![]() |
![]() |
![]() |
![]() |
|
رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
![]() قيامة المسيح وكهنوته «وأما هذا فمن أجل أنه يبقى إلى الأبد، له كهنوت لا يزول» (عب7: 24) لو لم يكن المسيح قد قام من بين الأموات لما أمكنه أن يُمارس كهنوته لصالح شعبه. هذه الحقيقة نجدها بكل وضوح في الأصحاح السابع من الرسالة إلى العبرانيين، كما أننا نجد رمزًا جميلاً لها في الأصحاح السابع عشر من سفر العدد. ولكن في البداية دعونا نجيب عن هذا السؤال: ما هو عمل المسيح كرئيس الكهنة؟ إننا نفهم من كلمة الله أن عمل المسيح كالكاهن له شِقّان: شِق يخص الله، وآخر يختصّ بالإنسان. فمن جهة ما يختص بالله؛ فالمسيح بعد أن قدِّم نفسه لله كالذبيحة الكاملة التي أشبعت قلبه تمامًا، هو الآن يمثِّل شعبه قُدّام الله. وهذا ما يعبِّر عنه كاتب رسالة العبرانيين بكلمات رائعة في القول: «لأن المسيح لم يدخل إلى أقداسٍ مصنوعة بيدٍ، أشباه الحقيقية، بل إلى السماء عينها، ليظهر الآن أمام وجه الله لأجلنا» (عب9: 24). هذا الأمر نراه قديمًا في هارون الذي كان دائمًا يحمل الشعب على صدره، مُمثَّلاً في صُدرة القضاء، وعلى كتفيه مُمثَّلاً في حجري الجزع. أما من جهة ما يختص بالإنسان؛ فالمسيح، وهو في السماء، يرثي لشعبه، ويُعينه في تجاربه، ويُمارس قدرته ليخلِّصه إلى التمام. وعن هذا يقول أيضًا كاتب العبرانيين: «فإذ لنا رئيس كهنةٍ عظيمٌ قد اجتاز السماوات، يسوع ابن الله، فلنتمسك بالإقرار. لأن ليس لنا رئيس كهنةٍ غير قادرٍ أن يرثي لضعفاتنا، بل مُجرَّبٌ في كل شيء ٍمثلنا، بلا خطيةٍ. فلنتقدَّم بثقةٍ إلى عرش النعمة، لكي ننال رحمةً ونجد نعمةً عونًا في حينه» (عب4: 14-16). تفرَّد كهنوت المسيح في الأصحاح السابع من رسالة العبرانيين، يعقد الكاتب مقابلة بين الكهنوت الهاروني وكهنوت المسيح، الذي هو على رتبة ملكي صادق، ويوضِّح بصورة بديعة سمو رتبة كهنوت ملكي صادق على الكهنوت اللاوي أو الهاروني، ويستخلص من ذلك سمو كهنوت المسيح عن كل كهنوت آخر. ويمكننا تلخيص أسباب تفرُّد كهنوت المسيح في النقاط الآتية: 1- المسيح يجمع بين المُلك والكهنوت، كما كان ملكي صادق قديمًا. وهذا الأمر، رغم استحالة حدوثه في الشعب اليهودي قديمًا، سيتم في المسيح في مُلكه المقبل، على العالم. وقد جاءت النبوة في زكريا النبي: «هوذا الرَّجُل الغصن اسمه، ومن مكانه ينبُتُ ويبني هيكل الرب. فهو يبني هيكل الرب، وهو يحمل الجلال ويجلس ويتسلَّط على كرسيه، ويكون كاهنًا على كرسيه» (زك6: 12، 13). 2- المسيح كهنوته غير محدود بشعب معين، بينما الكهنوت الهاروني محصور في الشعب اليهودي فقط. وما أجمل أن ندرك أن خدمة المسيح الكهنوتية هي لصالح كل واحد من شعبه «فإذ لنا رئيس كهنة عظيم» (عب4: 14). 3- المسيح كهنوته بِقَسَم «لأن أولئك بدون قسمٍ قد صاروا كهنةً، وأما هذا فبقسمٍ من القائل له: أقسم الرب ولن يندم؛ أنت كاهن إلى الأبد على رتبة ملكي صادق. على قدر ذلك قد صار يسوع ضامنًا لعهدٍ أفضل» (عب7: 21، 22). وهنا يأتي سؤال: لماذا أقسم الله للمسيح؟ (مز110: 4) أعتقد أن هناك سببين: أولاً لأن الله شبع تمامًا بعمل المسيح على الصليب. لقد أرضاه المسيح تمامًا، وأدخل السرور إلى قلبه بهذا العمل، ومجّده تمجيدًا فائقًا، أكثر كثيرًا جدًا من كل ما سبَّبته له الخطية من إهانة. فلهذا السبب، ومن فرط سروره به، أصدر هذا المرسوم الملكي الإلهي. وثانيًا لأننا في القَسَمِ نجد التشديد على مبدإ عدم تغير القرار أو المرسوم «فلذلك إذ أراد الله أن يُظهر أكثر كثيرًا لورثة الموعد عدم تغيُّر قضائه، توسَّط بقسمٍ» (عب6: 17). إذًا فكهنوت المسيح لصالح شعبه لا يتغيَّر أبدًا. يترتب على ذلك أنه الضامن لعهد أفضل «على قدر ذلك قد صار يسوع ضامنًا لعهدٍ أفضل» (7: 22). وما أحلى كلمة ”يسوع“ على مسمع كل مؤمن! إنها تُحرِّك في القلب كل مشاعر الحب نحوه. يسوع الغالي هذا قد صار ضامنًا لعهدٍ أفضل. وكلمة ”ضامن“ هي كلمة قانونية تعني الشخص الذي يتحمل المسؤولية كاملة. ويا للروعة!! إن يسوع يُريح نفسي ويُهدئها. إنه يؤكد قبولي الدائم لدى الله في شخصه المحبوب، في كل مرة أقترِب فيها من حضرة الله. 4- المسيح كاهن إلى الأبد لأنه قام من بين الأموات «وأولئك قد صاروا كهنةً كثيرين من أجل منعهم بالموت عن البقاء، وأما هذا فمن أجل أنه يبقى إلى الأبد، له كهنوتٌ لا يزول» (عب7: 23، 24). ولنتوسع قليلاً في هذه النقطة: القيامة ركيزة أساسية للكهنوت يستند كاتب العبرانيين، في أصحاح7، إلى حقيقة قيامة المسيح كأمر أساسي لخدمته الكهنوتية الآن، فيقول إن كهنوت المسيح قد صار ليس بحسب ناموس وصية جسدية، بل بحسب قوة حياة لا تزول (ع16). فبينما كهنوت هارون تأسَّس بالارتباط بالناموس، فإن كهنوت المسيح مؤيَّد بقوة حياة لا تزول. المسيح دُعيَ للكهنوت كالمُقام من بين الأموات، الذي له حياة غلبت الموت ولا يُمكن أن يقهرها أي شيء. إنها حياة لاتزول. وكلمة ”لا تزول“ - في ترجمة يوحنا داربي - تأتي indissoluble وتعني حرفيًا: لا فكاك منه. فهي إذًا حياة لا يعتريها الضعف أو الوهن، حياة مليئة بالقوة. إن كهنة العهد الأول كانوا كثيرين، لأن الموت منعهم عن البقاء. وقد ذكر أحد الشرَّاح أن عدد رؤساء الكهنة في تاريخ الأمة، من هارون حتى عام 70م يُقَدّر بحوالي 84 رئيس كهنة «وأولئك قد صاروا كهنةً كثيرين من أجل منعهم بالموت عن البقاء، وأما هذا فمن أجل أنه يبقى إلى الأبد، له كهنوتٌ لا يزول». فالمسيح، كالمقام من بين الأموات، لن يموت مرة أخرى، إنه يبقى إلى الأبد، وكهنوته لا يزول. وكلمة ”لا يزول“ - في حاشية ترجمة داربي - تعني ”لا ينتقل إلى آخر“. عصا هارون التي أفرخت من قراءة الأصحاح السابع عشر من سفر العدد، نفهم أن الرب أراد أن يبرهن للشعب اختياره هارون للكهنوت. وكان ذلك بعد هلاك قورح وقومه، وبعد تذمر إسرائيل على موسى وهارون. «وكلَّم الرب موسى قائلاً: كلِّم بني إسرائيل وخذ منهم عصًا، عصًا لكل بيت أبٍ من جميع رؤسائهم حسب بيوت آبائهم، اثنتى عشرة عصًا. واسم كل واحدٍ تكتبه على عصاه، واسم هارون تكتبه على عصا لاوي... وضعها في خيمة الاجتماع أمام الشهادة... فالرَّجُل الذي أختاره تُفرخ عصاه... فوضع موسى العصيَّ أمام الرب في خيمة الشهادة. وفي الغد دخل موسى إلى خيمة الشهادة، وإذا عصا هارون لبيت لاوي قد أفرخت. أخرجت فروخًا وأزهرت زهرًا وأنضجت لوزًا» (عد17: 1-8). عصا هارون التي أفرخت رمز لقيامة المسيح. فالمسيح قام من بين الأموات بقوة حياة لا تزول. والليلة التي قُضيت في الخيمة تمثل موته، ثم الغد هو قيامته. واللوز هو أول الأشجار التي تُثمر في الربيع. فإن كان الشتاء يمثل الموت، فإن الربيع يُمثل الحياة، واللوز المزهر صورة مبهجة للحياة بعد الموت. أما عن ارتباط هذه العصا بهارون، فلكي توضِّح أن خدمة المسيح كرئيس الكهنة لشعبه مؤسَّسة على قيامته من بين الأموات. وقد ظلت هذه العصا في تابوت العهد (عب9: 4)، لكن عند تدشين هيكل سليمان لم يحتوِ التابوت سوى على لوحي الشريعة (1مل8: 9)، أما قسط المن الذهبي، وعصا هارون التي أفرخت، واللذان كانا يمثِّلان الإمداد الإلهي للشعب طوال رحلة البرية، فلا مكان لهما في حُكم سليمان؛ ملك السلام. وهكذا لن يكون المؤمنون في احتياج إلى خدمة المسيح الكهنوتية، في صورتها الحالية، عندما يصلون إلى بيت الآب، في نهاية الرحلة. فهناك لن يكون ضعف أو عجز أو تجارب أو ألم. لكن المسيح سيواصل خدمته، إذ سيقود شعبه في السجود والتسبيح لله، إلى أبد الآبدين. تعزية قلب المؤمن إن حقيقة خدمة المسيح كالكاهن العظيم هي مصدر تشجيع كبير لكل مؤمن يدركها ويفهمها. فيقول كاتب العبرانيين: «وأما هذا فمن أجل أنه يبقى إلى الأبد، له كهنوتٌ لايزول» (عب7: 24). وإنني أتخيل شخصًا يهوديًا، من الشعب قديمًا، اعتاد أن يذهب إلى هارون ، مثقَّلاً بمشاكله، حتى يفرغ قلبه له، وينال منه رثاءً وترفقًا وإرشادًا. وفي أحد الأيام أخبروه أن هارون قد مات. وجاءه الخبر كوقع الصاعقة عليه. لقد أَلِفهُ وأعتاده واستفاد منه، فماذا يعمل الآن؟ عليه أن ينتظر تعيين أحد أولاد هارون ليشغل مركز أبيه. لكن المشكلة؛ هل سيكون مثل أبيه؟ هل سيتفهَّم مشاكله بذات سعة صدر أبيه؟ هل عنده ذات الحكمة والنظرة الثاقبة للأمور؟ من يدري؟! حقًا إن هذا يشكل عبئًا نفسيًا شديدًا على صاحبنا اليهودي هذا. لكن لنا أخ مسيحي مؤمن يجتاز في ظروف صعبة، وها هو يجلس أمام الرب يسوع المسيح، يحكي له، ويبكي عنده، ويسكب قلبه قدامه، ويكشف له كل أوجاعه. ودائمًا يقوم من قدامه مجبور الخاطر، مكفكَف الدموع، مُعالَج النفس، ومُشجَّع القلب أيضًا. إنه يتعلم، يومًا فيومًا، أن هذا الكاهن العظيم يعرف كل جزئياته وكلّياته؛ يعرف تكوينه النفسي، ويعرف جوانب الضعف في شخصيته، يعرف ما الذي يؤلمه وما الذي يفرحه. إنه يعرف كل شيء عنه. وهو ليس يعرف فقط، بل يرثي ويشجِّع، ويأخذ باليد ويُقوي؛ فيتمكن أخونا من المضي في مشواره المسيحي مرفوع الرأس، مسنود القلب. وأكثر ما يطمئن قلبه هو أن حبيبه القدير العظيم حيٌّ إلى الأبد، ولن يموت مرة أخرى، وكهنوته لن ينتقل لشخص آخر. ويواصل كاتب العبرانيين «فمن ثمّ يقدر أن يُخلِّص أيضًا إلى التمام الذين يتقدمون به إلى الله، إذ هو حيٌّ في كل حينٍ ليشفع فيهم» (عب7: 25). مِمَ يُخلِّص الرب؟ من كل ما يُعيق تقدُّمنا إلى حضرة الله. أحبائي، كم من عوائق تقف في طريقنا لإعاقتنا عن الوجود في حضرة الله، والتمتع بما لنا فيه، سواء كأفراد في مخادعنا، أو كجماعة في الاجتماعات. ربما مشاكل يفتعلها العدو، ربما ضعفات نفسية تؤدي للإنحناء وصغر النفس، ربما أمراض يسمح بها الرب، أو حيرة ذهنية ناتجة من المحدودية الإنسانية، هذه وغيرها يُخلِّص منها الرب، ويُخلص إلى التمام، على الدوام، على طول الخط. ولكن كيف يُخلِّص الرب؟ إما بإزالة السبب أو برفعنا فوقه، والنتيجة هي شبع بكلمته، وتجديد للذهن من الأفكار السلبية التي تملاؤه كالقلق والخوف والكآبة، وملؤه بالرجاء والثقة في الرب. حقًا إنها معجزة تتم فينا بفضل عمله الكهنوتي. والحيثية لخلاص الرب: «إذ هو حيٌّ في كل حينٍ ليشفع فيهم». ياللروعة! إنه يخصِّص حياته في السماء، لا لنفسه، بل لشؤون أحبائه. ليتنا نثبِّت النظر عليه. له كل المجد. |
![]() |
|