|
رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
لملك الدهور كلُّ إكرام ومجد بالكلام عن المجد، تنطلق الرسالة الأولى إلى تيموتاوس، فتتحدَّث عن المجد الذي نرفعه إلى يسوع المسيح، والكرامة القريبة من المخافة والتي هي موقف الإنسان في حضرة الله. وفي كلام مماثل، تنتهي الرسالة فتعلن الخلود إلى من هو ملك الملوك وربُّ الأرباب. بين هاتين الذروتين هي أمور عمليَّة ضروريَّة لتنظيم الكنيسة في أفسس، حيث يقول التقليد إنَّ تيموتاوس كان أسقفًا عليها. أمّا كلامنا فيتحدَّث عن المجدلات في الرسائل البولسيَّة، عن أساسها في العالم اليونانيّ. وفي القسم الثالث ندرس المقطعين اللذين أشرنا إليهما في هذه الرسالة (1: 17 ثمَّ 6: 15-16). 1- المجدلات البولسيَّة المجدلة تقوم في أن نُعلن المجد لله. والمجد هو تجلّي الله في الخليقة، وظهور قدرته وعظمته. وحين يدرك المؤمن ذلك، تنطلق منه صلاة أو نشيد على مثال ما نقرأ في المزمور الثامن، أمام عظمة الإنسان في وسط الخليقة: »أيُّها الربُّ ربُّنا، ما أعظم اسمك في كلِّ الأرض« (آ2). مزمور جاء وسط عدد من المزامير فيها يتألَّم المؤمن من الشرِّ الذي يحيط به، فيصعد الكلام بشكل فعل إيمان بمن هو الحاضر والعامل في الكون وفي حياة أتقيائه. ذاك ما ينشده مزمور آخر: »السماوات تنطق بمجد الله، والفلك يخبر بعمل يده« (مز 19: 2). هذه الطريقة في إعلان مجد الله(1) تواصلت في العهد الجديد، منذ ولادة الربِّ يسوع. وذلك حين أنشد الملائكة فوق مذود بيت لحم: المجد لله في العلى. تجلّى الله في هذا الطفل الوضيع، فلا مجال للكلام الفلسفيّ ولا للنظريّات، بل السجود والإكرام أمام الله الذي صار حضورًا ساميًا على الأرض، فاستطاع الناس أن يروه ويسمعوه ويلمسوه (1يو 1: 1).(2) فالمؤمن يؤدِّي المجد لله فيعترف بأعماله. ذاك كان عمل إبراهيم الذي نال القوَّة في إيمانه، بعد أن انتطر طويلاً تحقيقَ مواعيد الله له. يقول الرسول: »مجَّد الله واثقًا بأنَّ الله قادر على أن يفي بوعده« (رو 4: 20)، وذاك يكون عمل المسيحيّ حين يُدرك قدرة الله الذي أقام يسوع من بين الأموات (رو 6: 4). وحين نفهم نحن المؤمنين صبر الله وطول أناته حين يعاملنا بالرحمة، ويترك طريق الغضب، نكتشف مجده الحاضر (رو 9: 23). تتوجَّه المجدلة إلى الله الآب. وتتوجَّه أيضًا إلى الله الابن، إلى الربِّ يسوع من أجل عمله الخلاصيّ. فهذا المجد ظهر بشكل نور على وجه المسيح (2 كو 4: 6) لكي يضيء للبشر، بحيث يستطيعون أن يشاهدوا الله »ماشيًا على أرضهم«. كما قال الربُّ نفسه: »من رآني رأى الآب« (يو 14: 9). هذا النور يشرق في الظلمة فيراه المؤمنون، لا أولئك »الذين أعمى إله هذا الدهر بصائرهم حتّى لا يشاهدوا النور الذي يضيء لهم، نور البشارة بمجد المسيح الذي هو صورة الله« (2 كو 4: 4). أ- المجدلات في قلب الرسالة تتوزَّع المجدلات البولسيَّة في قلب رسائله، كما في نهايتها. فالوعاء يمتلئ بالماء أو بالخمر. وكذلك الرسول. يحسُّ قلبه وكأنَّه يشتعل، فيُخرج النار التي فيه، على مثال ما كان إرميا يفعل. نورد أوَّلاً رو 11: 33، 36: 33 ما أعمق غنى الله وحكمته وعلمه! وما أصعب إدراك أحكامه وفهم طرقه! 36 فكلُّ شيء منه وبه وإليه، فله المجد إلى الأبد. آمين. تحدَّث الرسول عن مسيرة الخلاص. الوثنيّون خطأة ويعوزهم خلاصُ الله. واليهود أيضًا الذي تصرَّفوا بشكل جعل الناس يجدِّفون على اسم الله بسببهم (رو 2: 24). ولكن ماذا حصل؟ أولئك الذين نالوا »المجد والعهود والشريعة والعبادة والوعود« (رو 9:4)، لم يصلوا إلى البرِّ الذي حمله يسوع المسيح. بل هم اتَّهموا الله بأنَّه أخلَّ بوعده، واعتبروه جائرًا. فبيَّن لهم بولس أساس ابتعادهم: تعلَّقوا بأعمال الشريعة، وما ارتبطوا بالإيمان بذاك الذي أرسله الآب وقدَّسه (يو 10: 36). وتألَّم بولس في أعماقه (رو 9: 2) من أجل »إخوته، بني قومه، في الجسد«. لا جواب بشريٌّا، فما بقيَ له سوى الاستسلام إلى »غنى الله وحكمته وعمله«. عندئذٍ ارتفع من قلبه آي المجد إلى الله. فمخطَّطُه يعلو إدراك البشر، وطرقُه غير طرق البشر، كما قيل في إشعيا النبيّ: طرقي غير طرقكم. وأفكاري أعلى من أفكاركم (إش 55: 9). ولكنَّ النتيجة أكيدة تأكيد المطر النازل على الأرض. لا يعود غيومًا إلاَّ »بعد أن يَروي الأرض ويجعلها تجود فتنبت نبتًا وتعطي زرعًا للزارع وخبزًا للآكل« (آ10). إذا كان المطر يفعل، فماذا لا يفعل الله بواسطة كلمته الخلاَّقة. إذا كانت المياه تنزل من سمائه، أما تنزل قدرته أيضًا. وإذا كان بالماء حياة الأرض، فماذا لا يفعل ربُّ الماء؟ والماء يعود إلى الربِّ في شكل سحاب، ونحن كلُّنا نعود إليه مع ذاك الذي ترك العالم وعاد إلى الآب (يو 16: 28). مثل هذا الكلام يملأ القلب ثقة وأملاً بعمل الله. إذًا، »له المجدُ إلى الأبد!« وفي الرسالة إلى غلاطية، انتقل الرسول من »الله أبينا« إلى »الربِّ يسوع المسيح« (1: 3). وأنهى كلامه: »له المجدُ إلى أبد الدهور. آمين« (آ5). ولماذا يمجِّد بولس المسيح؟ »لأنَّه ضحّى بنفسه من أجل خطايانا ليُنقذنا من هذا العالم الشرّير« (آ4). لماذا هذه البداية عن يسوع المسيح؟ لأنَّ الغلاطيّين تركوا التعليم الذي حمله إليهم بولس، »وتبعوا بشارة أخرى« (آ6). في الواقع، عادوا إلى الشرائع اليهوديَّة ومتطلِّباتها. فالخطأ كبير لأنَّهم لم »يروا« مجد الله في شخص يسوع، بل حاولوا أن »يغيِّروا« البشارة، أن يغيِّروا الإنجيل لكي يفرضوا تعليمًا بشريٌّا. فماذا بقي لهم من كلِّ ما فعله المسيح حين »ضحّى بنفسه«؟ لا شيء. لذلك اعتبر بولس أنَّه تعب باطلاً، ولكنَّه أعلن أنَّ قلب الإنجيل هو يسوع المصلوب. وبحدث قيامته الفريد، يقطع كلَّ علاقة بالماضي، بالعالم القديم الذي ما زال يسيطر عليه إبليس، ويدخلنا في الخليقة الجديدة. أمام هذا الواقع الجديد، هتف الرسول: »له المجد إلى أبد الدهور.« ب - المجدلات في آخر الرسالة هذا ما يجعلنا في إطار ليتورجيّ، حيث نشيد المجد يُنهي صلاة الجماعة. في الرسالة إلى فيلبّي، كتب بولس يشكر أبناء هذه الكنيسة على المعونة التي وصلت إليه بواسطة أبفروديتس. أبعد من تلبية حاجةٍ مادِّيَّة، اعتبر الرسول هذه العطيَّة بشكل »ذبيحة يقبلها الله ويرضى عنها« (فل 4: 18). تذكَّر بولس ما كان يُفعَل في العهد القديم، فأعطاه معنى روحيٌّا، فتحدَّث عن »غنى عظيم في المسيح« (آ19). وأنهى كلامه: »المجد لله أبينا إلى أبد الدهور. آمين« (آ20). لا يبقى بعد ذلك، سوى التتمَّة والختام. كما في الرسالة إلى رومة (16: 25-27): 25 للقادر أن يثبِّتكم بحسب الإنجيل، وكرازة يسوع المسيح حسب إعلان سرٍّ مكتوم في الأزمنة الأزليَّة، 26 ولكن ظهر الآن بالكتب النبويَّة حسب أمر الله الأزليّ وعرَّف جميع الأمم لطاعة الإيمان. 27 لله الحكيم وحده بيسوع المسيح الذي له المجد إلى الدهور.(3) يُنشد الرسول قدرة الله. ويندهش باسم الكنيسة أمام السرّ الذي أُوحيَ الآن، بعد أن كان مكتومًا. بواسطة الأنبياء عُرف، بعد أن تمَّت أقوالهم، وبواسطة الرسل، الذين بهم وصلت البشارة إلى العالم كلِّه. تطلَّعت الكنيسة إلى الوراء، ففرحت لأنَّها حاضرة في وقتٍ كُشف اسمُ يسوع المسيح، وصار منذ الآن المفتاح لتاريخ الكون ولمصير الإنسان.(4) |
|
قد تكون مهتم بالمواضيع التالية ايضاً |
الموضوع |
ووجد أوريجان في الكتابات البولسيَّة مادَّةَ عدَّةِ توسيعاتٍ عقائديَّة وخُلقيَّة وروحيَّة |