|
رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
بولس هو المؤمن لوحة سوداء أفهمت الإنسان أنَّه خاطئ. فهل يبقى في الخطيئة؟ كلاّ. وماذا يفعل؟ يؤمن. والإيمان هو التصاق بالربّ وثقة به. الإيمان هو تجاوب مع نداء الله، وهو يدوم ما دامت الحياة حتّى ننتقل من الإيمان إلى العيان. والإيمان الذي هو عاطفة باطنيَّة لا يكفي. لا بدَّ من عمل خارجيّ، على ما نقرأ في إنجيل مرقس: من يؤمن يعتمد وحينئذ يخلص. ومن لا يؤمن يُدان، يمرُّ في الدينونة، وبالتالي يكون له الهلاك (مر 16: 16). وما هو العماد؟ عمل خارجيّ يقوم به الروح القدس فينا فيوحِّدنا بالمسيح. نصبح معه واحدًا. كدت أقول لن يبقى يسوع »الابن الوحيد« بل صرنا نحن أبناء وبنات معه. كبُرَتْ عيلةُ الثالوث فضمَّت البشريَّةَ كلَّها، على ما قال المزمور: قلتُ إنَّكم آلهة. يا للشرف الكبير الذي وصلنا إليه. من يستطيع أن يفاخرنا بعد اليوم نحسبه ونسبُّه؟ أنا أغنى منك، إذًا أفضل منك! مسكن. أنا متعلِّم أكثر منك. أنا السيِّد وأنت الخادم. أنا السيِّدة وأنت الخادمة. ولكنَّ السيِّدة والخادمة هما بنات الله، والأكرم لدى الله هو التقيّ والعامل بوصايا الله وأحكامه. الأكرم هو من تكون حياته بلا لوم. أجل، أنا ابن الله. ولكنَّ هذا يفرض عليَّ أن أعيش مثل »ابن الله«. قال لنا الرسول: »تشبَّهوا بالله كالأبناء الأحبّاء وسيروا في المحبَّة سيرة المسيح الذي أحبَّنا وضحّى بنفسه من أجلنا« (أف 5: 1-2). العماد مسيرة نرافق فيها يسوع حتّى الصلب والموت والقيامة. وهكذا نصير الخليقة الجديدة. يقول بولس: »حين اعتمدنا في يسوع المسيح، اعتمدنا في موته فدُفنّا معه بالمعموديَّة لنموت ونحيا حياة جديدة« (رو 6: 3-4). ويواصل الرسول: »فإذا اتَّحدنا به في موت يشبه موته، فكذلك تكون حالنا في قيامته. وإنّا نعلم أنَّ إنساننا القديم صُلب معه ليزول هذا البشر الخاطئ. فلا نظلَّ عبيدًا للخطيئة... فإذا متنا مع المسيح، نؤمن بأنَّنا نحيا معه« (آ5-8). نتذكَّر أوَّلاً رتبة العماد في بداية الكنيسة. ينزل المؤمن (أو: المؤمنة) في درج تحت الأرض. يخلع ثيابه. يَدخل في المياه التي رمزت من القديم إلى الموت. يخرج من الماء، يلبس الثوب الأبيض علامة الانتصار قبل أن يكون علامة الطهارة. هكذا، صُوِّر المسيح خارجًا من القبر في يوم القيامة. هو موت في الرمز. وكيف يصبح حقيقة؟ حين نرفض حياتنا الماضية، نرفض عبوديَّة الخطيئة ولا ننقاد بعد لشهوات إنساننا العتيق (آ12). ونتذكَّر ثانيًا أنَّ العماد هو سرّ. والسرُّ يعني شيئًا خارجيٌّا نحسُّ به، أمّا أهمُّ شيء فيه فلا يُرى. هو مثل جبل الثلج. أكثره في البحر. في العماد يدخل المؤمن سواء كان طفلاً أو شابٌّا. ليس المهمّ هنا. بل هو يعتمد فينطلق في مسيرة يموت فيها يومًا بعد يوم، على ما قال الرسول. ومتى يكون الموت الحقيقيّ؟ عند ساعة الموت وحين نترك هذا العالم. عندئذٍ لن يعود الموت سرٌّا ورمزًا، بل يصبح حقيقة. نموت حقٌّا، نسلِّم الروح. هذا ما يراه الناس. ولكنَّ المؤمن يرى من خلال موت المؤمن القيامة يحيث يكون من حسبناه »مائتًا« »مع الربّ في كلِّ حين« (1 تس 4: 17)، تغيَّر، لبس الخلود. وهكذا لبس المائت ما لا يموت (1 كو 15: 51ي). انطلق الرسول من يسوع الذي هو الإنسان الجديد. معه بداية جديدة: »هو ليس من دم ولا من رغبة لحم ولا من رغبة رجل، بل الله ولدَه« (يو 1: 13، كما فسَّر الآباء). مع يسوع بدأت البشريَّة. في العهد القديم، آدم هو من يمثِّل البشر، لأنَّه مأخوذ من أديم، من تراب الأرض فقيل له: أنت من التراب وإلى التراب تعود ونفخ الله فيه »نفسًا حيَّة«، على ما قال سفر التكوين. استعاد بولس هذا الكلام فقال: »كان آدم الإنسان الأوَّل نفسًا حيَّة، وكان آدم الأخير روحًا محييٌّا« (1 كو 15: 45). ما هو الأوَّل على المستوى التاريخيّ والنصّ كُتب قبل المسيح بخمسمئة سنة يوم عدَّت البشريَّة الملايين، بل على المستوى اللاهوتيّ. وفي الواقع، سيكون يسوع هو الأوَّل، لأنَّه بكر الخليقة كلِّها وهكذا يستطيع أن يخلِّص الخليقة كلَّها، لا البشر فقط. فالرسول قال: »فالخليقة تنتظر بفارغ الصبر تجلّي أبناء الله... لتشاركهم حرِّيَّتهم ومجدهم« (رو 8: 18، 21). ماذا حمل »آدم الأوَّل«؟ الخطيئة. نحن آدم الأوَّل. كلُّ واحد منّا هو خاطئ. فقالت الرسالة: »فكما أنَّ الخطيئة دخلت في العالم على يد إنسان واحد، وبالخطيئة سرى الموت إلى جميع الناس لأنَّهم جميعهم خطئوا« (رو 5: 12). نعم، لا نقول كما قال بعضهم لأنَّهم ربطوا الخطيئة »الأصليَّة« (التي ليست الأولى، بل التي هي أصل الخطايا كلِّها، هي الكبرياء وحين يريد الإنسان أن يصير مثل الله، ولهذا يرفض وصايا الله) بالعمل الزواجيّ. لا. نحن خطأة أو بالأحرى نميل إلى الخطيئة مهما كانت الطريقة التي بها يُحبَل بنا ونُولَد. الإنسان بما أنَّه إنسان حياته ناقصة، ولهذا هو يخطأ. والربُّ يعرف ضعفه، لهذا يغفر له. ولو كثرت خطاياه، تفيض النعمة (رو 5: 21)، لا لكي يتمادى في الخطيئة (رو 6: 1)، بل لأنَّ المريض يحتاج إلى عناية أكثر من المعافى، والخاطئ يحتاج إلى انتباه خاصّ من الربّ. ولكن الحمد لله. لم تبقَ البشريَّة على مستوى آدم الأوَّل، بل انتقلت مع يسوع المسيح إلى آدم الثاني. بآدم الأوَّل دخلت الخطيئة والموت، ولكن بآدم الثاني نتلقّى فيض النعمة وهبة البرّ (رو 5: 18). وهكذا »تسود النعمة من أجل الحياة الأبديَّة بربِّنا يسوع المسيح« (آ21). ذاك هو إيمان بولس حين يدعو أبناء الكنيسة لكي يعملوا »في نظام الروح الجديد، لا في نظام الحرف القديم« (7: 6). هم تجدَّدوا، وانطلقوا، فلا مجال بعدُ للرجوع إلى الوراء، بل هي مسيرة مع المسيح وبالمسيح. |
|