْفُسُنَا مِنْ هُزْءِ الْمُسْتَرِيحِينَ وَإِهَانَةِ الْمُسْتَكْبِرِينَ".
ونلاحظ هنا ثلاثة أشياء:
التكـرار: تكرار المشكلة واستمرارها كثيراً ... كثيراً.
النوعية: الهوان .. الهزء ... الاهانة.
فلقد صَدَرَ الهزء من المستريحين Those at ease الذين قيل عنهم "ويل للمستريحين" (عا 6 : 1) الذين لا يبالون.
وجاءت الإهانة من المستكبرين Arrogant الذين يعيشون فى غطرسة ولامبالاة بالآخرين .. فى طغيان واحتقار للناس بسبب السلطة التى يتمتعون بها أو الطبقة التى ينتمون إليها أو الحقد الذى يملأ صدورهم والذى يخرج ويجد متنفسه فى "الهزء" و"الإهانة". وهناك فارق بين الألم والهوان، فالألم قد يجرح ولكن الهـوان Contempt يمـزق النفـس لهذا يُشَبَّه بـ "جهنم" في (مت 5 : 22)، و"بالازدراء" في (دا 12 : 2).
الدرجة: " امْتَلَأْنَا هَوَاناً... شَبِعَتْ أَنْفُسُنَا". والمرنم يقصد بهذه الكلمات أن نفسه ونفوس شعبه قد: "تشبعت فوق طاقة الاحتمال" من الإهانة والهزء. والمرنم بذلك يظهر اهتمامه بقضية شعبه العامة والمحنة القومية التى يجتاز فيها هذا الشعب...
ثم يترك المرنم النهاية مفتوحة، بلا إجابة...
وأود أن أضع بعض الأفكار التطبيقية الهامة التى يمكن أن نخرج بها من هذا المزمور:
1- إن المرنم مشغول جداً بقضية عامة ومهموم بسبب معاناة شعبه، لـذلك لم يذكر المرنم ظروفه الشخصية قدام الله- مع أن هذا ليس عيباً – بل خرج من ذاته ومن ظروفه لكى يحاجج الله ويكلمه نيابة عن كل الشعب. فهل أنت سجين لظروفك الشخصية؟ إننى أعتقد أن جزءاً من حل مشاكلنا الخاصة هو الانشغال والاهتمام بالقضايا المصيرية الهامة والعامة، لاسيما تلك القضايا التى تختص بالكنيسة العامة فى بلادنا وتلك التى تختص بمشكلات الوطن التى ينبغى أن نساهم بإيجابية – مصلين ومشاركين – فى حَلَّها .
اخرج من رتابة الحياة اليومية إلى الانشغال بالقضايا العامة، ولاتقل إنك لا تملك شيئاً، فأنت ابن لله المتسلط فى مملكة الناس، الساكن فى السموات.
2- المرنم يترك النهاية مفتوحة، بلا إجابة...
تُرى هل استجاب الله لطلبة المرنم أم لم يستجب؟ هذا الأمر غير واضح، فنهاية المزمور لا تخبرنا بشئ عن ذلك.
هل يريد المرنم أن يقول إن الهوان من أجل المسيح شرف وامتياز وينبغى أن نقبله كما قبله المسيح أيضاً؟ المسيح الذى قيل فيه إنه "..الَّذِي مِنْ أَجْلِ السُّرُورِ الْمَوْضُوعِ أَمَامَهُ احْتَمَلَ الصَّلِيبَ مُسْتَهِيناً بِالْخِزْيِ،.." (عب 12 : 2). هل ينبغى أن نتصرف كالرسل الأوائل الذين "..َذَهَبُوا فَرِحِينَ مِنْ أَمَامِ الْمَجْمَعِ لأَنَّهُمْ حُسِبُوا مُسْتَأْهِلِينَ أَنْ يُهَانُوا مِنْ أَجْلِ اسْمِهِ." (أع 5 : 41).
3- هل نستطيع أن نميّز بين الاحتمال من أجل المسيح، وبين الوقوف في وجه المستكبرين والمناداة بالحق والعدل – كما فعل المسيح أيضاً ؟ لقد وقف المسيح بجسارة في أثناء محاكمته ودافع عن الحق قدام بيلاطس حتى قيل عن الوالى إنه "ازداد خوفاً". ولقد تكرر نفس الشئ مع بولس الرسول الذى "ارتعب" قدامه فيلكس الوالى رغم أن الرسول كـان يقـف قدامه مقيـداً فى سلاسل (أع 25 : 10 ، 11، 22 : 25 – 29).
4- أخيراً، هل نتيقن من سلطان الرب وتدخله فى الوقت المناسب لصالحنا، وقدرته على ضبط ظروف الحياة؟ هل يقودنا هذا الإيمان إلى الإحساس بالراحة والحماية والأمان في ظله؟ إنه هو هو أمساً واليوم وإلى الأبد. لم تقصـر يــده عن أن يخلص (مز 5 : 8 – 12 ، 13 : 3 – 6). "اَلآنَ أَقُومُ يَقُولُ الرَّبُّ. الآنَ أَصْعَدُ. الآنَ أَرْتَفِعُ." (إش 33 : 10). هل نردد مع المرنم "11وَيَفْرَحُ جَمِيعُ الْمُتَّكِلِينَ عَلَيْكَ. إِلَى الأَبَدِ يَهْتِفُونَ وَتُظَلِّلُهُمْ. وَيَبْتَهِجُ بِكَ مُحِبُّو اسْمِكَ. 12لأَنَّكَ أَنْتَ تُبَارِكُ الصِّدِّيقَ يَا رَبُّ. كَأَنَّهُ بِتُرْسٍ تُحِيطُهُ بِالرِّضَا."(مز 5 : 11و12)



  رد مع اقتباس
قديم 20 - 05 - 2012, 07:50 AM   رقم المشاركة : ( 6 )
Magdy Monir
..::| VIP |::..

الصورة الرمزية Magdy Monir

الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 12
تـاريخ التسجيـل : May 2012
العــــــــمـــــــــر : 57
الـــــدولـــــــــــة :
المشاركـــــــات : 51,017

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو

Magdy Monir غير متواجد حالياً

افتراضي مزمور 124 موقف الشكر

مزمور 124

موقف الشكر





1 [لَوْلاَ الرَّبُّ الَّذِي كَانَ لَنَا]. لِيَقُلْ إِسْرَائِيلُ: 2[لَوْلاَ الرَّبُّ الَّذِي كَانَ لَنَا عِنْدَ مَا قَامَ النَّاسُ عَلَيْنَا 3إِذاً لاَبْتَلَعُونَا أَحْيَاءً عِنْدَ احْتِمَاءِ غَضَبِهِمْ عَلَيْنَا 4إِذاً لَجَرَفَتْنَا الْمِيَاهُ لَعَبَرَ السَّيْلُ عَلَى أَنْفُسِنَا. 5إِذاً لَعَبَرَتْ عَلَى أَنْفُسِنَا الْمِيَاهُ الطَّامِيَةُ]. 6مُبَارَكٌ الرَّبُّ الَّذِي لَمْ يُسْلِمْنَا فَرِيسَةً لأَسْنَانِهِمْ. 7انْفَلَتَتْ أَنْفُسُنَا مِثْلَ الْعُصْفُورِ مِنْ فَخِّ الصَّيَّادِينَ. الْفَخُّ انْكَسَرَ وَنَحْنُ انْفَلَتْنَا. 8عَوْنُنَا بِاسْمِ الرَّبِّ الصَّانِعِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ.

لعلك لاحظت التسلسل المنطقى الواضح لترانيم المصاعد، فـفى مواقـعهم البعيدة واجه الحجاج محنة الغربة (مز120)، وفى الطريق إلى أورشليم قابلوا مخاطر وصعوبات السفر واختبروا مصادر المعونة (مز121)، ومع فرحة الوقوف على أعتاب أورشليم كان مشهد الوصول (مز122)، وداخل الهيكل رفعوا عيونهم إلى الله الساكن فى السموات لأنه مركز التوجّه (مز 123).

ولعلك لاحظت أيضاً أن مز123 ينتهى نهاية "مفتوحة"، إذ أن كاتب المزمور لم يضع خاتمة، وكأنه بذلك يقصد أن يحرك فكر القارئ أو السامع ليضع هو النهاية بنفسه. وحقيقة الأمر أنه يمكننا القول إن هذه النهاية المنطقية المطلوبة لمزمور 123 نستطيع أن نجدها فى المزمور التالى 124 الذى نتأمل فيه الآن.

إن هذا المزمور يصور تدخل الله المعجزى والمفاجئ لإنقاذ شعبه من المحن التى تواجهه، ولهذا يعبَّر الشعب من خلال هذا المزمور عن مشاعر الشكر العميقة التى ملأت قلوبهم. لذا فالمزمور عبارة عن ترنيمة شكر يشدو بها الشعب أمام الرب، وفى هذه الترنيمة يعرض الشعب سلسلة لوحات أو صور تبرز إنقاذ الرب لهم، ونجاتهم من أخطار شديدة بسبب تدخل الرب فى الوقت المناسب. وتتوالى هذه اللوحات أو الصور بسرعة لاهثة لكى تعبّر عن الأزمة والأخطار العنيفة المفاجئة من ناحية، وعن يد الرب المقتدرة التى أخرجتهم منها من ناحية أخرى، وبالتالى نرى خلف الصور المشاعر المتزاحمة التى تتجه بالشكر والعرفان للرب.

والسؤال الذى يواجهنا الآن هو :
هل هذه الأزمة التى يتحدث عنها المرنم هنا حدثت أيام داود النبى كما يبدو من العنوان ولذا يشير إلى المخاطر التى تعرضت لها مملكته من البداية، خاصة من الفلسطينيين (2 صم 5)؟ أم أنها المخاطر التى أشرنا إليها فى الأغنيات السابقة، بما أن الاتجاه الغالب أن هذه المجموعة ترجع إلى ما بعد السبىّ خاصة أيام نحميا (نح 6 : 15 و 16)؟
يرجح أن الاحتمال الثانى هو الأصوب، خاصة أن بعض الشراّح والدارسين يؤكدون أن كلمة " لداود " الموجودة فى العنوان هى فى واقع الأمر غير موجودة فى كثير من النسخ القديمة.
ويمكننا أن نجد فى هذا المزمور فكرتين أساسيتين :

أولاً : مصدر النجاة (1–5)
العبارة المركزية فى هذا الجزء هى "لَوْلاَ الرَّبُّ الَّذِي كَانَ لَنَا" وهذه العبارة تكشف عن حقيقة تقلبات الزمن ويقين تدخل الرب. كما أن المقابلة واضحة بين "الرب" (2و8) وبين "الناس" (حرفياً آدم أى من الأرض). صحيح أن المؤمن لا يستطيع أن يتجنب مفاجآت الزمن أو مصائب الأيام، لكنه فى وسط كل هذه يتمتع بمعونة الله القدير الذى يضبط كل شئ بين يديه. والمؤمن لا يستطيع أن يأمن جانب الناس "الأشرار"، لكنه فى نفس الوقت يدرك أن الرب ترس له من مكائدهم. فمهما كانت تقلبات ومفاجآت الزمان، هناك الرب الذى كان لنا (معنا – بجانبنا)، الذى أمسك بنا وضمن حياتنا.
واضح أن العدد الأول كان يترنم به القائد أو الكاهن، وعبارة "لِيَقُلْ إِسْرَائِيلُ" هى إشارة للشعب أو لمجموعة الحجاج ليردد الكل باقى المزمور بصوت عالٍ كالرعد. ونلاحظ تكرار نفس العبارة فى مزمور 129 : 1 مما يدل على أن هذه الطريقة كانت طريقة التسبيح المألوفة عند الشعب. وهنا تبدأ اللوحات أو الصور تتوالى بعد عبارة "عِنْدَ مَا قَامَ النَّاسُ عَلَيْنَا". وكل صورة تبدأ بـ "إذاً".
الصورة الأولى (3) :
"إِذاً لاَبْتَلَعُونَا أَحْيَاءً عِنْدَ احْتِمَاءِ غَضَبِهِمْ عَلَيْنَا". هذه الاستعارة تصور الأشرار فى صورة وحش ضخم هائج يرغب فى ابتلاع فريسته أو التهامها فى قضمة واحدة سريعة (أم 1 : 12، يون 1 : 17). أو ربما تشير إلى زلزال عنيف مفاجئ يشق الأرض فيبتلع الناس والبيوت والأملاك كما حدث مع قورح وجماعته (عد 16 : 32، 33). هذه الصورة تكشف لنا عن مفاجأة وهول الهجمة القوية التى قام بها الأشرار بالإضافة إلى عنف وشراسة تبعت هذه الأزمة.
أمام هذا الوحش، عندما قام الناس علينا، كان الرب لنا. لقد اختبر داود هذا الاختبار فكتب يقول :
"ارحمنى يا الله فإن الإنسان يجد فى مطاردتى ليفترسنى .. يحاربنى اليوم كله يضايقنى .. فى يوم خوفى أنا عليك أتكل. توكلت على الله الـذى أحمـده. علـى كلامه فلا أخاف. ماذا يستطيع أن يصنع بى البشر؟... لأنك أنقذت نفسى من الموت. وحفظت رجـلىّ من الزلق لكى أسلك أمام الله فى نور الحياة" (مز 56 : 1 – 4 و 13 – كتاب الحياة).
الصورة الثانية (4 و5) :
"إذاً لجرفتنا المياه .. لعبر السيل على أنفسنا إذاً لعبرت على أنفسنا المياه الطامية". هذه الكلمات ترسم لنا صورة السيل الكاسح المنحدر من جبل عال لكى يدمر كل ما يقابله فى طريقه من مدن وقرى، وتعطى أيضاً الاحساس بصـراع النجـاة والرغبـة فى البقاء (مز 42 : 7 ، 88 : 17).
وسط هذا السيل الجارف الطامى الكاسح، عندما قام الناس علينا، كان الرب الذى لنا (مز 32 : 6، 69 : 1 - 2، 93 : 3 و4).
هذه الصور تعبر عن المشكلة والأزمة وفى نفس الوقت تظهر تدخل الله المباشر فى وقت الأزمة بإيجاد النجاة والإنقاذ لشعبه، مما يدفع الشعب إلى التعبير عن مشاعر الشكر بالتسبيح "لولا الرب".
تأتى معونته من عند الرب صانع السموات والأرض، يضع الآن قضيته وقضية شعبه فى الاتجاه الصحيح

ثانياً : موقف الشكر(6 –
هذا الجزء يعـبر عن موقـف الشكر لله لما صنعه فى الأعداد السابقة. يبدأ بعبارة "مُبَارَكٌ الرَّبُّ" (6) إنه مستحق كل الحمد والشكر والتمجيد، وينتهى بخاتمة عامة "عَوْنُنَا بِاسْمِ الرَّبِّ ..." (8).
ثم يعود إلى الصور المجازية من جديد، فيقول وهو يستحضر الصورة الأولى، صورة الوحش :"مُبَارَكٌ الرَّبُّ الَّذِي لَمْ يُسْلِمْنَا فَرِيسَةً لأَسْنَانِهِمْ.". إنه يعـبر عـن آلام تشبه آلام التهام الفريسة (مز 22 : 13 – 20، 79 : 7، إش 38 : 13)، لكنه يبارك الرب ويشكره لأنه لم يسمح بذلك بل أنقذ شعبه مـن أعدائهم ورد سهام الأعداء إلى نحورهم. (مز 3 : 7و8، 41 : 1و2).
فى العدد السابع يضيف صورة أخرى هى صورة الفخ الذى انكسر بفعل الرب، ولذلك "انْفَلَتَتْ أَنْفُسُنَا مِثْلَ الْعُصْفُورِ مِنْ فَخِّ الصَّيَّادِينَ. الْفَخُّ انْكَسَرَ وَنَحْنُ انْفَلَتْنَا." (عا 3 : 5، أم 7 : 23) نعم يقول المرنم "...لأَنَّهُ يُنَجِّيكَ مِنْ فَخِّ الصَّيَّادِ" (مز91 : 1-3).
فى العدد الثامن يقدم لنا المرنم خاتمة عامة وإعلاناً صحيحاً وشاملاً عن شخص الله. يستند هذا الإعلان فى صحته على أساس اختبار النجاة والخلاص : "عَوْنُنَا بِاسْمِ الرَّبِّ الصَّانِعِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ." لقد أعاننا الله وخلصنا عندما صرخنا إليه ... إنه هو وحده الذى يخلص وينقذ عندما نلجأ إليه. لاشئ ولا شخص آخر يصلح. لأنه "صانع السموات والأرض". إنه رب القدرة والجلال .. إيل شدّاى.. الله القدير مصدر القوة والمعونة التى توافينا فى حينها. إن معونته حقيقية وفعّالة. فمهما كان فخ الناس يكسره الرب، ويُطلق أنفسنا فى اختبار جديد.
ونحن كم مرة اختبرنا نفس الاختبار ؟
· كأمة، قام الناس علينا ليبتلعونا أحياء، لكن وسط ضيقتنا وضعفنا تأتى النجاة والخلاص من عند الرب ... ولعل حرب أكتوبر 1973 خير شاهد على تلك الحقيقة فى تاريخنا الحديث. "وانفلتت أنفسنا مثل العصفور من فخ الصيادين".
· والكنيسة، كم من ظروف عصيبة ومخاطر شديدة واجهتها، وفى الوقت المناسب كان الرب يتدخل بطريقة لم تخطر ببال أحد (إش 25 : 1-5، إش 37 : 14 –20، 33 – 38). نعم لقد اختبرت الكنيسة صدق القول "كُلُّ آلَةٍ صُوِّرَتْ ضِدَّكِ لاَ تَنْجَحُ وَكُلُّ لِسَانٍ يَقُومُ عَلَيْكِ فِي الْقَضَاءِ تَحْكُمِينَ عَلَيْهِ." (إش 54 : 17).
لقد وعدنا المسيح : "..أَبْنِي كَنِيسَتِي وَأَبْوَابُ الْجَحِيمِ لَنْ تَقْوَى عَلَيْهَا." (مت 16 : 18)
إن الكنيسة - رغم ضعفها الظاهر ورغم الاضطهاد العنيف لها من البداية –عاشت ونمت. تتضح هذه الحقيقة بجلاء حينما نلقى نظرة عابرة على تاريخها. فلقد واجهت المؤامرات الكثيرة ابتداء بتلك التى واجهت الطفل يسوع منذ نعومة أظافره، فهرب به يوسف ومريم إلى مصر. واستمرت المؤامرات والمكائد تحاك لـه حتى بلغت ذروتها فى الصليب (مز22). ولكن انفلت مثل العصفور من فخ الصيادين.

الفخ انكسر وقام يسوع وأقام معه كنيسته فى بداية صغيرة كفتيلة مدخنة يمكن إخمادها سريعاً.
هكذا ظنت السلطات اليهودية وأباطرة الرومان، لكن الكنيسة استمرت بل واتسعت ونمت وغزت العالم وفتنت المسكونة كلها.. هذا هو التاريخ القديم، لكن الذكريات الحية تتحدث عن طغاة اضطهدوا الكنيسة لكنهم انتهوا وانهارت ممالكهم العظمى، وانفلتت الكنيسة كالعصفور من فخ الصيادين صامدة أقوى مما كانت. ولعل البعض منا مازال يذكر أسطورة الاتحاد السوفيتى السابق. وكيف انتهى، لتخرج الكنيسة من تحت الأرض هناك لترى النور.
وكأشخاص وعائلات : فى مواجهة الناس والظروف، فى هجمات التجارب والوحش والسيل والفخ والمحن.. كدنا نضيع لولا الرب الذى كان لنا ومازال. لذلك نهتف "عَوْنُنَا بِاسْمِ الرَّبِّ الصَّانِعِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ."
إن شكرنا القلبى العميق لله يستند على المرات الكثيرة التى صدق وعده وأظهر أمانته من نحونا، فله وحده كل المجد.

فهل تستطيع – عزيزى – أن تكتب بكلماتك وأسلوبك الخاص ترنيمة مماثلة لهذه الأنشودة. ترى ماذا تستطيع أن تقول فيها؟
  رد مع اقتباس
قديم 20 - 05 - 2012, 07:51 AM   رقم المشاركة : ( 7 )
Magdy Monir
..::| VIP |::..

الصورة الرمزية Magdy Monir

الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 12
تـاريخ التسجيـل : May 2012
العــــــــمـــــــــر : 57
الـــــدولـــــــــــة :
المشاركـــــــات : 51,017

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو

Magdy Monir غير متواجد حالياً

افتراضي

مزمور 125

ملجأ الأمان



1اَلْمُتَوَكِّلُونَ عَلَى الرَّبِّ مِثْلُ جَبَلِ صِهْيَوْنَ الَّذِي لاَ يَتَزَعْزَعُ بَلْ يَسْكُنُ إِلَى الدَّهْرِ. 2أُورُشَلِيمُ الْجِبَالُ حَوْلَهَا وَالرَّبُّ حَوْلَ شَعْبِهِ مِنَ الآنَ وَإِلَى الدَّهْرِ. 3لأَنَّهُ لاَ تَسْتَقِرُّ عَصَا الأَشْرَارِ عَلَى نَصِيبِ الصِّدِّيقِينَ لِكَيْ لاَ يَمُدَّ الصِّدِّيقُونَ أَيْدِيَهُمْ إِلَى الإِثْمِ. 4أَحْسِنْ يَا رَبُّ إِلَى الصَّالِحِينَ وَإِلَى الْمُسْتَقِيمِي الْقُلُوبِ. 5أَمَّا الْعَادِلُونَ إِلَى طُرُقٍ مُعَوَّجَةٍ فَيُذْهِبُهُمُِ الرَّبُّ مَعَ فَعَلَةِ الإِثْمِ. سَلاَمٌ عَلَى إِسْرَائِيلَ.

رأينا فيما سبق أن هذه المجموعة من ترانيم المصاعد تتميز بصياغتها المملوءة الصور واللوحات، والآن أضيف أن هذه الصور مأخوذة من لقطات حية من الحياة اليومية، فصورة الحارس (مز121)، والزارع (مز126)، والأسرة (مز128)، والعشب الجاف على السطوح (مز129)، والرقـيب (مز130)، والطفل النائم "الفطيم" (مز131)، ومدينة أورشليم المحاطة بالجبال (مز125)، كل هذه الصورة مأخوذة من البيئة المألوفة للحجاج اليهود.

وهذا المزمور (125) يعبر عن الثقة والثبات فى وسط مخاطر الحياة بسبب الإيمان العميق بقوة الرب الثابتة وأمانته الأبدية (انظر مز 23، 123، 131). ففى أوقات الضغط والاضطهادات والظروف الصعبة كثيراً ما تغيب هذه الحقيقة عنا، فيخور إيماننا وتفشل حياتنا الروحية لأن اليأس يتسرب إلينا ونعجز عن رؤية الله وسط كل مشكلاتنا.
لقد كتِب هذا المزمور فى فترة قلق وخوف بعد حرب الأعصاب التى شَنّها السامريون على اليهود العائدين من السبىّ. (عز 9 : 4 ، 10 – 14 ، نح 4 : 7 – 9 ، 6 : 9 – 14 ). ولقد تأثر بعض اليهود بسبب هذه الفترة لدرجة حدوث هزة إيمان وضعف ويأس دفع المرنم إلى طلب تدخل الله، ليخلّص شعبه ويطرد أصحاب الطرق المعوجة.
ويُختَم المزمور بصلاة تعبدية، لسلام الشعب "سلام على إسرائيل" وهى خاتمة متكررة فى المزامير، ففى مزمور 29 : 11، يقول المرنم "الرَّبُّ يُعْطِي عِزّاً لِشَعْبِهِ. الرَّبُّ يُبَارِكُ شَعْبَهُ بِالسَّلاَمِ. " وفى مزمور 122 : 7 و8، "لِيَكُنْ سَلاَمٌ فِي أَبْرَاجِكِ..". وفى مزمور 128: 6، "سَلاَمٌ عَلَى إِسْرَائِيلَ".

والسؤال الذى يجيب عنه هذا المزمور هو : كيف يمكننا أن نختبر الإحساس العميق بالسلام وسط ضغوط الحياة اليومّية والمشكلات المتعددة؟
والإجابة التى يقدمها المرنم والتى تعبر عن قناعته واختباره هى : نحن نختبر الأمان والسلام حين نتعلق بشخص الرب ونحتمى فيه، لأنه ملجأ الأمان الثابت والدائم الذى لا يتغير، ولا يسقط، ولا يمكن اختراقه.

وفى "ملجأ الأمان" يمكننا أن نرى فكرتين كبيرتين :
أولاً : الرب الحامى (1 – 3) :
الرب يحيط (1 و 2) :
يقول المرنم : "1اَلْمُتَوَكِّلُونَ عَلَى الرَّبِّ مِثْلُ جَبَلِ صِهْيَوْنَ الَّذِي لاَ يَتَزَعْزَعُ ... 2أُورُشَلِيمُ الْجِبَالُ حَوْلَهَا وَالرَّبُّ حَوْلَ شَعْبِهِ". فكما تحيط الجبال بأورشليم من الشمال والشرق والجنوب (2)، هكذا يحيط الرب بشعبه ليحميهم، فجملة "الرب حول شعبه من الآن وإلى الدهر" هى رمز لعلاقة الرب بشعبه وحضوره الدائم حول شعبه، كما تشير إلى ثبات هذه العلاقة وعدم تغيّرها. كذلك توِّضح هذه الكلمات "جماعيّة" العلاقة مع الرب، أى أنه اختبار كل الشعب "الرب حول شعبه"، وهو أوسع وأبعد من اختبار الفرد (يؤ3 : 16 - 18). إن المؤمن يجد حمايته عندما يرتبط بالرب وبشعبه، فنحن فى المسيح وفى الكنيسة، ولا يمكن أن نكون فى المسيح وخارج الكنيسة، تماماً كما لا يجب أن نكون فى الكنيسة وخارج المسيح. إن قبول عمل نعمة الله والخلاص بالمسيح يشتمل فى ذات الوقت على الانضمام إلى كنيسة المسيح لأنها الجسد المبارك لشخصه الكريم.
وعلاقة الإيمان هذه هى التى تميِّز وتجمع شعب الرب (1)، فهم "المتوكلون على الرب"، والمؤمنون والواثقون به وحده، والذين لهم عهد معه، واختارهم كما اختار صهيون قديماً (مز 78 : 68 - 69)، وهم الذين يلمسون ويرون حضوره حولهم، ولذلك هم "مثل جبل صهيون الذى لا يتزعزع بل يسكن إلى الدهر". إنهم راسخون كالجبل برغم الظروف الصعبة لأنهم ينظرون الرب ويثبتون النظر على شخصه.
الرب يحرر شعبه (3) :
إنه يحيط بهم ليحمى من الخارج ويحررهم ليحمى من الداخل، وهنا نبوة تؤكد حقاً ثابتاً : "3لأَنَّهُ لاَ تَسْتَقِرُّ عَصَا الأَشْرَارِ عَلَى نَصِيبِ الصِّدِّيقِينَ". إن سلطة الأشرار وحكم الأجنبى وقسوة الظروف لا تدوم على نصيب الصديقين. والصديقون هم المتوكلون على الرب. وهم المؤمنون العابدون حقيقة (1)، وهم كذلك السالكون فى بره (3). (انظر إر 7 : 1 – 7)
ولعل القارىء العزيز يلاحظ هنا المقابلة بين "الصديقين" و "الأشرار". كذلك بين "نصيب" و "عصا". والفكرة هنا أن الأرض كانت تحت سلطة المقاومين، وكان الشعب يشعر بالقهر والظلم واليأس حتى إن البعض فشل فى إستمرار إيمانه فارتكب أعمالاً أثيمة، لأن الشر يفسد كل شىء. وهنا يأتى هذا الحق أن الرب يُقَصِّر هذه المدة ويُحّرر الأرض والشعب ويشجع المؤمنين به "لكيلا يمد الصديقون أيديهم إلى الإثم" أى لكيلا يفشل إيمان الشعب.
فالمؤمنون الصديقون لهم إله عادل وأب محب يحيط بهم، ويحررهم ويخلصهم من قهر الناس أو الظروف. يحميهم من الخارج ومن الداخل وهو لا يسمح بدوام الأوضاع المقلوبة إلى الأبد، بل سيتدخل ويحرر ويسند إيمان أولاده. "لَمْ تُصِبْكُمْ تَجْرِبَةٌ إِلاَّ بَشَرِيَّةٌ(يمكن يحتملها البشر، أو يتعرض لها كل البشر).. وَلَكِنَّ اللهَ أَمِينٌ الَّذِي لاَ يَدَعُكُمْ تُجَرَّبُونَ فَوْقَ مَا تَسْتَطِيعُونَ بَلْ سَيَجْعَلُ مَعَ التَّجْرِبَةِ أَيْضاً الْمَنْفَذَ لِتَسْتَطِيعُوا أَنْ تَحْتَمِلُوا."(1 كو 10 : 13)

ثانياً : الرب المُجازي (4 و5) :
ويتم هذا الجزاء فى شكلين :
إيجاباً (4) : حينما "يحسن الرب إلى الصالحين وإلى المستقيمى القلوب". وهذه هى الطلبة التى يرفعها المرنم فى صلاته، فمجد الصلاح يقوم فى قدرة الله على كشف الحقيقة "أَنَّ الرَّبَّ اللهَ شَمْسٌ وَمِجَنٌّ. الرَّبُّ يُعْطِي رَحْمَةً وَمَجْداً. لاَ يَمْنَعُ خَيْراً عَنِ السَّالِكِينَ بِالْكَمَالِ." ( مز 84 : 11) كذلك ".. وَأَمَّا طَالِبُو الرَّبِّ فَلاَ يُعْوِزُهُمْ شَيْءٌ مِنَ الْخَيْرِ." ( مز34 :10).
سلباً (5) : "5أَمَّا الْعَادِلُونَ إِلَى طُرُقٍ مُعَوَّجَةٍ فَيُذْهِبُهُمُِ الرَّبُّ مَعَ فَعَلَةِ الإِثْمِ. سَلاَمٌ عَلَى إِسْرَائِيلَ." ويقصد بذلك أن الرب يطرد الراجعين إلى الطرق المعْوَجَّة بعيداً مع فعلة الشر. ثم يختم المرنم مزموره بصلاة تعبديـة حتى يحقق الله الخير، الذى هـو السلام والأمان لشعبه، فيقول "سَلاَمٌ عَلَى إِسْرَائِيلَ."

وهكذا يبدأ المزمور بالاتكال على الرب ويختم بالسلام للمتوكلين على الرب، فبين الاتكال والسلام يعيش المؤمن حياته كلها.

أفكار تطبيقية
مفهوم الأمان فى عالم متغير :
كيف يمكن أن نختبر الأمان فى هذا العالم؟ بالنسبة للإنسان البعيد عن الله قد تبدو الحياة مليئة بالحقائق المسّرة والمؤلمة، وقد يعجز عن تفسير ظواهرالحياة الصعبة، وكل ما يمكنه عمله هو محاولة تَحمُّل مشكلاتها. أما بالنسبة للمؤمن، فالحياة مليئة بنفس الحقائق، لكن الإيمان يتعامل مع حقائق الواقع ويستخدمها، حتى المؤلمة منها يُحِّولها إلى تدريب للعقل والنفس وأيضاً إلى اختبار وانتصار للروح.
لم تعد تصلح العقيدة الاسرائيلية، إن الصالح دائماً فى نجاح والشرير دائماً فى فشل وخراب (مز 1) ، لكن الكتاب المقدس يناقش هذه العقيـدة فى حياة أيوب وآسـاف (مز 73) وموقف يونان من أهل نينـوى (يون 3 : 1 - 4 : 3 وحب 1 : 1 – 4 : 12 و13). ولقد ناقش الرب يسوع أيضاً هذه العقيدة فى سياق الحديث عن المولود أعمى ( يو 9 : 3) وقال فى عظته الشهيرة على الجبـل إن الله ".. يُشْرِقُ شَمْسَهُ عَلَى الأَشْرَارِ وَالصَّالِحِينَ وَيُمْطِرُ عَلَى الأَبْرَارِ وَالظَّالِمِينَ"(مت 5 : 45).
وهذا المزمور - مع ما سبق-هو إعادة صياغة لهذا المفهوم، مفهوم الأمان، إن شعب الرب - كغيره - ُمَعَّرض للظروف المختلفة : المُسِّرة والمحزنة على السواء. فهذا هو واقع الحياة والعالم. والإيمان الذى يغلب العالم لا يضمن دائماً الحصانة من الألم، لكنه يمنح يقين الأمان والسلام الداخلى وسط الظروف وبرغم الظروف، لأنه إيمان يرتبط بشخص الرب الحال حول شعبه. هذا ما يؤكده الأنبياء فى العهد القديم (2 مل 6 : 8 - 23) فلقد رأى أليشع مثلاً مركبات من نار وجيشاً إلهياً جباراً يحرسه ويحوطه وقت أن هاجمته قوى الأعداء. إن الإيمان يرى الرب خلف الأحداث ووسطها. وحياة الرب يسوع تؤكد هذا المفهوم ويُظهر الصليب هذا الإيمان الغالب الذى لا يقهر. كذلك تؤكده حياة وخدمة وشهادة الرسل، وقبل المسيح ورسله ظهـر هـذا المفهـوم أيضـاً فـى حياة أبطال الله القديسين (عب 11 : 36 - 39 ).
مفهوم السلام فى عالم مُعَوّجٍٍ :
لقد ارتبط تحقيق السلام فى هذا المزمور بالبروالعدل فى النهاية. ودام هذا السلام للصِدَّيِقين الصالحين ومستقيمى القلوب، وليس بالتنازلات والعدول إلى طرق مْعَوجَّة. (قض 5 : 6).
ويمكننا أن نرى خلف كلمات هذا المزمور نوعين من السلام :
أ- سلام النفس والقلب : لأن الله يقف بجوار المؤمنين به رغم مشكلات الأيام ومصائب الدهر. وهو الذى يمنح سلاماً يفوق كل تصور بحيث يحفظ القلب والفكر فى المسيح يسوع (فى 4 : 7).
ولا يمكن للإنسان أن يحظى بربح هذا السلام ما لم ينل أولاً نوعاً آخر من السلام هو سلام المصالحة مع الله . "1فَإِذْ قَدْ تَبَرَّرْنَا بِالإِيمَانِ لَنَا سَلاَمٌ مَعَ اللهِ بِرَبِّنَا يَسُوعَ الْمَسِيحِ 2الَّذِي بِهِ أَيْضاً قَدْ صَارَ لَنَا الدُّخُولُ بِالإِيمَانِ إِلَى هَذِهِ النِّعْمَةِ الَّتِي نَحْنُ فِيهَا مُقِيمُونَ وَنَفْتَخِرُ عَلَى رَجَاءِ مَجْدِ اللهِ. 3وَلَيْسَ ذَلِكَ فَقَطْ بَلْ نَفْتَخِرُ أَيْضاً فِي الضِّيقَاتِ عَالِمِينَ أَنَّ الضِّيقَ يُنْشِئُ صَبْراً 4وَالصَّبْرُ تَزْكِيَةً وَالتَّزْكِيَةُ رَجَاءً 5وَالرَّجَاءُ لاَ يُخْزِي لأَنَّ مَحَبَّةَ اللهِ قَدِ انْسَكَبَتْ فِي قُلُوبِنَا بِالرُّوحِ الْقُدُسِ الْمُعْطَى لَنَا.". (رو 5 : 1 - 5)
ب- سلام المنطقة والعالم : وهذا السلام كان - ولا زال - يُبْنَى على العدل، فالسلام العادل والشامل لكل الأطراف فى نزاع ما هو الحلُ. إن سلام منطقتنا العربية لا يقوم بالطرق المعْوَجَّة مثل تكديس الأسلحة النووية أو تهديد الناس والأرض أو غيرها ... بل يقوم على التفهم الكامل لظروف واحتياجات الطرف الآخر المتنازع معى. إن هذا فقط هو ما يحقق السلام المنشود. السلام القائم على العدل للجميع، والمنافع المشتركة للكل
  رد مع اقتباس
قديم 20 - 05 - 2012, 07:52 AM   رقم المشاركة : ( 8 )
Magdy Monir
..::| VIP |::..

الصورة الرمزية Magdy Monir

الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 12
تـاريخ التسجيـل : May 2012
العــــــــمـــــــــر : 57
الـــــدولـــــــــــة :
المشاركـــــــات : 51,017

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو

Magdy Monir غير متواجد حالياً

افتراضي

مزمور 126
مبعث الرجاء




1عِنْدَمَا رَدَّ الرَّبُّ سَبْيَ صِهْيَوْنَ صِرْنَا مِثْلَ الْحَالِمِينَ. 2حِينَئِذٍ امْتَلَأَتْ أَفْوَاهُنَا ضِحْكاً وَأَلْسِنَتُنَا تَرَنُّماً. حِينَئِذٍ قَالُوا بَيْنَ الأُمَمِ: [إِنَّ الرَّبَّ قَدْ عَظَّمَ الْعَمَلَ مَعَ هَؤُلاَءِ]. 3عَظَّمَ الرَّبُّ الْعَمَلَ مَعَنَا وَصِرْنَا فَرِحِينَ. 4ارْدُدْ يَا رَبُّ سَبْيَنَا مِثْلَ السَّوَاقِي فِي الْجَنُوبِ. 5الَّذِينَ يَزْرَعُونَ بِالدُّمُوعِ يَحْصُدُونَ بِالاِبْتِهَاجِ. 6الذَّاهِبُ ذِهَاباً بِالْبُكَاءِ حَامِلاً مِبْذَرَ الزَّرْعِ مَجِيئاً يَجِيءُ بِالتَّرَنُّمِ حَامِلاً حُزَمَهُ.

عرفنا سابقاً أن هذه المجموعة من الترانيم تنقسم إلى خمس ثلاثيات صغيرة، تبدأ كل ثلاثية منها بقصيدة يغلب عليها الحزن (أنظر مثلاً مز 120 ومز 123)، لكن الثلاثية "الثالثة" والتى تبدأ بمزمور 126، تختلف عن ذلك قليلاً ، فبرغم مسحة الحزن ونغمة الدموع، إلا أنها أيضاً تمتلئ بروح الفرح والابتهاج.
ويعيش المرنم هنا فترة صعبة فى حياة الشعب، الذى يواجه مشكلات إعادة البناء وتعمير الهيكل والمدينة والأرض، بعد الخراب والإتلاف والإهمال الذى خلفه السبى البابلى بعد عام 537 ق.م. وينظر المرنم إلى الماضى المُلوَّن بكلمات الأنبياء (عزرا – إش 55 : 12 – 13 ، حج 2، زك 8 ) وما سمعه من الآخرين كعصر ذهبى لعمل الرب العظيم معهم، فامتلأت أفواههم ضحكاً وألسنتهم ترنماً حتى شهدت الأمم بهذا العمل العظيم ... لقد كانوا فى حلم كبير، والآن أصبح الحلم مجرد ذكرى جميلة، وكل ما يعيشونه اليوم هو مشكلات وعقبات الحاضر.
وبين العصر الذهبى للخلاص والحرية التى اختبروها فى الماضى، ومشكلات ومتغيرات الواقع الحاضر، يضيف المرنم كلمة تعزية ورجاء وتشجيع تحتوى على إعلان عصر ذهبى جديد يحمل بين جوانحه ثانية صيحات الابتهاج. فدموع الحاضر تسقى بذور حصاد أفراح المستقبل، إن المرنم يحاول حفظ الرجاء حيّاً فى قلوب الشعب وسط توالى القضايا والأحداث والمشكلات القومية.

علق "J.E Mc Fadyen " على هذا المزمور بقوله :
"إن هذا المزمور يُعَبِّر عن طبيعة التجربة الإنسانيةّ، التى فيها يختلط ويمتزج الضحك والدموع، الحزن والفرح، الرفض والشكر، السبىّ والحرية، الربيع والخريف، الحلم الجميل والواقع الصعب .. لكن الحزن يُبتلع فى الرؤيا الجميلة التى ينتهى بها".

ويمكننا أن نرى فى هذا المزمور فكرتين كبيرتين :
أولاً : مجد الماضى (1- 3)
نظر بعض الدارسين مثل Duhm, Gunhel, Oesterley إلى الأفعال التى تَرِد فى هذه الأعداد على أنها أفعال مستقبلية، وبالتالى يجب أن تُفَسَّر اسخاتولوجياً كتعبير عن رجاء سوف يتحقق يوماً ما كتحقيق لنبوة إشعياء. البعض الآخر نظر إلى هذه الأفعال على أنها أفعال ماضية : كما جاءت فى صيغتها اللغوية وفى ترجمات هامة أخرى مثل الفولجاتا والسبعينية والترجوم - وهو ما نراه أيضاً فى الترجمة العربية - ومن هؤلاء العلماء Kittel, Schmdt ”" ،” Cales Herkenne” والكاتب من جانبه يفضل هذا الرأى الأخير.
وإذا كان الاتجاه إلى الماضى هو التفسير الصحيح لهذه الأعداد، فهل تشير الأفعال فيه إلى العودة من السبىّ، أو إلى أحداث أخرى كبرى كالنجاة من وبأ أو مجاعة أو حصار؟ الرأى الأرجح أنها تشير إلى أمجاد الماضى بصفة عامة، والعودة من السبىّ بصفة خاصة. إنها تشير إلى تَدخل وعمل الرب العظيم الذى كان موضوع حديث الكـل، والذى ظـل ذكـرى قومية حية.
إن الشعب لم ينس هذه التجربة القاسية بما فيها من هزيمة ورحلة هوان وإذلال، وتفريق عائلات، ومرارة سبى وحنين إلى العودة، وموت الشيوخ منهم فى أرض غريبة، وولادة جيل لم ير مدينة الآباء بعد. لقد كانوا فى صراع اليأس والرجاء، ثم تَدخل الله وأعادهم إلى بلادهم. كان الأمر كالحلم أن "يرد الرب سبىّ صهيون".
ولقد تذكر الشعب "كم ضحكنا، كم رنمنا فى فرح .. كم كنا سعداء" الترجمة التفسيرية TEV ، أو كم ضحكنا من عدم التصديق (تك 17 : 17، 21 : 6)، لكننا ترنمنا من شدة الفرح وعظمة العمل الذى شهدت به الأمم ... نعم "3عَظَّمَ الرَّبُّ الْعَمَلَ مَعَنَا وَصِرْنَا فَرِحِينَ.".
ومن خـلال التوقف أمام مجد الماضى، نستطيع أن نرى بعض الأفكار التطبيقية :
أ - رسالة الماضى :
إن للماضى رسالة وحديث يتجه بنا أولاً إلى شخص الرب الذى يستحق كل المجد، لأنه رد سبيّنا، وهو الذى عظم العمل معنا. "لقد عمل الرب من أجلنا أعمالاً عظيمة وصرنا فرحين" (RSV)، حتى إن الأمم شهدت بذلك (2). كم عمل الرب معنا فى الماضى أعمالاً مباركة؟ كم غفر لنا؟ كم من مرات أنقذ فيها حياتنا؟ كم حفظ ورعى بيوتنا وشفى أجسادنا وأثمر فى خدمتنا؟ ألا يحق لنا أن نشكر وأن نعطى لاسمه مجداً؟ ألا يليق بنا أن نضم أصواتنا إلى صوت المرنم الذي قال :
1بَارِكِي يَا نَفْسِي الرَّبَّ وَكُلُّ مَا فِي بَاطِنِي لِيُبَارِكِ اسْمَهُ الْقُدُّوسَ. 2بَارِكِي يَا نَفْسِي الرَّبَّ وَلاَ تَنْسَيْ كُلَّ حَسَنَاتِهِ.
نعم إن كل إنجازات حياتنا الماضية ... كل إنجازات خدمتنا وأعمالنا هو فضل نعمة الله الغنية علينا ولنا ومعنا، فنحن شركاء فى عمل الرب.
وتتجه رسالة الماضى ثانياً إلينا، وهى رسالة تحيى فينا الرجاء وتجَدِد الطاقة والهمة وتشَدِد العزائم. إنها رسالة موحية بالأمل والعمل بدلاً من الانهزامية والشكوى واليأس. رسالة تفجر القدرات وتصون الجهد وتبعث على الرضى وتحقيق الذات، وتدفع وتشجع على المثابرة وتجاوز العقبات والمشكلات...
إن رسالة الماضى إلينا تجدد آمالنا وطاقتنا مرة أخرى، وتحرر النفس من سجن رثاء الذات والخوف على المستقبل.
ب- صناعة الماضى :
إن الحاضر هو نتاج ما نصنعه ... ونحن الآن نشارك فى صنع الأحداث التى ستصبح ماضياً بعد قليل. فإن كانت رسالة الماضى المجيد بهذه الأهمية فلننتبه إلى ما نصنعه الآن. وإلى شهادة ما نقوم به لدى الناس من حولنا، شهادة الإيمان الذى تعلنه الحياة، وشهادة الإله الذى فينا. أنت تنسج ثوب الماضى اليوم، فالحاضر بعد قليل سيصبح تاريخاً. لذا اغتنم فرصة الحياة لتصنع منها عملاً رائعاً للرب إلهك.
ج - طبيعة الماضى
لايجب أن نتجاهل الماضى، بل علينا أن نذكره ونستذكره باستمرار لنأخذ منه العظة والعبرة والرسالة. نأخذ منه حديث الأيام وحس التاريخ. "قُلْتُ: الأَيَّامُ تَتَكَلَّمُ وَكَثْرَةُ السِّنِينَِ تُظْهِرُ حِكْمَةً." (أي 32 : 7).
لكن يجب أن ننتبه أن لا نسكن الماضى، ولا نعمل بأدواته أو بطريقة تفكيره، لكن فى مرونة نتعلم من أمجاده وأخطائه ونستلهم الصالح فيه بأدوات ووسائل وطريقة تفكير الحاضر المعاصر والمعاش.
نحن نحترم الماضى ونأخذ منه الدروس والعظات، لكننا لا نعود إليه، فالماضى ولىَّ بلا رجعة ... وليس لنا اليوم إلا اليوم.

ثانياً : تجديد الحاضر(4 – 6) :
وتنقسم هذه الفكرة إلى :
أ- الصلاة (4) :
ملؤها الرجاء أن يكرر الرب عمله، ويعيد لشعبه أمجاد ماضية فى بناء وتجديد حاضره مهما كانت مشاكل إعادة البناء، وحجم الإتلاف والخراب الذى حدث من جراء السبىّ. لذلك يصلى فى عدد 4 "ارْدُدْ يَا رَبُّ سَبْيَنَا" وهى طلبه تتماشى مع ما ورد فى عدد 1. وهى تعنى اما "حَررِّنا" من قسوة مشاكل حاضرنا وساعدنا للتغلب عليها، أو "أعد" ما تبقى من المسبيين هناك. أما "سواقى الجنوب" فهى مجارى الأنهار فى الاقليم الجاف فى صحراء النقب جنوب فلسطين، وهى جافة معظم السنة، لكن عندما يأتى موسم المطر يملأ مجارى وجداول الأنهار ويصبح الإقليم مزدهراً. إن حالة الشعب أشبه بجفاف النقب، لكن كما ينزل المطـر ويروى ويزهر، هكذا يعيد الرب إلى الشعب ثرواته وأزهاره ويجـدد حياتـه وحاضـره مرة أخـرى (أنظر مز85 :1 - 7 ).
ب- الإجابة (5 – 6) :
وتَرِد فى عددى 5 و6 على هيئة نبوة أو مَثَل، ولنا فيها ثلاث حقائق :
1- تكاتف صورتى التجديد :
نجد صورتين فى الأعداد 4ب ، 5 ، 6. الأولى فى عدد 4ب إلهية، لأننا نرى دور الله فى التجديد، والتجديد هنا لا يعنى التغير لحياة الإيمان (Conversion) ، بل يعنى البعث والإحياء والتجدد المستمر الذى يصنعه الله فينا فى كل المجالات. أما الصورة الثانية نجدها فى عددى 5 و6 ونرى فيها الإنسان يقوم بدور حيوى فى هذه العملية. وعلى هذا فإن صناعة الحاضر هى شركة بين الله وبين الإنسان، فالله قام ويقوم بدوره، وعلينا نحن إذا أردنا حصاداً وفيراً أن نقوم بدورنا، وهكذا يصدق قول الشاعر :
إذا أنت لم تزرع وأبصرت حاصداً ندمت على التفريط فى زمن البذر
والتكرار فى "الذَّاهِبُ ذِهَاباً .. مَجِيئاً يَجِيءُ" يفيد التوكيد وتثبيت الدور
لبشرى فى بذل الجهد والعرق (2كو 9 : 6 – 10).
إن الحياة فرصة للزرع باجتهاد ومثابرة مسؤولة وتيقن الحصاد، وفى مجال العمل وتربية الأبناء والخدمة الدينية تصدق الحكمة القائلة "من جَدَّ وجد ومن زرع حصد" ولذا فلنجتهد فى وقت الزرع حتى نحصد فى وقته.
2- نوع الحصاد يكون من نوع الزرع :
وهذا بالضبط ما يعلمه الكتاب المقدس فى مواضع أخرى كثيرة... "فَإِنَّ الَّذِي يَزْرَعُهُ الإِنْسَانُ إِيَّاهُ يَحْصُدُ أَيْضاً. 8لأَنَّ مَنْ يَزْرَعُ لِجَسَدِهِ فَمِنَ الْجَسَدِ يَحْصُدُ فَسَاداً، وَمَنْ يَزْرَعُ لِلرُّوحِ فَمِنَ الرُّوحِ يَحْصُدُ حَيَاةً أَبَدِيَّةً.". (غل 6 : 7 و
3- الحياة فى المسيح تنتهى بالانتصار:
قد نزرع "بالبكاء ... بالدموع"، وهذه الكلمات تشير إلى الإحساس بالمسؤولية، فالزارع لا يعرف الاستهتار أو اللامبالاة.
وهـذه الكلمات تعنى فى الأصل أن الزارع "يبكى فى كل خطوة"، ولعل هذا هو نـفس إحساس إرميا الذى قال : "ياليت رأسى ماء وعينى ينبوع دموع". إنها المعاناة العظيمة لكل عامل أمين فى كرم الرب (2كو 5 : 11، 6 : 1 - 10).
"اَلْحَقَّ الْحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ: إِنْ لَمْ تَقَعْ حَبَّةُ الْحِنْطَةِ فِي الأَرْضِ وَتَمُتْ فَهِيَ تَبْقَى وَحْدَهَا. وَلَكِنْ إِنْ مَاتَتْ تَأْتِي بِثَمَرٍ كَثِيرٍ.". (يو 12 : 24)
لقد أنهى أرنسـت رينـان "حياة المسيح" بالصليب، لكن الحقيقة الكتابية أن "القيامة" هى النهاية. وهى حقيقة إيمانية مسيحية "عِنْدَ الْمَسَاءِ يَبِيتُ الْبُكَاءُ وَفِي الصَّبَاحِ تَرَنُّمٌ." (مز30 : 5) نعم إن الألم جزء من الحياة المسيحية، فالإيمان لا يعصمنا من الألم، لكن النصرة هى فى النهاية من نصيب شعب الرب. وهى حقيقة تشجعنا فى الحياة وتعزينا عند الموت، وتجعلنا نتعامل مع المستقبل بنفس مستوى بركات الماضى، بل "وَالْقَادِرُ أَنْ يَفْعَلَ فَوْقَ كُلِّ شَيْءٍ أَكْثَرَ جِدّاً مِمَّا نَطْلُبُ أَوْ نَفْتَكِرُ، بِحَسَبِ الْقُوَّةِ الَّتِي تَعْمَلُ فِينَا،" (أف 3 : 20)
  رد مع اقتباس
قديم 20 - 05 - 2012, 07:54 AM   رقم المشاركة : ( 9 )
Magdy Monir
..::| VIP |::..

الصورة الرمزية Magdy Monir

الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 12
تـاريخ التسجيـل : May 2012
العــــــــمـــــــــر : 57
الـــــدولـــــــــــة :
المشاركـــــــات : 51,017

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو

Magdy Monir غير متواجد حالياً

افتراضي



مزمور 127

مدخل النجاح



إِنْ لَمْ يَبْنِ الرَّبُّ الْبَيْتَ فَبَاطِلاً يَتْعَبُ الْبَنَّاؤُونَ. إِنْ لَمْ يَحْفَظِ الرَّبُّ الْمَدِينَةَ فَبَاطِلاً يَسْهَرُ الْحَارِسُ. 2بَاطِلٌ هُوَ لَكُمْ أَنْ تُبَكِّرُوا إِلَى الْقِيَامِ مُؤَخِّرِينَ الْجُلُوسَ آكِلِينَ خُبْزَ الأَتْعَابِ. لَكِنَّهُ يُعْطِي حَبِيبَهُ نَوْماً. 3هُوَذَا الْبَنُونَ مِيرَاثٌ مِنْ عِنْدِ الرَّبِّ ثَمَرَةُ الْبَطْنِ أُجْرَةٌ. 4كَسِهَامٍ بِيَدِ جَبَّارٍ هَكَذَا أَبْنَاءُ الشَّبِيبَةِ. 5طُوبَى لِلَّذِي مَلَأَ جُعْبَتَهُ مِنْهُمْ. لاَ يَخْزُونَ بَلْ يُكَلِّمُونَ الأَعْدَاءَ فِي الْبَابِ.

إن الخلفية التاريخية لهذا المقطع من كلمة الله ليست وقت سليمان كما يظن البعض، الذين فهموا أن البيت هو الهيكل، بل هى فترة ما بعد العودة من السبى البابلى. فى هذه الفترة واجه شعب الله واقعاً صعباً فى مهمة إعادة البناء مرة أخرى بعد حالة الدمار التى وصلت إليها البلاد. واجهوا الأعداء والمقاومة الشديدة والإمكانات المحدودة أمام المهمة الصعبة الملقاة على عاتقهم .. فى كل ذلك صارعوا بين النجاح والفشل.

ولذلك يدور هذا المزمور حول فكرة واحدة كبيرة هى "مدخل النجاح" ومن زاوية أخرى يُعَّدُ هذا المزمور واحداً من بين كتابات "الحكمة" التى تظهر فى مزامير 1و49 و73 و128. ويقدم المزمور بعض المبادئ والتطبيقات فى أربع كلمات تشغل العالم اليوم هى : البناء والأمان والأسرة والعمل ، وهذه المبادئ إذا أحسن تطبيقها تحقق للإنسان السعادة والنجاح.

وينقسم المزمور إلى جزئين رئيسيين (1 - 2) و (3 - 5). وهما وإن كانا مستقلين إلا أنهما متداخلان معاً تحت اتجاه واحد هو بطلان المجهودات البشرية بدون الله ، فالله يعمل فى المجهودات والإنجازات البشرية ، وهذه المجهودات والإنجازات تحقق النجاح الحقيقى والقوة إذا تناغمت مع الهدف الإلهى. هذا الاتجاه نجده بوضوح فى تك 11، ففى الأعداد تك 11 : 1-9 نرى الإنسـان يبنى لنفسه برجاً لتخليد اسمه. "«هَلُمَّ نَبْنِ لأَنْفُسِنَا مَدِينَةً وَبُرْجاً رَأْسُهُ بِالسَّمَاءِ. وَنَصْنَعُ لأَنْفُسِنَا اسْماً لِئَلَّا نَتَبَدَّدَ عَلَى وَجْهِ كُلِّ الأَرْضِ»." (تك 11 : 4)، وكانت نتيجة هذا العمل الفشل والبلبلة والتبديد. أما فى تك 11 : 10-32 فنرى الله يعطى لتارح فى هدوء ابناً هو إبرام، ومن إبرام وفى نسله تضاعفت البركة على مدى الأيام.

ويعود هذا المزمور إلى فترة كان معلمو الحكمة فيها يعلّمون بأن خوف الله أساس ومقوم متين لسعادة الإنسان ونجاح الحياة، ويعدّد المرنم أربعة مجالات فى الحياة لا يمكن أن تتحقق بنجاح لو أننا أغفلنا من حساباتنا دور الرب فيها، سواء فى البناء والخلق أو فى الصيانة والحفظ.

أولاً : بناء البيت
"إِنْ لَمْ يَبْنِ الرَّبُّ الْبَيْتَ فَبَاطِلاً يَتْعَبُ الْبَنَّاؤُونَ". والكلمة المستخدمة "البيت" لها معنيان : السكن أو أفراد الأسرة، فهناك تشابه فى الكلمتين العبريتين bonim أى "بناوؤن" ، banim أى " بنون" (عدد 3).

والأسرة مجال هام وحجر أساس فى استقرار واستمرار الكنيسة والمجتمع. ويذكر المرنم هنا شيئاً عن الثراء المادى أو المركز الاجتماعى لأن الأسرة القوية المتماسكة هى فى حد ذاتها ثروة وكرامة عظيمة.

وفى المجتمع المعاصر تعرّضت مكانة الأسرة للاهتزاز الشديد نتيجة عوامل كثيرة مثل غياب المفهوم الحقيقى للزواج كغرض إلهى وعلاقة مقدسة وغاية اجتماعية سامية، أو إساءة فهم الحرية الشخصية، أو ضغوط المادية والمدنية، أوغياب الله كالبانى والراعى لحياة الأسرة، أو غياب أحد الوالدين أو انشغالهم عن مسئولية تربية الأبناء.

والبناء يقصد به التشكيل والخلق، والرعاية والحفظ أى البناء المستمر لتجنب مضاعفات عديدة كتفاقم المشكلات والتفكك وأزمات الانفصال والطلاق والانحراف … الخ.

والحقيقة أن المجال لا يتسع هنا للإسهاب فى هذا الموضوع، لكن الدراسات الأسرية الآن تتزايد، والوعى الكنسى بدأ يستيقظ، أما فى هذا المزمور فالوحى يضع لنا المبدأ الأساسى : "إِنْ لَمْ يَبْنِ الرَّبُّ الْبَيْتَ .." أىّ ليشترك الرب فى تشكيل البيت وفى تأهيله باستمرار.

والرب يصنع ذلك من خلال نعمة الاختيار أى مساعدتنا على الاختيار المناسب لشريك الحياة "فالذى جمعه الله …" (مت 19 : 6) ومن خلال مساعدتنا على تطوير ونمو الزواج باستمرار كبيت يؤسس على الرب يسوع (مت 7 : 24 ، 25)، وأخيراً فهو يعلّمنا حكمة الحوار والاتصال والتفاهم المبنى على الحب والاحترام لشريك الحياة " بِالْحِكْمَةِ يُبْنَى الْبَيْتُ وَبِالْفَهْمِ يُثَبَّتُ" (أم 24 :3)

هذا يعنى أنه بدون الرب لن يكتمل مشروع الأسرة الناجحة. لقد كان الوثنيون القدماء – وقت كتابة هذا المزمور – يعتقدون أن القوى الشريرة تصُبُّ لعنتها على البناء بالمرض أو الزلازل أو أية مصائب أخرى، ولكن إذا كان الرب هو المدافع، والبنّاء فإن البيت يُبنى فى ثقة وأمان "9لأَنَّكَ قُلْتَ: [أَنْتَ يَا رَبُّ مَلْجَإِي]. جَعَلْتَ الْعَلِيَّ مَسْكَنَكَ 10لاَ يُلاَقِيكَ شَرٌّ وَلاَ تَدْنُو ضَرْبَةٌ مِنْ خَيْمَتِكَ." (مز91 : 9و10) إن البيت يُبنى بالرب وفى الرب.


ثانياً : حفظ المدينة
"إِنْ لَمْ يَحْفَظِ الرَّبُّ الْمَدِينَةَ فَبَاطِلاً يَسْهَرُ الْحَارِسُ". فبرغم الحراس قد تسقط المدينة بمجاعة أو وبأ أو خيانة أو هجوم مفاجئ.

فى أغنية الثقة يقول إشعياء : "1فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ يُغَنَّى بِهَذِهِ الأُغْنِيَةِ فِي أَرْضِ يَهُوذَا: «لَنَا مَدِينَةٌ قَوِيَّةٌ. يَجْعَلُ الْخَلاَصَ أَسْوَاراً وَمِتْرَسَةً. 2اِفْتَحُوا الأَبْوَابَ لِتَدْخُلَ الأُمَّةُ الْبَارَّةُ الْحَافِظَةُ الأَمَانَةَ. 3ذُو الرَّأْيِ الْمُمَكَّنِ تَحْفَظُهُ سَالِماً سَالِماً لأَنَّهُ عَلَيْكَ مُتَوَكِّلٌ. 4تَوَكَّلُوا عَلَى الرَّبِّ إِلَى الأَبَدِ لأَنَّ فِي يَاهَ الرَّبِّ صَخْرَ الدُّهُورِ." (إش 26 : 1-4).
ويقول الرب فى سفر زكريا عن أورشليم :
"5وَأَنَا يَقُولُ الرَّبُّ أَكُونُ لَهَا سُورَ نَارٍ مِنْ حَوْلِهَا وَأَكُونُ مَجْداً فِي وَسَطِهَا." (زك 2 : 5).
وفى الأمثال " اَلْفَرَسُ مُعَدٌّ لِيَوْمِ الْحَرْبِ أَمَّا النُّصْرَةُ فَمِنَ الرَّبِّ." (أم 21 : 31).


إن هذه الآية تقدم لنا حفظ المدينة أو المجتمع كشىء يقع فى قلب اهتمام الله. "إِنْ لَمْ يَحْفَظِ الرَّبُّ الْمَدِينَةَ.." وإرادة الله أن تُحفظ المجتمعات مستقرة مهيأة لحياة أفضل لكل إنسان.

ومعنى هذا أيضاً أن المؤمنين الحقيقيين يتجاوبون مع هذا الاهتمام الإلهى بالمجتمع، من خلال اهتمامهم – هم أيضاً – بمدينتهم ومجتمعهم فيعملون على استقراره وتقدمه وحفظه بعيداً عن التطرف الذى يؤدى إلى الإرهاب المدّمر، وبعيداً عن السلبية والانعزالية التى تعطى الفرصة لغير الأسوياء أن يخترقوا المجتمع وأمنه وسلامته.
"بِبَرَكَةِ الْمُسْتَقِيمِينَ تَعْلُو الْمَدِينَةُ وَبِفَمِ الأَشْرَارِ تُهْدَمُ.." (أم 11 : 11).
إن حفظ المجتمع لا يكون بتكديس الأسلحة والترسانات والحروب والهيمنة والقوة ، بل بالتعاون والسلام والتكيف والتعايش إنه لا يكون بالعلم وحده - رغم الأهمية القصوى للعلم كطريق للتقدم – ولكن أيضاً ببناء الإنسان من الداخل فى علاقة حّية مع الله تحفظ له التوازن وبناء القيم الروحية والانسانية الصالحة.

ثالثاً : مجال العمل
"بَاطِلٌ هُوَ لَكُمْ أَنْ تُبَكِّرُوا إِلَى الْقِيَامِ مُؤَخِّرِينَ الْجُلُوسَ..." وربما كان تفكير المرنم متجهاً إلى الشخص الذى يبدأ عمله فى الصباح الباكر حتى ساعة متأخرة من الليل. ويقدم المرنم لنا هذه الحقيقة : لا ثمر بدون الرب الذى يُكَلِّلُ هذا الجهد بالنجاح.


ثم يقول المرنم " مُؤَخِّرِينَ الْجُلُوسَ" وبالعبرية تعنى Being late to sit down (to eat) إذ أن الوجبة الرئيسية للعامل والفلاح تتناول فى نهاية اليوم." لَكِنَّهُ يُعْطِي حَبِيبَهُ نَوْماً" وفى هذه الجملة مشكلتان لغويتان :


الأولى: هى الكلمة المترجمة "لكن" إذ أنها يمكن أن تكون بمعنى "لأن أو لذلك" = For ، والبعض الآخر يرى أنها تعنى "حقا أو بالتأكيد" Surely. والكاتب يرجح أن الأولى قد تكون أفضل.


الثانية: هى الكلمة المترجمة "نوماً" ، فهل هى "حال" وبالتالى تشير إلى الوقت أو الكيفية التى يعطى بها الله البركة؟ أم أنها تشير إلى النوم كبركة فى حد ذاته؟ إن القرينة تشير إلى موقفين تجاه الله هما: الاعتماد عليه أو الاستقلال عنه وليس بين موقفين تجاه العمل ، وبالتالى لا منافسة بين العمل الشاق والنوم.


إذن، ما المعنى أو المعانى المقترحة لكلمة "نوم" هنا ؟

قال داهود إن معناها "غنى"، أما امرتون فقد قال إن معناها "المراكز الرفيعة أو الكرامة". ومع أن هذه المعانى تستند إلى تأييد لغوى إلا أن المعنى الذى قاله Weiser هو أقرب المعانى للصواب من وجهـة نظرنـا: "لكنه يعطى حبيبه فى النوم الشئ المناسب" أو "لأنه يعطى حبيبه فى النوم"For he gives his beloved in sleep فى هذا المعنى أيضاً يقول Malthias Claudius : "نحن نحرث الحقول ونلقى البذار الجيدة .. نطعمها ونرويها .. بيد الله القوية". والمعنى العام يعطينا :


1- راحة اليقين : فالعمل الناجح هو ذلك العمل المنظم الجاد الذى يتم فى إطار الثقة فى الرب والاتكال عليه. وفى تشبيهه للملكوت – والحديث عن ثقتنا فى الله كالراعى والأب لنا – عَلَّمَ الرب يسوع هذا المعنى تماماً. (راجع مر 4 : 26 – 29 ، ولو 12 : 22 – 31). إن الله يعمل فى ومن خلال مجهودنا البشرى وأعمالنا: "وَلْتَكُنْ نِعْمَةُ الرَّبِّ إِلَهِنَا عَلَيْنَا وَعَمَلَ أَيْدِينَا ثَبِّتْ عَلَيْنَا وَعَمَلَ أَيْدِينَا ثَبِّتْهُ." (مز 90 : 17)، وكما سبق القول إن الله يُنجح أعمالنا عندما تنسجم وتتلاقى مجهوداتنا البشرية مع هدفه الإلهي.

يقول الرسول بولس : إِذاً يَا إِخْوَتِي الأَحِبَّاءَ كُونُوا رَاسِخِينَ غَيْرَ مُتَزَعْزِعِينَ مُكْثِرِينَ فِي عَمَلِ الرَّبِّ كُلَّ حِينٍ عَالِمِينَ أَنَّ تَعَبَكُمْ لَيْسَ بَاطِلاً فِي الرَّبِّ." (1كو 15 : 58) ويقول نحميا : "إِلَهَ السَّمَاءِ يُعْطِينَا النَّجَاحَ وَنَحْنُ عَبِيدُهُ نَقُومُ وَنَبْنِي." (نح 2 : 20). إن الله هو صاحب النجاح والثمر والانتصار، فشكراً لله الذى يعطينا الغلبة بربنا يسوع المسيح.

إذن فالمرنم يقدم لنا دعوة لكى يكون الله فى مكانه اللائق والصحيح فى الحياة العاملة، وعندما يكون الله فى مكانه اللائق والصحيح يعطينا راحة فى النهار فى حياتنا ويجعلنا نشتغل بهدوء ونأكل خبزناً بلا كسل أو تواكل، وبلا توتر أو هم أو قلق، بل نعمل فى ثقة ويقين وراحة مدركين أن الله يعمل معنا وبنا.

"28تَعَالَوْا إِلَيَّ يَا جَمِيعَ الْمُتْعَبِينَ .. وَأَنَا أُرِيحُكُمْ.. فَتَجِدُوا رَاحَةً لِنُفُوسِكُمْ. " (مت 11 : 28 – 29) "إِذاً بَقِيَتْ رَاحَةٌ لِشَعْبِ اللهِ!" (عب 4 : 9) والله يعطي راحة حتى فى النوم : راحة الضمير الذي ينتج نوماً عميقاً، "بِسَلاَمَةٍ.. أَنَامُ ..فِي طُمَأْنِينَةٍ" (مز4: 8 )، وراحة الأجير النشيط عند انتهاء يومه فيتمتع بتجديد الطاقة، وسلام النفس، وإستقرار الفكر والإرادة، ووضوح الرؤية فى مواقف الحياة المتشابكة، واكتشاف الحلول الممكنة للمشكلات. لقد نام بطرس فى السجن ونام يسوع فى العاصفة.


2- نعمة الاكتفاء : عندما يكون الله فى مكانه اللائق والصحيح فى حياتنا فإنه يعطينا نعمة الاكتفاء. إن المزمور كله عبارة عن شرح للآية الواردة فى أم 10 : 22 "بَرَكَةُ الرَّبِّ هِيَ تُغْنِي وَلاَ يَزِيدُ الرَّبُّ مَعَهَا تَعَباً.". ويقول الرسول بولس : "..تَعَلَّمْتُ أَنْ أَكُونَ مُكْتَفِياً بِمَا أَنَا فِيهِ." (فى 4 : 11)، "8فَإِنْ كَانَ لَنَا قُوتٌ وَكِسْوَةٌ فَلْنَكْتَفِ بِهِمَا." (1 تى 6 : 8). إنه الإحساس الرائع بالرضى.


3- حكمة التنظيم : وعندما يكون الله فى مكانه اللائق والصحيح، يمنحنا حكمة التنظيم للوقت، القائم على بركة إدراك الأولويات الصحيحة فى الحياة .. الله – الأسرة – العمل – الخدمة.

رابعاً : الأولاد
"3هُوَذَا الْبَنُونَ مِيرَاثٌ مِنْ عِنْدِ الرَّبِّ ثَمَرَةُ الْبَطْنِ أُجْرَةٌ. 4كَسِهَامٍ بِيَدِ جَبَّارٍ هَكَذَا أَبْنَاءُ الشَّبِيبَةِ. 5طُوبَى لِلَّذِي مَلَأَ جُعْبَتَهُ مِنْهُمْ. لاَ يَخْزُونَ بَلْ يُكَلِّمُونَ الأَعْدَاءَ فِي الْبَابِ."
إذا أراد الإنسان أن يبنى عائلة، عليه أن يتذكر أن البنين ميراث من عند الرب. هم ليسوا فقط لامتداد النسل واستمراره، بل كأبناء الشبيبة للدفاع ضد الأعداء كسهام بيد جبار. وإذا اُتهم رب الأسرة، لا يخشى الذهاب إلى المحكمة عند باب المدينة وبجوار أعدائه لأن أبناءه حوله. وترد هذه الآية فـى الترجمة السبعينية (LXX ) أن الأب لا يخزى بل يكلم الأعداء فى الباب.
والأولاد مسؤولية قبل أن يكونوا أصولاً حية. إنهم :
* ميراث من عند الرب أو عطية منه تعالى
* أجرة كثمرة البطن. مكافأة ، ولكنهم
* سهام بيد جبار لأنهم أبناء الشبيبة، وهذه الجملة تحتمل معنيين:
الأول : أنهم الأبناء الذين بلغوا سن الشباب.
الثانى : أنهم الأبناء الذين ولدوا فى شباب والديهم.
والسهام تحتاج إلى عناية فائقة. وتحتاج إلى قدرة فى الاستقامة لسرعة وقوة الانطلاق لمسافة أكبر. وتحتاج إلى دقة فى التصويب نحو الهدف، كما تحتاج إلى دراية ومران فى الرماية. هكذا يحتاج الأبناء إلى رعاية فائقة واهتمام دائم ليصبحوا شخصيات مؤثرة قادرة أن تحقق أهدافها فى الحياة.
ثم يقول المرنم "طُوبَى لِلَّذِي مَلَأَ جُعْبَتَهُ مِنْهُمْ "، فبقدر عظم الوعد بقدر ما يكون الأولاد ملء اليد handful قبل أن يكونوا ملء الجعبة للدفاع. من يملأ جعبته منهم يكون صاحب مركز قوى فى المجتمع، وعندما يقف أمام أعدائه فى المحكمة "الباب" أى باب المدينة لا يخزى، وهو يكلمهم لأن أولاده حوله.... ولا يخزون هم بل يكلمون الأعداء فى الباب فلا يستطيع الأعداء الوصول لأبيهم فيتمتع الجميع بالأمن والأمان.
يقول المرنم : " 1هَلِّلُويَا. طُوبَى لِلرَّجُلِ الْمُتَّقِي الرَّبَِّ الْمَسْرُورِ جِدّاً بِوَصَايَاهُ. 2نَسْلُهُ يَكُونُ قَوِيّاً فِي الأَرْضِ. جِيلُ الْمُسْتَقِيمِينَ يُبَارَكُ. 3رَغْدٌ وَغِنًى فِي بَيْتِهِ وَبِرُّهُ قَائِمٌ إِلَى الأَبَدِ.". (مز 112 :1 – 3)
  رد مع اقتباس
قديم 20 - 05 - 2012, 07:54 AM   رقم المشاركة : ( 10 )
Magdy Monir
..::| VIP |::..

الصورة الرمزية Magdy Monir

الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 12
تـاريخ التسجيـل : May 2012
العــــــــمـــــــــر : 57
الـــــدولـــــــــــة :
المشاركـــــــات : 51,017

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو

Magdy Monir غير متواجد حالياً

افتراضي


مزمور 128
مخافة الرب


"1طُوبَى لِكُلِّ مَنْ يَتَّقِي الرَّبَّ وَيَسْلُكُ فِي طُرُقِهِ 2لأَنَّكَ تَأْكُلُ تَعَبَ يَدَيْكَ. طُوبَاكَ وَخَيْرٌ لَكَ. 3امْرَأَتُكَ مِثْلُ كَرْمَةٍ مُثْمِرَةٍ فِي جَوَانِبِ بَيْتِكَ. بَنُوكَ مِثْلُ غُرُوسِ الزَّيْتُونِ حَوْلَ مَائِدَتِكَ. 4هَكَذَا يُبَارَكُ الرَّجُلُ الْمُتَّقِي الرَّبَّ. 5يُبَارِكُكَ الرَّبُّ مِنْ صِهْيَوْنَ وَتُبْصِرُ خَيْرَ أُورُشَلِيمَ كُلَّ أَيَّامِ حَيَاتِكَ 6وَتَرَى بَنِي بَنِيكَ. سَلاَمٌ عَلَى إِسْرَائِيلَ".

يعتبر هذا المزمور من كتابات الحكمة (مثله فى ذلك مثل مزمور 127) ومن السمات التى تميّز هذا النوع من الكتابة سمة تكرار الفكرة عدة مرات بهدف تأكيد الحقائق الهامة. والحقيقة الهامة التى ينبّر عليها كاتب المزمور هنا هى أن للتقوى ولمخافـة الـرب مكافـأة هى الاستقرار والنجاح والسلام
(أم 2 : 10 - 22، 3 : 5 - 10، 4 : 5 - 13).
إن كل فرد أو جماعة تعيش فى دائرة خوف الله ستحظى بدون شك بالنجاح والتقدم.
كُتب المزمور فى فترة الأزمة التى عاشها الشعب فى فترة ما بعد العودة من السبى، وقت أن كانت الإمكانيات ضئيلة والبلاد منهارة والأعداء تتربص بالشعب من كل جانب. كانت الحالة قاسية للغاية، ووقتها رفع المرنم صوته بالتسبيح قائلاً "طُوبَى لِكُلِّ مَنْ يَتَّقِي الرَّبَّ وَيَسْلُكُ فِي طُرُقِهِ".
ويرسم المزمور صورة لفلاح أو مزارع تدرّب أن يرى بركات الله لأمانته، ونتائج علاقته الحية مع الرب.

ويمكننا أن نرى ثلاثة أفكار رئيسيّة فى هذا المزمور
:1-العامـل الأمين 1و2 : دائرة الفرد.
2-العائلة الموفّقـة 3 و4 : دائرة الأسرة.
3-المجتمع المستقر 5 و6 : دائرة الكنيسة والمجتمع.
وهكذا نرى ثلاث دوائر تتسع كل منهما عن الأخرى التى تسبقها، دائرة الفرد ثم الدائرة الأوسع : العائلة، وأخيراً الدائرة الأكثر شمولاً : المجتمع والكنيسة.

أولاً : العامل الأمين (1 و2) :

"1طُوبَى لِكُلِّ مَنْ يَتَّقِي الرَّبَّ وَيَسْلُكُ فِي طُرُقِهِ 2لأَنَّكَ تَأْكُلُ تَعَبَ يَدَيْكَ. طُوبَاكَ وَخَيْرٌ لَكَ."
يقول المرنم : يا لسعادة الشخص الذى يتقى الرب. والتقوى هى الإيمان بوجود الله والحياة فى مخافته. وتقوى الله عكس الجهل، فالجاهل هو الذى لايؤمن بوجود الله. "قَالَ الْجَاهِلُ فِي قَلْبِهِ: [لَيْسَ إِلَهٌ]." (مز 14 : 1)،
وبالتالى فالجاهل يحيا وكأن الله غير موجود - على الأقل بالنسبة له - أما الشخص التقى فهو الذى يمارس حضور الله يومياً فى كل مجالات الحياة والسلوك فى دائرة الله .

إن التقوى ليست كلمات ولا مظهراً أجوف، كذلك ليست هى مجرد مشاعر أو انفعالاً، لكن التقوى موقف فكرى نحو الله ينتج سلوكاً عملياً مستقيماً أميناً قدام الله فى البيت أو الحياة العامة أو كما يقصد هنا فى العمل. لقد كان اليهود فى القديـم يتجنبون ذكر اسمه " الله " كنوع من المبالغة فى التكريم والتقـديس، وكان كتبـة التوراة يغسلـون القلم ويُغَيِّرون قارورة الحبـر ويبــدّلون ملابسهـم ويتطهـرون طقسياً قبل كتابة "الاسم " أو " أدوناى". فهل هذه كلها دلالات صحيحة عن التقوى الحقيقية ؟؟!

والكلمــة " طوبـى " هنا هى فى الأصل تعنى Blessed وهى تختلف عن الكلمة التـى جـاءت فى صـدد المزمور الأول فالكلمـة الواردة فى مز 1 : 1 تعنى حالة البركة الثابتة، أما الكلمة الواردة هنا فتتضمن دلالة اجتماعية ديناميكية. إنها بركة نامية متزايدة فى الخير.


"2لأَنَّكَ تَأْكُلُ تَعَبَ يَدَيْكَ" (2) إن تقوى الله تنعكس على العمل فيجتهد الإنسان ويبدع ويبتكر ويعطى، وينتج عن هذه الأمانة فى العمل الحصاد الوفير والخير الفياض. "فَإِذَا تَوَاضَعَ شَعْبِي الَّذِينَ دُعِيَ اسْمِي عَلَيْهِمْ وَصَلُّوا وَطَلَبُوا وَجْهِي وَرَجَعُوا عَنْ طُرُقِهِمِ الرَّدِيئَةِ فَإِنِّي أَسْمَعُ مِنَ السَّمَاءِ وَأَغْفِرُ خَطِيَّتَهُمْ وَأُبْرِئُ أَرْضَهُمْ." (2 أخ 7 : 14).


والعكس أيضاً صحيح فـى "12مَنْ هُوَ الإِنْسَانُ الْحَكِيمُ الَّذِي يَفْهَمُ هَذِهِ وَالَّذِي كَلَّمَهُ فَمُ الرَّبِّ فَيُخْبِرُ بِهَا؟ لِمَاذَا بَادَتِ الأَرْضُ وَاحْتَرَقَتْ كَبَرِّيَّةٍ بِلاَ عَابِرٍ؟ 13فَقَالَ الرَّبُّ: [عَلَى تَرْكِهِمْ شَرِيعَتِي الَّتِي جَعَلْتُهَا أَمَامَهُمْ وَلَمْ يَسْمَعُوا لِصَوْتِي وَلَمْ يَسْلُكُوا بِهَا. 14بَلْ سَلَكُوا وَرَاءَ عِنَادِ قُلُوبِهِمْ وَوَرَاءَ الْبَعْلِيمِ الَّتِي عَلَّمَهُمْ إِيَّاهَا آبَاؤُهُمْ." (إر 9 : 12 - 14).


إن تقوى الله لا تدفع إلى حياة الكسل، لكنها تظهر فى العمل والعطاء والإنجاز.

إن معجزة الإنجاز اليوم تكمن فى شعور المؤمن أنه يحيا ويعمل فى محضر الله، فيخطط ويدرس، ويجتهد ويعمل، ويبتكر ويخترع، وهكذا يختبر بركة الرب له فى مجال العمل عن طريق الاجتهاد.


المرنم - فى كل ذلك - يفرِّق بين الجهد العادى، والجهد النابع من موقف إيمانى، الذى يجعل المؤمن يعمل ويجتهد متكلاً على وعد الله المشجع بالنجاح.

"طُوبَى لِكُلِّ مَنْ يَتَّقِي الرَّبَّ وَيَسْلُكُ فِي طُرُقِهِ" (هذا هو المفهوم).

"تَأْكُلُ تَعَبَ يَدَيْكَ." (هذا هو التطبيق).

"َخَيْرٌ لَكَ" (هذه هى النتيجة).


ثانياً : العائلة الُموفَقَّة (3و4) :

"امْرَأَتُكَ مِثْلُ كَرْمَةٍ مُثْمِرَةٍ فِي جَوَانِبِ بَيْتِكَ" ... المرأة

"بَنُوكَ مِثْلُ غُرُوسِ الزَّيْتُونِ حَوْلَ مَائِدَتِكَ." ... الأولاد

"هَكَذَا يُبَارَكُ الرَّجُلُ الْمُتَّقِي الرَّبَّ."... الرجل


لقد فسَّر بعض آباء الكنيسة - مثل يوحنا فم الذهب وأغسطينوس - الآية الثالثة تفسيراً رمزياً، فقالوا إن المرأة هى الكنيسة زوجة المسيح. لكن لوثر أعادنا فى عصر الإصلاح إلى المعنى الطبيعى فى النص، وابتعد عن المدرسة الرمزية وعن الفصل الزائف بين الحياة الدينية والحياة اليومية. وأكّد لوثر أن الكرمة هى "الزوجة". وهكذا كان للإصلاح فضل نشر هذا المبدأ التفسيرى : لا نجد غضاضة فى الربط بين "المقدس" و "الدنيوى"، بين "الحياة الدينّية" و "الحياة الدنيويّة اليوميّة". لقد أعطانا اللهُ الإيمان لكى نحياه ونطبقه فى الحياة الدنيويّة، "وما جمعه الله لا يفرقه إنسان".


"امْرَأَتُكَ مِثْلُ كَرْمَةٍ مُثْمِرَةٍ فِي جَوَانِبِ بَيْتِكَ" والإثمار لا يقصد به فقط الإنجاب، ولكن يقصد به أيضاً البهجة والجاذبية. وهذان المعنيان ارتبطا بالكرمة فى الكتاب المقدس.

فِي جَوَانِبِ بَيْتِكَ : يقصد بهذه الكلمات أن امرأة الرجل التقى تعطى الأولوية المطلقة لبيتها فتملأه بالرائحة العطرة والبهجة والسعادة، ويكون لها القدرة على طرد الملل من البيت وتجديد علاقات الأسرة، فيمتلئ كل أفراد البيت بالمشاعر والمعانى الجميلة نحو بعضهم البعض. إنها ليست دعوة لكى تلتزم السيدات ببيوتهن فلا يخرجن إلى العمل، بل هى دعوة لكل السيدات لكى يعطين الأولوية المطلقة لبيوتهن فى الاهتمام.


والكرمة تحتاج باستمرار إلى السند والمعونة والمشاركة، وهكذا يتحقق لها -هى نفسها - النمو والازدهار.
إن جاذبية المرأة مرتبطة :
* بإخلاصها وأمانتها.
* واهتمامها الواجب والمعقول ببيتها وأفراد أسرتها.
* واستعدادها لتَقَبلُها المشاركة والمعونة.
كل ذلك يؤدى إلى تجديد الحياة والعهد والحب فى الأسرة.


ثم يقول المرنم :

"بَنُوكَ مِثْلُ غُرُوسِ الزَّيْتُونِ حَوْلَ مَائِدَتِكَ." (3 ب).
إنهم "كَسِهَامٍ بِيَدِ جَبَّارٍ هَكَذَا أَبْنَاءُ الشَّبِيبَةِ." (127 :4).

وهم "غُرُوسِ الزَّيْتُونِ" التى تنطق بالحيوية والنضارة.
إن أولادنا وشبابنا فى حاجة إلينا، لكى نبذل الوقت والجهد والتفكير والصلاة من أجلهم. إنهم فى حاجة إلى الرعاية الطويلة والصبر والتوجيه حتى يكبروا فى خوف الرب وانذاره. إنهم يطلبون منا الحوار الهادئ والاتصال الواعى وبناء جسور من الثقة بينهم وبيننا كآباء وأمهات. إنهم أمل ورجاء المستقبل لذا فهم جديرون بكل اهتمام ورعاية : "ِكَيْ يَكُونَ بَنُونَا مِثْلَ الْغُرُوسِ النَّامِيَةِ فِي شَبِيبَتِهَا. بَنَاتُنَا كَأَعْمِدَةِ الزَّوَايَا مَنْحُوتَاتٍ حَسَبَ بِنَاءِ هَيْكَلٍ." (مز 144 : 12).


إن تشبيه غُرُوسِ الزَّيْتُونِمُكمّل لتشبيه السهام (مز 127 : 4)، وهما معاً يشكلان مرحلتين من مراحل نمو الشباب تتميزان بالحماس والفورة وتحتاجان إلى الرعاية والعناية الخاصة والتنمية الصحيحة.

ثالثاً : المجتمع المُستقرّ (5و6) :

"5يُبَارِكُكَ الرَّبُّ مِنْ صِهْيَوْنَ وَتُبْصِرُ خَيْرَ أُورُشَلِيمَ كُلَّ أَيَّامِ حَيَاتِكَ 6وَتَرَى بَنِي بَنِيكَ. سَلاَمٌ عَلَى إِسْرَائِيلَ" .
إن خوف الرب عندما يظهر فى حياة الإنسان الواعى المدرك، يجعله يؤمن أن سعادته كفرد أو كأسرة لا تكتمل إلا عندما يبصر "خير أورشليم" ويرى "سلام إسرائيل". إن اهتماماته لا تقتصر على حياته الشخصية والعائلية، بل تشمل حتماً "سلام الكنيسة" - كمجتمع المؤمنين - وسلام المجتمع ككل. إن خير المؤمن لا يكتمل إلا إذا رأى خير الكنيسة ووحدتها وسلامتها.
"اسْأَلُوا سَلاَمَةَ أُورُشَلِيمَ. لِيَسْتَرِحْ مُحِبُّوكِ ... مِنْ أَجْلِ بَيْتِ الرَّبِّ إِلَهِنَا أَلْتَمِسُ لَكِ خَيْراً" (مز122: 6و9).
كذلك يلتمس المؤمن خير المجتمع الأكبر "وَاطْلُبُوا سَلاَمَ الْمَدِينَةِ.. وَصَلُّوا لأَجْلِهَا إِلَى الرَّبِّ لأَنَّهُ بِسَلاَمِهَا يَكُونُ لَكُمْ سَلاَمٌ." (إر 29: 7).
والبركة التى تصاحب ذلك هى بركة الحياة الطويلة والأجيال المتواصلة. "وَتَرَى بَنِي بَنِيكَ"(6).


إن خوف الرب وتقواه على المستوى الشخصى وعلى المستوى الأسرى ينبغى أن يتسع ليصل إلى الدائرة الأكثر شمولاً، فيتفادى بذلك الفردّية والاستقلالية والإحساس الأنانى بالعزلة .


وفى غلا 6 : 16 نرى صدى كلمات مز 128 : 6 فى العهد الجديد.
"فَكُلُّ الَّذِينَ يَسْلُكُونَ بِحَسَبِ هَذَا الْقَانُونِ عَلَيْهِمْ سَلاَمٌ وَرَحْمَةٌ،"
إن الرسول يقصد أن يعلمنا ضرورة أن لا يضع المؤمنون أية حواجز أو فواصل عن بعضهم البعض كما فى (غلا 6 : 15)،
"لأَنَّهُ فِي الْمَسِيحِ يَسُوعَ لَيْسَ الْخِتَانُ يَنْفَعُ شَيْئاً وَلاَ الْغُرْلَةُ، بَلِ الْخَلِيقَةُ الْجَدِيدَةُ."
فأورشليم هى أمنا جميعاً (4 : 26).
إن كل البركة والخير لنا كأفراد وعائلات هما فى ارتباطنا ووحدتنا ككنيسة، وخير المؤمن لا يكتمل إلا إذا رأى خير الكنيسة وخير المجتمع. وبناء عليه، فالمؤمن يصلى ويشارك فى تقدم المجتمع بعمله الناجح ومشاركته الايجابيّة فى قضايا المجتمع.


إن المؤمن التقى لا يعيش لنفسه، ولا تنحصر اهتماماته فى نفسه وأسرته، لكنه ينشغل بقضايا المجتمع لأنه يؤمن أنه قد صار ابناً لله، والله أبوه هو رب المجتمع الذى يهتم باستمرار بحياة البشر جميعاً، لذا، فالمؤمن فى انشغاله واهتمامه بقضايا مجتمعه يشارك الله الأب فى محبته للبشر
  رد مع اقتباس
إضافة رد


الانتقال السريع

قد تكون مهتم بالمواضيع التالية ايضاً
الموضوع
مزامير المصاعد
مزامير المصاعد
مزامير المصاعد
مزامير المصاعد | ترانيم المصاعد
مزامير المصاعد


الساعة الآن 03:31 PM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024