|
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
|
رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
د. جابر جاد نصار يكتب: تقليص اختصاصات الرئيس فى مشروع الدستور.. الكذبة الكبرى د. جابر جاد نصار فى إطار الترويج لمشروع الدستور الذى أعدته اللجنة التأسيسية وأخرجته بصورة نهائية فى جلسة شهيرة وعجيبة، امتدت لأكثر من 14 ساعة متواصلة بصورة أصبحت مجالاً للتندر والسخرية التى تبعث على الأسى والحزن -وهو ما سيكون محلاً وموضوعاً لمقال آخر إن شاء الله- ذهب المؤيدون لهذا المشروع الكارثى فى تبجح يحسدون عليه إلى التأكيد على أن هذا المشروع يقلص سلطات الرئيس وأنه لم يعد للرئيس فى هذا المشروع سلطات غير متابعة الشأن الخارجى ومتابعة اعتبارات الأمن القومى فى الداخل. وهى أقوال باطلة وغير صحيحة على الإطلاق؛ ذلك أن سلطات الرئيس فى هذا المشروع تضخمت بصورة لم يسبق لها مثيل لا سيما فى دستور 11 سبتمبر 1971، فهذا المشروع رهن كل السلطات فى يد رئيس الجمهورية، فمنحه السلطة التنفذية كلها تقريباً وطرفاً من السلطة التشريعية وجعل له نفوذاً خطيراً على السلطة القضائية تمثل فى تدخله فى تعيين قضاة المحكمة الدستورية العليا بصورة تمثل انتكاسة عما ورد بدستور 11 سبتمبر 1971. وقبل أن نبين ذلك لا بد من الإشارة إلى ملاحظة مبدئية تتمثل فى أن سلطات رئيس الجمهورية فى دستور 1971 احتلت المواد من 73 وحتى 85 (أى اثنتى عشرة مادة) وجاءت بعنوان «رئيس الدولة». فى المشروع احتلت المواد من 132 وحتى 154 (أى اثنتين وعشرين مادة) بينما نظمت سلطات الحكومة مادة واحدة هى المادة 158 من المشروع فكيف يقال إن هذا المشروع قد قلص اختصاصات الرئيس وقد زادها بمقدار الضعف؟! فما بالك بالكيف؟ وهو ما سوف نراه فى السطور القادمة. بعد هذه الملاحظة المبدئية: لا بد لنا من تقريب الصورة للقارئ الكريم ونقول إن السلطة التنفيذية فى أى نظام سياسى تتكون من رئيس الجمهورية والحكومة ولذلك فإن الاختصاصات الدستورية والإدارية التى يمكن أن تأتى فى الدستور لهذه السلطة إما أن تخصص لرئيس الجمهورية، وإما أن تخصص للحكومة. وعلى ذلك فإن القاعدة المنطقية تقضى بإفصاح جهير، كما يقول القانونيون دائماً، بأنه إذا زادت اختصاصات الحكومة قلت اختصاصات الرئيس، وإذا قلت اختصاصات الحكومة زادت اختصاصات الرئيس. والمتابع لنصوص المشروع يجد أن السلطة التنفيذية فيه جاءت فى الفصل الثانى من الباب الثالث من المادة 132 وحتى المادة 167، وجاءت النصوص من 132 إلى 152 تخص رئيس الجمهورية (22 نصا)، أما النصوص 153-167 فتخص الحكومة (14 نصا) حددت المادة 158 اختصاصات الحكومة. وهذا المشروع -كما كان الأمر تماماً فى دستور 11 سبتمبر 1971- جعل الحكومة مجرد طاقم سكرتارية لرئيس الجمهورية، حيث جاء نص المادة 158 من هذا المشروع متطابقاً مع نص المادة 156 من دستور 71 تطابقاً حرفياً حيث نصت هذه المادة فى المشروع وفى دستور 1971 على ما يلى: تمارس الحكومة بوجه خاص الاختصاصات الآتية: 1- الاشتراك مع رئيس الجمهورية فى وضع السياسة العامة للدولة. 2- توجيه أعمال الوزارات والجهات والهيئات العامة التابعة لها والتنسيق بينها ومتابعتها. 3- إعداد مشروعات القوانين والقرارات. 4- إصدار القرارات الإدارية وفقاً للقانون، ومراقبة تنفيذها. 5- إعداد مشروع الموازنة العامة للدولة. 6- إعداد مشروع الخطة العامة للدولة. 7- عقد القروض ومنحها وفقاً لأحكام الدستور. 8- متابعة تنفيذ القوانين والمحافظة على أمن الوطن وحماية حقوق المواطنين ومصالح الدولة. ويتضح من مطالعة هذه الاختصاصات أن هذا النص الدستورى لم يفرد الحكومة إلا باختصاص واحد تملك اتخاذ القرار بشأنه وهو «عقد القروض» أما ما عدا ذلك فإن الحكومة تعتبر سكرتارية تابعة لرئيس الدولة وهو استمرار لموروث فى تنظيم وممارسة السلطة التنفيذية فى مصر كرس للاستبداد الرئاسى وجعل الرئيس بيده مقاليد السلطة كلها؛ فالحكومة وفقاً لهذا النص -فى حقيقة الأمر- ليس لها ممارسة أى سلطات ذات قيمة وإنما فى الحقيقة هى مجرد هيئة تابعة وخاضعة لرئيس الجمهورية تأتمر بأوامره وتنتهى بنواهيه، وتقدم له الدراسات وتتابع ما يأمر بتنفيذه وهو الأمر الذى يؤهل لاستبداد الرئيس وتغوله على سلطات الدولة الأخرى وهو المرض العضال الذى كنا نود أن يبرأ النظام السياسى والدستورى المصرى منه ولكن للأسف لم يحدث. على الجانب الآخر فإن كل اختصاصات السلطة التنفيذية قد قررها الدستور بصورة مباشرة أو غير مباشرة لرئيس الجمهورية. ومن هذه السلطات والاختصاصات على سبيل الحصر وليس على سبيل المثال ما يلى: 1- رئيس الجمهورية هو الرئيس الحقيقى للسلطة التنفيذية كما تقرر ذلك المادة 132 من المشروع ولذلك فإن أمور هذه السلطة كلها بيده ويستطيع أن يترأس مجلس الوزراء ويحدد له التكليفات ويصدر إليه الأوامر. 2- تعيين رئيس مجلس الوزراء وفقاً لنص المادة 139 وقد أعطى له المشروع سلطة مطلقة فى تكليفه أول مرة دون تقييده بتكليف الحزب الحائز على الأغلبية أو أكثرية المقاعد. 3- وضع السياسة العامة للدولة والإشراف على تنفيذها (م140). 4- سلطة الرئيس فى تفويض سلطانه واختصاصاته بغير ضابط وفقاً لنص المادة 142 من المشروع. 5- دعوة الحكومة فى أى وقت للاجتماع ورئاستها وفقاً لنص المادة 143 وهو ما يكرس بالفعل رئاسته الفعلية للسلطة التنفيذية ويكون هو فعلاً وواقعاً الرئيس الفعلى للحكومة. 6- إلقاء بيانات لتحديد السياسة العامة للدولة أمام البرلمان (م144). 7- إبرام المعاهدات بما فيها المعاهدات التى تتعلق بالصلح والتحالف وحقوق السيادة (م145). 8- رئيس الجمهورية هو القائد الأعلى للقوات المسلحة (م146). 9- تعيين الموظفين المدنيين والعسكريين وعزلهم (م 147). 10- إعلان حالة الطوارئ (م148). 11- العفو عن العقوبة (م149). 12- الدعوة إلى استفتاء الشعب فى المسائل المهمة (م150) والغريب هنا هو أن هذا النص يقابل نص المادة (152) من دستور 1971 ولقد استخدمه الرئيس السادات بكثرة، وأجرى استفتاءات كثيرة لتقييد الحقوق والحريات منها مثلاً. - الاستفتاء على قانون حماية الجبهة الداخلية، وقانون العيب. وقد كان القضاء المصرى الدستورى والإدارى يهدر قيمة الاستفتاء باعتباره استثناءً سياسياً ويسبغ رقابته على القرارات والقوانين المستفتى عليها. لأن هذا الاستفتاء سياسى وليس قانونياً، والغريب أن النص الذى ورد فى المشروع قرر بأن نتائج الاستفتاء ملزمة لجميع السلطات وللكافة. وهو ما يعنى إعطاء الرئيس سلاحاً قوياً ونافذاً يؤدى إلى الاستبداد وتدشين الديكتاتورية باسم الشعب، ويضخم فى ذات وسلطات الرئيس فى مواجهة السلطات الأخرى وباسم الشعب. 13- إصدار قرارات لها قوة القانون فى حالة غياب مجلس الشعب (م131). 14- اقتراح القوانين وفقاً لنص (م 101). 15- دعوة البرلمان للانعقاد فى دور انعقاد عادى وفض دورته وفقاً للمادة 94. 16- دعوة البرلمان للانعقاد فى دور انعقاد غير عادى (م95). 17- تعيين الممثلين السياسيين للدولة وإقالتهم واعتماد الممثلين السياسيين للدولة والهيئات الأجنبية. 18- رئاسة مجلس الدفاع الوطنى (م 197) 19- حل البرلمان فى أكثر من موضع (م131) و(م 139). 20- رئيس مجلس الأمن القومى (م 139). 21- تعيين رؤساء الأجهزة المستقلة فى حدود تسع هيئات مستقلة ليسيطر عليها الرئيس سيطرة كاملة وفقاً للباب الرابع من المشروع ويقولون عنها أجهزة مستقلة.. يا للعجب!! 22- سلطة اتهام رئيس الوزراء وعزله، أى تقرير مسئولية رئيس الوزراء السياسية أمام الرئيس وفقاً لنص المادة 166. وهى سلطة غير مألوفة فى النظم الدستورية حيث إن الأصل أن تقرر مسئولية رئيس الوزراء أمام البرلمان وليس أمام الرئيس، وهو الأمر الذى يؤكد ويعزز خضوع الحكومة للرئيس. كما أنه يفتح باباً يستطيع منه الرئيس أن يعزل رئيس الوزراء إن كان من غير حزبه. 23- رئيس الجمهورية هو الرئيس الأعلى للشرطة (م199). 24- سلطة تعيين رئيس وأعضاء المحكمة الدستورية العليا، وهذا الأختصاص أدى إلى نسف استقلال المحكمة ولم يكن متاحاً لرئيس الجمهورية فى دستور 1971 حيث إن المشروع وسع فى الجهات التى يمكن أن ترشح بغير ضابط وهو ما يجعل للرئيس سلطة كبيرة فى اختيار أعضاء المحكمة الدستورية العليا، ولنا مع هذا الاختصاص وقفة أخرى عندما نتحدث عن السلطة القضائية فى المشروع فى مقال قادم إن شاء الله. كل هذه الاختصاصات والسلطات التى نص عليها المشروع للسيد الرئيس ويقولون ترويجاً لهذا المشروع الكارثى إن سلطات الرئيس قد تقلصت بل إن السيد الرئيس نفسه حين استلم هذا المشروع من السيد المستشار رئيس الجمعية قد مدح المشروع بأنه فعل ذلك، أى قلص اختصاصات الرئيس، وهو غير صحيح كما أوضحنا وهو ما يلفت النظر بشدة إلى كيفية وضع معلومات غير صحيحة أمام السيد الرئيس. الذى لم يعط لنفسه فرصة زمنية لقراءة هذا المشروع وتقييمه ولو لمدة ساعة واحدة قبل طرحه للاستفتاء عليه فى يوم 15/12/2012. ومن الجدير بالذكر أن هذه المرة لم تكن المرة الأولى التى توضع فيها معلومات مغلوطة أمام مقام الرئاسة وهو ما يستدعى ضرورة المراجعة والمحاسبة لأن ذلك لا يليق بمؤسسة الرئاسة فى مصر المحروسة. يبقى بعد ذلك أن نؤكد أن مشروع الدستور لم يتضمن أى آلية جدية أو حتى غير جدية لمحاسبة أو مساءلة رئيس الجمهورية لا سياسياً ولا جنائياً. وإنما تكرر فيه نفس المادة التى جاءت فى دستور 1971 عن تصور محاكمة الرئيس عن جريمة جنائية أو الخيانة العظمى وهو نص المادة 85 من دستور 1971 ونص المادة 185 من المشروع وفى هاتين المادتين ترك الدستور للقانون تنظيم هذه المحاكمة ولأن هذه المحاكمة تطول الرئيس والوزراء فإن القانون لم يصدر أبداً ولن يصدر ومن ثم فإن الرئيس فى المشروع لم تقرر مسئوليته على أى وجه كان كما كان الأمر فى دستور 1971 وهو ما يجعل الرئيس غير مسئول عما يفعل ويملك سلطات واختصاصات مطلقة لا مسئولية عنها وهو ما يتجه به وبنا وبالدولة إلى استبداد محقق. وتلك مشكلة واجهت كثيرا من النظم الدستورية وكان حلها بسيطا كما ورد فى الدستور الفرنسى الحالى الذى نظم محكمة عدل عليا لمحاكمة الرئيس والوزراء وفصل إجراءاتها فى نصوص الدستور حتى لا يترك الأمر لقانون يصدره الرئيس وحكومته وبرلمانه وهو ما لم يحدث لا فى مصر ولا غيرها. تلك هى السلطات المباشرة فى مشروع الدستور للسيد الرئيس الذى يتحول بها إلى مستبد وديكتاتور ونقصد بذلك أى رئيس فالسلطة المطلقة مفسدة مطلقة هكذا علمتنا دروس التاريخ. فما بالك باختصاصات الرئيس فى القوانين العادية. إن المشروع الكارثى الذى يتباهى به البعض بغير حق هو عورة دستورية وسقطة فى التاريخ الدستورى المصرى. سوف يأتى يوم ويتبرأ منه الجميع؛ ذلك أن حكم التاريخ لن يرحم أولئك الذين أضاعوا على مصر الثورة فرصة تاريخية لصناعة دستور يليق بأحلام ثورتها وتطلعات شعبها ودماء شهدائها وآلام مصابيها. الوطن |
|