|
رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
بولس الرسول من الكنائس إلى الكنيسة الجامعة أسَّس بولس عددًا من الكنائس. وكلُّ كنيسة أرادت أن تحتفظ به وكأنَّه مُلك لها. وكنيسة كورنتوس بشكل خاصّ أرادته أن يأتي إليها ولا يفضِّل عليها كنيسة. فعدد المؤمنين فيها كبير بحيث توزَّعوا على »بيوت« عديدة وجاؤوا في أحزاب. ثمَّ كانت قسمة أخرى، كما هي اليوم في بعض كنائس أفريقيا، حيث يؤمَّن قدَّاس لفئة من الفئات لا تقدر أو لا يحقُّ لها أن تكون مع أبناء الكنيسة. كلُّ هذا تخطّاه الرسول: فالكنيسة واحدة. هو لا يخاف أن يأخذ ممّا أرسلته كنيسة مكدونية لكي يسند كنيسة أخائية. فلا حاجز يقف في وجه الرسول، الذي يتنقَّل بين الجماعات التي أسَّس بحسب حاجات كلٍّ منها. وإذا كان شدَّد على الوحدة في الكنائس مع تعدُّد المواهب، فهو يدعو إلى الوحدة بين الكنائس بحيث تسند القويَّة الضعيفة، كما يسند الأقوياء الضعفاء في الجماعة. فكما المؤمنون أعضاء في الجسد الواحد، كذلك الكنائس أعضاء في جسدٍ، رأسه هو المسيح. فلا يحقُّ لكنيسة أو رعيَّة أو أبرشيَّة، أن تكون غنيَّة ولا تساعد جارتها. أين هي المقاسمة؟ وبعد ذلك هل يحقُّ لنا أن نشارك في الجسد الواحد، ونعمل مثل المؤمنين في كورنتوس: »يجوع بعضكم ويسكر آخرون« (1 كو 11: 22). كيف عاش بولس هذا التواصل بين الكنائس؟ على المستوى الروحيّ بدون شكّ، حيث التقاهُ المبشِّرون العديدون في رومة، فكتب الرسول من كورنتوس يسلِّم عليهم. ولكنَّنا ننوقَّف على المستوى المادّيّ. كتب بولس رسالتين. واحدة وجَّهها إلى الجماعات العائشة في العاصمة، كورنتوس، ورسالة أخرى إلى أخائية بشكل عامّ. اعتاد الكورنثيّون أن يخطِّطوا من أجل غيرهم، فكتب إليهم الرسول: »ونريد أيُّها الإخوة، أن نخبركم بما فعلَتْه نعمةُ الله في كنائس مكدونية، فهم مع كثرة المصاعب التي امتحنهم الله بها، فرحوا فرحًا عظيمًا. وتحوَّل فقرهم الشديد إلى غنى بسخائهم« (2 كو 8: 1-2). سخاء من قبل مكدونية وإلحاح من أجل عطاء. أمّا مؤمنو كورنتوس وأخائية فيتأخَّرون ويتماهلون. لهذا قال لهم الرسول: »فأنا أخاف أن يجيء معي بعض المكدونيّين ويجدوكم غير مستعدِّين، فنخجل نحن، حتّى لا أقول أنتم، في ثقتنا هذه بالافتخار بكم« (2 كو 9: 4). اهتمَّ بولس اهتمامًا كبيرًا بجمع التبرُّعات من أجل الكنيسة الأم، كنيسة أورشليم. لماذا؟ لأنَّه خاف أن تنغلق كنيسة على نفسها وعلى خصوصيّاتها وذلك على حساب المشاركة بين الكنائس. هو عمل مسكونيّ يقوم به الرسول مع نظرة إلى أورشليم »السماويَّة« التي تجمع حولها الكنائس على ما نقرأ في سفر إشعيا: »قومي استنيري (أو أنيري) فنورك أضاء، ومجد الربِّ أشرق عليك« (إش 60: 1). »ثروة البحار تنتقل إليك وغنى الشعوب إليك يعود« (آ5). أمّا المزمور 87 فيرى أنَّ جميع الشعوب وُلدت في مدينة الله، على الجبل المقدَّس. هناك ينبوع البركات (آ7). بدأ »الشرخ« حاضرًا منذ بدايات الكنيسة: بين الذين يتكلَّمون العبريَّة، الآراميَّة، وبين الذين يتكلَّمون اليونانيَّة. فتأسَّس السبعة الذين كان أوَّلهم إسطفانس وفيلبُّس. ثمَّ كان تباعد بالرغم من كلِّ محاولات التقارب بين العنصر اليهوديّ والعنصر اليونانيّ في الكنيسة، وحادثة أنطاكية لا تحتاج إلى شرح وتأويل (غل 2: 1ي). ما العمل لدرء الخطر؟ التطلُّع إلى وضع الكنائس على المستوى المادّيّ بانتظار المعنى الروحيّ. أمّا المثال فهو يسوع المسيح: »وأنتم تعرفون نعمة ربِّنا يسوع المسيح: كيف افتقر لأجلكم، وهو الغنيّ، لتغتنوا أنتم بفقره« (2 كو 8: 9). وما قاله بولس عن نفسه بالنسبة إلى الرسالة، تقوله أورشليم بالنسبة إلى سائر الكنائس. شاركت أورشليمُ كنائس الشتات في الروحيّات، فعلى هذه الكنائس أن تشاركها في الأمور المادّيَّة، لاسيَّما وأنَّ المجاعة حلَّت بها. وفي أيِّ حال، الكنيسة الأمّ في عوز والناس في راحة. هم يساعدونها. وقد تنتقل الأموال فتفعل الكنيسة الأمّ لسائر الكنائس ما فعلوا، وتردُّ لهم الجميل: »لا أعني أن تكونوا في ضيق (أيُّها الكورنثيّون) ويكون غيركم في راحة. بل أعني أن تكون بينكم مساواة، بحيث يسدُّ رخاؤكم ما يعوزهم اليوم، ويسدُّ رخاؤهم ما يعوزكم غدًا« (2 كو 8: 13-14). من كنيسة الله في تسالونيكي، في كورنتوس... إلى كنائس صارت كنيسة واحدة تغطّي حوض البحر المتوسِّط والعالم الرومانيّ، وتمتدُّ إلى الشرق فتصل إلى الهند »مع توما الرسول«. ولكنَّها »كنيسة واحدة جامعة مقدَّسة رسوليَّة«. هي جسد المسيح الواحد الذي لا يمكن أن ينقسم وإن ابتعد المسيحيّون بعضهم عن بعض وإن اختلفوا في طرق الصلاة والعبادة، وإن تباينوا على مستوى الفكر اللاهوتيّ دون المساس بما يقوله قانون الإيمان. ذاك كان هدف الرسالة البولسيَّة، التي نفحها بولس بروحه منذ البداية، فكان صلة الوصل بين الجماعات المختلفة، وتواصلت مع تلاميذه. فاستطاع أن يقول لجماعة كولوسّي: »البشارة وصلت إليكم كما وصلت إلى العالم كلِّه، فأخذت تثمر وتنتشر فيه كما تثمر وتنتشر بينكم منذ سمعتم بنعمة الله وعرفتموها حقَّ المعرفة« (كو 1: 6). هل نتخيَّل كلَّ هذا التطوُّر سنة 57 أي بعد موت الربِّ بعشرين سنة تقريبًا؟ وهل نقبل أن تتفتَّت »الكنائس« المحلِّيَّة فتمزِّق الكنيسة الجامعة، حيث كلُّ كنيسة تنغلق على ذاتها، وكلّ أبرشيَّة تعتبر نفسها مركز الكون. ما الفائدة من عمل تسير فيه جماعة من الجماعات (كبيرة أو صغيرة وحدها)؟ فهو يموت سريعًا، لأنَّه يكون من الناس، لا من الله، على ما قال غملائيل حين محاكمة الرسل (أع 5: 38-39). الخاتمة وهكذا قرأنا الرسالة الثانية التي أرسلها بولس من مكدونية إلى كورنتوس. سواء كانت رسالة واحدة كُتبت على مراحل، أو ثلاث وأربع رسائل ضُمَّت إلى بعضها، فهي تحمل إلينا كلام الله، ونحن نترك للباحثين أن يكتشفوا الأمور العلميَّة واللغويَّة التي لا بدَّ أن نستفيد منها من أجل القراءة الروحيَّة والرعائيَّة. رسالة شخصيَّة تُبرز لنا قلبَ بولس الذي تجابهه الصعوبات كما تجابه الكنيسة اليوم وتجابه العاملين فيها، هذا إذا رضوا أن يكونوا أمناء للإنجيل، لا للعالم. فإن كنّا أمناء للعالم يُحبُّنا العالم لأنَّنا مثله. أمّا إذا كنّا أمناء للإنجيل فالعالم يبغضنا كما قال لنا الربُّ ليلة آلامه. رسالة دافع فيها بولس عن نفسه لأنَّه أحسَّ أنَّ من خلال الهجوم عليه، هو هجوم على العمل الرسوليّ الآتي من »الخصوم« العديدين: الوثنيّة تنهض بعد أن هُزمَت، والعالم اليهوديّ أحسَّ بالخطر بعد أن حلَّ »الجديد« محلَّ »القديم«. وأخيرًا »الغنوصيَّة« الصاعدة من قلب المسيحيَّة والملفَّقة »الفلسفات« والأفكار العديدة لكي تستغني عن المعرفة الوحيدة التي تطلَّع إليها بولس الرسول: »معرفة الربِّ يسوع المسيح« (فل 3: 8). |
|