|
رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
في الكرازة بالمسيح مصلوباً إبطال للحكمة البشرية: في الكرازة بالمسيح مصلوباً نرى وجهاً آخر لحكمة الله. فالصليب مظهر من مظاهر الضعف المطلق حيث نرى المسيح وقد أخضع نفسه لحكم الموت، وهذا ما عبَّر عنه الرسول «بضعف الله»، فهل الله ضعيف؟ حاشا. بل إن الله رأى في مشهد الضعف هذا - أي موت المسيح مصلوباً - الطريق الوحيد لخلاص الإنسان، الأمر الذي أصبح يمثِّل عقبة كبيرة أمام اليهود في طريق إيمانهم بالمسيح. فالصليب لليهود عثرة، فكيف يؤمن اليهودي بمخلِّص «مصلوب» وطبقاً للناموس يعلم اليهودي إن المعلَّق على خشبة مرفوض من الله (تث21: 22،23). فإلى أي جانب يقف اليهودي.. أ مع الناموس أم مع المسيح؟ كما أن مما مثل عقبة أمام اليهودي: كيف أن يكون مخلّصهم ومسيّاهم بهذا الاتضاع والمذلة، فأين جلاله الملكي؟ وأين غناه؟ وأين سلطانه السياسي وقوته الساحقة للأعداء؟ لقد عثروا بابن النجار، ومازالوا حتى يومنا هذا يعثرون في المسيح مصلوباً، إذ مازالوا يحملون في قلوبهم وأفكارهم ما اعتقده اليهود قديماً: هل يمكن لمن مات مصلوباً أن يكون مخلصاً؟ لكن هل توقفت الكرازة بالمسيح مصلوباً لأن هذه الكرازة عقبة أمام اليهود ومَنْ على شاكلتهم؟ حاشا وكلا، بل يقول الرسول نحن نكرز (بولس والرسل) بالمسيح مصلوباً. فليس الغرض أن نحاول التوفيق بين منطق اليهودي وفكرة الخلاص بالصليب. فبالرغم من عدم الترحاب بالكرازة بالصليب لأنه لليهود عثرة، إلا أننا سنستمر نكرز بالمسيح مصلوباً. كما أن الكرازة بالصليب كانت عقبة أيضاً في طريق إيمان الأمم اليونانيين بالمسيح. لماذا؟ لأن اليونانيين اعتبروا قصة الصليب نوعاً من الجهالة، ولا يمكن أن يقبلها العقل البشري، لأن الفكر الذي اعتنقه اليونانيون أن الله منزه تماماً عن المشاعر الحسية التي تصيب البشر كالألم والفرح والمعاناة والمذلة من البشر. فكيف يتسنّى للإله المنزه عن كل هذه، أن يأتي في صورة بشرية، ويتألم من أيدي البشر ويُقتل، فهل هذا منطقي ومعقول؟ إنه غير منطقي وغير معقول للعقل البشري، لذلك اعتبر الأمم اليونانيون ومَنْ على شاكلتهم، أن قصة صلب المسيح نوعاً من الجهل. كما أن فكرة ظهور الله في الجسد غير مقبولة، وأن موته على صليب هو شيء من الكُفر - وذلك في عين الحكمة البشرية - ولكن هل حاول الرسول بولس في كرازته أن يُرضي ذوق ومنطق الأمم، كلا. فإن اختيار الله للصليب إنما هو لإبطال هذه الحكمة البشرية، بل إن الرسول عقد العزم على أن لا يشهد في كرازته إلا بيسوع المسيح وإياه مصلوباً. فهو الطريق الوحيد للالتقاء بالله ومعرفته، والطريق الوحيد لنوال الخلاص الأبدي، فسنكرز بالمسيح مصلوباً. |
|