القديس ديديموس الضرير
[تحقق هذا الإصلاح البهي بالمعنى الروحي عندما جاء ذاك الذي قال: "روح الله عليَّ لأنه مسحني لأبشر المساكين، أرسلني لأشفي المنكسري القلوب، لأنادي للمأسورين بالإطلاق وللعمي بالبصر وأرسل المنسحقين في الحرية" (لو 4: 18)... مكتوب "يشرق في أيامه الصديق وكثرة السلام، سلامه سوف لا يعرف حواجز، سوف لا يكون لأمة واحدة بل لجماعة الأمم". الأرض كلها التي تخضع لذاك القائل لتلاميذه وللذين يرغبون في خدمته: "أعطيكم سلامي" (يو 14: 27)، تتمتع بهدوء عظيم يستتب فيها، والكرمة تعطي ثمرها والأرض غلتها والسماء نداها. أما الكرمة التي تعطي ثمرها فهي التأملات الروحية في الحق... والأرض تعطي غلتها، إذ تثمر البذرة التي ألقاها يسوع فيها ثلاثين وستين ومائة (مت 13: 8، 23)... تقدم الأرض غلتها لمن يزرعها بالدموع وبالعرق والحزن، فيحصدها بالفرح (مز 125: 5)... "الذين يزرعون بالدموع يحصدون بالابتهاج، الذاهب ذهابًا بالبكاء حاملًا مبذر الزرع مجيئًا يجيء بالترنم حاملًا حزمه" (مز 126: 5). هذا الحصاد الكثير روحي يخص الكلام الإلهي، وكما أوصي هوشع النبي: "إزرعوا لأنفسكم بالبر. أحصدوا بحسب الصلاح، أحرثوا لأنفسكم حرثًا، فإنه وقت لطلب الرب حتى يأتي ويعلمكم البر" (هو 10: 12)... أما السماء تعطي نداها، فإننا سنفهم الندى عندما نعرف السماء التي تعطيه. السماء بلا شك ليست إلاَّ ذاك الذي يحمل صورة الإنسان السماوي (1 كو 15: 49)، حيث يكون وطنه في السماء (في 3: 20). فقد قيل عن الذين يظهرون صورة المخلص السماوي: "السموات تشهد بمجد الله والفلك يخبر بعمل يديه" (مز 18: 1)، وجاء عنهم في النشيد الكبير الوارد في سفر التثنية: "أيتها السموات افرحي معه" (تث 32: 43)، أي افرحي مع المخلص. كيف لا يفرحون ويتهللون معه وقد تشكلوا على صورته كقول الرسول: "ليكونوا مشابهين صورة ابنه" (رو 8: 29)، وأيضًا "سنلبس صورة السماوي" (1 كو 15: 49)؟! يليق بنا أن نقول أنهم باتحادهم في سماء واحدة يعطون ندى سماوي، لكن كل واحد يُعطي نداه الخاص، متشبهًا بموسى القائل: "يهطل كالمطر تعليمي ويقطر كالندي كلامي" (تث 32: 2)].