06 - 10 - 2024, 11:47 AM
|
|
|
† Admin Woman †
|
|
|
|
|
|
"يا ابني إن قبلت كلامي وخبأت وصاياي عندك..." [1].
يتحدث "سليمان" كمعلمٍ مع تلميذه حاسبًا إياه ابنه، إذ يقدم له قلبه المملوء حبًا مع كلمة تعليم. ويقول القديس إكليمنضس السكندري: "كل شخص يتعلم، يخضع لمعلمه كابن".
ليتنا قبل أن نقدم كلماتنا للغير، نقدم قلوبنا المملوءة حبًا لهم، والملتهبة بالشوق الحقيقي إلى خلاصهم ومجدهم.
يطلب الأب من ابنه أن يقبل كلامه وأن يخبئ وصاياه. هذا هو أول درس في مدرسة هذه الحياة، وهو قبول الابن وتجاوبه مع كلمات والديه. وكأنه يرد الحب الأبوي الصادق بالحب البنوي العملي. ليس فقط أن يتجاوب معه، بل ويخفيه في قلبه بكل عناية واهتمام بكونها أثمن الكنوز وأفضلها. يقف المؤمن الحيّ من وقت إلى آخر متطلعًا نحو كنزه الداخلي، متأملًا في الكنوز التي اقتناها، وقام بتخزينها، معجبًا بها كهبات إلهية عاملة في حياته اليومية.
ينصحنا سليمان الحكيم أن نخبئ وصايا الوالدين تلك التي بلا شك في تناغم تام مع وصايا الكتاب المقدس. نخبئها في قلوبنا، حتى متى أتممناها يصدر سلوكنا ممتزجًا بمشاعر القلب الداخلية، نتممها بكامل حريتنا بفرح شديد، وليس كمن يمارسها قسرًا كمن يتمم واجبًا يلتزم به. من يضع الوصية في قلبه، يتممها بقلبه ويرافقه قلبه أينما ذهب، فيجد مسرته في إرادة أبيه السماوي.
يخفي المؤمن في قلبه وصية الله، كنزه الثمين، أثمن ما في حياته، مركز الحب والحياة، وموضع الأمان، فلا يقدر العدو أن يسطو عليه ليغتصبها منه. نخبئ وصية الله، فلا تقدر خطية ما أن تختفي في القلب أو تتسلل إليه، إذ لا يمكن للظلمة أن تجد لها موضعًا حيث يوجد النور. ولعل الحكيم يطلب منا أن نخفي الوصية في قلبنا كي نتأملها وننشغل بها فتهضمها معدتنا الروحية. فكما أن الطعام الذي لا يُهضم لا يفيد الجسم بشيء هكذا من يسمع الوصية ولا يتأملها وينشغل بها لا تنتفع بها نفسه.
يقدم أنثيموس أسقف أورشليم ثلاثة أسباب لإخفاء كلام الله في القلب:
[ا - إنه يخفي كلام الله في قلبه ذاك الذي يحذر من الخطأ؛ ليس فقط في العمل الظاهر وإنما أيضًا في الفكر الخفي. مثل هذا يجتنب ليس فقط الفسق وإنما انحراف شهوته وميلها الخفي...
ب - وأيضًا الذي يخفي في قلبه أسرار الإيمان ولا يبيح بها للكفار، عاملًا بقوله: "لا تطرحوا درركم أمام الخنازير".
ج - كذلك من يخفي أقوال الله في قلبه لئلا تخطفها طيور السماء، أعني بها الشياطين الساقطين من السماء، فلا تسلبها إياها بالشك أوالكبرياء أو بفكر شرير...]
*من لا يقبل تعاليم الله سطحيًا وظاهريًا كما يخفيها في قلبه حتى يتقوَّم فكره وأيضًا نياته، فيصير خاليًا من الخطية أمام الله الذي يرى الخفيات، فإنه لا يرتكب فقط الزنا بل وكل شهوة شريرة. تطابق هذه الآية الكلمات: "يا ابني إن قبلت كلامي وخبأت وصاياي عندك حتى تميل أذنك إلى الحكمة" (أم 1:2، 2).
القديس ديديموس الضرير *إن لم نخفِ أقوال الله في قلبنا مثلما نخفي جوهرة يأتي الشرير ويخطفها (مت19:13).
القديس أثناسيوس الرسولي * طلب أولًا العون الإلهي لئلا تُخفى كلمات الله في قلبه بلا ثمر، حيث لا يتبعها أعمال البر. لهذا فإنه بعد قوله هذا أضاف: "مبارك أنت يا رب، علمني برك" .
لأنني أخفيت كلماتك في قلبي لكي لا أخطئ إليك يا من أعطيتني الناموس، هبني أيضًا بركة نعمتك، حتى بعمل ما هو مستقيم أتعلم ما أوصيت به...
القديس أغسطينوس جيد للإنسان أن يدرس الكتاب المقدس مستعينًا ببعض المراجع الدراسية والتفاسير، لكن لا يوجد كتاب يمكن أن يحل محل كلمة الله. لذا يليق بالمؤمن أن تكون له جلسته الهادئة مع كلمة الله، طالبا من الله أن يتذوقها في أعماقه لكي يعيشها في حياته اليومية أينما وجد.
الاعتماد على الدراسات السابقة نافعة، خاصة كتابات الآباء في الكتاب المقدس ، إذ كانت حياتهم إنجيلًا عمليًا مفتوحًا، لكن إن لم يلتقِ الإنسان مع الكلمة شخصيًا تصير هذه الدراسات جافة بلا ثمر روحي متجدد.
|