|
رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
نوارة نجم تكتب يا رب أستشهد يا ماما.. عشان تعرفى إن الله حق حين قرأت مقال أمى لم أفتأ أن أدعو على نفسى وأقول: ربنا يوريكى فيّا يا ماما اللى طنطاوى عمله فى ولاد الناس أمى تنتمى إلى جيل يقدس المؤسسة العسكرية.. ولكن كيف أعذرها عندما تدافع عن طنطاوى بعد كل هذه المذابح التى ارتكبها ضد الثوار؟ كتبت أمى، الكاتبة الصحفية، والمناضلة السياسية، التى أدين لها بكل خلق حميد، أو مبدأ أدافع عنه، أو نزعة إنسانية تدفعنى إلى التعاطف والتضامن مع أى إنسان وكل إنسان مظلوم، مقالا فى جريدة «الوطن»، بتاريخ 27 أكتوبر 2012، بعنوان «المشير محمد حسين طنطاوى»، تصف فيه قاتل الأحباء، وفاقئ عيون الأصدقاء، هاتك عرض النساء، والمنكّل بالأحرار، المستخدم لهراوة المحاكمات العسكرية ضد المدنيين على مدى سنة ونصف، بأنه «رجل مؤمن من آل فرعون يكتم إيمانه»، وقد استهلت مقالها بإشارتها إلى كونها ليست «أم العريف» ولا تدعى امتلاك الوثائق والأدلة، لكن ما يدفعها إلى تصديق كل كذبات المشير السابق، هو «إحساسها»! وهل تحتاج الجثث والأعين المفقوءة والنساء المنتهكات إلى وثائق وأدلة؟ وهل مع هذه الحقائق الساطعة مجال لـ«الإحساس» والتخمين؟ ترددت كثيرا قبل أن أقرأ المقال، فطالما تشاجرت مع أمى فى المنزل وهى تؤكد لى، وأنا عائدة لتوى من أى مقتلة، سواء 28 يونيو، أو 9 سبتمبر، أو مذبحة ماسبيرو، أو محمد محمود، أو مجلس الوزراء، أو شارع منصور، أو العباسية، بأنها على يقين بأن المشير طنطاوى لا يعلم شيئا عن كل ما يحدث، وأن كل هذه المذابح هى من تخطيط الفلول! كنت أعذرها نظرا لانتمائها إلى جيل يقدس المؤسسة العسكرية، وقد تعرض لكثير من المؤامرات التى قد تشوش عليه رؤية الصورة الواضحة، لكن أمى جدعة... وهو ما يجعلنى ألتمس لها الأعذار. كانت أمى تطرق على باب الحمام وأنا عائدة لتوى من الميدان لآخذ حماما يزيل آثار الاعتصام فى فترة الثورة الأولى التى اعتاد الناس أن يطلقوا عليها: الـ 18 يوم، كانت تطرق باب الحمام بشدة وهى تقول: خلصى حمامك وانزلى تانى بسرعة.. انت حتقعدى؟ انت مش أحسن من اللى بيموتوا. كانت أمى تتصل بى أثناء الهجوم على الميدان فى فترة الـ18 يوم لا لتطلب منى العودة، ولا حتى لتسأل عن صحتى، وإنما لتقول: صليتى؟ لو ماصليتيش اجمعى الصلاة مقدم لو فضلت عايشة للأدان صلى تانى.. عشان ماتموتيش عليكى صلاة. كنت إذا عدت من أى اعتصام فى الساعة الثانية صباحا أجدها تقول: إيه اللى جابك بدرى؟ سيبتى الناس؟ هذا الدعم الفنى والشجاعة اللا متناهية التى أبدتها أمى وهى تعد لى حقيبة الاعتقال وهى تردد: شوفيهم بقى حييجوا ياخدوكى إمتى عشان أجهز كل حاجة، لم تمنعها من رؤية حقيقة سهلة وبسيطة: أن كل ما تمر به ابنتها من تشويه للسمعة، واستدعاءات للتحقيق، ونوم على قارعة الطريق، هو من إنتاج وإخراج ذلك «المؤمن الذى يكتم إيمانه»، إن كان يعلم فتلك مصيبة، وإن لم يكن يعلم فتلك مصيبة أعظم. لا أدرى من أين أتى اللبس عند أمى؟ ولا من أين أتت بحسن الظن بقاتل؟ لا أدرى بم أعظ أمى وأنا لا أعلم شيئا يزيد عما تعلم، ولا أتقى الله أكثر مما تتقيه، ولم أعرف أن العدل يعنى أن أضع نفسى مكان الآخرين إلا منها. لو أنها لا تعرف مالك مصطفى معرفة شخصية لاصطحبته إليها وسألتها عن عينه، لو أنها لا تعرفنى شخصيا، ولم يسبق لها أن هرعت إلىّ تهدئنى من روع ما شاهدت فى المشرحة لرويت لها عن وجوه الأقمار التى دفنتهم ووقفت عند رؤوسهم أشم رائحة المسك وأتحدث إليهم وأنا موقنة من سماعهم صوتى. أنّى لى أن أروى لها كل تفاصيل الآلام والمظالم التى تعرضنا لها وهى كانت معى لحظة بلحظة عبر الهاتف، تسمع دوى الانفجارات، وصوت الرصاص، وصراخ النساء، وتشاهد الفيديو الذى سجلته لأحد الأطفال المصابين فى أحداث مجلس الوزراء وهم يقومون بعلاجه وهو يبكى ويقول: بتوجعنى. وفوق كل ذلك ترى الهلع على وجهى وأنا عائدة لتوى من جنازة أو زيارة مصاب. أنّى لى أن أروى لها عن الفتاة التى عراها جندى فى الجيش المصرى وهى تعلم أنها صديقتى، وأننى حتى الآن لا أقوى على مواجهتها أو حتى السؤال عنها عبر الهاتف؟ طيب كيف أحكى لها عن أشاوس الجند الذين ارتدوا ملابس مدنية وأوسعونى ضربا أمام ماسبيرو وقد شهد عليهم كل من حضر الواقعة أنهم أتوا محمولين فى حافلة مكتوب عليها «القوات المسلحة» وهى التى كانت تتابعنى عقب العلقة وتقول لى: اثبتى؟ ثم لو أن أمى ربة منزل تتابع توفيق عكاشة لعذرتها، لو أنها ممن استفادوا فى أى عهد بأى وسيلة كانت، لقلت: أمى وفاسدة.. أعمل إيه؟ نصيبى. لكنها الكاتبة الصحفية الكبيرة التى قرأت أطنانا من الكتب، وهى المناضلة التى اعتصمت وعانت ما عانت طوال حياتها من السجن والمنع والتشريد ولم أعلم عنها إلا كل صدق ونزاهة، طب أقولها إيه طيب؟ ستة أيام فى محمد محمود نواجه رصاص الشرطة فى مقابلتنا، ورصاص الجيش من الشوارع الجانبية، وسكومنس حسين طنطاوى أبو قسمات طيبة، وصوت هادئ، لا يعلم شيئا عن ذلك كله؟ وكيف وفى بعهده فى تسليم السلطة؟ لا أعلم إن كان هناك خلط فى الأحداث التاريخية، أو غياب لمتابعة بيانات القوات المسلحة التى كانت لا تنتوى الرحيل قبل 2013 لولا أن وقف الشباب فى محمد محمود يواجهون الموت وهم يهتفون: نار نار نار نار.. بينا وبينكم دم وتار. ثم من قال إنه سلم السلطة؟ السيد الرئيس الذى عقد معه الصفقة صرح بأنه دائم الاتصال به واستشارته. وإن كان حسين طنطاوى رجلا مؤمنا.. فلماذا يكون مبارك «فرعونا»؟ ما الذى اقترفه مبارك زيادة عما اقترفه طنطاوى؟ ولماذا تفترض أمى بأن طنطاوى كان ضحية للدسائس التى ورطت جيشه فى الجرائم ولا تفترض ذات الافتراض فى ما يخص مبارك؟ هو مبارك وقع من قعر القفة يا جدعان؟ وما شأن الفلول فى ضرب الرصاص وإلقاء القنابل؟ هل ارتدى الفلول ملابس الجيش والشرطة وأطلقوا علينا الرصاص؟ طيب وأبو قسمات طيبة عمل إيه ساعتها؟ ماذا فعل أبو صوت هادئ كى يطهر جيشه من الفلول الذين يفسدون عليه الثورة التى تضامن معها، ويقتلون الناس فى الشارع، ويقتحمون الميدان كـ«الجراد». ملحوظة: تشبيه اقتحام القوات المسلحة للميدان بأسراب الجراد استعرته من أمى التى اتصلت بى لحظتها وهى تقول: أنت هناك يا نوارة؟ أنا شايفاهم على الجزيرة وهم داخلين عليكوا زى الجراد.. ماتخافيش.. اثبتى. طب يعنى ألطم يامّا؟ ألطم؟ وطنطاوى مالوش دعوة بده كله؟ الجيش كله فلول وطنطاوى مش عارف؟ ثم إن أمى تفترض أن طنطاوى انحاز للثورة ولم ينحز لمبارك! بأمارة إيه؟ إن كان طنطاوى ذاته كان قد أقر فى شهادته بأن مبارك لم يصدر أوامر للجيش بضرب المتظاهرين، فما المجهود المضنى الذى فعله طنطاوى ليتحدى مبارك؟ ومتى قال لمبارك «أتقتلون رجلا أن يقول ربى الله»؟ تقول أمى: «تلطمنا المذبحة من شارع لميدان، وأرى جزءا منها بعينى من شرفتى المطلة على ميدان العباسية، وأصدقه فى تكرار قسمه أنه لم ولن تمتد يده لقتل مواطن مصرى». ألطم أنا ولّا تلطموا انتو؟ ألطم أنا مهما كان دى أمى وأنا أولى بيها. لا يمكن لأمى أن تنكر المذابح وقد حضرتها ابنتها كلها، لكنها تصدق طنطاوى بأن يده لم تمتد لقتل مصرى! فهو الطرف الثالث إذن. سأسير متابعة هذه الفرضية، طيب.. أين طنطاوى من الطرف الثالث الذى يرتدى ملابس عسكرية؟ رجل لا يستطيع السيطرة على جيشه الذى تحول إلى هاتك أعراض الناس، بل وتبول ضباطه علينا من فوق مجلس الشعب، فإما أن تكون هذه هى أوامره، وإما أنه من الضعف بما لا يسمح له بالسيطرة على الجيش الذى يسيطر عليه اللهو الخفى من ورا السيد أبو صوت هادئ، وبناء عليه، فإن الأمانة تحتم عليه أن يقر بعدم قدرته على تحمل المسؤولية. حين قرأت مقال أمى لم أفتأ أن أدعو على نفسى: ربنا يوريكى فيا يا ماما اللى طنطاوى عمله فى ولاد الناس.. يعنى طنطاوى يا ماما كان يعمل فيّا إيه أكثر من الضرب فى الشارع وتشويه السمعة والاتهامات الجزافية والاستدعاءات للتحقيق؟ يعنى يا ماما كان لازم أموت ولّا عينى تطير ولّا أتحبس؟ يا رب يا ماما أجيلك جثة يخترقها الرصاص الميرى من كل جانب فى الرأس والصدر، كأولئك الذين شاهدتهم فى المشرحة عشان تعرفى إن الله حق.. لا أعلم أين اللبس؟ أين اللبس؟ لو أن مالك مصطفى لم تفقأ عينه وهو يقف بجوارى لقلت كما يقول الناس، لكن ده كان واقف جنبى.. واقف جنبى. يشهد الله على أننى حاولت جاهدة أن ألحق بالشهداء، وأقف فى الصفوف الأولى، وأنا التى أفتقر إلى كل المهارات القتالية، منتظرة أن تأتينى رصاصة ترحمنى من عذاب الضمير. نعم، أشعر بعذاب الضمير لأننى ما زلت حية أرزق بينما مات كل هؤلاء الشباب أمام عينى.. قتلهم محمد حسين طنطاوى وجنده، جند فرعون، طنطاوى هو فرعون الذى استخفَّ قومه فأطاعوه. بعد قراءة المقال، تذكرت مقولة مالك مصطفى: الثورة دين جديد. دين يفرق بين المرء وزوجه، والوالد وولده. بس أمى وبحبها، ربنا يخليها لى ويوريها الحق. |
|
قد تكون مهتم بالمواضيع التالية ايضاً |
الموضوع |
نوارة نجم تكتب السيسى رئيسًا؟! |
نوارة نجم تكتب معركة باراشوتات الإخوان |
نوارة نجم تكتب هذه شهادتى على موقعة الخروف |
نوارة نجم تكتب | مريم الخواجة |
نوارة نجم تكتب : إعذار 1 |