|
رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
المنعطف مع إيرينه إيرينه، أسقف ليون في فرنسا، والآتي من آسية الصغرى. معه تقبَّلت الكنيسة تقبُّلاً إجماليٌّا المجموعة البولسيَّة. والموضوع الأساسيُّ عنده هو القيامة في وجه العالم الغنوصيّ. وأخيرًا، عمليَّة الجمع وخلاص آدم. أ - المجموعة البولسيَّة وتبدَّلت الأمور مع إيرينه، لأنَّ النظرة إلى العهد الجديد »تبدَّلت«. فنحن أمام مجموعة محدَّدة ومغلقة تقابل »العهد القديم«. كان إيرينه أوَّل كاتب مسيحيٍّ يُورد بهذه الوفرة العهد القديم كما العهد الجديد. وصارت العلاقة ببولس علاقة بمجموعة مدوَّنة(4): أفسس وكولوسّي، بعد رومه و1 كورنتوس. ثمَّ فل 2 (النشيد)؛ 3: 9-21. إذا قابلنا بسرعةٍ النصوص والمواضيع الأكثر حضورًا، نلاحظ تبدُّلاً بالنسبة إلى المدافعين. فإيرينه يتوجَّه إلى أناس آخرين و(خصوصًا) يحارب خصومًا آخرين. فمسأليَّة الشريعة والإيمان الحاضرة عند يوستين، امَّحت، لأنَّ هم إيرينه هو التأكيد على التواصل بين »العهدين« لا على القطيعة. مثلاً، وُجد تك 15: 6، ولكنَّه لا يُستعمَل ليبيِّن أنَّ الإيمان يحلُّ محلَّ أعمال الشريعة. بل يتيح فقط التأكيد بأنَّ إبراهيم آمن بالإله الواحد الحقيقيّ، وأنَّ هناك بنوَّة حقيقيَّة بينه وبين المسيحيِّين. فشهادة بولس التي هي مرجع للغنوصيِّين، هي هنا لتثبت شهادة التكوين التي يمكن أن يرفضوها. ويتسجَّل إيرينه في خطِّ بولس فيذكر مع غل 3: 24 دور الـ»مربِّي«، دور الشريعة التي تقود إلى المسيح. ويعطي مثلاً حدث السامريِّين الذين أتوا إلى المسيح في يو 4: 41-42. ويستنتج مع رو 11: 26: »وهكذا كلُّ إسرائيل يخلص« (الهراطقة 4/2: 7). ويقدِّم الجزءُ حول حسنات الشريعة (4/12-16) كلامًا عن الوصايا الموسويَّة حسب وضعها (شريعة طبيعيَّة، فرائض تربويَّة، علامات) فيتبع يوستين، لا بولس. في الحقيقة، مع إيرينه، تُقرَأ الكتب المقدَّسة كلُّها، العهد القديم والعهد الجديد، مع هدف إجماليّ: تبيان وحدتها: وحدة لامنظورة. وحدة العهدين، وحدة تاريخ الخلاص. وفي النهاية، الله الذي هو ذاته الخالق والمخلِّص، صانع العالم وأبو المسيح. كلُّ القراءات في النصوص البيبليَّة في الهراطقة تتوخَّى أن تدلَّ على العلامات والرموز. من هذه الوجهة، لا يمكن أن تُعزَل قراءةُ بولس عن قراءة الأناجيل وعن سائر الأسفار المقدَّسة: في الأساس، قاعدة الفسار هي هي. وفي النهاية، تكون رسائل بولس امتدادًا للأناجيل. وإذ بيَّن إيرينه (4/22: 1) أنَّ المسيح تصرَّف في الرموز (مثل وصال العهد القديم) ليعلِّم ما سيكون، ذكر أنَّه ترك تلاميذه ينامون في الجسمانيَّة. ثمَّ طلب منهم أن يقفوا: صبر الله. يقظة البشر ثمَّ »نزل إلى المناطق السفلى للأرض« (أف 4: 9). وهكذا وصل إلى الرسالة إلى أفسس. وهكذا دخلت شهادة بولس في الخبر الإنجيليّ. ولكنَّ النصَّ البولسيَّ له وضعٌ خاصُّ به، وكما يدلُّ القسم التالي من الهراطقة حيث يعلن إيرينه ضرورة قراءة الكتب المقدَّسة في الكنيسة لئلاَّ نحوِّل مرماها. بدأ فذكر عمل تبشير بولس لدى الوثنيِّين (4/24). ثمَّ أعلن أنَّنا كلَّنا أبناء إبراهيم بالإيمان، وهو تعليم بولس بامتياز. بعدها عرض سلسلة أمثلة تفسير الكتاب المقدَّس بواسطة »الشيوخ« (أو: الكهنة). انطلق من مثَل موسى وصموئيل. وأورد 1 كو 12: 28 حول الرسل والأنبياء والمعلِّمين الذين أقامهم الله (4/26: 5). ثمَّ تأتي على التوالي قراءات نصوص العهد الأوَّل (4/27-31) التي تُختَم مع بولس الذي ينير معنى النصوص. وبولس حاضر أيضًا في 4/32 الذي يختتم الكلام حول وحدة العهدين التي تدلُّ عليها هذه القراءات: تلتقي أف 4: 5-6 و4: 16 مع تك 1: 3؛ يو 1: 13 للدلالة على وحدة تاريخ الخلاص، أساس وحدة الكتاب المقدَّس. وأخيرًا صورة »التلميذ الروحيّ« المرسومة في 4/ 34 التي تبدو مثل تعليم لهذه الممارسة التأويليَّة، تعرض إيمان هذا التلميذ انطلاقًا من 1 كو 8: 6: الله الذي منه كلُّ شيء. الابن الذي به كلُّ شيء (4/33: 7-8). وهكذا نكون في خطِّ عنصر هامٍّ سوف نجده فيما بعد: صار بولس مفتاح فسار لفهم الأسفار المقدَّسة. ب- القيامة سبق وقلنا إنَّ 1 كو هي أكثر الرسائل البولسيَّة ورودًا. فهذا يصحُّ في إيرينه كما في سائر المؤلِّفين القدماء. فإنَّ 1 كو 15 يشكِّل عند أسقف ليون ثلث إيرادات 1 كورنتوس: هذا يعني أنَّ تقبُّل بولس يدور بشكل مميَّز حول القيامة، التي هي إحدى النقاط الأساسيَّة في فكر إيرينه. حين نتفحَّص الإيرادات الرئيسيَّة، نلاحظ أنَّها موجودة كلُّها تقريبًا في مجموعتين: القسم الكرستولوجيّ في الكتاب الثالث (3/16-25). ثمَّ الكتاب الخامس (5/9-14)، التي تتوسَّع في 1 كو 15: 50: اللحم والدم لا يرثان ملكوت الله). ينطلق الغنوصيُّون من هذه الآية ليسندوا نظرتهم إلى الإنسان (أنتروبولوجيا). في القسم الكرستولوجيّ من القسم الثالث، يبيِّن إيرينه أنَّ المسيح هو واحد، ويردُّ على الطرح الغنوصيِّ بمسيح من فوق يأتي على يسوع من تحت ثمَّ يعود إلى الملء (البليروما). ويبيِّن في هذا المنظار أنَّه هو هو، أي الكلمة الموجود منذ الأزل، الذي أتى في جسم بشريّ، ومات وقام. والهدف هنا هو وحدة المسيح الذي اتَّخذ جسمًا بشريٌّا (اللحم والدم)، أي العالم المادِّيّ، عالم العهد الأوَّل، والباري (أو: الفاطر)، وبدأ عمل الخلاص الذي يرتبط بالإله الواحد الحقيقيِّ كما يقول الغنوصيُّون. عندئذٍ تأتي القيامة فتبرهن وحدة التدبيرين، تدبير الخلق وتدبير الخلاص. وتتركَّز الإيرادات هنا على قيامة المسيح، وقيامة البشر تأتي بعد ذلك لتعطي وجه المسيح، آدم الجديد، ملءَ مدلوله. في كلِّ هذا القسم، تبرهُنُ إيرينه سوتيريولوجيّ (بالنسبة إلى الخلاص): ينطلق من عمل المسيح ليبيِّن من هو، وليستنتج أنَّه وجب بالضرورة أن يكون إنسانًا حقٌّا، في جسم بشريٍّ حقيقيّ، وإلهًا حقٌّا. وهذا التوجُّه الكرستولوجيّ لا ينطبق كلُّه مع 1 كو 15، ولكن يمكن القول إنَّ وجهات كثيرة أخذت من 1 كورنتوس. أخذ إيرينه بشكل مباشر موضوع المسيح آدم الجديد. ولكن عنده (وهذا الاختلاف لا نجده إلاَّ عند إيرينه) المسيح هو آدم الجديد أوَّلاً بتجسُّده، ساعة هو كذلك عند بولس، بقيامته. في الكتاب الخامس المخصَّص في قسمه الأكبر ليبرهن قيامة الجسد (اللحم والدم، الجسم البشريّ)، ردٌّا على الغنوصيِّين، ذُكر 1 كو 15 على دفعتين رئيسيَّتين: نجد آ42-44 في 5/7: 1-2 كشهادة لمستقبل أبديٍّ للجسم البشريّ في مخطَّط الله (في الوقت عينه تُذكَر فكرة تقول إنَّ الجسد هو هيكل الله، مع 1 كو 3: 16-17 و6: 13-15، بعد أن انقطعا من السياق الإسكاتولوجيّ أو الخلقيّ ليكونا برهانين من أجل قيامة الأجساد). ثمَّ نجد آيات مختلفة، ولاسيَّما آ45-55 التي ترد أكثر من مرَّة في 5/9-14 الذي يتوخَّى أن يقدِّم تفسيرَ 1 كو 15: 50 الصحيح، ضدَّ تفسير الهراطقة (الوارد في 1/30: 13) الذين استنتجوا من هذه الآية أنَّ القيامة إلى العالم الكونيّ، عالم الباري، الذي له اللحم والدم »اللذان لا يقدران أن يرثا الملكوت«. انتصب إيرينه بوجه هذا التصلُّب في التعبير البولسيّ وأعاد العبارة، هذه المرَّة، إلى بُعدها الخلقيِّ لا الأنطولوجيّ، فأورد عددًا من الآيات البولسيَّة الأخرى، في 1 كو وفي رو بشكل خاصّ، وأوضح انطلاقًا من مقاطع متوازية، معنى »ورث« ومعنى »لحم«(5). فاللحم والدم ليسا جوهرًا، بل حالة الإنسان الذي خسَّرته الخطيئةُ حضورَ الروح. وموضوع الصورة (أرضيّ، سماويّ) المأخوذ من الآية السابقة (5/9: 3)، أتاح له أن يعطي المقطع أيضًا المعنى الديناميكيّ، المرتبط بالسلوك لا بحالة جوهريَّة. ففي الوقت عينه، إنَّ المعنى البولسيَّ الحقيقيَّ للعبارة »إنسان سماويّ« يُعاد في ردٍّ على الغنوصيَّة: ما نقل بولس، هذه المرَّة، بخلاف الكتاب الثالث، إلى الكرستولوجيا، الموضوعات الأنتروبولوجيَّة في الرسالة، بل حفظ لها وضعها الأوَّل. كما أعاد فكر بولس إلى تماسكه، منذ قراءة تك 2: 7 حتّى القيامة، مرورًا بالمثلَّث: الجسد، النفس، الروح (1تس 5: 23) كما جاء في 5/6: 1، وأكَّده منذ بداية هذا القسم (5/9: 1) بشكل: لحم (جسم بشريّ) نفس، روح. وحدَّد موقع هذه الأنتروبولوجيا في منظار خلقيٍّ بواسطة استشهادات عديدة مأخوذة من مختلف الرسائل البولسيَّة، فجمع جمعًا وثيقًا البُعد الخلقيَّ والبعد المسيحاويّ لمفاهيم مثل: موت، حياة، لحم ودم، مصالحة... ذاك ما يكشف، عبر بعض الالتواءات، علاقةً حميمة مع لغة بولس ومسيرة فكره الحقيقيَّة. ج- عمليَّة الجمع وخلاص آدم وينبغي أن نشدِّد أخيرًا على ظهور متواصل لعبارات وفكرات بولس في كلِّ تمثُّل إيرينه لتاريخ الخلاص. وموضوع الآدمَين، هو في حدِّ ذاته، معروف ولا حاجة إلى التشديد عليه. ولكن لا بدَّ من أن نذكِّر إلى أيِّ حدٍّ يؤمِّن بنية لاهوت إيرينه. والموضوعات المتلاصقة مثل عمليَّة الجمع، والمصالحة في المسيح، والتوازي بين الخطيئة/الموت والطاعة/الحياة، هي مأخوذة بشكل مباشر من الرسائل البولسيَّة. وينبغي أن نلاحظ هنا ميلاً »لمنهجة« بولس، لإدخال الاستشهادات في خبر خلاص واحد ولو توحَّدت الموضوعات في شكل واحد. وهذا الميل يميِّز عمل إيرينه الذي اهتمَّ بأن يوضح التماسك العميق للتعليم »الكاثوليكيّ« (ضدَّ الهراطقة)، عبورًا في عرض مرتَّب ترتيبًا جيِّدًا. من الواضح هنا أنَّ إيرينه أخذ من بولس أكثر من مجموعة موضوعات أو ألفاظ، أخذ بنية حقيقيَّة مؤلَّفة من تاريخ الخلاص والتوازي بين آدم والمسيح. أن تكون الأسفار المقدَّسة وحدة موحَّدة ليس بالأمر الجديد: فالإنجيليُّون وبولس نفسه قرأوها في وحدة أعطاها المسيح. وربطها يوستين كلَّها بالروح النبويِّ الواحد. ولكنَّ استغلالاً تحليليٌّا لهذا الكلِّ مرتَّبًا ترتيبًا واسعًا هو عمل إيرينه: كما يجب أن يكرَّر: الكتاب هو جسد، هو جسم لا يقبل بالفوضى، حيث كلُّ مقطع يجد معناه في الموضع الذي يحتلُّه. فوجب عليه إذًا أن ينظِّم قراءته الخاصَّة لئلاَّ تبدو مثل سلسلة اعتباطيَّة لشروح حول أماكن موضوع جدال، من جسد الكتاب هذا، الذي يُؤخَذ لحمه تارة من العهد القديم وطورًا من الأناجيل. نستطيع أن نقول باعتدال إنَّ العمود الفقريَّ هو بولسيٌّ بشكل خاصّ. إيرينه هو الأوَّل وليس الأخير، الذي يجعل من فكر بولس مفتاح تفسير الكتب المقدَّسة. من هذا القبيل، إنَّه جزء لا يتجزَّأ من قاعدة الإيمان. ولكن في هذه المرحلة، يفرض نفسه مضمونًا لا نهجًا: فالنهج البولسيُّ لتفسيرٍ يقدَّم في 1 كو 10، لا يذكرُه إيرينه (وإن ذكره، فلكَيْ يبيِّن جوهريٌّا أنَّ الإله الواحد هو من قاد إسرائيل وقاد المسيحيِّين، 4/27: 2-3). وهذا ينطبق بالأحرى على أوريجان المهتمِّ بشكل أكبر بالكتاب المقدَّس ذاته، لا بقاعدة الإيمان فقط، بحيث يكون له خطبة منهجيَّة. |
|
قد تكون مهتم بالمواضيع التالية ايضاً |
الموضوع |
القديس إيرينيؤس أسقف ليون |
مطار ليون سانت اكسوبيري (lys)، فرنسا – 5.78 |
كن إنسانا قبل طلب التّأله إيرينيؤس أسقف ليون |
القديس أوخيريوس أسقف ليون (+450م) |
ايرينيؤس أسقف ليون |