02 - 12 - 2012, 09:36 AM
|
|
|
† Admin Woman †
|
|
|
|
|
|
البعد عن الوسائط الروحية
" من أجلهذا فيكم كثيرون ضعفاء
ومرضي وكثيرون يرقدون... "
(1كو 30:11)
كل الوسائط الروحية أعطاها الله لخير الإنسان، ولفائدته الروحية، فإن أهملها، لا يكون قد عصي الله فقط، لكنه أضر بنفسه!!
فالوسائط الروحية أو وسائط النعمة، هي بمثابة الأسلاك التي توصل إلينا تيار الروح القدس.. أو المجاري التي عن طريقها يصل إلينا ماء الحياة، فإذا قطعت الأسلاك توقف التيار، وإذا انسدت المجاري سوف لا يصلنا الماء.
لقد أعطانا الله الوسائط الروحية لتقوينا في الحياة الروحية، فهي المجرى الحي الذي منه نشرب حليب النعمة الإلهية، وبه يتقوي إيماننا، ويثبت رجاؤنا، وتشتعل محبتنا لله، وننمو في كل شيء.
ومهما وصل الإنسان إلي أعلى درجات الحياة الروحية، فلن يمكنه الاستغناء عنها.. لأنَّها طعامه الروحي، فهي التي تُعطي الإنسان قوة ومعونة حتي يستطيع أن يصمد ضد التجارب، ويُقاوم الحروب التي تأتي عليه.
كما أنَّها تجعل الإنسان دائماً في حضرة الله، وبهذا الحضور لا يجرؤ الشيطان أن يقترب إليه، وإن اقترب فسرعان ما يتركه، لأنَّه لا يجد في قلبه مكاناً له.. ويري طرقه لا توافق طرقه، وإذا حاربه بشيء تكون حربه ضعيفة لأنَّه مشغول دائماً بالله.
وأي إنسان يحاول أن يسلك في طريق الروح بدونها، يكون كمن يتكل علي ذراعه البشريّ!! وقد قال إرميا النبيّ: " مَلْعُونٌ الرَّجُلُ الَّذِي يَتَّكِلُ عَلَى الإِنْسَانِ وَيَجْعَلُ الْبَشَرَ ذِرَاعَهُ وَعَنِ الرَّبِّ يَحِيدُ قَلْبُهُ " (إر5:17).
أمَّا إذا أهمل ممارستها فإنَّ حرارته الروحية تفتر، ويُعرّض نفسه لمحاربات خطيرة وسقطات كثيرة.. ولهذا فإن أول حرب يشنها العدو علي القديسين هي محاولة إبعادهم عن الوسائط الروحية، لأنّه بهذا يُبعدهم عن الله بطريقة غير مباشرة، فإذا ابتعدوا يستطيع أن يسقطهم في الخطية بطريقة سهلة.
من أهم هذه الوسائط: التناول، الاعتراف، الصوم، الصلاة، الكتاب المقدس، القراءات الروحية..
ولكي تكمُل فائدة الوسائط الروحية لابد أن تُمارس بطريقة سليمة، لا بطريقة حرفية أو بطريقة جافة، فلو أخذنا الصلاة كمثل توضيحي نقول:
إنَّ الصلاة ليست مجرد ألفاظ تخرج من أفواهنا، لأننا لم نقف أمام الله لنُعد ألفاظاً كما قال مار إسحق السريانيّ، فهذا هو المظهر الخارجي للصلاة.
أمَّا الصلاة الحقيقية فهي شركة دائمة مع الله، مخاطبة ومحادثة لذيذة مع القدير، تملأ النفس بالأشواق المقدسة، وتُعطي العزاء الحي للروح، وتزيد النعمة في القلب، وتقلع الزوان وتستأصله من النفس.
الصلاة هي سياج لكل فضيلة، بل هي السياج الذي فوقه تُبني كل فضيلة، ولا نجد مجري أوسع من هذه القناة التي تفتح لنا بسهولة باقي مجاري النعمة.
لقد عرّف القديس يوحنا الدرجي الصلاة بأنها الاتصال بالله، وحدد شروطها، إذ قال: " ينبغي لمن يريد أن يخاطب الله، أن يقف أمامه بعقل يقظ، وحرارة وفهم، ونفس نقية من الحقد، وفكر واحد متضع وكلام قليل ".
والصوم ليس هو الامتناع عن الطعام الحيوانيّ والاكتفاء بما هو نباتي، لأن هذا لا يقدّم الإنسان إلي الله، لأنه لا يعطي الإنسان نقاوة تليق بالله كما قال القديس صفرونيوس.
إنَّما الصوم في مفهومه الروحي السليم هو منع النفس عن كل شهوة كما منع الجسد عن كل الأطعمة الشهية، وكذلك اتّخاذ الصوم فترة مقدسة للصلاة، والجلوس مع النفس، في خلوة روحية، وتعميق الشركة الروحية مع الله.
ماذا ينتفع الإنسان لو صوّم فمه عن الطعام ولم يصوم قلبه عن الحقد ولسانه عن الأباطيل؟! بالطبع مثل هذا الإنسان صومه باطل، لأنَّ الصوم اللسان أفضل من صوم الفم، وصوم القلب والأفكار أفضل من الاثنين، وهذا ما أكده البابا أثناسيوس الرسولي عندما قال: " إننا مطالبون أن نصوم لا بالجسد فقط بل بالروح أيضاً ".
أيضاً القراءة في الكتاب المقدس وكتب الآباء.. ليست مجرد وسيلة لجمع المعلومات.. إنما الهدف هو تحويل المعلومات إلي حياة وكذلك التأثر والعمل بما نقرأ، والقراءة الصحيحة هي التي تشغل الفكر بالله وتقدم للقاريء مادة للتأمل والصلاة، وتهييء له جواً روحياً.. يزكّره بالله، وبالقديسين، كما أنها تُعطي استنارة للفكر..
قال أحد الآباء:
" القراءة تجلي صدأ القلوب ".
|