|
رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
سر في نور المسيح فيتبدد ظلام الخطية " سيروا في النورمادام لكم النور لئلا يدرككم الظلام " ( يو 35:12) يُخبرنا الوحي الإلهيّ بأنَّ الأرض في بداية خلقتها كانت خربة وخالية ومغمورة في ظلمة حالكة (تك1: 2)، لكنَّ الله استطاع أن يُحوّل هذه الظلمة إلى نور عظيم(تك1: 3،4)، إلاَّ أنَّ البشر أحبوا ظلام الخطية أكثر من نور التوبة! لكنَّ الله لم يُسرْ بهذه الظلمة أيضاً، فدبَّر أن يُشرق بنوره الإلهيّ لكي يبددها، فأرسل ابنه الحبيب نوراً للعالم وقد تم المكتوب: " اَلشَّعْبُ السَّالِكُ فِي الظُّلْمَةِ أَبْصَرَ نُوراً عَظِيماً، الْجَالِسُونَ فِي أَرْضِ ظَِلاَلِ الْمَوْتِ أَشْرَقَ عَلَيْهِمْ نُورًٌ " (إش9: 2). لقد وُلِد المسيح نوراً للعالم واستطاع بأشعته السماوية البرّاقة، أن يجعل سُحب الظلام تتوارى وتهرب! فالظلام ضعيف ولا يستطيع أن يصمد أمام لهب صغير، ولكنَّه يُقاوم ولا يستسلم، آملاً أن يسدل ستاره الكثيف على الوجود، وإن كان يعلم أنَّه لن يقدر، إلاَّ أنَّه يشنّها حرباً على ذاك الذي يكرهه، أعنى النور، لأنَّهيكشف قُبحه ويبدده ويُعلن ضعفه! والسؤال الحائر هنا: إن كان الظلام ضعيفاً ومملاً ومخيفاً وضاراً.. فلماذا يعشقه الكثيرون ويفضّلّونه على النور؟! هل لأنَّ النور يفضح أعمالهم الشريرة بينما يخفيها الظلام؟! قبل مجيء السيد المسيح كانت هناك أنوار كثيرة يتبعها الناس، بعضها أشعة من نور الحق، وبعضها شعلات كاذبة تتأجج ثمَّ تنطفيء تاركة الإنسان في ليل أشد سواداً، وإلى الآن لازالت هناك أنوار جزئية لا تُعلن كل الحق، وأنوار كاذبة تُضلّل البشر، والناس بالرغم من هذا يتبعونها! ويعتقدون أنَّها تكفي لإرشادهم في طريق الحياة! وهم بهذا لم يدركوا أنَّ يسوع وحده هو النور الحقيقيّ، الذي يُنير قلب الإنسان والذي يُضيء الطريق أمامه. قديماً كان الله يحيا بالنسبة للأُمَميّ، إمَّا في عالم يسوده الظلام فلا يستطيع أحد أن يصل إليه، أو في نور لا يقدر أحد أن يدنو منه! ولكن عندما جاء المسيح وعم بنوره المسكونة كلها، استطاع الناس أن يروا فيه صورة الله. لقد ذهبت الأشباح المخيفة وتوارى الظلام، فالنور قد جاء ليُضيء للجالسين في الظلمة وظلال الموت، وأيضاً لكي يتلاشى ظلام الموت، ذلك العدو اللدود للبشر الذي كان الناس يخشونه، وفى خوفهم قد أصبحوا طيلة حياتهم عبيداً له، فأشجع القلوب وأقواها كان يذوب عند ذِكر هذا العدو، ولكن بمجيء المسيح وانتصاره على الموت، أظهر لنا أنَّ الموت ليس هو نهاية الحياة الحقيقية بل بدايتها، فهل لنا أن نقول: إن متنا فذاك الموت يُحيينا؟! إن قلنا إنَّ الله نور فالخطية ظلام، والنور والظلام لا يجتمعان معاً، شأنهما شأن الصباح والليل، فالصباح لا يلتقي بالليل إلاَّ لكي يبدده! ولهذا منذ بداية الخليقة " َفَصَلَ اللهُ بَيْنَ النُّورِ وَالظُّلْمَةِ، وَدَعَا اللهُ النُّورَ نَهَاراً وَالظُّلْمَةُ دَعَاهَا لَيْلاً " (تك9:1). والعجيب في قصة الخلق أنَّ الله لم يمحُ الظلمة، فلم يقل: لا تكن ظلمة، إنَّما قال: " لِيَكُنْ نُورٌ " (تك3:1)، فكان نور وبقيت الظلمة ولا تزال باقية كما هي، وقد علّمنا بهذا أنَّ أفضل وسيلة لمواجهة الظلام هي زيادة الأنوار، والحق إنَّ شمعة واحدة مُضيئة تكفي لأن تُضيء مساحة كبيرة من الظلام، فإلى هذه الدرجة الظلام ضعيف!! لعل أهم بركات النور أنََّه يكشف لنا مدى قُبح الخطية، فإذا أتينا بثوب ملطخ ووضعناه في مكان مظلم، فإننا لا نرى ما فيه من أقذار، أمَّا إذا أُضيء المكان ففي الحال سنرى ما ستره الظلام.. وكم من نفوس عاشت وهى لا تشعر بعيب فيها! لأنَّ الظلام كان قد أعمى عينيها، ولكن ما أن واجهها نور المسيح فسرعان ما استيقظت وشعرت بخطيتها وثقل ذنوبها.. ألم يضطهد شاول الطرسوسيّ كنيسة الله ظاناً أنّه بهذا يُقدّم خدمة مرضية لله؟! ولكنَّه ما أن نظر نور المسيح حتى خر كالميت وشعر بأقذاره، فصرخ بصوت الطفل الرضيع، والتائب النادم وقال: " يَا رَبُّ مَاذَا تُرِيدُ أَنْ أَفْعَلَ؟ " (أع9: 6). والنور لا يكشف لنا قُبحْ الخطية فقط، بل ويُهدينا إلى طريق الله أيضاً، فالذي يمشي في الظلمة لا يعلم إلى أين هو يمضى، أمَّا الذي يمشي في النور فلا يتعثر، والعالم بلا يسوع لا يعرف إلى أين يذهب، أمَّا من يسير في نوره فيصل إلى الميناء بسلام. بدون الله لا حياة ولا أمل في حياة، وبدون نور المسيح حتماً سنشكو من الظلام، ألم يقل إشعياء النبيّ:" ابْتَعَدَ الْحَقُّ عَنَّا وَلَمْ يُدْرِكْنَا الْعَدْلُ، نَنْتَظِرُ نُوراً فَإِذَا ظَلاَمٌ، ضِيَاءً فَنَسِيرُ فِي ظَلاَمٍ دَامِسٍ نَتَلَمَّسُ الْحَائِطَ كَعُمْيٍ وَكَالَّذِي بِلاَ أَعْيُنٍ نَتَجَسَّسُ، قَدْ عَثَرْنَا فِي الظُّهْرِ كَمَا فِي الْعَتَمَةِ فِي الضَّبَابِ كَمَوْتَى " (إش59: 9،10). حقاً إنَّ بعض الملحدين قد أنكروا وجود الله، وجعلوا من الدين عرضاً من أعراض طفولة الشعوب أو قصور العقل البشريّ! ولكنَّ الإنسان مهما حاول أن يطرد فكرة الله من عقله، فإنَّ هذه الفكرة لابد من أن تعود إليه بصورة أُخرى، مادام العالم الذي نعيش فيه ناقصاً لا يستطيع أن يكتفي بنفسه! وهل نُنكر أنَّ كثيرين حاولوا أن يلغوا فكرة الله وبالتالي العبادة الدينية من حياتهم، لكنَّهم وجدوا أنفسهم مضطرين إلى الاستعاضة عن الديانات القائمة بديانات أُخرى جديدة من صنع البشر! ألا يدل هذا على أنَّ الإنسان مخلوق غير كامل، وهو في حاجة إلى قوة أُخرى يسد بها ما في عالمه من نقص؟! هل تُسمّى الحياة حياة إذا عاش الإنسان لشهواته ؟! إنَّها حياة عقيمة! تصير الحياة ذات معنى إذا عاش الإنسان من أجل هدف سامٍ، واعتقد أنَّ أسمى هدف هو الله! أمَّا إذا عاش الإنسان لشهواته فسوف يُشبه الحيوان، لأنَّ الحياة الشهوانية تُحطّم قيمة الإنسان، وأعتقد أنَّ الله في اليوم الأخير سيسأل كل من عاش لشهواته قائلاً: لقد خلقتك إنساناً فلماذا لم تُصبح إنساناً؟! إنَّ من يزرع بذور الشهوة، ثمَّ يطمع أن يأكل ثمار المحبة الإلهية هو إنسان جاهل، لأنَّ بذور الشهوة لا تُثمر سوى الحقد والكراهية والخوف... وكيف يطلب إنسان شهوانيّ، أن يأكل ثمار الحُب الإلهيّ وهو لا يعي وجود الله؟! والعجيب أننا نُسمّيه إنساناً حيـاً! فإن كان مثل هذا حياً فمن يا تُرى ذلك الإنسان الذي يحق أن ندعوه ميتاً؟! عندما تكون حرارة الروح مشتعلة، فإنَّها تملأ الجسد دفئاً روحياً، وتُعيد إليه نشاطه من جديد! ولهذا أوصى الآباء بأن نجتهد ونُشعل حرارة الروح فينا، مادام في جسدنا قوة وشهوة الطبيعة تعمل فينا، لكي نستبدل شهوة بشهوة، وتأخذ شهوة الروح الغَلَبة، وتنتصر على شهوة الجسد! فإذا اشتعلت شهوة الروح خمدت شهوة الجسد.. |
|