"مريم التي جلست عند قدمي يسوع وكانت تسمع كلامه، وأما مرثا فكانت مرتبكة في خدمة كثيرة"
(لو 10: 39 ، 40)
قبلت مرثا الرب في بيتها بكل رضى القلب، وأخذت تجهز له أفضل ما عندها. لقد عرفت مرثا جيداً أن طرقه في الخارج كانت هي طريق السامري الصالح الذي يسير على الأقدام ليركب الآخرين، وإذ كانت تحبه كثيراً، أرادت أن تُريحه من تعبه.
لكن مريم لم يكن لها بيت خاص تقبله فيه. لقد كانت روحياً غريبة مثله، لكنها فتحت له مقدساً وأجلسته هناك كرب لهيكلها المتواضع. لقد أخذت مكانها عند قدميه لتسمع كلامه، فهي تعرف مثل مرثا أنه كان مُتعباً، لكنها تعرف أيضاً أنه يُسرّ أن يتعب أكثر لكي يعطى من ملء نعمته للآخرين. لذلك لا تزال أذنها وقلبها يخدمانه، بدلاً من أن تخدمه يدها.
نعم .. لقد كانت الأختان مختلفتين في الفكر؛ رأت عيني مرثا تعبه، وأرادت أن تعطيه، وأدرك إيمان مريم ملئه، رغم تعبه، وأرادت أن تأخذ منه.
وهنا يظهر فكر ابن الله؛ فهو يقبل اهتمام مرثا واجتهادها لخدمة احتياجه الحاضر. لكن عندما أرادت أن تقارن فكرها بفكر مريم، علـَّمها الرب أن مريم بإيمانها كانت تنعشه بوليمة أحلى من كل اهتمامها ومن كل ما يمكن أن تقدمه مئونة بيتها.
فإيمان مريم أعطى الرب يسوع الإحساس بمجده الإلهي وكأنها تُخبره أنه رغم كونه مُتعباً كإنسان، لكن لازال يمكنه أن يطعمها وينعشها، فكانت عند قدميه تسمع كلامه ... كان ابن الله هناك، وكان كل شيء لها .. هذا ما امتازت به مريم. وقد كانت حقاً في ستر العلي، وكانت مُدركة تماماً أنه رغم تعب الرب، فينبوعه ملآن دائماً لإرواء ظمأها.
والآن أيها الأحباء .. أية حقائق مذخرة لنا هنا؟
إن إلهنا يُظهر نفسه موضع القوة الفائقة والصلاح الذي بلا حدود لكي نهرع إليه دائماً. فإحساسنا بملئه أثمن لديه من كل خدمة يمكن أن نقدمها له .. وهو يريد أن نستخدم محبته ونسحب من كنوزه. ومغبوط عنده العطاء أكثر من الأخذ .. وثقتنا فيه تكرمه أقصى كرامة، لأن المجد الإلهي يظهر في كونه لا يزال يعطى ولا يزال يبارك، ولا تزال ينابيعه التي لا تنضب تفيض. إنه بحسب الناموس من حقه أن يأخذ منا، لكن بحسب الإنجيل هو يعطى لنا. إنه يجد فرحه ويُظهر مجده في كونه الـمُعطى الأعظم إلى الأبد.