ادخلوا من الباب الضيق...مت7:13
قال السيد الرب في الجزء الأخير من عظته علي الجبل:
السبت 18 اغسطس 2012
بقلم قداسة البابا شنودة الثالث
ادخلوا من الباب الضيق لأنه واسع الباب, ورحب الطريق الذي يؤدي إلي الهلاك وكثيرون هم الذين يدخلون منه.. ما أضيق الباب وأكرب الطريق الذي يؤدي إلي الحياة..وقليلون هم الذين يجدونهمت7:14,13
الباب الواسع هو لعبة الشيطان في حروبه وحيله.
يقول لك لماذا تعيش هكذا وقد أغلقت علي نفسك في دائرة ضيقة؟!ولماذا يضيقها الرب عليك؟!يمكنك السير في طريق رحب,كله مسالك فإن شئت يمكن أن أوصلك.
يمكن أن تصل بكذبة صغيرة ولراحة ضميرك نسميها كذبة بيضاء!ولا تحرج نفسك بصراحة مؤذية ويمكن أن تحصل علي أيام من الراحة بواسطة شهادة مرضية يكتبها لك طبيب صديق ولا تنكشف!تستطيع أيضا أن تنجح في الامتحان وتتفوق ببرشامةمتقنة!
حقا إن الطريق الواسع سهل ويؤدي إلي الغرض فلماذا تصر علي الباب الضيق,ويتفوق عليك من هو أقل منك!!غير أنه أكثر منك حيلة وأكثرمرونةوهذا سر نجاحه!
لماذا تعقد الأمور أمامك؟!خذ الأمر بسهولة فينفرج!
إنه حرص الضمير يرفض هذه السعة الممزوجة بالخطية.
وأمامنا مثل واضح في الكتاب المقدس هو قصة إبراهيم ولوط
لوط اختار الأرض المعشبة التي قيل عنها إنها كجنة الله,كأرض مصرتك13:10ونقل خيامه إلي سادومأما أبونا إبراهيم فاختار أن يكون مع الله ولوفي أرض أقل خضرة وسقيا وماذا كانت النتيجة؟سبي لوط مع أهل سادوم وأنقذه إبراهيمتك14ثم حرقت سادوم وفقد كل شيء غير أنه نجا مع بنتيه بشفاعة إبراهيم.
حقا إن الطريق رحب في أوله ونهايته هي الضياع.
أما الباب الضيق فهو كرب في أوله ونهايته طيبة.
وكما يقول الكتابأنه بضيقات كثيرة ينبغي أن ندخل ملكوت اللهأع14:22.
ويقول أيضا أن خفة ضيقتنا الوقتية تنشيء لنا أكثر فأكثر ثقل مجد أبديا2كو4:17.
فما هي إذن مظاهر الباب الضيق؟نذكر من بينها:
إنكار الذات:
كما قال السيد المسيحإن أراد أحد أن يأتي ورائي فلينكر نفسه ويحمل صليبه ويتبعنيمت16:24من وجد حياته يضيعها ومن أضاع حياته من أجلي الحياة يجدهامت10:39.
ليس انكار الذات شيئا سهلا ولاحمل الصليب سهلا.
الذي يدخل إلي الحياة الروحية هكذا إنما يدخل من الباب الضيق.
فكل إنسان يحب نفسه ويهمه مركزه وكرامته وحقوقه وإن تنازل عن كل ذلك يظن أنه يضيع حياته بينما يقول له الرب من أضاع حياته من أجلي يجدهاإن أحب أحد الله وأحب الناس,يذكر قول الكتاب:المحبة لاتطلب ما لنفسها1كو13:5.
أي تنسي ذاتها في محبة الله والناس وهكذا السيد الرب فيما كان يطلب ويخلص ما قد هلكلو19:10أخلي ذاته وأخذ شكل العبدفي2:7بل بذل ذاته عنا مقدما دمه علي الصليب لكي نخلص نحن..
وهكذا فعل القديس يوحنا المعمدان في الخدمة واضعا أمامه ذلك المبدأ الروحي الخالد ينبغي أن ذاك يزيد وأني أنا أنقصيو3:30وهكذا دخل من الباب الضيق الذي يوصل إلي الحياة واستشهد ,ودخل في المجد.
إن انكار الذات يحمل التخلي عما نملك فنصل إلي التجرد.
التجرد:
وهكذا قال السيد الرب للشاب الغني:إن أردت أنم تكون كاملا فاذهب وبع كل أملاكك,وأعط الفقراء فيكون لك كنز في السماء وتعال اتبعنيمت19:21
ولم يستطع الشاب الغني أن يدخل من هذا الباب الضيق فمضي حزينا .
كذلك الغني الغبي الذي فضل الباب الواسع فقالأهدم مخازني وابني أعظم منها وأجمع هناك جميع غلاتي وخيراتي وأقول لنفسي:يا نفسي لك خيرات كثيرة موضوعة لسنين عديدة استريحي وكلي واشربي وافرحي لو12:19,18ولم يدرك أنه في ذلك الطريق الرحب قد ضيع نفسه!
فإن لم يستطع الإنسان أن يصل إلي هذا الكمال في التجرد فعلي الأقل يدفع العشور والبكور ففيها تجرد جزئي.
فإن قلت إن الذي معي لايكفيني فلا استطيع أن أدفع العشور!!أقول لك بل أنت لاتستطيع أن تدخل من الباب الضيق وتبكتك تلك الأرملة الفقيرة التي دفعت من أعوازهالو21:4..المهم أن يكون مبدأ العطاء في قلبك.تبكتك أيضا أرملة صرفة صيدا التي قدمت لإيليا النبي في زمن المجاعة قليل الدقيق والزيت الذي عندها فكافأها الرب بقوله لهاإن كوار الدقيق لايفرغ وكوز الزيت لا ينقص إلي اليوم الذي فيه يعطي الرب مطرا علي وجه الأرض1مل17:14.
ألست تري من هذا أن الباب الضيق يوصل إلي السعة.
ونفس الوضع مع الذي يدفع العشور إذ يقول الربهاتوا العشور وجربوني... إن كنت لا افتح لكم كوي السماء وأفيض عليكم بركة حتي لاتوسعملا2:10فإن كنت حتي العشور لاتدفعها ولا البكور أيضا.
علي الأقل لاتكن عندك محبة المال والقنية ومحبة النصيب الأكبر والطمع الذي هو عبادة أوثانكو3:5.
من مظاهر الباب الضيق أيضا:قهر الجسد.
قهر الجسد:
وما أعمق قول القديس بولس الرسول في هذا المجالبل أقمع جسدي واستعبده حتي بعدما كرزت لآخرين لا أصير أنا نفسي مرفوضا1كو9:27
قال هذا بولس الرسول الذي اختطف إلي السماء الثالثة2كو12
وقهر الجسد معناه أن تبعد عنشهوة الجسد وشهوة العين وتعظم المعيشة1يو2:16وأيضا أن تبعد عن شهوة الحواس:عن العين التي لاتشبع من النظر والأذن التي لاتمتليء من السمعجا1:8احترس من زنا الحواس.
قهر الجسد كذلك يأتي عن طريق الصوم والبعد عن شهوة الطعام.
حتي من الطعام النباتي في الصوم,لاتعط جسدك كل ما يشتهيه وفي ذلك تذكر قول دانيال النبيكنت نائحا ثلاثة أسابيع أيام.لم آكل طعاما شهيا ولم يدخل في فمي لحم ولا خمر ولم أدهن حتي تمت ثلاثة أسابيع أيامدا10:3,2 حقا إن كثيرين في الصوم لايقهرون جسدهم إذ يأكلون ما يشتهون ولايستفيدون ضبط النفس أثناء صومهم!
ونفس الوضع نقوله عمن يدمنون التدخين حتي خلال أيام الصوم هؤلاء لم يقهروا الجسد بعد..وعلي أية الحالات نشكر الله أن المدخنين بيننا قليلون هنا ونقول أيضا إن من صفات الباب الضيق :ضبط النفس.
ضبط النفس:
ويتضمن ذلك إن يضبط الشخص رغباته ويضبط شهواته ويضبط فكره فلا يسرح هنا وهناك في مالا ينفعه وفي مالا لايليق ويسبح في أفكار خاطئة أو يسبح في أحلام اليقظة.
وضبط النفس يشمل أيضا ضبط اللسان.
أي أن تقيم ضابط مرور علي فمك يوقف أية كلمة خارجة أو أية كلمة باطلة أو تافهة فلا يلفظها الفم.
وكما قال المرتل في المزمور ضع يارب حافظا لفمي بابا حصينا لشفتيمز141:3وقد حدث أن أحد الآباء رأي شابا يتكلم بغير ضابط لما يتلفظ به فقال له مشيرا إلي فمه:هذه البوابة ألا يوجد لها بواب؟!
إذن كن حريصا في كل كلمة تقولها لاتأخذ راحتك في أن تتكلم كما تشاء بلا حساب بل أذكر قول الربإن كل كلمة بطالة يتكلم بها الناس سوف يعطون عنها حسابا في يوم الدين لأنه بكلامك تتبرر وبكلامك تدانمت12:36وقد فسر الآباء عبارةكل كلمة بطالةبأنها كل كلمة ليست للبنيان أي ليست لمنفعة السامعين.
عموما في ضبط النفس اضبطها عن المتع الدنيوية.
أو علي الأقل عن بعض هذه المتع التي جربها سليمان الحكيم فوجد أن الكل باطل وقبض الريحجا1والمنع عن أمثال هذه المتع قد يدخلك في الباب الضيق ولكنمالك نفسه خير ممن يملك مدينةكما يقول الكتابأم16:32فعلي الإنسان أن يضحي ببعض المتع التي تمنعه عن الله.
يشمل الباب الضيق:أيضا:التعب من أجل الله.
التعب لأجل الله:
وقد قال الكتاب في ذلككل واحد سيأخذ أجرته بحسب تعبه1كو3:8المهم أن يكون التعب لأجل الله لأن الشيطان أيضا يتعب في إهلاك الناس أو في إغرائهم ولكن تعبه باطل وهو يدان عليه.
أما عن التعب المقدس فيقول عنه المرتل في المزمور.
الذين يزرعون بالدموع يحصدون بالابتهاجمز126:5
وقد كان التعب لأجل الله موضع فخر القديسين سواد كان تعبا في الخدمة كما قال القديس بولس الرسولوأنا تعبت أكثر من جميعهم ولكن لا أنا بل نعمة الله العاملة معي1كو15:10أو قد يكون التعب في سهر الليل في الصلاة كما كان يحدث مع النساك والمتوحدين وكما قال مارإسحق إن حوربت بالتعب حتي لاتصلي صلاة الليل فاصمد وزدها مزامير
وكذلك أيضا التعب في أداء الواجب مثل تعب نحميا ورجاله في بناء سور أورشليم ومثل تعب أي تلميذ لكي ينال النجاح والتفوق وكما قال الشاعر:
إذا كانت النفوس كبارا تعبت في مرادها الأجساد
الذي يدخل من الباب الضيق ويتعب سوف يفرح بلا شك بنتيجة تعبه أما الذي لايتعب فيدركه الندم كقول الشاعر:
إذا أنت لم تزرع وأبصرت حاصدا
ندمت علي التفريط في زمن البذر.
التعب في الخدمة:
التعب في الخدمة هو دخول من الباب الضيق كما قال القديس بولس الرسول عن نفسه وعن زملائه في الخدمة:
بل في كل شيء نظهر أنفسنا كخدام لله في صبر كثير في شدائد في ضرورات في ضيقات في ضربات في سجون في اضطرابات في أتعاب في أسهار في أصوام...بصيت رديء وصيت حسن كمضلين ونحن صادقون كمائتين وها نحن نحيا2كو6:4-9.
وكما قال أيضا حاملين في الجسد كل حين إماتة الرب يسوع لكي تظهر حياة يسوع أيضا في جسدنا لأننا نحن الأحياء نسلم دائما للموت ..إذن الموت يعمل فينا2كو4:10-12.
من خواص الباب الضيق أيضا:الاحتمال.
الاحتمال.
والاحتمال في الحياة الروحية يشمل عناصر متعددة:
منها احتمال الضيقات علي أن يكون ذلك بلا تذمر
لأن البعض إن وقع في ضيقة يملأ الدنيا شكوي أو ضجرا أو بكاء ودموعا بينما يقول القديس يعقوب الرسول احسبوه كل فرح يا إخوتي حينما تقعون في تجارب متنوعةيع1:2
احتمال الضيقة هو دخول من الباب الضيق الذي يؤدي إلي فضائل عديدة وإلي فرح بالرب الذي يرسل من عنده حلا لكل ضيقاتنا ويمنحنا مع الضيقة بركة وإكليلا.
وما أجمل قول القديس بولس الرسول ولكن الله أمين الذي لايدعكم تجربون فوق ما تستطيعون بل سيجعل مع التجربة أيضا المنفذ لتستطيعوا أن تحتملوا1كو10:13.
والذي يحتمل الضيقة لاتكون عنده الرغبة في الانتقام.
فلا يرد علي كلمة الإساءة بكلمة أو كلمتين ولايهدد ولايتوعد ولا يغلي في داخله ولايقول سأفعل وأفعل لأن الانتقام هو الباب الواسع وفيه يخسر الإنسان روحياته والاحتمال الذي هو الباب الضيق يشمل أبوابا متنوعة.
ففيه يحتمل الشخص الإساءة وأيضا يحتمل التأديب ممن هو أكبر منه ويحتمل النصيحة الشديدة من أصحاب المشورة أو من الأصدقاء ويحتمل أيضا العقوبة فلا يسخط ولايستضجر ولايبرر نفسه ولايصف من يعاقبه بالقسوة أو الظلم وكما قال الرسولإن كنتم تحتملون التأديب يعاملكم الله كالبنين فأي ابن لايؤدبه أبوه؟!ولكن إن كنتم بلا تأديب..فأنتم نغول لابنونعب12:8,7
وهناك لون أعمق في الاحتمال يلوم فيه الإنسان نفسه.
لوم النفس:
هو أحد مظاهر الباب الضيق فإن أساء إليك إنسان وأخذت تلومه في داخلك أو أمام الناس تكون بلومك إياه قد انتقمت لنفسك بالفكر أو بالقول بالإضافة إلي أنك بلومة قد تقع في إدانته وتزيد الهوة فيما بينك وبينه كما تتعب أنت نفسيا ويدركك الغيظ أو الغضب.
غير أن أحد الآباء فسر قول الرب:من لطمك علي خدك فحول له الآخر أيضامت5:39..بأن الخد الآخر هو داخل نفسك بحيث تكون إساءته لك من الخارج يقابلها لومك لنفسك من الداخل بلا تناقض بين داخلك وخارجك كأن يقول الإنسان لنفسه لولا أنني أسأت إليه أو أنه فهم بعض تصرفاتي بما أثاره أو لولا أنني قد فقدت محبته ما كان يفعل معي هكذا.
يحكي أن القديس البابا ثاوفيلس زار جبل نترياوهو جبل المتوحدينوسأل أب الجبل قائلاما الذي أتقنتموه أيها الأب من الفضائل في هذا الزمان كله؟فأجابه:صدقني يا أبي لايوجد أفضل من أن يرجع الإنسان بالملامة علي نفسه في كل شيء.
ملامة النفس هي دخول من الباب الضيق لأن كثيرين يبررون أنفسهم باستمرار ويلومون غيرهم ويصبح من الصعب عليهم أن يلوموا أنفسهم إن الإنسان البار في عيني نفسه من الصعب عليه جدا أن يلوم نفسه وبالمثل الإنسان الحكيم في عيني نفسه.
مما يدخل في نطاق الباب الضيق:الصليب.
الصليب:
ولذلك قال السيد الرب من لايأخذ صليبه ويتبعني فلا يستحقنيمت10:38وحمل الصليب قد يكون من أعداء الإيمان وقد يكون أحيانا من الزملاء في الخدمة أو من بين أفراد الأسرة أحيانا كما قال السيد الرب وأعداء الإنسان أهل بيتهمت10:36حيث يحاول أهله أن يمنعوه عن التكريس أو الخدمة ويتهموه في عبادته بالتطرف.
وقد يكون الصليب هو التعرض للاستشهاد أو الاضطهاد.
بسبب الإيمان كما حدث في عصور عديدة وكما قال السيد المسيح لتلاميذه سيخرجونكم من المجامع بل تأتي ساعة يظن فيها كل من يقتلكم أنه يقدم خدمة للهيو16:2.
وقد يكون الصليب مرضا أو عوزا يحتمله الشخص بشكر
كما حدث في قصة لعازر المسكينلو16حقا أنه لم يدخل بإرادته فيما لاقاه في حياته من مرض وعوز ولكن الصليب بالنسبة إليه كان احتماله لكل ذلك بلا تذمر.
موضوعات أخري:
يظهر الباب الضيق في أمور كثيرة :مثل الطاعة التي يخضع فيها الإنسان إرادته ومثل الالتزام والتدقيق والجدية وما يبذل فيها من جهد ومثل الأمانة حتي الموت,والصمود أمام حروب الشياطين ومثل طهارة النفس والجسد والروح.وفي كل ذلك يعظم انتصارنا بالذي أحبنارو8:37.