|
رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
ما الذي حصل لشاول الآتي إلى أورشليم لكي يدافع عن ديانة آبائه؟ هو الذي قال في دفاعه عن نفسه في أورشليم: »واضطهدتُ طريق يسوع حتّى الموت. فاعتقلتُ الرجال والنساء وألقيتهم في السجون« (أع 22: 4). ولكنَّه انتقل من »نير« إلى نير. من نير الشريعة الثقيل الذي يرزح المؤمن تحت ثقله (مت 11: 28) إلى نير المسيح »الوديع والمتواضع القلب«. فهو هيِّن وخفيف. مثل هذا الانتقال جعل اليهود حتّى في أيّامنا يحسبون بولس خائنًا. ولكنَّه لم يكن خائنًا، بل قرأ العهد القديم وأوصله إلى كماله، إلى يسوع المسيح، الذي قال: »ما جئت لأنقض، بل لأكمِّل« (مت 5: 17). أمّا اليهود فلبثوا في العهد القديم وما أرادوا الخروج منه. وبولس نفسه كان موافقًا لولا تلك »الصدمة« التي حصلت له على طريق دمشق. »شاول، شاول، لماذا تضطهدني؟« ماذا تريد يا ربّ أن أعمل؟ ذاك كان جواب ذاك الماضي ليحارب يسوع في كلِّ مكان. ما جادل، ما ناقش. ولكنَّه أحسَّ بالصعوبة. فالاهتداء إلى الربِّ يبدأ مثل نارٍ في القشّ، في الاندفاع. ولكن بعد وقتٍ قصير يحسُّ المؤمن بما يجب أن يتركه. سوف نرى بولس الذي ترك ماضيَه كلَّه. هو ابن طرسوس، لم يمرَّ فيها خلال رسالته. وأورشليم حيث »وُلد« إلى شريعة موسى، صارت ممرٌّا. لا مقرٌّا، فنقطة الانطلاق في رحلاته الرسوليَّة، ستكون أنطاكية. ونحن نعرف المرَّة الأولى وما فيها من صيغة احتفاليَّة: »قال لهم الروح القدس: خصِّصوا لي برنابا وشاول لعملٍ دعوتُهما إليه. فصاموا وصلّوا، ثمَّ وضعوا أيديهم عليهما وصرفوهما« (أع 13: 2-3). وحين انتهت المهمَّة، قدَّم بولس وبرنابا تقريرًا في أنطاكية، لا في أورشليم: »جمعا الكنيسة وأخبرا بكلِّ ما أجرى الله على أيديهما وكيف فتح باب الإيمان للأمم« (أع 14: 27). قال الربُّ جوابًا على إعلان بطرس: »ما من أحد ترك بيتًا أو إخوة أو أخوات...« (مر 10: 29)، وأضاف لوقا: »امرأة« (لو 18: 29). مع أنَّ بولس كان متزوِّجًا، أراد أن يكون حرٌّا فما اصطحب معه امرأته مثل بطرس وإخوة الربّ (1 كو 9: 5). ومع أنَّ له الحقَّ أن يعيش من البشارة، أعلن »أجرتي هي أن أبشِّر مجّانًا وأتنازل عن حقّي من خدمة البشارة« (آ18). وطلب الربّ: »من جاء إليَّ وما أحبَّني أكثر من حبِّه لأبيه وأمِّه وامرأته وأولاده وإخوته وأخواته، بل أكثر من حبِّه لنفسه، لا يقدر أن يكون لي تلميذًا« (لو 14: 36). أما كان هذا حبُّ بولس ليسوع، فأعلن يومًا: »حياتي هي المسيح وإن متُّ فذلك ربحٌ لي؟« وواصل الربُّ كلامه: »ومن لا يحمل صليبه ويتبعني لا يقدر أن يكون لي تلميذًا« (آ17). قال بعضهم، ويا لتعاسة ما قالوا: بولس »مؤسِّس« المسيحيَّة؟ لا، بولس دعا نفسه »عبد« يسوع المسيح. والعبد يلتصق بسيِّده. والعبد في مفهوم الكتاب هو القريب جدٌّا من الملك. رأى »معلِّمه« ملتصقًا بالصليب، فالتصق هو. قال: »أمّا أنا فلن أفاخر إلاَّ بصليب ربِّنا يسوع المسيح. به صار العالم مصلوبًا بالنسبة إليَّ، وصرتُ أنا مصلوبًا بالنسبة إلى العالم« (غل 6: 14). بالصليب أدخلَ المسيحُ البشرَ في الخليقة الجديدة. فما عاد الرسول يهتمُّ بالعالم القديم، لا على المستوى اليهوديّ مع الختان أو عدم الختان، ولا على المستوى الوثنيّ مع »حكمته« التي هي حماقة في نظرالربّ. لا أمان للمسيحيّ في هذا العالم، ولا افتخار. فالرسول متعلِّق بالصليب ولا يريد أن يتعلَّق إلاَّ بالصليب. فقال: »أحمل في جسدي سمات يسوع« (آ17). تلك التي أراها لتوما الذي رفض أن يؤمن (يو 20: 27). هي العلامة التي تميِّز يسوع، كما تميِّز الرسول الحقيقيّ: »نحن ننادي بالمسيح مصلوبًا، وهذا عقبة لليهود وحماقة في نظر الوثنيّين« (1 كو 1: 23). ترك بولس الحكمة »اليونانيَّة« وأخذ بحكمةٍ من نوع آخر. وترك المسلَّمات اليهوديَّة التي تطلب الآية بعد الآية، مع أنَّ يسوع كثَّر لهم الأرغفة وأطعم خمسة آلاف (يو 6). |
|