|
رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
::: تأمّل روحي ::: نزهة إلى الذات توقّف يسوع برهةً على مفرق طريقٍ، على مدخله "محدثة" كُتِب عليها "مدينة الحبِّ، شارع: فرح العودة"، فقام والجموع بنزهة إلى ذلك المكان القائم في أعماق الّذات، وراح يكشف لهم خفاياه، مُظهرًا وجه الآب الحقيقي في قصّة تلك المدينة وأبطالها: الإبن الأصغر: أراد اختبار الحياة وتنسُّم الحرّيّة، فانطلق باحثًا عنهما، ظانًا أنّهما يكمنان خارج البيت الوالديّ. لكن سرعان ما انطفأت شعلة الفرح والطأنينة داخله، يوم فَقَدَ كلّ ماله، حتّى باتت الخنازير أرفع منه شأنًا. تألّم واكتوى بنار النّدامة، وانجلت صورة الأب المحبّ أمام عينيه، فاجتاحته الرّغبة في العودة تائبًا إلى الحضن الّذي طالما غمره بحنانه، رغبةٌ أقوى من اليأس والخجلِ وتأنيب الذّات، فعاد إلى أبيه نادمًا، عاد إلى الحياة ثانيةً. الإبن الأكبر: المُلازم لأبيه يفاجؤنا بردّة فعله. لقد غضِب من تصرّف والده تجاه أخيه "المُبَدِّد"، ورفض المشاركة في فرح عودته، مهدِّدًا، معاتبًا متوعّدًا، وكأنّ "الملكوت" لم يُكْتَب إلاّ لأمثاله، مُمْلِيًا على من أوجده، ما عليه أن يفعل، متسلّحًا بذهنيّة "الطاعة للأوامر تُكْسِب الميراث". لم يدرك أنّ الّذي كان ميّتًا ببعده عن منبع الحياة، عاد تائبًا طيّعًا طائعًا مسلِّمًا بأن رجاءه في أبيه، بل سجن نفسه في المادّة وقيمتها المحدودة "بأشبارٍ من التراب، وأوزانٍ من اللحوم". أمّا الحسد والغيرة والأنانيّة، فقد أماتت في قلبه وعقله الحبَّ والصّفْحَ والفرحَ. الأب: المحبّة الكاملة، ما كان هدفه إلاّ أن يدرك الأخوة كيف يجب أن يعيشوا، على اختلاف مشاربهم، في عائلةٍ تحبّ، وتصفح، ويساند بعضها بعضًا ، تحت سقفٍ واحدٍ، فيه من العاطفة والفرح والثقة ما يسمح للحياة بأن تزهر وتثمر عطاءً ومحبّةً، منتصرة على الموت الدّاخلي. كما أنّه أراد أن يُفهنا، مِن سلبية الأخ الأكبر، أنّه يحبّنا لشخصنا، لا لما لدينا من مال وجمال، وما نؤدّيه من استسلامٍ جاهل(غير واعٍ) لمشيئته. فمن هو هذا الآب؟ أيّة صورة نعطيها لشخصه؟ كيف ننظر إليه من حولنا، وماذا نكتشف فيه؟ هل نُبَسِّط الأمور إلى درجة الإستهتار، عندما نتخيّل بأنّه قد ينظر إلينا كما نظر إلى "الإبن الضال"، لأنّه محبّة، فنرتكب الحماقات والزلاّت؟ وإن واجهنا حقيقتنا، ألا نكتشف أنّنا في أغلب الأحيان، نشبه "الإبن الأكبر"، ذاك الّذي لم يتخطَّ إطار الجسد (المادّة) في علاقته مع أخيه وأبيه، ولم يتخطَّ مفهوم العالم لطريقة التّعامل مع الآخر؟ مَن منّا يستطيع ادّعاء الكمال لنفسه، وأنّه خالٍ من كلّ عيب؟... |
|