|
رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
قتل الملوك وبلعام: "وَمُلُوكُ مِدْيَانَ قَتَلُوهُمْ فَوْقَ قَتْلاَهُمْ: أَوِيَ وَرَاقِمَ وَصُورَ وَحُورَ وَرَابعَ. خَمْسَةَ مُلُوكِ مِدْيَانَ. وَبَلْعَامَ بْنَ بَعُورَ قَتَلُوهُ بِالسَّيْفِ" [8]. بجانب كل ذكر أي كل فكر شرير قتلوا الملوك الخمسة المذكورة أسمائهم أعلاه مع بلعام... من هم هؤلاء الملوك الخمسة ومن هو بلعام؟ أولًا: من هم هؤلاء الملوك الخمس إلاَّ الحواس التي ينبغي أن تموت عن الخطيّة لتتمتع بالحياة المقدسة! فلا حياة لهذه الحواس ما لم تمت أولًا بالصليب عن أعمال الإنسان العتيق. يتحدث العلامة أوريجينوس عن الملوك الخمسة، قائلًا: [بالاختصار الذين يسيرون على الرذائل -حسب الكتاب المقدس- هم خمسة ملوك، بهذا نتعلم بوضوح أن كل رذيلة تسود على الجسد تتبع أحد الحواس الخمسة. إذًا يجب قتل الحواس الخمسة في مملكة المديانيّين لكي يسودهم البرّ عِوَض الرذائل وعِوَض العمل المعثر يصير العمل الصالح الذي للبنيان، لأن هذه الحواس كانت تُستخدم للعثرة لدى المديانيّين. لهذا أمر الرب "إن كانت عينك اليمين تعثرك فاقلعها والقها عنك" (مت 5: 29-30). ها نحن نرى الرب يأمر بنزع الملوك الخمسة وقتلهم، "لأنه خير لك أن يهلك أحد أعضائك ولا يُلقى جسدك كله في جهنم". إنه لا يأمرنا بقلع العين الجسديّة وَبَتْر اليد أو الرجل الجسديتين، إنما يأمر ببتر الحِسّ الجسداني المُنحرف بالشهوات الجسديّة، لكي "تنظر عيناك إلى قدامك وأجفانك إلى أمامك مستقيمًا" (أم 4: 25). لكيما تسمع آذانك كلمة الله وتلتهمها، وتلمس يداك كلمة الله وتلتصق بها. بهذا فإنه إذ يموت ملوك المديانيّين وتقتلع الرذائل المعثرة يسود برّ سيدنا يسوع المسيح، إذ "منه أنتم بالمسيح يسوع الذي صار لنا حكمة من الله وبرًا وقداسة وفداءً" (1 كو 1: 30)]. هكذا يموت الملوك الخمسة فلا يكون للشيطان سلطانًا على حواسنا لا لنعيش بلا حواس في جحود، وإنما لتنطلق أحاسيسنا ملتهبة بالروح القدس لحساب الملك الجديد رب المجد يسوع. ثانيًا: هؤلاء الملوك تحمل أسماءهم معانٍ رمزيّة، فالملك "أوي" يشير إلى الرغبة كما يرى البعض. وكأن بدء الملوك بعد "الفكر" هو "الرغبة"، متى سيطر عليها إبليس وملك حطم حياة الإنسان واستعبدها. عمل الروح القدس في حياة الناس هو تحويل "الرغبة" من مملكة الخطيّة إلى مملكة البرّ، أو من أسر إبليس إلى حريّة الحياة في المسيح يسوع ربنا. غير أن العلامة أوريجينوس يرى أن كلمة "أوي" تعني "حيوان مفترس"، لهذا فمع قتل كل فكر شرير "كل ذكر" يلزم على المؤمن أن يبدد العادات الحيوانيّة المتوحشة، قائلًا: [كيف يمكنك أن تتمتع بالتطويب: "طوبى للودعاء" (مت 5: 5)، ما لم تقتل أولًا أوي وتسلم الغضب المتوحش للموت؟ في رأيي أن الكتاب المقدس لا يذكر هذه الأسماء ليروي قصة، إنما يقدمها لأجل معرفة الحقائق... . إن النص السماوي -كما أعتقد تمامًا- تعليم النفوس، إذ يريدنا أن نحارب هذه الأنواع من الرذائل. لنطردها عن مسكنها الذي في داخل أجسادنا. لنطرد هؤلاء الملوك من مملكة أجسادنا. هذا ما يقوله الرسول بوضوح: "لا تملكن الخطيّة على جسدكم الفاني"]. ثالثًا: الملك الثاني الذي ينبغي قتله هو "راقم"، الذي يعني "رقش" أو "تلوين". إن كان الملك الأول يمثل العنف والشراسة فإن هذا الملك يحارب الروح باتجاه مضاد وهو التلون ومجاراة الناس والمداهنة لاقتناص النفس. الأول يقتل النفس بعنف والثاني يقتلها باللطف المخادع. لهذا يحثنا القديس أغسطينوس أن نحذر الذئب حتى إن لاطفنا أو عانقنا، ولا نخشَ الحمامة حتى إن دخلت معنا في صراع إذ يقول: [الحمامة تحب حتى في صراعها، والذئب يبغض حتى وهو يعانق]. لنقتل هذا الذئب (الشيطان) حتى في ملاطفته إيانا. عن هذا الملك المخادع يقول داود النبي: "أنعم من الزبدة فمه وقلبه قتال، ألين من الزيت كلماته وهي سيف مسلولة" (مز 55: 21). رابعًا: الملك الثالث يدعى "صور" أي "صخر"، هذا الذي يفقد الإنسان إنسانيته فيكون قلبًا قاسيًا كالصخرة. لهذا يقول الرب: "وأعطيكم قلبًا جديدًا وأجعل روحًا جديدة في داخلكم وأنزع قلب الحجر من لحمكم وأعطيكم قلب لحم" (حز 36: 26). إنه يقتل الملك "صور" ليملك بروحه القدوس فيقيم قلبًا لحميًا ومملكة مملوءة حبًا عِوَض العنف والقسوة. خامسًا:الملك الرابع هو حور، وهو اسم مصري في الغالب مشتق عن الإله حورس . وإن كان البعض يراه اسمًا أكاديًا يعني "طفل". وهو يقاوم الإنسان لا كالملك السابق بتحجير قلبه وإنما يجعله كطفل يلهو في غير جدية. يمارس عبادته في استهتار واستهانة، ولا يتطلَّع إلى خلاص نفسه وأبديته برجولة ناضجة. سادسًا:الملك الخامس وهو "رابع" ويعني "الرابع"، ربما يشير إلى الحياة الجسدانيّة الزمنيّة، إذ رقم (4) يشير إلى الأرض باتجاهاتها الأربعة. هذا هو الملك الشرير الذي يربط قلب الإنسان بالأرض فلا تقدر النفس أن تنطلق بجناحي الحمامة إلى الأعالي، بل تنجذب دومًا نحو أمور هذا العالم الزائلة. هذا الذي قدم المشورة الشريرة لبالاق بإلقاء معثرة للشعب خلال النساء الشريرات... إنه يليق بنا إبادة كل مجال للعثرة! |
|