امتحان إبراهيم
"وحدث بعد هذه الأمور أن الله امتحن إبراهيم"
(تك 22: 1 )
1 - في هذه التجربة امتحن الله محبة إبراهيم : لقد فعل إبراهيم كثيراً من أجل محبته لله. ومهما عزّت التضحية، كان يضع الله أولاً لأنه كان يسره أن يضحي بكل شيء في سبيل محبته له. من أجل هذا نزع نفسه من حاران، من أجل هذا ارتضى أن يكون متجولاً بلا مأوى إذ قنع بأن يكون نزيل بيت الله، من أجل هذا ضحى بالآمال التي بناها على إسماعيل طارداً إياه ليهيم على وجهه في الصحراء بلا رجعة.
ولكن ربما لو سُئل إبراهيم عما إذا كان يحس أنه قد أحب الله قبل كل شيء، لعجز عن الإجابة بالإيجاب. ذلك لأننا لن نستطيع أن نقيس محبتنا بمقياس إحساسنا. فإن دليل المحبة الوحيد الصادق يقوم على مقدار استعدادنا لِما نفعله من أجل مَنْ ندّعى محبته "الذي عنده وصاياي ويحفظها فهو الذي يحبني" (يو 5: 21 ) .
2 - وفيها أيضاً امتحن الله إيمان إبراهيم: كان اسحق ابن الموعد "باسحق يُدعى لك نسل". لقد أكد له الله تأكيداً لا يقبل الشك ولا يحتمل التأويل، أن هذا الصبي سيكون حلقة الاتصال بينه وبين نسله العديد الموعود. والآن يطلب من الوالد أن يقدمه محرقة. حقاً كان هذا امتحاناً شديداً لإيمانه،فكيف يتسنى لله أن ينفذ كلمته ويسمح بموت اسحق؟ هذا ما لم يكن ممكناً أن يدركه العقل البشرى على الإطلاق. ولو كان اسحق قد كبر وصار له ابن يحافظ على النسل في الأجيال القادمة لزالت العقبة. ولكن كيف يتفق أن يموت اسحق الذي لم يكن له ابن بعد، وأن يتحقق الوعد الذي أُعطى لإبراهيم، الخاص بإعطائه نسلاً من اسحق كرمل البحر وكنجوم السماء؟ كان الفكر الوحيد الذي ملأ قلب إبراهيم على أي حال هو أن "الله قادر على الإقامة من الأموات" (عب 11: 19 ) .
3 - وفيها أيضاً امتحن الله طاعة إبراهيم : لابد أن تكون كلمة الرب قد أتت لإبراهيم في رؤى الليل. وفى الصباح التالي باكر جداً قام على الفور، منفذاً الأمر الذي صدر إليه. لم تكن لديه في الليلة السابقة أية فكرة عن تلك المأمورية التي كان سيقوم بها في فجر ذلك اليوم، ولكن قام على الفور. ربما نكون قد التمسنا له بعض العذر لو كان قد تردد عن القيام بهذه المأمورية وأجلها على قدر استطاعته. ولكن هذه لم تكن عادة ذلك البطل العظيم الذي تعوَّد سرعة الطاعة وهى أثمن الصفات لكل نفس ترغب أن تعيش في القداسة.