منتدى الفرح المسيحى  


العودة  

الملاحظات

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  رقم المشاركة : ( 1 )  
قديم 23 - 11 - 2012, 05:39 AM
الصورة الرمزية Magdy Monir
 
Magdy Monir
..::| VIP |::..

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو
  Magdy Monir غير متواجد حالياً  
الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 12
تـاريخ التسجيـل : May 2012
العــــــــمـــــــــر : 58
الـــــدولـــــــــــة :
المشاركـــــــات : 51,017

إشكاليّة الاعتراف بالآخر







هل هذه الإشكاليّة حقيقة قائمة في الأديان أيضاً؟!.. وهل هي ظاهرة في الأديان فقط؟!.. كيف يمكن الخروج من هذه الإشكاليّة، خصوصاً على مستوى الأديان؟..
هل الاحتكام للفكر أو المنطق أو الفلسفة هو أداة يمكن استخدامها للخروج من هذه الإشكاليّة؟..
أمام هذه الإشكاليّة لم تتأخّر المسيحيّة استعارة الفلسفة في التعبير عن الإيمان. حيث انطلقت هذه الاستعارة منذ مطلع القرن الثاني مع القديس يوستينوس الفيلسوف، الذي ولد في مدينة نابلس (Néo-polis) أوائل القرن الثاني، من أبوين وثنيّين ربّياه على مبادئ الديانة الوثنية السائدة آنذاك.
كان يوستينوس منذ صغره يميل إلى حب الفلسفة، ليس من باب الفضول الفكري فحسب، بل من أجل البلوغ إلى حقيقة ثابتة، يقول: "القلب مليء من الرغبة في سماع ما هي الفلسفة الحقة والحسنة التي تقودنا وحدها إلى الله.. إن فهم الأشياء غير الماديّة قد أسرني أسراً قويّاً.."[1].
تتلمذ يوستينوس أولاً لأحد الفلاسفة الرواقييّن، ولكنّه سرعان ما تركه، لأنه لم يلقّنه شيئاً جديداً عن الحقيقة. ثم انتقل إلى مدرسة أحد المشّائييّن، علّه يجد مراده، فخاب ظنّه بعد بضعة دروس، لانغماس هذا الأخير بالأمور المادية والمالية. إلاّ أنه لم ييأس في تفتيشه عن الحقيقة، فالتحق بأحد الفيثاغوريين. لم يتمكن كذلك من الصمود طويلاً، لأنّ معلمه فرض عليه دروساً موسيقية وفلكية وهندسية لا تمتّ بصلة إلى تطلّعاته.
شعر في داخله بارتياح لا يوصف أثناء دراسته الفلسفة الأفلاطونية، فقد أُخذ بنظرية "عالم المُثل"، حتى إنّه انقطع عن العالم في ضواحي قيصرية فلسطين لكي يتسنّى له التأمّل في تلك الحقيقة الجديدة. وهناك تعرّف إلى الإيمان المسيحي على يد أحد الشيوخ المسيحيين الذي أطلعه على حدود الفلسفة وعجزها، حتى الأفلاطونية منها، عن إيجاد ما يصبو إليه. وبإيعاز من الشيخ، قرأ يوستينوس الأنبياء والإنجيل، فاقتنع أنّ المسيحية هي الفلسفة الثابتة والأكيدة التي يجد فيها الإنسان معنى لحياته ووجوده، فنال سرّ العماد سنة 130، يقول في ذلك: "أُخذت بحبٍّ للأنبياء ولجميع هؤلاء الناس أصدقاء المسيح، ورددّت في نفسي جميع هذه الكلمات وعلمت أنها الفلسفة الوحيدة الأكيدة والنافعة.. لقد درست بالتتابع جميع التعاليم وانتهيت إلى اعتناق التعليم الحقيقي الذي هو تعليم المسيحيين.. جميع الذين يقدرون على قول الحقيقة ولا يقولونها سوف يدينهم الله"[2].
اعتناق "الحقيقة" بالنسبة ليوستينوس، الذي عرّج على معتقدّات عدّة أفضت به إلى المسيحيّة، طرح عليه، وعلى المسيحيّة بالتالي، إشكاليّة الاعتراف بالآخر، وذلك بوجهين: الأول هو الحاجة لاعتراف الآخر، خصوصاً السلطة المدنية، بالمسيحيّة الناشئة، والثاني هو اعتراف المسيحيّة بحضورٍ للحقيقة عند الآخر: الوثنيّة، واليهوديّة، والفلسفة.
1. إشكاليّة الاعتراف بالمسيحيّة في الإمبراطوريّة الرومانيّة:
لم يُعترف بالمسيحيّة كدين في الإمبراطوريّة الرومانيّة، كما هو معروف، قبل مرسوم ميلانو سنة 313، لذلك عاش المسيحيون في نشأتهم اضطهاداً دمويّاً راح ضحيته الآلاف.
لم يقف المسيحيون أمام هذه الإشكاليّة مكتوفي الأيدي، بل راحوا يدافعون عن حقّهم في الاختلاف، وفي ممارسة إيمانهم تحت مظلّة "الحريّة الدينيّة"، التي لا بدّ من وجودها في عولمة الإمبراطوريّة الرومانيّة آنذاك، فنشأ ما سميّ بـ"الأدب الدفاعي" الذي يطرح بشكل واضح "إشكاليّة الاعتراف بالآخر" في واقع التعدديّة المعقّد دينيّاً وإثنيّاً وثقافيّاً.
أمام هذه الإشكاليّة يوجّه يوستينوس سنة 152 كتاباً إلى "الإمبراطور أنطونيوس بيوس، وإلى فريسيموس (مارك أوريل) ولده الفيلسوف، وإلى مجلس الشيوخ المقدّس، وإلى كلّ الشعب الروماني"، مستعملاً فنّ الخطاب الدفاعي، يطلب فيه كمواطن رومانيّ "الحريّة الدينيّة" التي هي "حق من حقوق البشر"، فيقول: "إكراماً للبشر الذين يُضطهدون بدون سبب، مهما اختلفت أعراقهم، يوجّه يوستينوس بن بريسكوس، الذي هو واحد منهم، هذا الخطاب وهذا الطلب"[3].
لم يلقَ طلبه أيّ صدى ليُستشهّد على مذبح هذه الإشكاليّة سنة 166، وهو "فخور بأن يكون تلميذ المسيح"[4]: "لا أبالي بشيء إلا بقول الحقيقة، أقولها ولا هاب أحداً، ولو كنتم ستقطعونني في الحال إرباً أرباً"[5].
2. إشكاليّة الاعتراف بالآخر في المسيحيّة:
المسيحيّة بدورها واجهت إشكاليّة اعترافها، هي هذه المرّة، بالآخر. فلم تتفاعل مع هذه الإشكاليّة بمستوى واحد، فاتجهت باتجاهين متعاكسين، الأول سلبي يرفض الاعتراف بالآخر، والثاني إيجابي يرى عند الآخر وجهاً من وجوه الحقيقة التي تقول أنها وحدها تمتلكها كاملة.
أ?- المسيحيّة واليهوديّة:
قام جدال بين يوستينوس والحاخام اليهودي تريفون، إبّان إقامته في أفسس، حول اعتناق الأول للمسيحية. دوّن يوستينوس هذا الحوار في كتاب يحمل عنوان "حوار مع تريفون"، يظهر فيه "بطلان اليهوديّة" ويعتبر كتابها المقدّس بمثابة "عهد قديم" يعدّ الطريق إلى المسيحيّة، لا قيمة له من دونها.
ب?- المسيحيّة والهرطقات:
رفضت المسيحيّة رفضاً قاطعاً "آخَريّة" الهرطقات، التي هي مذاهب لم تلتزم الإيمان المسيحي بشكل مستقيم، كالغنوصيّة[6] والمانويّة[7]، فانبرى "الآباء المدافعون" Apologistes، ويوستينوس أحدهم، يفنّدون مغالطاتها، ويسعون لدحضها.
ت?- المسيحيّة والأديان والفلسفات:
ترى المسيحيّة وجوداً للحقيقة خارجاً عنها، ولكن بشكل غير كامل. فالحقيقة لا تكتمل إلا بالمسيحيّة. وهنا لا ترى المسيحيّة نفسها كمذهب أو طائفة أو فئة بشريّة، بقدر ما هي انحناء الله على البشر للكشف عن محبته. الحقيقة في المسيحيّة ليست موضوعات للفهم أو عقائد للتسليم أو أخلاقيّات للعيش، بقدر ما هي علاقة مع اعتلان الله في "كلمته" الـLogos الذي تجسّد في يسوع المسيح.
إن لفظة "الكلمة" Logosلها دلالات غزيرة في الفكر الفلسفي اليوناني، لذلك نجد يوستينوس يستعير من الفلسفة الرواقية عبارة "اللوغس بالبذار" Logos spermatikos، ويطبّقها على المسيحية، فاللوغوس، أو الكلمة، هو التعبير عن الحقيقة، أو عن "الانحناء الإلهي" حسب تعبيرنا السابق؛ يقول في دفاعه الثاني: "إنّ المسيح كلمة الله ينير العقول البشرية منذ البدء، فأخصبت بذوراً sperma منه واهتدت إلى بعض الحقائق".. "فكلّ ما قاله الفلاسفة والمشترعون، وما اكتشفوه من جميل، إنّما بلغوا إليه بفضل تأثير جزئي من الكلمة الـLogos. ولمّا كانوا لم يعرفوا الكلمة بأكمله (لأنّه موجود بالبذار فقط) فقد أخطأوا أحياناً وناقض بعضهم بعضاً. فكل ما قيل من حقّ، في كلّ زمن وفي الإنسانية جمعاء، فهو ملكنا نحن المسيحيين"[8].
لقد استعار يوستينوس هذه الفكرة "اللوغوس بالبذار" من الفلسفة الرواقيّة، وأعطاها صبغة مسيحية، فميّز بين اللوغس الكامل الذي هو كلمة الله والمتغاير كليّاً عن العالم، "وهو اللوغس المتجسّد في ملء الزمان"، أي المسيح، وبين "اللوغس بالبذار" الموجود في العالم مستمدّاً قوّته من اللوغس الكامل. ولمّا كانت معرفة العالم بواسطة اللوغس بالبذار ناقصة، تجسّد اللوغس الكامل ليزيل الهوّة بين الله والإنسان. هذا ما علّمه القدّيس يوحنا في إنجيله، وما عبّر عنه القدّيس بولس بجلاء في رسالته الأولى إلى تيموثاوس بقوله: "إنّ الله واحد والوسيط بين الله والناس واحد، الإنسان يسوع المسيح الذي بذل نفسه فداء عن الجميع" (1تي2: 5 – 6).
هناك فكرة تنسجم مع فكرة "اللوغوس بالبذار" دأب يوستينوس في تردادها ليؤكد أن الحقيقة ليست حكراً على المسيحيين، فيرى في الفكر الفلسفي، وفي الأديان تالياً، وجها "للكلمة" - المسيح، يقول: "لقد حاول سقراط بوحي من الكلمة الإلهي، أن ينتزع شعبه من عبادة الأوثان ويوجهه إلى عبادة الإله الحق... والكلمة الإلهي لم يوحِ بهذه الحقائق لليونانيين على لسان سقراط وحسب، بل أيضاً أوحى بها للبرابرة، بطريقة محسوسة وظاهرة، في شخص المسيح الذي أصبح إنساناً"[9].. "إن كل الذين عاشوا بوحي الكلمة الإلهي، هم مسيحيون، حتى ولو حُكم عليهم كملحدين وكفرة، مثل سقراط وهيراقليطس وأمثالهم عند اليونان، وكإبراهيم وحنانيا وعازاريا وإيليا وغيرهم عند البرابرة... الذين عاشوا بوحي الكلمة، دون خوف ورهبة، فهم مسيحيون عن غير علمٍ منهم"[10].
3. "اللاهوت التنزيهي" علامة عدم احتكار الحقيقة:
تأثّر يوستينوس من الفلسفة بـ"اللاهوت التنزيهي" (Théologie Apophatique) على غرار الغنوصيين وآباء القرن الثاني؛ الذي يقول أننا لا نستطيع أن نقول مَنْ هو الله لكي لا نحدّه فيما نقول، فالله منزّه ومتسامٍ عن تعابيرنا البشرية، يقول: "إنّ أبا الجميع الذي لم يولد لم يعط اسماً، لأنّه مهما كان الاسم الذي يدعى به يظل المسمى أكبر منه. والألفاظ أب وإله وخالق وسيّد، ليست أسماء وإنّما هي ألقاب مأخوذة من أعماله الخيّرة ومهمّاته. واللقب "الله" ليس اسماً بل رأي غرس في طبيعة البشر عن الشيء الذي لا يفسّر"[11]. وبذلك يترك يوستينوس مساحة خارج المنظور المسيحي في التعرّف على الله، الذي لا يمكن أن يحدّ بتعبير أو فلسفة أو دين.
خاتمة
يمكننا تلخيص أفكار يوستينوس الفيلسوف الأول في المسيحيّة، حول "إشكاليّة الاعتراف بالآخر" موضوع ندوتنا كما يلي:
1- يجب ألا يُحدث الاختلاف الديني إشكاليّة الاعتراف بالآخر. فالحرية الدينيّة، بحسب يوستينوس، حقّ من حقوق البشر.
2- للحقيقة وجود عند الآخر، بحسب يوستينوس، وإن غير كاملة، ولكنّها يمكن أن تكتمل بالنموّ. المسيحيّ أيضاً لا يكتمل في الحق إلا بالنموّ أيضاً. المساران يحتاجان إلى نموّ!.. نموّ للحقيقة كبذار تكبر، ونموّ للحقيقة كعلاقة تنضج!..
3- لا يمكن لله أن يحدّ باسم أو بصفة أو بلقب. هناك مساحة مفتوحة دائماً للتعرّف إلى الله. لذلك يمكن للآخر، بحسب "اللاهوت التنزيهي" ليوستينوس، أن يطلّ مشدوداً، كالمسيحي، على هذه المساحة.
هل يمكن أن تجد هذه الأفكار صدى لها في عالم اليوم الذي يعاني هذه الإشكاليّة بشكل حادّ؟..
هل الأديان، والمسيحيّة إحداها، تقبل فعلاً الخروج من هذه الإشكاليّة بتقديس الحريّة الدينيّة وعدم الادعاء بتملّك الحقيقة وحدها، لأن الحقيقة لعظمتها لا تُمتلك، والله أيضاً لكِبَره لا يُمتلَك، ولا يحدّ بدين أو مذهب أو عقيدة؟..
لقد كانت محاولة يوستينوس جادّة في الإجابة عن أسئلة هذه الإشكاليّة، لعلّ استعارته الفلسفة منحته هذه الجديّة!..
رد مع اقتباس
قديم 23 - 11 - 2012, 05:50 AM   رقم المشاركة : ( 2 )
Mary Naeem Female
† Admin Woman †

الصورة الرمزية Mary Naeem

الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 9
تـاريخ التسجيـل : May 2012
العــــــــمـــــــــر :
الـــــدولـــــــــــة : Egypt
المشاركـــــــات : 1,274,445

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو

Mary Naeem غير متواجد حالياً

افتراضي رد: إشكاليّة الاعتراف بالآخر

شكرا على المشاركة المثمرة
ربنا يفرح قلبك
  رد مع اقتباس
قديم 23 - 11 - 2012, 05:58 AM   رقم المشاركة : ( 3 )
Magdy Monir
..::| VIP |::..

الصورة الرمزية Magdy Monir

الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 12
تـاريخ التسجيـل : May 2012
العــــــــمـــــــــر : 58
الـــــدولـــــــــــة :
المشاركـــــــات : 51,017

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو

Magdy Monir غير متواجد حالياً

افتراضي رد: إشكاليّة الاعتراف بالآخر

شكراً أختى مارى على مرورك الجميل
  رد مع اقتباس
قديم 24 - 11 - 2012, 10:15 PM   رقم المشاركة : ( 4 )
روشا الفرفوشه Female
..::| مشرفة |::..

الصورة الرمزية روشا الفرفوشه

الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 36
تـاريخ التسجيـل : May 2012
العــــــــمـــــــــر :
الـــــدولـــــــــــة : طفله كبيره
المشاركـــــــات : 26,618

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو

روشا الفرفوشه غير متواجد حالياً

افتراضي رد: إشكاليّة الاعتراف بالآخر

ميرسى على موضوعك الجميل
  رد مع اقتباس
قديم 25 - 11 - 2012, 05:56 AM   رقم المشاركة : ( 5 )
Magdy Monir
..::| VIP |::..

الصورة الرمزية Magdy Monir

الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 12
تـاريخ التسجيـل : May 2012
العــــــــمـــــــــر : 58
الـــــدولـــــــــــة :
المشاركـــــــات : 51,017

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو

Magdy Monir غير متواجد حالياً

افتراضي رد: إشكاليّة الاعتراف بالآخر

شكراً أختى رشا على مرورك الجميل
  رد مع اقتباس
إضافة رد


الانتقال السريع

قد تكون مهتم بالمواضيع التالية ايضاً
الموضوع
الاعتراف ليس دائمًا اعترافًا عن الخطايا، إنما يفيض التسبيح لله في ورع الاعتراف
يسير الاتضاع جنبًا إلى جنب مع الاعتراف، وهو الذي يدفعنا إلى الاعتراف بأننا خطاة
معرفة الذات من خلال الاعتراف بالآخر
ماهو الاعتراف وكيف اعترف ولماذا ؟؟ اياك والهروب من الاعتراف
الاعتراف بالآخر


الساعة الآن 11:21 PM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024