|
رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
عداء للسامية أم للخطية! المقدمة تحدثت وسائل الإعلام في الاراضي المقدسة عن زيارة البابا بندكتوس السادس عشر في أيار 2009. واستعد الكثيرون لاستقبال ضيف الشرف ووممثل الكاثوليكية في العالم. واختلط الاستعداد بالقلق. فكيف تؤثر زيارة البابا على العلاقات المسيحية – اليهودية؟ إن ممثل الكاثوليكية في العالم يريد أن يعتذر لليهود عن الأذى الذي أصابهم بسبب كارثة المحرقة واهدار دم الكثير من اليهود الأبرياء في أوروبا. لا شك أن كارثة المحرقة أضرت واعاقت تقدم العلاقات المسيحية – اليهودية، إلا أن توتر العلاقات بين الديانتين مرتبط أيضا بتفسير بعض المسيحيين لقصة تسليم المسيح واعتقاله ومحاكمته. شدد بعض المسيحيين أن اليهود هم قتلة المسيح. فهم الذين قالوا: "دمه علينا وعلى أولادنا" (مت 27: 25). ورد بعض اليهود قائلين: أن الاناجيل الإزائية (متى، مرقس، لوقا) غير دقيقة تاريخيا مستندين في نقدهم إلى قوانين المحاكمة في المشنا التي تمنع محاكمة الناس ليلا واصدار حكم الإعدام عليهم وتطلب أن يكون القضاء في الهيكل وليس في بيت رئيس الكهنة، وتؤكد على ضرورة وجود محامي دفاع، وترفض تهمة التجديف إن لم يلفظ المتهم اسم الله (سانهدرين 4: 1). ويضيف المفسر اليهودي كوهين قائلا: أن اليهود حاولوا انقاذ المسيح من الرومان وليس قتله وأن الاناجيل الإزائية قد كُتبت من منظار العداء للسامية وللمجمع اليهودي واليهودية (EBC 8: 549 – 550). لا شك أن قصة اعتقال ومحاكمة يسوع المسيح ساهمت في اضعاف علاقتنا مع اليهود. وزادت سهولة تعميم إدانة اليهود في ضوء النكبة سنة 1948 والنكسة سنة 1967 وما عاناه شعبنا من التشديد على تفوق اليهودي على العربي وعلى يهودية الدولة بدلا من تشكيل دولة لكل مواطنيها. وهكذا سادت الاثنوقراطية (حكم فئة اثنية واحدة) بدلا من الديموقراطية. وتنوعت ردود الفعل العربية. وصوّر بعضهم اليهود كأعداء مقدمين اليهودية كنقيض للمسيحية مما سهّل نمو اللاسامية. وللأسف، نرى اليوم في بلادنا بعض الأصوات العربية اللاسامية. فمثلا، يصرخ الناس في القدس يوم سبت النور قائلين: "يا يهود يا يهود عيدكم عيد القرود وعيدنا عيد المسيح". استنادا إلى ما سبق، نؤكد أن تأملنا في قصة اعتقال السيد المسيح ومحاكمته ضروري لتواصلنا مع الماضي وتفاعلنا مع واقعنا الحاضر في دولة تحتضن ملايين اليهود بين سكانها. فدعونا نسرد قصة محاكمة السيد المسيح كما وردت في الاناجيل. ثم نتحدث عن بعض الدروس التي نتعلمها من قصة اعتقاله. قصة تسليم المسيح لنفسه قبل نحو الفي عام، اجتمع يسوع مع تلاميذه في بستان جثسماني الواقع على جبل الزيتون وهو معروف أيضا ببستان الدموع. عرف يهوذا موقع الاجتماع فأخذ كتيبة رومانية وخداما من عند رُؤساء الكهنة والفريسيين. أرادوا القبض على يسوع الناصري لئلا يثير مشكلة ضد روما الحاكمة بقبضة من حديد. فيسوع الناصري له شعبية كبيرة. وعندما دخل الناصري إلى أورشليم استقبله الجمهور بحفاوة وبسعف النخيل وأقروا أنه ملك إسرائيل غير مبالين بسيادة الرومان على البلاد. لهذا يبدو أنه من الأفضل القبض عليه والتخلص منه ومن نفوذه لئلا تقوم ثورة يهودية على روما ويسقط الكثير من الجرحى. ولكي لا يهرب الناصري، جاء عدد كبير من الجنود قد يصل عددهم إلى 240 فارس و760 عسكري من المشاة (Carson 1991: 577). واستعدوا بحمل المشاعل والمصابيح والسلاح في جمعة الفصح حين كان البدر ينير السماء والظلام يسيطر على قلوب أعداء يسوع. خرج يسوع من موقع اجتماعه وأعلن نفسه دون خوف أو تردد. وتقدم إليه يهوذا وأسلمه بقبلة الخيانة. وأسلم المسيح نفسه دون مقاومة أو مراوغة مصمما على اطلاق صراح تلاميذه ومؤكدا لبطرس بأن العنف ليس هو طريق ابن الله. بعد أن قبض الجنود عليه أخذوه إلى حنّان الذي كان رئيسا للكهنة من سنة 6 – 15 ميلادية. ولقد أقاله الوالي فالريوس جراتس (Valerius Gratus) من منصبه، إلا أن موقع رئاسة الكهنوت بقي في عائلة حنّان. وهكذا يخبرنا المؤرخ يوسيفيوس عن ابناء حنّان الخمسة الذين صاروا رؤساء للكهنة واحدا تلو الآخر (Antiquities xx: 198.). ثم صار زوج ابنته قيافا رئيسا للكهنة. ونقرأ في العهد الجديد عن رُؤساء الكهنة وليس عن رئيس الكهنة كما اعتدنا في العهد القديم. لقد كانت رئاسة الكهنوت منصبا دينيا وسياسيا في ذات الوقت. وبسبب أقدمية حنّان، اعتبره اليهود الرئيس الديني بالرغم من كون قيافا هو الرئيس السياسي أمام الرومان. لقد أخذوه إلى دار حنّان الذي سأله عن تعليمه وتلاميذه. وصمد يسوع أمام الضغوطات ولم يخن تلاميذه أو يلق اللوم على الآخرين. وبعد محاكمة حنّان ارسلوه موثقا إلى قيافا (يو 18: 24). وفي دار قيافا، تجمّع رُؤساء الكهنة والكتبة والشيوخ ليحاكموا الناصري. وهكذا اجتمعت الفئات الثلاث الرئيسة. وكان عدد أفراد المجمع واحدا وسبعين فردا. سبعون قائدا تحت رعاية رئيس الكهنة وسيد مجمع اليهود. كان يكفي ان يلتقي 23 فردا منهم ليكون لقاؤهم قانونيا. وكانوا يطلبون شهادة زور على يسوع ليتخلصوا منه (مت 26: 57). قضوا الليل كله في محاكمة الناصري لكي يسلموه في الصباح للرومان ويتأكدوا من صلبه قبل انتهاء يوم الجمعة وقدوم سبت الفصح. ولما كان الصباح ذهبوا إلى الهيكل حيث انضم جميع رُؤساء الكهنة وشيوخ الشعب وحكموا عليه أنه مستوجب الموت (مت 27: 1). ولقد أكد تاسيتس الوثني الروماني حقيقة محاكمة يسوع وصلبه (Annals XV: 44). وشهد لهذه الحقيقة يوسيفيوس المؤرخ اليهودي (Antiquities 17.3.3). وها نحن نقرأ في الانجيل المقدس هذه القصة المؤثرة. فما هي الدروس التي نتعلمها منها؟ خيانة يهوذا خيانة يهوذا محرجة في ضوء أمانة الأوز. عندما كنت ساكنا في الولايات المتحدة كنت أشاهد طيور الأوز تسافر عبر سماء البلاد. وكم اذهلني ترتيبها إذ يقود المجموعة طائر واحد ويكون رأسا لخطين من الأوز يتبعانه. وهكذا تشكل الطيور مثلثا فافقدا احد أضلاعه. وتصيح كل الطيور لتشجع القائد على المسير إلى الأمام. وإذا جاء الصياد وجرح أحد الطيور فإن بقية السرب يتوقفون عن الرحيل ويقضون الوقت مع المصاب حتى يشفى أو يموت. هذه الأمانة الفريدة عند طيور الأوز تُحرج الجنس البشري عندما يتحدثون عن يهوذا الذي منحه المسيح كل ما عنده. وبدلا من مبادلة الخير بالخير أخرج يهوذا خنجر الخيانة. ولكن خيانة يهوذا هي جانب واحد من الحقيقة لأن البشر يستطيعون أن يخبروا الأوز عن وفاء يسوع المسيح الذي كان امينا مع الجميع حتى مع يهوذا. ولا تتمحور قصة محاكمة يسوع وصلبه حول خيانة يهوذا أو بعض افراد الشعب اليهودي، بل حول وفاء المسيح وتفانيه في محبة من قتلوه. لا أقصد تبرئة يهوذا من مسئولية خطأه أو عدم الاقرار بخطأ بعض رجال الدين اليهود أو بعض افراد الشعب الذين طالبوا بصلب المسيح، ولكنني اشدد أن فشل افراد من الشعب اليهودي في القرن الأول لا يشرع تعميم الفشل على كل اليهود خاصة أن قسما كبيرا منهم كان في الشتات. وفشل بعض اليهود في القرن العشرين عندما سلبوا أرض اجدادنا وظلموا شعبنا لا يعني الإقرار بدمار كل الجسور بين المسيحيين العرب واليهود. وفشل واحد من افراد عائلة كنسية ما لا يعني فشل كل افرادها في تبعية المسيح. في ذات الوقت، تشديدنا على فئة ما لا يعني تبرئة باقي الجنس البشري. فالجميع اخطأوا وفشلوا في الحفاظ على قانون محبة القريب وبذل الذات في سبيل ارساء قواعد الحق والسلام. لهذا يجب أن يؤكد الحوار المسيحي – اليهودي على مساواتنا جميعا في الفشل والسقوط وعلى عدم تفوق احدنا على الآخر. ويجب أن يُبرز المسيحي سيده المسيح وعدالته ومحبته ووفاءه. فعلاقة المسيح مع يهوذا نموذجا لعلاقتنا مع كل من يرفض المسيح. لقد وبخ المسيح يهوذا على خيانته وتقصيره ولكنه أيضا غسل رجليه وقدم له الخبز على مائدته مظهرا المحبة الإلهية. الخيانة هي نقيض الثقة والوفاء ولا يمكن علاجها إلا بالمحبة. وهكذا يدعونا الله إلى الالتزام بالمحبة والعدالة نحو اليهود ونحو وكل شعوب هذه الأرض حتى وإن خانوننا فإن واجبنا أن نلتزم بالمسيح ومحبته وعدالته ولا نخون العهد معه. أنكار بطرس ليست محاكمة يسوع هي قصة انكار بطرس اليهودي بل هي قصة أمانة المسيح. يخبرنا يوحنا أنه عندما طلب الجنود يسوع الناصري، اجابهم المسيح قائلا: "أنا هو" (يو 18: 5). وتكرر السؤال. ثم تكرر جواب المسيح: "أنا هو" (يو 18: 8). في نفس الإصحاح، تسأل الجارية البوابة بطرس قائلة: "ألست أنت أيضا من تلاميذ هذا الإنسان؟" فيجيب بطرس قائلا: "لست أنا" (يو 18: 17). ثم يتكرر السؤال. ويقول بطرس ثانية: "لست أنا" (يو 18: 25). وهكذا ينكر بطرس المسيح أمام الجارية وأمام الخدام والعبيد. أنكر المسيح لينجي نفسه إلا أن المسيح اعترف بهويته لينجي بطرس بالرغم من معرفته بأنه سيخونه. لا تهدف قصة محاكمة يسوع إلى سؤالنا عما نفعله لله، بل عما فعله الله لنا. وما فعلناه بالله وباسم الله يستخدمه الله ليظهر بره وبراعته في تحويل سلوكنا الشرير إلى فرصة لإعلان قوته. ولا تريد قصة محاكمة يسوع أن تؤكد فشلنا وخيانتنا وانكارنا لله فحسب، بل تريد أيضا أن تذكرنا بمحبة الله بالرغم من كل تقصيرنا ورغبته أن يرتبط بنا ويغير قلوبنا. وهنا أتذكر قصة سمعتها عن عريس يوم زفافه. كان العريس واقفا بجانب عروسه الجميلة. واثناء قيادة رجل الدين مراسم الزواج وفي لحظة تقديم سؤاله للعريس: "هل تقبل بهذه المرأة زوجة لك؟" شاهد العريس رؤية. رأى حياته الزوجية أمام عينيه. وشاهد كل المشاكل والتحديات التي سيواجهها مع عروسه. شاهد المرات التي ستتفوه بها بكلمات نابية والأوقات التي ستخطئ بحقه والألم الذي سيلحق به. بعد انتهاء رؤيته التي دامت لوهلة قصيرة كان سؤال الزواج ما زال يدوي في اذنيه والجموع تنتظر جوابه. فنظر العريس إلى عروسه التي يحبها بشدة. وبالرغم من معرفته بالألم والصعوبات التي قد تأتي عليه، قرر أن يرتبط بعروسه لأنه ببساطة يحبها. يا أحبائي: هذا ما فعله الله الذي يعرف المستقبل وكل تفاصيل الحياة. ويرى نملة سوداء على صخرة سوداء في ليلة سوداء. لقد قرر الإله العارف القلوب أن يرتبط بنا نحن الخطأة لأنه يحبنا. إن قصة ذهاب يسوع إلى الصليب هي قصة العريس الذي صُلب لأجل عروسه لكي يقتنيها بدمه وهو عالم أنها قد تستهين بتضحيته في بعض الأحيان، ولكنه مصمم على محبتها. فشل حنّان وقيافا ليست محاكمة يسوع هي قصة فشل القضاء اليهودي فحسب، بل هي أيضا قصة فشل البشرية وابداع الله في خلاص الناس. لا شك أن الكثير من الكتبة والفريسيين زمن المسيح فشلوا في معرفة هوية المسيح. لقد حكموا عليه بالموت لأنه يدعي أنه الله وأنه ملك (يو 10: 33). ويظن البعض اليوم أن اليهود في القرن الواحد والعشرين يصلبون المسيح ثانية عندما يضطهد بعضهم كنيسة المسيح. ولا شك أن الرسول يوحنا يريد أن يبين فشل اليهود إذ قال: إن المسيح جاء إلى خاصته ولكنهم لم يقبلوه (يو 1: 11). ويشرح يوحنا في إنجيله تفاصيل هذا الفشل. بالرغم من ذلك، يجب ألا ننسى أن المسيح وتلاميذه هم من اليهود. ولا يقصد يوحنا أن يعرض مسيحا يهوديا يعادي السامية، بل إلها متجسدا يُعادي الخطية. لا يقصد يوحنا أن يتحدث عن فشل عرقي أو اثني بل عن فشل بشري اذ يفشل البشر في التعرف على المسيح. واليوم وفي بلادنا، يفشل الكثير من الناس في معرفة هوية المسيح. فمن هو يسوع المصلوب بالنسبة لكم؟ وما هي قيمة صليبه في عيونكم؟ وتذكرني قصة ملك بروسيا، فريدريك الثالث، بمفهوم قيمة الصليب. سنة 1813 احتاج الملك فريدريك للذهب ليستطيع أن يقف أمام اعداءه، فطلب من شعبه ان يعطوه ذهبهم ويعطيهم بدلا منه قطعة حديدية مكتوب عليها: اخذت حديدا بدلا من الذهب، 1813. لقد تدفقت نساء بروسيا ليعملن هذا الأمر حبا لبلادهم ولملكهم. وهكذا صار الناس يلبسون صلبانا حديدية بدلا من الصلبان الذهبية. وصارت قيمة الصليب الحديدي أكبر من أي صليب آخر بسبب التضحية التي ارتبطت به. هل نحن مستعدون أن نضحي لأجل المسيح كما ضحى هو لأجلنا؟ الخدمة التي لا تكلف شيئا لا تنجز شيئا. أما الخدمة التي تكلف حياة المسيح فهي تقتدر أن تقلب جهنم رأسا على عقب. واخيرا، بدلا من لوم اليهود على قتل المسيح والبكاء على خيانة الآخرين وانكارهم، دعونا نتأمل في خياتنا وانكارنا وقرارتنا أن نتجاهل ربوبية المسيح وملكه على حياتنا. فخطيتنا هي التي قتلت المسيح ويجب أن نعادي الخطية. وبدلا من تركيز انظارنا على خطايا اليهود أو حتى خطايانا دعونا ننظر إلى أمانة المسيح وقوة دم المصلوب القادر أن يعطينا الغفران والحياة الجديدة. دعونا نتأمل في صبر الله وأمانته وتواضعه وشدة محبته ودعوته لنا أن نأتي إليه. نعم، لنذهب إلى يسوع المصلوب فنجد في جراحه شفاء لقلوبنا وفي كلماته: يا ابتاه اغفر لهم، فرصة جديدة للتوبة. يا ليت يسوع المصلوب يكون في حياة كل فرد منا. القس الدكتور حنا كتناشو |
10 - 12 - 2012, 01:59 PM | رقم المشاركة : ( 2 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: عداء للسامية أم للخطية!
شكرا على المشاركة المثمرة
ربنا يفرح قلبك |
||||
10 - 12 - 2012, 08:17 PM | رقم المشاركة : ( 3 ) | ||||
..::| VIP |::..
|
رد: عداء للسامية أم للخطية!
شكراً أختى مارى على مرورك الجميل
|
||||
|
قد تكون مهتم بالمواضيع التالية ايضاً |
الموضوع |
داعش يلجأ لأساليب جديدة |
أردوغان يسعى لمصالحة مصر أو هدم علاقتها بالسعودية |
تميم يدفع تركيا لمصالحة مصر |
الكبير يسعى لمصالحة الصغير |
البنتاجون: السيسى أكد لهاجل سعى مصر لمصالحة سياسية |