|
رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
دعوة للعمل والجهاد: "هَلُمِّي مَعِي مِنْ لُبْنَانَ يَا عَرُوسي، مِنْ لُبْنَانَ، هَلُمِّي، انْظُرِي مِنْ رَأْسِ الإيمان، مِنْ رَأْسِ شَنِيرَ وَحَرْمُونَ، مِنْ خُدُورِ الأُسُودِ، مِنْ جِبَالِ النُّمُورِ" [8]. إن كان في بدء اللقاء مع العريس تشعر النفس بتعزيات كثيرة وراحة، لكنها لتعلم أنها مدعوة أن تنطلق مع عريسها في صحبته لحياة الجهاد الروحي القانوني. ويلاحظ في هذه الدعوة التي يكررها الرب الآتي: إنها دعوة للخروج مع العريس، فإن الحرب الروحية هي للرب، لحسابه وباسمه، فإن خرجت النفس محتمية فيه غلبت وانتصرت، بدونه لا تعرف إلاَّ الهزيمة. إن كانت الدعوة هنا موجهة للنفس أن تخرج مع عريسها الروحي من Libanus - كما جاءت في الترجمة السبعينية - تكون بهذا قد دعيت أن تنطلق خلال حياة الصلاة (لأن Libanus مشتقة من اللبان) لتدخل في مواجهة الأسود والنمور، فالحياة المسيحية ليست مجرد تعزيات في المخدع فحسب ولكنها أيضًا حرب طاحنة ضد قوات الروح الشريرة، ضد إبليس والخطية. حقًا لقد أشتاق بطرس أن يبقى مع الرب على جبل التجلي قائلًا له: "جيد يا رب أن نكون ههنا" لكن الرب ألزمه أن ينزل مع زميليه لمواجهة أحداث الصليب. وإن كانت الدعوة موجهة للخروج معه من لبنان، وهي بلد سياحي، عرف بحياة الترف، فإن العريس السماوي يدعو النفس البشرية أن تصحبه، تخرج من الحياة السهلة، حياة الراحة الجسدية، وتواجه الصراع مع قوات الظلمة، وهي في صحبة عريسها قاهر الأسود والنمور. أما علامات الخروج فهي أن تنطلق من رأس الإيمان (أمانة)، وخلال الإيمان تقدر أن تدخل إلى رأس حرمون إلى حياة الحرمان والترك الاختياري، تمارس الصليب في داخلها، بأن تخلي ذاتها بالإيمان من شهوات الجسد ورغباته لتحيا في حالة شبع بالمسيح يسوع وحده. تقول بالإيمان مع الرسول بولس: "إن كان لنا قوت وكسوة فلنكتف بهما" (1 تي 6: 8)، "قد تدربت أن أشبع وأن أجوع وأن أستفضل وأن أنقص، أستطيع كل شيء في المسيح الذي يقويني" (في 4: 12-13). ومن خلال هذه الحياة الداخلية الحية في المسيح يسوع تدخل النفس إلى الحرب لتغلب بالمسيح يسوع الأسود والنمور. هذا هو منطلق حياة النصرة التي هي عبور مع الرب الغالب من بداية الإيمان للدخول إلى حرب طاحنة بل إلى نصرة روحية وعبور للأبدية. لقد علق القديس أغسطينوس على هذه الدعوة معلنًا أن الدعوة هنا ليست عبورًا مع المسيح، بل هي عبور إليه، أي دخول إلى الاتحاد معه لتمارس الحياة الزوجية الروحية، قائلًا: [اعبري إليّ من رأس الإيمان... فإن الإيمان بدء الزواج]. ويرى القديس أغسطينوس أيضًا أنه عبور للعروس إلى الآب السماوي خلال اتحادها بالعريس المسيح إذ يقول: [إنها تأتي كمركبة الله، تضم ألوف من الرجال الفرحين، تسير بنجاح، وتعبر هذا العالم إلى الآب، إذ يجتاز بها عريسها نفسه الذي عبر هذا العالم إلى الآب: "أريد أن هؤلاء يكونون معي حيث أكون"، بهذا يجتازون بدء الإيمان]. ويرى القديس غريغوريوس النيصي في هذه العبارات إعلان عن العطش المتزايد بغير حدود لتبعية العروس لعريسها، إذ يقول: [من يقوم متجهًا نحو الله يختبر على الدوام ميلًا مستمرًا لتقدم متزايد]. ويفسر عبارة العريس "هَلُمِّي مَعِي مِنْ لُبْنَانَ Libanus يَا عَرُوسُ" هكذا: [قصد بهذا: لقد فعلتي حسنًا إذ قمتي معي حتى الآن، وجئتي معي إلى جبل البخور. لقد دفنتي معي في المعمودية حتى الموت، لكنك قمتي وصعدتي في شركة لاهوتي... والآن ارتفعي من هنا وتعالي إلى قمتين آخريتين، فتنمين وتصعدين على الدوام خلال المعرفة... ما دمتي قد بلغتي هذا الارتفاع فلا تتوقفين عن الاستمرار في التسلق... هذا اللبان هو بدء إيمانك الذي به اشتركتي في القيامة. إنه بدء تقدمك لنوال نعم أعظم. اعبري وتعالي من هذه البداية -أي الإيمان- وانك تصلين لكنك لا تتوقفين عن العبور الدائم والاستمرار في القيام]. ويرى القديس في دعوتها أن تعبر معه "مِنْ خُدُورِ الأُسُودِ مِنْ جِبَالِ النُّمُورِ"، إن الإنسان وقد جعلت منه الخطية وحشًا مفترسًا كالأسد والنمر، فإنه قد تحول عن هذه الطبيعة... لكن العريس يخشى على عروسه أن تنكص إلى الخطية مرة أخرى، لهذا يدعوها أن تخرج دومًا عن أعمال إنسانها القديم، إنها دعوة الجهاد المستمر المرتبط بحياة الإيمان... على أي الأحوال، إذ يدعوها عريسها للعبور معه خلال حياة الإيمان مع الجهاد المستمر والصراع ضد الوحوش الروحية، تشعر أحيانًا بمرارة هذا الصراع فترفع عينيها الداخليتين إليه تستنجد به |
|