|
رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
لاهوت الابن يقف الباحث في العقائد المسيحيّة أمام عدد من القضايا الخطيرة ,وفي مقدمتها اعتقاد المسيحيين بأن يسوع المسيح الذي وُلِد من مريم العذراء هو ابن الله والله الابن. قد يصعب على كثيرين أن يقبلوا هذا الاعتقاد ,إلا أن الصعوبة لا تضير المسيحيّة في كونها ديناً وحدانياً صحيحاً ,بدليل إيمان المسيحيين بما جاء في الكتب المقدسة ,كقول الله : أَنْتُمْ شُهُودِي يَقُولُ الرَّبُّ ,وَعَبْدِي الذِي اخْتَرْتُهُ ,لِكَيْ تَعْرِفُوا وَتُؤْمِنُوا بِي وَتَفْهَمُوا أَنِّي أَنَا هُوَ. قَبْلِي لَمْ يُصَوَّرْ إِلَهٌ وَبَعْدِي لَا يَكُونُ - إشعياء 43 :10 - . هَكَذَا يَقُولُ الرَّبُّ مَلِكُ إِسْرَائِيلَ وَفَادِيهِ ,رَبُّ الْجُنُودِ : أَنَا الْأَّوَلُ وَأَنَا الْآخِرُ وَلا إِلَهَ غَيْرِي - إشعياء 44 :6 - . لِأَنَّهُ يُوجَدُ إِله وَاحِدٌ وَوَسِيطٌ وَاحِدٌ بَيْنَ اللّهِ وَالنَّاسِ : الْإِنْسَانُ يَسُوعُ الْمَسِيحُ - 1 تيموثاوس 2 :5 - . فَأَجَابَهُ يَسُوعُ : إِنَّ أَّوَلَ كُلِّ الْوَصَايَا هِيَ : اسْمَعْ يَا إِسْرَائِيلُ. الرَّبُّ إِلهنَا رَبٌّ وَاحِدٌ - مرقس 12 :29 - . ولكن المسيحيّة تؤمن بوجود إله أزلي ,يعلن لنا نفسه بأنه آب وابن وروح قدس ,ليس لوجوده بداية ولا نهاية ,فقد كان دائماً ,ويكون دائماً ,وسوف يكون دائماً وفقاً لما هو مكتوب : فَقَالَ اللّهُ لِمُوسَى : أَهْيَهِ الذِي أَهْيَهْ. وَقَالَ : هكَذَا تَقُولُ لِبَنِي إِسْرَائِيلَ : أَهْيَهْ أَرْسَلَنِي إِلَيْكُمْ - خروج 3 :14 - . أَنَا هُوَ الْأَلِفُ وَالْيَاءُ ,الْبَِدَايَةُ وَالنِّهَايَةُ ,يَقُولُ الرَّبُّ الْكَائِنُ وَالذِي كَانَ وَالذِي يَأْتِي - رؤيا 1 :8 - . قبل الانطلاق في التأمل في لاهوت الابن يجب أن نستعرض الإعلانات الواردة في الكتاب المقدس عن أبوّة الله للمسيح. 1- ابن الله أُطلق الاسم ابن الله على المسيح أربعين مرة ,عدا اتصاله كثيراً بالضمير مثل ابنه و ابني . ويظهر هذا اللقب الإلهي واضحاً عن المسيح كما جاء قول الإنجيل : فَمِنْ أَجْلِ هذَا كَانَ الْيَهُودُ يَطْلُبُونَ أَكْثَرَ أَنْ يَقْتُلُوهُ ,لِأَنَّهُ لَمْ يَنْقُضِ السَّبْتَ فَقَطْ ,بَلْ قَالَ أَيْضاً إِنَّ اللّهَ أَبُوهُ ,مُعَادِلاً نَفْسَهُ بِاللّهِ - يوحنا 5 :18 - . 2- الابن الوحيد اَللّهُ لَمْ يَرَهُ أَحَدٌ قَطُّ. اَلِابْنُ الْوَحِيدُ الذِي هُوَ فِي حِضْنِ الْآبِ هُوَ خَبَّرَ - يوحنا 1 :18 - . ورد لقب الابن الوحيد خمس مرات ,وهذا يدل على أن زعم البعض أن يسوع المسيح ابن الله ,بذات المعنى الذي به جميع الناس أبناء الله هو زعم غير صحيح. انظر قوله له المجد : فَإِذْ كَانَ لَهُ أَيْضاً ا بْنٌ وَاحِدٌ حَبِيبٌ إِلَيْهِ ،أَرْسَلَهُ أَيْضاً إِلَيْهِمْ أَخِيراً ,قَائِلاً : إِنَّهُمْ يَهَابُونَ ا بْنِي - مرقس 12 :6 - . 3- ابن العلي قال ملاك الرب لمريم العذراء : وَهَا أَنْتِ سَتَحْبَلِينَ وَتَلِدِينَ ا بْناً وَتُسَمِّينَهُ يَسُوعَ. هذَا يَكُونُ عَظِيماً ,وَا بْنَ الْعَلِيِّ يُدْعَى - لوقا 1 :31،32 - . 4- الابن الحبيب فَلَمَّا اعْتَمَدَ يَسُوعُ صَعِدَ لِلْوَقْتِ مِنَ الْمَاءِ ,وَإِذَا السَّمَاوَاتُ قَدِ انْفَتَحَتْ لَهُ ,فَرَأَى رُوحَ اللّهِ نَازِلاً مِثْلَ حَمَامَةٍ وَآتِياً عَلَيْهِ ,وَصَوْتٌ مِنَ السَّمَاوَاتِ قَائِلاً : هذَا هُوَ ا بْنِي الْحَبِيبُ الذِي بِهِ سُرِرْتُ - متى 3 :16،17 - . 5- أبي قال المسيح في أحد أمثاله : أَنَا الْكَرْمَةُ الْحَقِيقِيَّةُ وَأَبِي الْكَرَّامُ - يوحنا 15 :1 - . خِرَافِي تَسْمَعُ صَوْتِي ,وَأَنَا أَعْرِفُهَا فَتَتْبَعُنِي. وَأَنَا أُعْطِيهَا حَيَاةً أَبَدِيَّةً ,وَلَنْ تَهْلِكَ إلى الْأَبَدِ ,وَلَا يَخْطَفُهَا أَحَدٌ مِنْ يَدِي. أَبِي الذِي أَعْطَانِي إِيَّاهَا هُوَ أَعْظَمُ مِنَ الْكُلِّ ,وَلَا يَقْدِرُ أَحَدٌ أَنْ يَخْطَفَ مِنْ يَدِ أَبِي - يوحنا 10 :27-29 - . 6- الآب والابن قال يسوع في حديثه إلى الجماهير : كُلُّ شَيْءٍ قَدْ دُفِعَ إِلَيَّ مِنْ أَبِي ,وَلَيْسَ أَحَدٌ يَعْرِفُ الا بْنَ إِلَّا الْآبُ ,وَلَا أَحَدٌ يَعْرِفُ الْآبَ إِلَّا الا بْنُ وَمَنْ أَرَادَ الا بْنُ أَنْ يُعْلِنَ لَهُ. تَعَالَوْا إِلَيَّ يَا جَمِيعَ الْمُتْعَبِينَ وَالثَّقِيلِي الْأَحْمَالِ ,وَأَنَا أُرِيحُكُمْ - متى 11 :27 ,28 - . حين نتأمل هذا الإعلان بعمق يتضح لنا أنه لا إنسان عادي ,ولا نبي ,ولا رسول ,ولا ملاك من السماء ,ولا رئيس ملائكة ,يستطيع أن يدرك سر شخص يسوع المسيح الذي لقَّبه إشعياء النبي بالعجيب . وهذا يعني صراحة أن طبيعة المسيح غير محدودة بحيث لا يقدر أحد أن يدركها غير الآب نفسه. ومما لا شك فيه أن هذا الإعلان المجيد جداً يعلّمنا أن من وظيفة المسيح باعتبار وحدته الأزلية مع الآب ,أن يعلن لنا في شخصه هذا الآب ,الذي وُصف باللامنظور. قال الفيلسوف الفرنسي باسكال : ان الله المستعلن في المسيح إله يقترب إليه الإنسان في غير كبرياء ,ويتذلّل أمامه في غير يأس أو إهدار للكرامة. وفي يسوع المسيح لا نعرف الله فقط ,بل نعرف أنفسنا أيضاً ,وبدونه لا نعرف ما هي حياتنا ,ولا ما هو موتنا ,ولا مَنْ هو الله ولا ما هي أنفسنا - تأملات عن نشرة لاروس 11 :41 - . وقال القمص المصري سرجيوس : ومن عجب المسيح ودلالة تفرُّده عن البشر قاطبة ,أننا حين نطالع الإنجيل ,نجد أن المسيح أينما ذهب وأينما حلّ ,تقوم الأسئلة الكثيرة وتدور حوله. وكان موقف الناس بإزائه عبارة عن علامة استفهام. فكان كلما تكلم أو عمل ,يكون موضوع سؤال الناس. قالوا عندما سمعوه يتكلم ورأوه يعمل : من أين لهذا هذه الحكمة وهذه القوات؟ أليس هذا ابن النجار؟ ما هذا؟ ما هو هذا التعليم الجديد؟ لأنه بسلطان يأمر حتى الأرواح النجسة فتطيعه؟ وكثير من الأسئلة قامت عليه . فما هذه الأسئلة حوله. أليست دليلاً على أن المسيح شخص عجيب ,لم يكن كغيره من البشر ,وأن هناك فارقاً عظيماً بينه وبين الناس ,يشعر به كل من يراه ويسمعه. في الحق أن شهادة المسيح لنفسه ما كانت لتقوم لولا أنه إله وليس مجرد إنسان ,لأن الله وحده هو الذي يشهد لنفسه. أما كون المسيح إلهاً ,فهذا واضح. |
|