خدمته في الناصرة (ع14 - 30):
14 وَرَجَعَ يَسُوعُ بِقُوَّةِ الرُّوحِ إِلَى الْجَلِيلِ، وَخَرَجَ خَبَرٌ عَنْهُ فِي جَمِيعِ الْكُورَةِ الْمُحِيطَةِ. 15 وَكَانَ يُعَلِّمُ فِي مَجَامِعِهِمْ مُمَجَّدًا مِنَ الْجَمِيعِ. 16 وَجَاءَ إِلَى النَّاصِرَةِ حَيْثُ كَانَ قَدْ تَرَبَّى. وَدَخَلَ الْمَجْمَعَ حَسَبَ عَادَتِهِ يَوْمَ السَّبْتِ وَقَامَ لِيَقْرَأَ، 17 فَدُفِعَ إِلَيْهِ سِفْرُ إِشَعْيَاءَ النَّبِيِّ. وَلَمَّا فَتَحَ السِّفْرَ وَجَدَ الْمَوْضِعَ الَّذِي كَانَ مَكْتُوبًا فِيهِ: 18 «رُوحُ الرَّبِّ عَلَيَّ، لأَنَّهُ مَسَحَنِي لأُبَشِّرَ الْمَسَاكِينَ، أَرْسَلَنِي لأَشْفِيَ الْمُنْكَسِرِي الْقُلُوبِ، لأُنَادِيَ لِلْمَأْسُورِينَ بِالإِطْلاَقِ ولِلْعُمْيِ بِالْبَصَرِ، وَأُرْسِلَ الْمُنْسَحِقِينَ فِي الْحُرِّيَّةِ، 19 وَأَكْرِزَ بِسَنَةِ الرَّبِّ الْمَقْبُولَةِ». 20 ثُمَّ طَوَى السِّفْرَ وَسَلَّمَهُ إِلَى الْخَادِمِ، وَجَلَسَ. وَجَمِيعُ الَّذِينَ فِي الْمَجْمَعِ كَانَتْ عُيُونُهُمْ شَاخِصَةً إِلَيْهِ. 21 فَابْتَدَأَ يَقُولُ لَهُمْ: «إِنَّهُ الْيَوْمَ قَدْ تَمَّ هذَا الْمَكْتُوبُ فِي مَسَامِعِكُمْ». 22 وَكَانَ الْجَمِيعُ يَشْهَدُونَ لَهُ وَيَتَعَجَّبُونَ مِنْ كَلِمَاتِ النِّعْمَةِ الْخَارِجَةِ مِنْ فَمِهِ، وَيَقُولُونَ: «أَلَيْسَ هذَا ابْنَ يُوسُفَ؟» 23 فَقَالَ لَهُمْ: «عَلَى كُلِّ حَال تَقُولُونَ لِي هذَا الْمَثَلَ: أَيُّهَا الطَّبِيبُ اشْفِ نَفْسَكَ! كَمْ سَمِعْنَا أَنَّهُ جَرَى فِي كَفْرِنَاحُومَ، فَافْعَلْ ذلِكَ هُنَا أَيْضًا فِي وَطَنِكَ» 24 وَقَالَ: «الْحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ: إِنَّهُ لَيْسَ نَبِيٌّ مَقْبُولًا فِي وَطَنِهِ. 25 وَبِالْحَقِّ أَقُولُ لَكُمْ: إِنَّ أَرَامِلَ كَثِيرَةً كُنَّ فِي إِسْرَائِيلَ فِي أَيَّامِ إِيلِيَّا حِينَ أُغْلِقَتِ السَّمَاءُ مُدَّةَ ثَلاَثِ سِنِينَ وَسِتَّةِ أَشْهُرٍ، لَمَّا كَانَ جُوعٌ عَظِيمٌ فِي الأَرْضِ كُلِّهَا، 26 وَلَمْ يُرْسَلْ إِيلِيَّا إِلَى وَاحِدَةٍ مِنْهَا، إِلاَّ إِلَى امْرَأَةٍ أَرْمَلَةٍ، إِلَى صَرْفَةِ صَيْدَاءَ. 27 وَبُرْصٌ كَثِيرُونَ كَانُوا فِي إِسْرَائِيلَ فِي زَمَانِ أَلِيشَعَ النَّبِيِّ، وَلَمْ يُطَهَّرْ وَاحِدٌ مِنْهُمْ إِلاَّ نُعْمَانُ السُّرْيَانِيُّ». 28 فَامْتَلأَ غَضَبًا جَمِيعُ الَّذِينَ فِي الْمَجْمَعِ حِينَ سَمِعُوا هذَا، 29 فَقَامُوا وَأَخْرَجُوهُ خَارِجَ الْمَدِينَةِ، وَجَاءُوا بِهِ إِلَى حَافَّةِ الْجَبَلِ الَّذِي كَانَتْ مَدِينَتُهُمْ مَبْنِيَّةً عَلَيْهِ حَتَّى يَطْرَحُوهُ إِلَى أَسْفَلٍ. 30 أَمَّا هُوَ فَجَازَ فِي وَسْطِهِمْ وَمَضَى.
ع14: بعد أن قضى المسيح أربعين يوما في برية اليهودية، عاد إلى الجليل، حيث تربى في إحدى مدنه وهي الناصرة. ويؤكد الإنجيلى أنه كان مقتادا بالروح القدس، ليعلمنا الخضوع لعمل الروح فينا وليس لفكرنا الخاص.
وقد ذهب المسيح إلى الجليل مرتين، الأولى هي المذكورة هنا بعد عماده، ثم عاد إلى اليهودية، وبعد حوالي سنة زار الجليل بعد سجن يوحنا المعمدان كما يذكر متى ومرقس (مت4: 12، مر1: 14) وقد ذكر يوحنا الزيارتين (يو1: 43، يو4: 3).
ومعنى هذا أنه زار الناصرة أيضًا مرتين، الأولى يذكرها لوقا هنا والثانية يذكرها متى ومرقس عند زيارته للجليل (مت13: 54- 58، مر6: 1- 6).
ع15: بدأ يسوع يعلم في مجامع مدن الجليل، وكذلك القرى المحيطة بكفر ناحوم مركز كرازته في الجليل، حيث علم وصنع معجزات كثيرة، مما أثار غيرة أهل مدينة الناصرة لأنه لم يبدأ بهم. وكان يعلم بسلطان وقوة، فانبهر السامعون ومجدوه.
ع16 كعادته: اعتاد المسيح حضور المجمع أيام إقامته منذ طفولته في الناصرة، وكذلك اعتاد حضور المجامع في كل بلد يكرز بها، ملتزما بالنظام اليهودي ومنتهزا هذه الفرص للتبشير.
أنتشرت المجامع في كل اليهودية حيثما تجمعت عشرة عائلات، وكانت تقدم فيها قراءات من الأسفار المقدسة ووعظ، ودخل المسيح كعادته ليفسر النبوات التي أشارت إليه، فهو ما جاء لينقض بل ليكمل.
ع17: كان من العادة في المجمع بعد القراءة من أسفار موسى، أن يُقْرَأ من الأنبياء، فاختار من سفر إشعياء هذه الآيات (إش61: 1- 2)، وهي بمثابة خطاب العرش التي تعلن بداية خدمة المسيا المنتظر.
ع18: تحدث إشعياء بروح النبوة عن حلول الروح القدس على المسيا، فيبدأ خدمته بتبشير المساكين، الذين أذلهم إبليس وأبعدهم عن الله. وكل من انكسر قلبه لعجزه عن إتمام الوصايا، وكذا كل من قيدهُ إبليس بالخطية ومشتاق لحرية مجد أولاد الله. ويفتح أعين من أظلمت عيونهم بالشر، ويعطى كل المنسحقين الضعفاء حياة جديدة فيه.
ع19: سنة الرب المقبولة هي سنة اليوبيل، وتأتى كل خمسين عام (لا25: 10) وفيها تستريح الأرض ولا تُزرع، ويطلق العبيد أحرارًا. وهي تشير إلى الوقت الذي يبشر فيه المسيح، ويفدى البشرية لتنال الحياة الأبدية.
وكان بدء كرازة المسيح، في الناصرة يوافق سنة اليوبيل عند اليهود.
ع20 طوى: كانت الأسفار المقدسة تكتب على رقائق جلدية وتلف حول خشبة، فتكون بشكل إسطوانه، فبعد القراءة يلفها حول الخشبة أي يطويها.
الخادم: هو الشخص المسئول عن حفظ الكتب المقدسة بالمجمع.
جلس: كان المعتاد قديما في المجامع، الوقوف عند قراءة الأسفار ثم الجلوس عند الوعظ، وشخصت عيون الناس إليه، إذ قرأ الكلمات بسلطان وبقوة.
ع21: فسر السيد المسيح كلمات إشعياء التي عن المسيا، معلنا تنفيذها الآن فيه، وهكذا بشرهم ببدء العهد الجديد والخلاص الذي انتظروه.
ع22: رغم انبهار أهل الناصرة بكلام المسيح القوى، لكنهم احتقروه لأنه ابن يوسف نجار القرية. فلكبريائهم نظروا إلى أصله الاجتماعي ولم يستفيدوا من تعاليمه.
ع23 جرى في كفرناحوم: يُفهم أنه زار كفرناحوم قبل الناصرة، وصنع فيها معجزات كثيرة لم يذكرها القديس لوقا.
ظهر لاهوت المسيح في كشفه أفكارهم التي تلومه، لأنه صنع معجزات كثيرة في كفرناحوم، ولكن عندما أتى إلى الناصرة لم يصنع إلا معجزات قليلة، إذ يشعرون بأنانية أنهم أحق من أي بلد آخر بمعجزاته، واعتبروا هذا ضعفا فيه وعجزا عن إتمام معجزات عندهم.
ع24: أعلن المسيح سبب عدم صنع معجزات عندهم وهو ضعف إيمانهم لكبريائهم وعدم تقديرهم لقوة ابن بلدهم، كما حدث مع الأنبياء في العهد القديم، إذ أن معرفتهم بأصل الأنبياء في طفولتهم وشبابهم، جعلتهم يستهينون ولا يصدقون نبواتهم وتعاليمهم، فصار ذلك مثلا شائعا عند اليهود.
ع25-27: أظهر المسيح قبوله للأمم كما اليهود، مؤكدا ذلك بحوادث من العهد القديم. ففى أيام إيليا وانتشار المجاعة، صنع المعجزة مع أرملة أممية من مدينة صرفة صيدا، وهي مدينة على ساحل البحر الأبيض بجوار مدينة صيدا، فأقام عندها وليس مع أي أرملة يهودية وبارك بيتها، مفضلها عن كل أرامل اليهود، لاستعداد قلبها للإيمان (1 مك17).
وكذلك إليشع، شفى نعمان الأممى وهو من أعداء اليهود مع وجود برص كثيرين يهود لم يشفهم.
وبهذا أكد المسيح اهتمامه بصنع المعجزات في كفرناحوم بين الأمم لاستعدادهم للإيمان، أما في بلده الناصرة فلم يفعل لعدم إيمانهم.
ع28-29: كشف المسيح أفكار أهل الناصرة، وفضح خطاياهم وأعلن تفوق الأمم عليهم وبالتالي استحقوا الخلاص مثلهم بل وعمل معجزات أكثر بينهم، فغضبوا جدًا بدلًا من أن يتوبوا وذلك لكبريائهم، بل في قساوة قلوبهم اقتادوه إلى حافة الجبل الذي بنيت عليه مدينتهم ليطرحوه من فوق ويقتلونه.
ع30: لم يقاومهم المسيح، ولكن بكل ثقة تركهم ومضى وهم منشغلون مع بعضهم في غضبهم، وهكذا هرب من الشر.