|
رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
ذاكَ الآتي بَعدِي، مَن لَستُ أَهلاً لأَن أَفُكَّ رِباطَ حِذائِه. تشير عبارة "ذاكَ الآتي بَعدِي" إلى يُوحَنَّا الذي ولد تاريخيًا وبشريًا قبل يسوع، ويسوع جاء بعده في التَّاريخ، لكن يسوع يفوقه على الأطلاق في أصله ورسالته الإلهية "لأنه إله مولود من إله، مولود من الآب قبل الدُّهور" (يُوحَنَّا 1: 15). في الموكب الرَّسمي الأخير هو الأهم. وهنا أشار يُوحَنَّا إلى شهادته السَّابقة " شَهِدَ له يُوحَنَّا فهَتف: هذا الَّذي قُلتُ فيه: إِنَّ الآتيَ بَعْدي قد تَقَدَّمَني لأَنَّه كانَ مِن قَبْلي " (يُوحَنَّا 1: 15). أمَّا عبارة " لَستُ أَهلاً " فتشير إلى عدم استحقاق يُوحَنَّا أن يكون عبدًا للمسيح، أمَّا المسيح فيقول عنه إنه "لَيسَ في أَولادِ النَّساءِ أَكبَرُ مِن يُوحَنَّا"(لوقا 7: 28). ويعلق القدّيس كيرِلُّس بطريرك أورشليم " َتَنبّأ يُوحَنَّا حين كان في أحشاء أمّه وارتكض فرحًا في أحشاء أمّه. بفعل الرُّوح القدس، وقبل أن يراهُ بعينيه البَشريّتين، تعرّفَ إلى المعلِّم يسوع. فإنّ عظمة نعمة المَعْمودِيَّة كانت تَستَوجب رجلاً عظيمًا"(تعليم مسيحي للموعوظين، 3). فإن كان المعمدان الإنسان العظيم أحسَّ بعدم استحقاقه أن يكون عبدًا للمسيح، فكم بالحري يجب علينا أن نُضع جانبًا كبرياءنا لنخدم المسيح. أمَّا عبارة " أَفُكَّ رِباطَ حِذائِه " فتشير إلى وصف يُوحَنَّا المَعْمَدان مقامه تجاه المسيح، وهو مقام الخادم الوضيع. جاء في التَّلمود أنَّ التَّلميذ يجب أن يقوم لمعلمه بكل الخدمات التي يقوم بها الخادم لسيده ما عدا أن يفكَّ رِباطَ حِذاء سيِّده. ويُوحَنَّا بقوله هذا كأنه يقول أنا لست مستحقًا أن أكون تلميذًا للمسيح بل خادمًا له. وبهذا الأمر يتبرَّأ يُوحَنَّا المَعْمَدان من ادِّعاء أي سلطان وكرامة شخصيين، ويشهد باستحقاق المسيح وفضله. ويُعلق القديس أوغسطينوس " ظهر تواضع يُوحَنَّا المَعْمَدان عظيمًا. عندما قال إنه غير مستحق لفعلِ هذا. إنه كان حقًا مملوءً من الرُوح القدس الذي به عرف نفسه كخادم سيده، وتأهَّل أن يكون صديقًا عوض خادم ". توخّت شَهَادَةٌ يُوحَنَّا أن تعلن تفوق يسوع على يُوحَنَّا المَعْمَدان، لبعض الجماعات التي ظلت ترتبط بيُوحَنَّا المَعْمَدان (أعمَال الرُّسل 19: 3). واكّد بولس الرَّسُول هذا التَّفوّق بقوله "إِنَّ يُوحَنَّا عَمَّدَ مَعمودِيَّةَ تَوبَة، داعِيًا الشَّعبَ إلى الإِيمانِ بِالآتي بَعدَه، أَي بِيَسوع " (أعمَال الرُّسل 19: 4). أمَّا عبارة " رِباطَ حِذائِه" فتشير إلى نعل الذي يلبسه الرِجِل برباط من الجلد. وكان حل ذلك الرباط من الأعمَال الخاصة بالعبيد " مَن لَستُ أَهْلاً لأَن أَخلَعَ نَعْلَيْه" (متى 3: 11). أثبت يُوحَنَّا المَعْمَدان أنَّ المسيح عظيم جدًا، وان يُوحَنَّا متواضعًا فلم يحسب نفسه أهلا لان يخدم المسيح كعبد بالرُّغم شهادة يسوع له قائلا:" الحَقَّ أَقولُ لَكم: لم يَظهَرْ في أَولادِ النِّساءِ أَكبَرُ مِن يُوحَنَّا المَعْمَدان " (متى 11: 11). ويُعلق الطوباويّ غيريك ديغني " إنّ ما صَنَعَ عظمة يُوحَنَّا، وما جعله عظيمًا بين العظماء، هو أنّه تَوَّج فضائله بالتَّواضع" (العظة الثَّالثة عن يُوحَنَّا المَعْمَدان). نحن نرى في يُوحَنَّا المَعْمَدان نموذجًا لرُوحانيّتنا، حيث نعرف صِغرنا وعَدَمنا، بأنّنا لسنا أهلاً لأن نفكّ حتّى رباط حذاء المسيح. شَهَادَةٌ يُوحَنَّا هي أول كرزة واضحة مقنعة عن يسوع أعلنها بصوته أمام جماهير متلهّفة لسماع أي خبر عن مجيء المُخلّص المنتظر. |
|