|
رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
بولس الرسول دفاع بولس عن الرسالة في دفاع بولس عن نفسه كان خصومه »يهودًا« انتحلوا الرسالة وراحوا يهدمون ما فعله الرسول، بحيث يصبح يسوع يهوديٌّا بين اليهود تعرَّفوا إليه أو لم يتعرَّفوا. أمّا الآن فخصوم بولس هم الغنوصيّون قبل الغنوصيَّة الرسميَّة. وماذا تقول الغنوصيَّة؟ لا حاجة إلى التقليد الرسوليّ. فالإنسان يخلص »بالمعرفة الباطنيَّة« التي يدعونها »الغنوصة« من اليونانيَّة gnwsi". لا حاجة إلى العمل بوصايا الله ولا بممارسة حياة خلقيَّة. يكفي أن »نعرف« وبعد ذلك نعمل ما نشاء. والمثل على ذلك هو ذاك الخاطئ »بزنى لا مثيل له حتّى عند الوثنيّين« (1 كو 5: 1). عنه قال الرسول كما قال عن أمثاله: »أخاف، إذا جئتكم مرَّة أخرى، أن يذلَّني إلهي في أمركم، فأبكي على كثيرين من الذين خطئوا من قبل وما ندموا على ما اقترفوه من دعارة وزنى وفجور« (2 كو 12: 21). كيف بدا هؤلاء »الغنوصيّون« في هذه الرسالة؟ هم يعظون عن الله بل عن أنفسهم، وكأنَّهم صاروا مكان الله: انظروا إلينا. اقتدوا بنا. أمّا بولس فإن قال اقتدوا بي فلأنَّه واصل حالاً: »كما أقتدي أنا بالمسيح« (1 كو 11: 1). وإن قال بولس: »صرنا مشهدًا للعالم، للملائكة وللناس« (1 كو 4: 9)، فهو ما جعل نفسه مثل الكتبة والفرّيسيّين في »مقاعد الشرف... مع المتصدِّرين في المجامع« (مت 23: 6). بل بجانب الصليب. قال: »أرى أنَّ الله جعلنا نحن الرسل أدنى الناس منزلة كالمحكوم عليهم علانية« (1 كو 4: 9). قال الرسول عن هؤلاء الخصوم: »فإذا كانت بشارتنا محجوبة، فهي محجوبة عن الهالكين، من غير المؤمنين الذين أعمى إله هذا العالم بصائرهم حتّى لا يشاهدوا النور الذي يضيء لهم، نور البشارة بمجد المسيح الذي هو صورة الله« (2 كو 3: 4). البشارة محجوبة لأنَّ هؤلاء أغمضوا عيونهم لئلاّ يروها. هم يعتبرون أنَّهم يعرفون كلَّ شيء، أنَّهم يملكون كلَّ شيء. وبالتالي هم لا يحتاجون شيئًا من هؤلاء الرسل »الشفعاء«. هم عميان بفعل إبليس »إله هذا العالم«. وحيث يقيم إبليس يكون موضعًا تُشرف عليه الخطيئة والانفصال عن الله. أمّا إبليس فيجعل المؤمنين في هذا العالم ويسدُّ الطريق عليهم فلا يعودون يرون العالم الآتي. قبلوا به سيِّدًا على هذا العالم ونسوا أنَّ »سيِّد هذا العالم يُطرَد اليوم« (يو 12: 31)، فلا يعود له من سلطان على الأرض بعد صليب المسيح. هؤلاء لهم معرفتهم الخاصَّة وحكمتهم. ولكنَّها حكمة رفضها الرسول. قال: »ولكن هناك حكمة نتكلَّم عليها بين الناضجين في الروح. وهي غير حكمة هذا العالم ولا رؤساء هذا العالم، وسلطانهم إلى زوال، بل هي حكمة الله السرِّيَّة« (1 كو 2: 6-7). حكمة الله ما عرفها »رؤساء هذا العالم، ولو عرفوها لما صلبوا ربَّ المجد«. فكيف يتبع الكورنثيّون مثل هؤلاء المعلِّمين؟ إلى أين يصلون بهم؟ إلى خسارة نفوسهم. والمعرفة »حاضرة« عند هؤلاء الحاسبين نفوسهم »أسياد هذا العالم« فيكلِّمون المؤمنين العاديّين من عليائهم. هم يشبهون عددًا من الشيع في أيّامنا، أو بعض الكنائس المسيحيَّة التي تحسب أنَّها بالمال تجتذب الناس إلى الله وتحسب نفسها وحدها »جماعة المؤمنين«. هؤلاء دعاهم بولس »غير ناضجين في الروح« و»أطفالاً بعد في المسيح« (2 كو 4: 5). الفرق شاسع بين الرسول وهؤلاء »الرسل« الذين حسبوا نفوسهم »رسلاً فوق العادة« لأنَّهم يستعبدون المؤمنين، يغسلون منهم الرؤوس ويجعلونهم يعيشون في الخوف فيتعلَّقون بهم كما الولد بثوب أمِّه. معرفتهم محصورة في هذا العالم، أمّا البشارة الحقَّة فهي نور يجعل معرفة الله تشرق في قلوبنا (آ6). * * * بماذا هاجم هؤلاء الخصوم بولس؟ إنَّه غيَّر خطَّة سفره. »أمرُّ بكم في طريقي إلى مكدونية، ثمَّ أرجع من مكدونية إليكم، فتسهِّلوا لي أمور السفر إلى اليهوديَّة« (2 كو 1: 16). بدَّل الرسول طريقه فاعتُبر عملُه »خفَّة ظهرت عليه« (آ17). بل حسبوه »كاذبًا« لا سمح الله. تارة يقول نعم وطورًا لا. فأجابهم بولس: »يشهد الله أنَّ كلامنا لكم ما كان بنعم ولا، لأنَّ يسوع المسيح ابن الله الذي بشَّرنا به بينكم، أنا وسلوانس وتيموتاوس، ما كان نعم ولا، بل نعم كلُّه« (آ19). كان هذا اتِّهامًا بسيطًا وغيمة عابرة، فبدَّدها الرسول بالنسبة إلى مجمل الكنيسة، لا بالنسبة إلى الخصوم. اعتبروا أنَّه امتنع عن المجيء إليهم، ربَّما احتقارًا، أو لأنَّه يفضِّل كنيسة مكدونية (عاصمتها تسالونيكي) على أخائية (عاصمتها كورنتوس). لا هو هذا ولا هو ذاك. بل مراعاة للمؤمنين. كيف يأتي الرسول إلى كورنتوس وقلبه يعمر بالحزن، لا بالفرح؟ ومن أين جاء هذا الحزن؟ ولماذا هذه الرسالة التي كتبها في الدموع والتي بدت أنَّها ما وصلت إلينا؟ (2: 4). أرسل بولس من قِبَله شخصًا لكي يُعيد السلام إلى الكنيسة بعد أن كادت تنقسم بين »كمّال« هم الغنوصيّون، وبين »بسطاء« وهم المؤمنون العاديّون. فاستُقبل هذا الشخص برفضٍ تامّ، وسيطرت فئة على فئة، وانقاد الضعفاء في خطِّ الأقوياء، فملأ الحزنُ قلب الرسول. فاستعدَّ للذهاب إلى كورنتوس لكي يضع الأمور في نصابها. فطُلب منه أن يمتنع. ومضى مكانه تيطس، ذاك المفاوض الماهر، الذي أعاد السلام إلى الجماعة: حزنَتْ، طلبَتْ من هذا الشخص أن يعتذر بشكل علنيّ، ففعل، فصفحَتْ عنه الجماعة. قابلنا هذا السفيه مع الزاني في الرسالة الأولى إلى كورنتوس (5: ي). عن الزاني قال بولس: »سلِّموا هذا الرجل إلى الشيطان، حتّى يهلك جسده، فتخلص روحه في يوم الربّ« (1 كو 5: 5). في الواقع، حين خطئ انتقل من »مخيَّم« الله إلى مخيَّم« الشيطان. هو أخرج نفسه من الجماعة، روحيٌّا لا جسديٌّا، مثل يهوذا في العشاء السرّيّ. كلُّهم يتطلَّعون إلى سيِّدهم »الحزين«، وهو يفكِّر أين يجتمع مع رؤساء الكهنة. وكذلك هذا الزاني: ترك الجماعة في قلبه فما عاد يستفيد من رسائل الدفاع التي في يده. صار مثل الغصن اليابس الذي يجب أن يُجمَع مع سائر الأغصان ويُحرَق في النار (يو 15: 6). صار مثل »تينة مضرَّة« تعطِّل الأرض. ربَّما إذا خرج، عاد إلى نفسه وتاب، أقلَّه في يوم ربِّنا، في يوم الدينونة. أمّا هنا فما أراد الرسول لهذا السفيه أن ييأس ويستسلم للشيطان. قال له الرسول بقلبه الكبير: »من صفحتُم عنه صفحتُ عنه أنا أيضًا« (2 كو 2: 10). * * * تلك بعض سمات الرسول كما تظهر في الرسالة الثانية إلى كورنتوس: هو الخادم وهو يخدم في المحبَّة واللطف والوداعة. هو الأب ويستعدُّ ان يغفر لأبنائه بسرعة ولا يترك في قلبه حقدًا. هو الذي يهتمُّ أوَّل ما يهتمُّ بأمر البشارة، ولا بأمرِ نفسه وكأنّ النجاح الخارجيّ هو الهدف الذي يصبو إليه. هو يتطلَّع إلى المسيح ولا يتطلَّع إلاَّ فيه، ومنه يأخذ كلَّ معرفة كما تعلَّمها في الجماعات المسيحيَّة، في بلاد العرب، فسلَّم إلى كنيسة كورنتوس ما تسلَّم هو (1 كو 11: 23؛ 15: 3). ولكنَّنا نتوقَّف أيضًا عند ثلاث سمات تعطينا صورة عن الرسول. الأولى، الضعف في القوَّة. ما اعتدَّ بولس يومًا بنفسه. عرف ضعفه وافتخر بأوهانه. والصورة التي أعطانا: »آنية من خزف« (2 كو 4: 7). هي سريعة العطب تنكسر بسهولة حين ترتطم بأيِّ حاجز. فكيف نقدر أن نحتفظ بهذا »الكنز« الذي أعطيناه؟ مستحيل. وحدنا لا نقدر. ولكن مع ذلك، حافظنا على هذا الكنز ونحافظ. وكيف ذلك؟ »بتلك القدرة الفائقة التي هي من الله لا منّا« (آ7). الضيق، الاضطهاد، الحصار... لا شيء يقدر علينا. ولماذا الرسول لا يتراجع؟ »لا لأنَّنا ننظر إلى ما يُرى بل إلى ما لا يُرى. فما يُرى هو إلى حين، أمّا ما لا يُرى فهو إلى الأبد« (آ19). والسمة الثانية هي صفة الرسول. في الرسالة الأولى عرفنا أنَّه »وكيل«. قال: »فليعتبرنا الناس خدَّامًا للمسيح ووكلاء أسرار الله، وكلُّ ما يُطلَب من الوكلاء أن يكون كلُّ واحد منهم أمينًا. وأنا لا يهمُّني كثيرًا أن تدينوني أنتم أو أيُّ محكمة بشريَّة، بل أنا لا أدين نفسي... ديّاني هو الربّ« (1 كو 4: 1-4). الأمانة، لمن؟ لنفسي؟ فكم مرَّة أغشُّ نفسي. للآخرين؟ كلُّ إنسان كاذب كما قالت الرسالة إلى رومة مردِّدة كلام المزمور. وفي أيِّ حال، إن أردت أن أرضي الناس لن أكون عبدًا ليسوع المسيح. فالأمانة تكون لله، لأنَّه هو وحده الثابت، والناس متقلِّبون. أمّا هنا في الرسالة الثانية إلى كورنتوس، فنعرف أنَّ بولس هو »السفير«. قال في معرض كلامه عن معرفة يسوع معرفة بشريَّة (2 كو 5: 16): »فنحن سفراء المسيح، وكأنَّ الله يعظ بألسنتنا« (آ20). فالسفير أساسًا يرتبط بالسفر. ومن سافر كما سافر بولس الرسول؟ والسفير يمثِّل البلد ويحمل التعليمات التي تُعطى له. وكذا بولس يفعل منذ اللقاء على طريق دمشق والانقلاب الذي حصل في حياته. وما هي التعليمة الأساسيَّة التي يحملها الرسول؟ تصالحوا مع الله. قال: »الله صالح العالم مع نفسه في المسيح، وما حاسبهم على زلاّتهم، وعهد إلينا أن نعلن هذه المصالحة« (آ19). والسمة الثالثة، الانتقال من القديم إلى الجديد، من الظاهر إلى الباطن، من خيمة أرضيَّة مصنوعة بالأيدي، إلى بناء سماويّ غير مصنوع بالأيدي. لا يبقى الرسول على مستوى القديم، ولا ينظر إلى الوراء »حين يضع يده على المحراث«. وتحدَّثَ بولس عن نفسه حين خدم »العهد القديم« أي التوراة والأنبياء والمزامير. هي وصلت إلى يسوع المسيح فوجدت فيه كمالها وغايتها. أمّا الآن فانتقل إلى العهد الجديد. قال: »هذه ثقة لنا بالمسيح عند الله، لا لأنَّنا قادرون أن ندَّعي شيئًا لأنفسنا، فقدرتنا من الله. فهو الذي جعلنا قادرين على خدمة العهد الجديد، عهد الروح لا عهد الحرف. لأنَّ الحرف يميت والروح يحيي« (2 كو 3: 4-6). فماذا نرجو من رسول، من مؤمن، يتعلَّق بالحرف ويبقى عنده؟ أمّا الرسالة التي كتبها بولس في جماعة كورنتوس فلا تشبه ما كتب »الخصوم« من رسائل. قال: »أنتم أنفسكم رسالتنا، مكتوبة في قلوبنا، يعرفها ويقرأها جميع الناس. نعم، نبيِّن أنَّكم رسالة المسيح جاءت على يدنا، وما كتبناها بحبر، بل بروح الله الحيّ، لا في ألواح من حجر، بل في ألواح من لحم ودم، أي في قلوبكم« (آ1-3). كلُّ العهد القديم جاء في هذا الكلام منذ موسى ولوحي الوصايا إلى إرميا والعهد الجديد مع كتابة الشريعة في القلوب (إر 31: 31-33). وهناك انتقال من الظاهر إلى الباطن. فالإنسان الظاهر يبلى، يفنى. أمّا الإنسان الباطن فباقٍ إلى الأبد. هنا كانت الصورة عن »الخيمة«. فهي ليست ثابتة. تتهدَّم. أمّا البناء المصنوع بيد الله، فيبقى هو هو. في الموت نتعرَّى. ولكنَّنا حالاً نلبس جسدنا السماويّ. هنا يقول الرسول: »نحن نفضِّل أن نقترب من هذا الجسد لنقيم مع الربّ« (2 كو 5: 9). |
|
قد تكون مهتم بالمواضيع التالية ايضاً |
الموضوع |
الرسالة الثانية لتيموثاوس في أَسر بولس الأخير |
دفاع بولس عن نفسه |
بولس الرسول الرسالة إلي أهل رومية |
القديس بولس وشرح الرسالة والانجيل |
بولس و الرسالة الأولى إلى أهل قورنثوس |