منتدى الفرح المسيحى  


العودة  

الملاحظات

موضوع مغلق
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  رقم المشاركة : ( 1 )  
قديم 06 - 12 - 2023, 05:49 PM
الصورة الرمزية Mary Naeem
 
Mary Naeem Female
† Admin Woman †

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو
  Mary Naeem متواجد حالياً  
الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 9
تـاريخ التسجيـل : May 2012
العــــــــمـــــــــر :
الـــــدولـــــــــــة : Egypt
المشاركـــــــات : 1,270,095

تفسير سفر يشوع ابن سيراخ






تفسير سفر يشوع ابن سيراخ



ملاحظات هامة

1. العقل والقلب: في الكتابات الدينية الحديثة كثيرًا ما نستخدم كلمة "العقل" لنعني به مصدر الأفكار عند الإنسان. وكلمة "القلب" لنعني به مصدر المشاعر والعواطف والحب والانفعالات الداخلية. أما في سفر يشوع بن سيراخ كما في كثير من الكتابات اليهودية واليونانية القديمة وبعض كتابات الآباء الأولين في الكنيسة، فتُنسَب أحيانًا الأفكار للقلب كما تُنسَب المشاعر والعواطف إلى الذهن أو العقل. لذلك كثيرا ما تُرجمت كلمة قلب في هذا السفر بالعقل.
بلا شك لا يُقصَد بالعقل المخ المادي الملموس، ولا بالقلب العضو الجسدي.
2. اهتم السفر بإبراز أهمية الإيمان، وحفظ الوصية الإلهية، وطلب الحكمة الإلهية، ومعالجة الأمور السائدة في ذلك الزمان. لكن يجد الإنسان المسيحي في السفر الإعداد للتعرُّف العميق على الفكر الإنجيلي والتلاقي مع مُخَلِّص العالم.
3. جاءت بعض الوصايا في السفر تحمل المعنى الرمزي، مثل الحذر من الأعداء؛ حيث يرى المؤمن العدو الحقيقي إبليس وملائكته وأعماله الشريرة. والحديث عن الصديق الفريد كدواء للحياة رمزًا للسيد المسيح الذي يُقَدِّم لنا نفسه مُخَلِّصًا وعريس نفوسنا وأخًا بكرًا وصديقًا مُرافِقًا لنا في طريق حياتنا.
هذا ولا نتجاهل أن الكتاب المقدس هو السلم الذي يرفع المؤمن متجهًا نحو السماء بالنعمة الإلهية، فيصعد درجة أو درجتين كما في وصايا العهد القديم، حتى إذ جاء كلمة الله المتجسد السماوي، وهبنا بإنجيله أن ينطلق بالمؤمن ليختبر عذوبة الوصايا الإلهية الكاملة، والتي ينتقدها البعض من غير المؤمنين، بكونها وصايا تناسب الملائكة لا البشر. فلا نعجب أن سفر ابن سيراخ يُقَدِّم حركة الصعود تدريجييًا.
4. عالج السفر بعض العادات التي كانت سائدة في ذلك العصر، وللأسف لا زالت تبرز في بعض المجتمعات وأحيانًا في المجتمعات الكنسية، مثل المبالغة في الحفلات والولائم التي تشغلنا عن الوليمة السماوية والمجد الأبدي. كما تدفع البعض إلى الاقتراض بدون حكمة ولا تمييز، كي يجاري الشخص هذا الموكب دون أن يتخلَّف عنه.
5. اندفاع البعض في الاقتراض كاستغلال لسخاء المُقرض، دون أن يكون في حاجة إلى القرض. وأيضًا تهاون المُقرض فيُقَدِّم القرض دون دراسة صادقة للموقف، مما يُسَبِّب له فقدان ما قدمه قرضٌا للغير.
6. الاندفاع في قبول المؤمن أن يكون كفيلًا، فيضمن أناسًا مستهترين غير حكماء، ويلتزم هو بسداد القرض أو سداد جزء منه بالرغم من تصرفات المقترض غير الحكيمة.
7. التسرُّع في اختيار الصديق أو المشير، وكشف الإنسان أسراره له؛ فإذا بالصديق أو المشير يعمل لحساب نفسه، وقد تتحوَّل الصداقة إلى عداوة.
8. كان ما يشغل الإمبراطورية اليونانية (الهيلينية) أن تُحَقِّق حلم إسكندر الأكبر، أن يستخدم العالم كله اللغة اليونانية، ويتقبَّل الثقافة الهيلينية بما فيها العبادة بفكر هيليني.
9. لم يكن للفتاة حرية اختيار عريسها، إنما تلتزم بالطاعة لقرار الوالدين. هذا مع نظرة المجتمع الخاطئة نحو الفتاة التي لا تتزوج حتى تتخطَّى سن الزواج. وأيضًا نظرة المجتمع أن الرجل لا يعيبه شكله، بينما للجمال دوره الرئيسي في حياة السيدة أو الفتاة.
هذه أمثلة سنتعرَّض لها بمشيئة الله في دراستنا للسفر مع أمثلة أخرى نذكرها في حينها.
سلوكنا في صُحْبة حكمة الله

يبدو سفر يشوع بن سيراخ للبعض أنه مُجَرَّد دستورٍ يقود سلوكنا العملي في مجابهة رحلة حياتنا على الأرض. هذه النظرة صادقة لكنها ناقصة، فالسفر يجذبنا إلى العمق، لنُدرِك أننا في أفكارنا وعواطفنا وكلماتنا وسلوكنا في صحبة الله الكلمة أو الحكمة يقودنا بروحه القدوس. حقًا يليق بالمؤمن أن يعتزَّ بما وهبه الله من العقل بقدراته العظيمة، مع مراعاة الآتي:
1. أَعدّ الربّ للكائنات العاقلة السماوية والأرضية "الحكمة" التي تعمل فيها مع ممارسة حرية إرادتها.
2. تهب الحكمة السماوية الإنسان الساقط روح الرجاء في عمل الله الخلاصي، حتى يسترد اللؤلؤة المفقودة التي هي صورة الله ومثاله (تك 2: 26). بروح التواضع يشعر المؤمن أن الله هو العامل فيه ليهبه ما يبدو مستحيلًا: أن يصير أيقونة الله الحية!
3. ركَّز السفر على أمرين وهما: كيف نبدأ الرحلة وما هي نهايتها. بدء الرحلة هو مخافة الربِّ، حيث يشعر المؤمن أنه أشبه بطفلٍ يحمله ربُّ المجد على منكبيه بروح الحب، ويتجاوب معه المؤمن بالمخافة المقدسة التي تملأ القلب بالرجاء والفرح وهو مُنطلِق معه نحو الأبدية، برجاءٍ حيّ وحبٍ صادقٍ. يدرك المؤمن أن السمائيين يترقَّبون مجيئه بدهشةٍ وعجبٍ، إذ أقام المُخَلِّص من الإنسان الترابي من يشترك معهم في الخورُس السماوي.
4. مع عدم تجاهل القدرات الطبيعية كالعقل والعواطف المقدسة، غير أن دستوره وسلاحه بل وزينته هي الوصية الإلهية التي لن يستطيع حفظها بدون نعمة الله. الوصية ليست قيدًا تُفقِده حريته، بل هي حليّ يُزَيِّن الكنيسة العروس أبديًا، ويحفظها المؤمن ليس عن خوفٍ، بل كابنٍ يود أن يحمل صورة أبيه السماوي.
5. غاية الرحلة البلوغ إلى العُرْسِ السماوي، حيث ننعم بالاتحاد مع حكمة الله ونحمل شركة الطبيعة الإلهية (1 بط 2: 21)، أي الحب لله ولكل البشرية.
6. نعمة الله: حقًا يرى ابن سيراخ أنه ليس من رجاء للبشر بدون نعمة الله، ومع هذا في موقفه العملي عند معالجته بعض الأمور البشرية، لا يتجاهل المؤمن الإرادة الحرة والذكاء والمهارة والوزنات التي وهبها الله له، ويطالبه بإضرامها تحت قيادة الروح القدس. فقد قام سيراخ برحلاتٍ كثيرة وشعر بنوعٍ من التقدير الشخصي لمن يسافر ليتعلَّم من خبرة الكثيرين (34: 9-11). وعلى وجه الخصوص يُقدِّر المهارات العلمية في شئون الطب والأدوية (38: 1-15).
مقدمة في يشوع بن سيراخ

حثّ على الحياة الحكيمة التقوية

سفر يشوع بن سيراخ

يرتبط سفر يشوع بن سيراخ بالأسفار الحكمية، لكنّه جاء متأخرًا عنها، فاتَّخَذ طابعًا خاصًا. يُدعَى في المخطوطات اليونانية حكمة سيراخ أو حكمة يشوع بن سيراخ، نسبةً إلى واضعه، وتمييزًا له عن حكمة سليمان. كما يُدعَى في الترجمة اللاتينية الكتاب الكنسي Ecclesiasticus، لأنه كان يُستخدَم في تعليم الموعوظين الذين يتهيَّأون للعماد والدخول إلى الكنيسة[1]، أو تعليم حديثي العماد. أُطلِق هذا الاسم على هذا السفر منذ زمن القديس كبريانوس. ويُفَسِّر روفينوس Rufinus معنى الاسم بأنه "السلطة الكنسية"، حيث كان يُستخدَم ككتاب تهذيب بالنسبة للمُقبِلين على الإيمان.
يرى البعض أنه دُعِي هكذا لأن كثيرين يتطلَّعون إلى بعض عبارته تكشف عن شخصية السيد المسيح وتعاليمه، ويُهَيِّئ الأمم كما اليهود للتعرُّف عليه وإدراك وصاياه. نذكر على سبيل المثال يتحدَّث سيراخ بإسهاب عن الصديق المُخْلِص دواء الحياة (سي 6: 16)، والحاجة إلى المشير الواحد بين ألف (سي 6: 6). هذا الصديق الذي تعطَّش إليه دارسو السفر قد تحقَّق بتجسد الكلمة الذي يدعو المؤمنين أَحِبَّاءه. كما أسهب في الحديث عن الصداقة التي بالحب تفتح أبواب السماء، ويجب حفظها في خزينتنا (سي 29: 11-12). ما هي خزانة المؤمن التي يُقَدِّمها السيد المسيح له سوى السماء (مت 6: 19-21). فالسفر يلهب القلب بالالتصاق بالمُخْلِص، والتعرُّف على رسالته وأسراره، والتمتُّع ببهجة وصاياه.
دعاه الآباء مثل يوسابيوس وغيره "الحكمة كلية الفضيلة"، ودعاه إكليمنضس السكندري "المُعَلِّم". يقول العلامة أوريجينوس: [الكتاب الذي بين أيدينا يُحسَب عادة بين أسفار سليمان ويُدعَى كتاب الكنيسة Ecclesiasticus، أما بين اليونانيين فيُدعَى حكمة يسوع بن سيراخ[2].]
عنوانه السرياني في البشيطة[3] هو سفر "يشوع بن سمعان أسيرا"، وذلك كما ورد في نسخة لندن المتعددة اللغات، ودُعِي أيضًا "سفر الحكمة لبار أسيرا (كلمة "بار" في السريانية تُقابِل كلمة "ابن" في العبرية). ولا شك أن "أسيرا" مشتقة من اسم "سيراخ".
يستخدم البعض ابن سيرا Ben Sira لواضع السفر، وسيراخ للسفر نفسه[4].
السبب في وجود الكثير من النسخ العبرية بدون عنوان، افتقارها إلى القطعة الختامية، ومع ذلك أشار البعض إلى نسخة عبرية قديمة تحمل عنوان "أمثال ابن سيراخ"، إلا أن الاحتمال الأكثر هو أن النسخة الأصلية كانت تحمل اسم "حكمة ابن سيراخ" كما جاء في التلمود أو "تعليم ابن سيرا".
قانونية السفر[5]

تَعْتَبِر الكنائس الرسولية (الكاثوليك والأرثوذكس) السفر جزءًا من العهد القديم، أما اليهود والبروتستانت فيحسبونه من الأسفار المنحولة، وإن كان له تقديره الخاص ككتابٍ كنسيٍ عند بعضهم.
جاء السفر في التقليد الكاثوليكي بين سفر حكمة سليمان وإشعياء، وعند الأرثوذكس ما بين الحكمة وهوشع. أما البروتستانت فمع عدم اعترافهم به كسفر قانوني، إلا إنه يُطبَع أحيانًا في الدراسات الخاصة بالكتاب المقدس، كما في طبعة[6]New Revised Standard Version.
بالنسبة لليهود، تأثَّروا بعوامل كثيرة لها اعتبارها من جهة نظرتهم للسفر.
1. كان اليهود المُتحدِّثين باليونانية في فلسطين وأرض الشتات قبل المسيحية يحسبونه كأحد كتاباتهم المقدسة، إذ كان من ضمن الأسفار الواردة في الترجمة السبعينية كعملٍ يهوديٍ.
2. في القرن الأول ق.م. كانت جماعة الماسادا Masada اليهودية لديها نسخة من الكتاب بالعبرية كُتِبَت بطريقة شعرية stoichiometrically. ينقسم السطر إلى قسمين، العمود الأول يظهر على الجانب الأيمن والثاني على الجانب الأيسر. بعض اليهود يبدو أنهم قبلوه كسفرٍ مُقَدَّسٍ مُوحَى به منذ القرن الأول ق.م؛ وُجِد في فلسطين بالعبرية واليونانية.
سفر يشوع بن سيراخ هو أكثر أسفار ما بعد السبي التي اقتبس منها الربيون اليهود في أقوالهم وتعاليمهم، بل وتوجد اقتباسات كثيرة من السفر في الليتورجية اليهودية، لاسيما في صلوات يوم الغفران أو اليوم الكبير (يوم كيبور) حيث تكاد تتطابق صلوات ذلك اليوم مع ما ورد في (سيراخ 26: 1-17)، وفي صلوات البركات الاثني عشر.
بالنسبة للمسيحيين: يُمَيِّز القديس چيروم بين "الأسفار القانونية" والأسفار الكنسية، وذلك بعد أن تأثَّر ببعض المُعَلِّمين اليهود في الأرض المقدسة. أما القديس أغسطينوس في النصف الأول من القرن الخامس فلم يَقْبَل هذا التمييز، وأَصرَّ على التقليد القديم الذي يحسب كل الأسفار الواردة في الترجمة السبعينية قانونية.
رجع آباء الكنيسة إلى هذا السفر واقتطفوا منه أكثر من أي سفرٍ آخر. أدركوا أن السفر وقد كُتِب حوالي قرنين قبل المسيح يُقَدِّم للأمم خطوة جادة في قبول الإنجيل. فالأمم الذين التصقوا بمجامع اليهود يطلبون الحكمة الإلهية في منطقة البحر المتوسط، انتفعوا كثيرًا من السفر ودفع الكثيرين منهم لقبول الفكر المسيحي الإنجيلي.
في عام 1534م كسر مارتن لوثر التقليد الكنسي، وهو أول من استبعد الأسفار القانونية الثانية Deuterocanonical (اصطلاح كاثوليكي). غير أن العديد من العلماء البروتستانت ينظرون إليه بعين التقدير والاعتبار، وقد تضمن كتاب صلوات الكنيسة الإنجليكانية أجزاء منه[7].
فُقِد النص الأصلي لأجيالٍ عديدةٍ، ثم اُكتُشف في نهاية القرن التاسع عشر وبدء القرن العشرين.
من جهة نظرية القانون السكندري الذي يَقْبَل الأسفار الواردة في الترجمة السبعينية، نجح A. C. Sundberg (1964، 1966، 1975) في إظهار أنه في أيام السيد المسيح لم تكن توجد مشكلة بين القانون العبري المختصر والترجمة السبعينية المُطوَّلة، فقد كان كثير من اليهود المُتحدِّثين باليونانية يستخدمون الترجمة السبعينية.
أما بعد انتشار المسيحية واستخدام الكنيسة الترجمة السبعينية في الكرازة خاصة بين اليهود المتكلمين باليونانية، رفض اليهود هذه الترجمة.
أَيَّدت كثير من المجامع شرعية السفر كما قبله كثير من آباء الكنيسة واقتبسوا منه في كتاباتهم مثل القديسين: يوستينوس الشهيد وإكليمنضس السكندري وأثناسيوس الرسولي وباسيليوس الكبير وغريغوريوس النيصي وغريغوريوس النزينزي ومار أفرام السرياني وكيرلس الأورشليمي وكبريانوس الشهيد وأبيفانيوس وأغسطينوس والعلامة أوريجينوس والعلامة ترتليان وغيرهم.
فيما يلي قائمة بالمجامع التي أَقَرَّت قانونية سفر يشوع بن سيراخ مع بقية الأسفار الأخرى:
مجمع نيقية سنة 325 م.
مجمع هيبو سنة 393 م.
مجمع قرطاجنة الأول سنة 397 م.
مجمع قرطاجنة الثاني سنة 419 م.
ومن مجامع الكنيسة الكاثوليكية:
مجمع فلورنسا سنة 1124 م.
مجمع ترنت سنة 1546 م (واعتبر الفولجاتا الترجمة المعتمدة لدى الروم الكاثوليك).
مجمع القسطنطينية سنة 1642 م (مجمع الروم).
مجمع الفاتيكان الأول سنة 1870 م.
حول الترجمة السبعينية[8]

تمَّت الترجمة بناء على الملك بطليموس فيلادلفيوس الذي كان يحرص على وجود نسخة من كل كتب العالم في مكتبة الإسكندرية، وستجد المزيد عن هذا الموضوع هنا في موقع الأنبا تكلاهيمانوت في صفحات قاموس وتفاسير الكتاب المقدس الأخرى. فجمع 72 شيخًا من اليهود، اثنين عن كل سبط لترجمة الكتاب المقدس (العهد القديم) إلى اللغة اليونانية. هذا وقد شعر اليهود في ذلك الوقت بحاجتهم للترجمة، إذ وُجِد عدد ضخم من اليهود في الشتات لم يستطيعوا أن يفهموا الكتاب المقدس بالعبرية.
في فترة ما قبل المسيحية لم يكن يوجد أي دليل على وجود مشكلة في اليهودية بخصوص قائمة الأسفار المقدسة التي باللغة الأرامية في فلسطين والقائمة الخاصة بالترجمة اليونانية (السبعينية). لم يشغل اليهود الأسفار التي وردت في الترجمة السبعينية اليونانية كلغةٍ رئيسية، فكان المسيحيون سواء من أصل يهودي أو أممي يستخدمون هذه الترجمة في العبادة سواء على المستوى الفردي أو الكنسي، كما في الكرازة للأمم واليهود الذين في أرض الشتات.
وفي عام 70م حيث قام تيطس بتدمير الهيكل، ومُنِع اليهود من الدخول إلى أورشليم مع سرعة انتشار المسيحية ونشر الأسفار المقدسة باليونانية، شعر اليهود بضرورة تقنين الأسفار المقدسة في القرن الأول الميلادي، حيث كان العهد الجديد قد كُتِب.
السبب الرئيسي لعدم وروده في التقنين اليهودي هو تطلع اليهود إلى أن الإعلان النبوي قد انتهى بموت عزرا ونحميا كما ورد في يوسيفوس.
سمات السفر

1. يُعتبَر هذا السفر قطعة رائعة عن الحكمة، عالجت مواضيع غاية في الأهمية منها الإيمان بالله الخالق والرعاية الإلهية ومحبة الحكمة والسلوك الإيماني العملي وأهمية التسليم وسلوك المؤمن حتى في أكله وشربه وعمله وتجارته ودراسته وتعليمه، وفي فقره أو غناه، في صحته أو مرضه.
أراد يشوع أن يكشف عن الحكمة الحقيقية من خلال التقليد اليهودي والشريعة، حتى لا يلجأ اليهود إلى المصادر الهيلينية. وقد ضمَّ مقالات صغيرة كثيرة مثل الحكمة ومخافة الرب والشريعة والصداقة والسعادة الحقيقية وتكريم الوالدين والأطباء واستخدام الأدوية والصبر والطاعة والعطاء والكبرياء والتمرُّد.
2. يبرز السفر فكرة الحكمة الحقيقية كهدفٍ رئيسيٍ للإنسان. لم يُحَوِّل الكاتب نظره عن هذا الهدف، كما يتحدَّث عن التدبير الحكيم في كل جوانب حياة الإنسان التقيّ، أو كما يدعوه خائف الرب.
لقد عرَّفت فتوحات الإسكندر العالم على الحضارة الهيلينية، فجذبت الكثير من اليهود. قام المنهج الهيليني على إلغاء الحواجز بين الأجناس والأديان والثقافات، وتمجيد قوى الطبيعة وعبادة الأصنام، مما يُهَدِّد الديانة اليهودية. كان سيراخ مُتَّسِع الفكر لا يرفض التجديد وبعض المفاهيم الرواقية الفلسفية، لكنه كان يعرف أن هذا التيار الفكري والأخلاقي الجديد قد يُعارِض بعض ما في اليهودية من أمور جوهرية؛ "ويل للقلوب الجبانة وللأيدي المتراخية؛ وللخاطئ الذي يمشي في طريقين. ويل للقلب الخائر، لأنه لا يؤمن، لذلك لا حماية له" (2: 12-13).
قامت مجابهة بين الحضارة اليهودية والحضارة الهيلينية. لذلك كتب ابن سيراخ يدافع عن الثقافة اليهودية الدينية والحضارية، وعن نظرة اللاهوت اليهودي إلى الله والإنسان والعالم، وعن اختيار الله لإسرائيل، ليقنع أبناء أُمتِه بأن إسرائيل لديه الشريعة التي أُعطيَت له من الله، الحكمة الحقيقية، وبالتالي لا يحتاج إلى الاعتماد على الحضارة الهيلينية وثقافتها لما فيها من اِلتباس.
يقول Stacy Davis: [بخصوص الزمن الذي فيه كتب ابن سيراخ، في الربع الأول من القرن الثاني ق.م، كان اليونانيون يسيطرون على فلسطين لمدة 150 عامًا، أولًا بواسطة البطالمة وبعد ذلك بواسطة السلوقيين Seleucids. اتبع البطالمة سياسة الفارسيين في الحكم، حيث كانوا يحرصون على العلاقة الطيبة مُقابِل أخذ جزية. وكانت المجتمعات اليهودية تدفع الجزية، لذا عاشوا في سلامٍ. ومع ذلك ساعد اليهود السلوقيين أن يسيطروا في أيام أنطيوخس الثالث (223-187 ق.م). كافأهم على ذلك بإعفائهم من الضريبة لمدة ثلاث سنوات. وأعفى العاملين في الهيكل من الضريبة على الدوام. لم تُمَسّ الحرية الدينية لليهود في ظل حكم البطالمة، وإن كانت قد انتهت بعد أن أنهى ابن سيراخ عمله هذا بمدة صغيرة (ربما يقصد عصر أنطيوخس أبيفانس المُقاوِم لعبادة الله). كان موضوع الساعة حينذاك هو مناقشة الثقافة الهيلينية أو تبنَّي الأفكار والعادات اليونانية[9].]
3. السفر في غالبيته مكتوب بأسلوبٍ شعريٍ، حتى الأجزاء المكتوبة نثرًا يظهر فيها التوازي المميز للشعر العبري.
4. القسم الخاص بمشاهير الرجال في إسرائيل يُشبِه ما ورد في الرسالة إلى العبرانيين الأصحاح الحادي عشر، يُرَكِّز على شخصيات تقية وأنبياء أكثر من الحديث عن ملوك إسرائيل.
5. يمتاز السفر بتجانُس في الأسلوب والتعليم، مما يجعل غالبية العلماء يتَّفِقون على نسبه كله إلى ابن سيراخ (فيما عدا المقدمة التي من وضع المُترجِم). ولا يعني ذلك أنه هو الذي وضع كل سطر فيه.
6. كثيرًا ما تكلَّم عن الله وعن حالة الإنسان، كما عن واجبات وحقوق الحياة، وقليلًا ما تحدَّث عن الملائكة وعن إبليس، ويقول ألفريد هيدرشيم، إن كتاب ابن سيراخ يُمَثِّل اليهود الأرثوذكس ولكن باعتدال، أي جمع بين الفكر الفريسي والصدوقي قبل أن يتبلور كل منهما.
7. بجانب التركيز على العمل الإيماني والأفكار اللاهوتية، يحتوي السفر على تعاليم أخلاقية ونصائح عملية مُقدَّمة على هيئة مقالات أو أحاديث مختصرة أو أمثال، مع تسابيح وصلوات ومزامير وإشارات إلى الحكمة في حياة شخصيات تاريخية وأفكار فلسفية واستنتاجات خاصة بالحياة والعادات في عصره. لذلك انتشر هذا الكتاب بين اليهود والمسيحيين، وكان له تأثيره على الأدب الخاص بالأمثال في الغرب[10].
8. يتَّسِم هذا السفر بالوضوح مع البساطة، نادرًا ما نجد فيه عبارات غامضة أو مُرْبِكَة. يمكن للصبي الصغير كما الشاب أن ينتفع به.
بين سفر ابن سيراخ وسفر الأمثال[11]

يرى كثير من الدارسين أن ابن سيراخ أخذ منهج سفر الأمثال لسليمان الحكيم، إذ انشغل كلاهما بالحكمة، غير أن ابن سيراخ له سماته الخاصة:
1. ركَّز ابن سيراخ على الجوانب الطقسية والقومية والقانونية لليهود، والتي يكاد لا يكون لها أثر في سفر الأمثال. يُمَيِّز هذا السفر عن سفري الأمثال والجامعة، اهتمامه بالتوراة والعبادة والعمل الكهنوتي والوصايا مثل الصدقة.
2. استخدم سيراخ أساليب أدبية متنوعة على مستوى واسع. فبجانب الأمثال شمل السفر تسابيح وصلوات وتأملًا تاريخيًا ممتدًا منذ أخنوخ حتى عصره. وكثيرًا ما رجع إلى التوراة والأنبياء. فهو مُعَلِّم كتابي، التزم بتقديم منهج كتابي للشباب. يمكن القول إن منهجه في الحكمة يشمل الفكر اللاهوتي والأخلاقي والأدبي والتاريخي.
3. اهتم بإبراز عمل الله عبر الأجيال، خاصة في حياة الأمناء في علاقتهم به، واهتمامهم بالالتزام بالعهد بين الله وبينهم، كما حرص أن يتحدَّث عن رئيس الكهنة في عصره أي سمعان بن أونيا (219-196 ق.م)، فإن الله لا زال وسيبقى يعمل في طالبي الحكمة بروح التقوى عبر كل الأجيال.
4. عَرْضُه للواقع التاريخي خلال حديثه عن أبطال الإيمان احتلَّ اهتمامًا كبيرًا عن سفر الأمثال. خلال هذا الواقع التاريخي فحص إعلان حكمة الله في حياة أناس الله أكثر من عرض تاريخي لهم. ففي الحقيقة وهو يمدح رجال الإيمان، ما كان يشغل فكره هو مجد الله العامل في شعبه.
5. حديث سفر الأمثال عن الحكمة عام، أما سيراخ فقدَّم تاريخ إسرائيل مُرَكِّزًا على الحكمة.
6. يمكن بسهولة إدراك انشغال سيراخ بالجانب الجدلي، إذ واجه الثقافة الهيلينية في تهديدها للثقافة اليهودية الدينية في ذلك الحين، في غير انفعال.
7. يمتاز ما يُقَدِّمه ابن سيراخ بأنه يُمَثِّل حكمة شخصية مُعاشَة، خلال واقعٍ عمليٍ. يمكننا خلال السفر أن نكتشف شخصية ابن سيراخ ومفاهيمه، أما سفر الأمثال فلا يُحَدِّثنا عن سليمان كشخصٍ. ما سجَّله ابن سيراخ عن أبطال الإيمان في إسرائيل ليس ثمرة دراسة مُجَرَّدة لحياتهم وتصرفاتهم وأفكارهم، إنما خلالها نكتشف ما في حياة سيراخ نفسه. إذ كان يطلب في حياته الشخصية أن يتمتَّع بما اختبره هؤلاء الأبطال. جاء السفر ككلٍ يكشف عن حياة سيراخ وخبراته العملية.
8. في نصائحه حتى بالنسبة للسلوك الظاهري للإنسان الحكيم، يُقَدِّم لمسات روحية تمسّ الإنسان الداخلي والفكر الخفي.
9. الحكمة عند ابن سيراخ ليست هبة جامدة، وإنما هي عمل مستمر ونمو ونضوج حتى النَفَس الأخير من حياة المؤمن.
هل كان الكاتِب كاهنًا؟

توجد افتراضات كثيرة عن هوية الكاتب، منها[12]:
(أ) كان رجلا كنسيًا: يربط الروحانية بالعبادة الليتورجية، تحدَّث عن الكهنوت والذبائح (7: 31-29)، وله قصيدة طويلة في مدح هرون وكهنوته العظيم (45: 26-7). هذا لا يعني أنه كان كاهنًا.


(ب) يعتقد سينسيلّوس Syncellusأنه كان رئيس كهنة بسبب لَبْسٍ في فهم جزء من تاريخ يوسابيوس، إلا أن التعليم الذي ورد في السفر أو أسلوبه يجعلان هذا الافتراض أبعد احتمالًا من الافتراض السابق.
(ج) كان طبيبًا، استنتاجًا مما كتبه في مدح الطبيب ووصف العلاج (38: 15-1؛ 10: 12-10)، لكن هذا يُعتبَر أساسًا واهيًا لهذا الافتراض. كما ظن البعض أنه قد حصل على وظيفة مع بعض الحكام الغرباء، ربما بسبب أرستقراطيته الواضحة في الأسلوب، فمن المُحتمَل أن يكون قد عمل كمستشارٍ لدى أحد الحُكَّام الإغريق في مصر "يخدم بين أيدي العظماء، ويظهر أمام الحكَّام. يجول في أرض الأمم الغريبة، ويختبر الخير والشرّ بين الناس" (39: 4). كان يشعر بالمسئولية الواقعة عليه، فيعمل بغيرةٍ لا لحساب نفسه وحده بل لحساب من يقودهم، إذ يقول: "لاحظوا جيدًا أن تعبي لم يكن لي وحدي، بل لجميع الذين يلتمسون التعليم" (33: 18).
(د) كان من وجهاء أورشليم، كاتبًا مطبوعًا منذ حداثته على حُبّ الشريعة، اهتم بأن يفيد الآخرين (24: 34؛ 33: 18) لاسيما الشباب. عاش في الفترة الأخيرة من العصر الفضي للأدب العبري القديم، ويحتمل أنه كان من أفضل الشعراء في أورشليم في القرن الثاني قبل الميلاد، ويمكن اعتباره شاعر الشباب.
(هـ) يعتقد البعض أنه كان يصف حياته وهو يتحدَّث عن عمل الكاتب اليهودي (39: 1-3): [الذي يصرف نفسه إلى دراسة شريعة العليّ، إذ يلتمس حكمة جميع الأقدمين، ويهتم بنبواتهم. إنه يحفظ أحاديث الناس المشهورين، ويتغلغل في روائع الأمثال. يبحث في خفايا معاني الأمثال proverbs، وينشغل بألغاز الأمثال parables.]
تاريخ كتابة السفر ومكان الكتابة

يرى أغلب الدارسين أنه كُتِب ما بين 190، 180 ق.م. يقول حفيده المترجم اليوناني في المقدمة، إنه بدأ عمله بعد السنة الثامنة والثلاثين للملك أوَرَجاتيس Euergetes الذي هو بطليموس السابع (170-116 ق.م). إذن ترجم كتابه بعد سنة 132 ق.م. فإذا افترضنا أن الجد يكبر حفيده بخمسين سنة، يكون الكتاب دُوِّن حوالي سنة 180 ق.م. يقول[13] Stacy Davis [على خلاف أغلب أسفار الكتاب المقدس، تاريخ سيراخ يمكن أن يُقرر خلال شهادة داخلية. فإن مديح رئيس الكهنة سمعان (219-164 ق.م) في الأصحاح الخمسين من سيراخ، مع الصمت بخصوص ثورة المكابيين (175-164 ق.م) يدل على أن ابن سيراخ أكمل عمله في حوالي سنة 180 ق.م.]
أيضًا رئيس الكهنة سمعان المذكور في (سي 50: 1-21) مات حوالي 195 ق.م. وقد كتب ابن سيراخ عنه أنه مات حديثًا. السفر أيضًا لا يُقَدِّم انعكاسًا للمتاعب الثورية التي حدثت عام 168 ق.م، مما يدل على أنه كُتِب قبل هذا التاريخ[14].
بالرجوع إلى السفر نفسه (35: 19،18؛ 50: 1) مع المقدمة التي وضعها المترجم، يتضح لنا بالاستناد أيضًا إلى التاريخ والتقليد والتلمود أن سيراخ الكاتب عاش وكتب سفره في القرن الثالث قبل الميلاد، وأما حفيده فعاش في القرن الثاني.
من الصعب تحديد المكان الذي كُتِب فيه السفر، يُظَنُّ أنه كُتِب في أورشليم، إذ كانت مركز الثقافة الرئيسي والتعليم والحياة الدينية لليهود. ويعتقد بعض الدارسين أنه كُتِب في الإسكندرية حيث الثقافة اليهودية والتعليم والاهتمام بالدين[15]. قام بترجمته من العبرية إلى اليونانية، حيث لم تكن اللغة العبرية شائعة بين المجتمع اليهودي في الإسكندرية في ذلك الحين. لأن اليهودي اعتاد أن يستخدم أبناؤه لغة البلد التي ينشأون فيها مع الاحتفاظ بلغتهم الأصلية كلغة العبادة.
غاية كتابته

عاش ابن سيراخ في عالم ساده الفكر والثقافة الهيلينية. إذ لم يكن اليهود وَهُم في وطنهم أحرارًا سياسيًا، إنما كان يسيطر على مجتمعهم الأفكار الهيلينية سواء كانوا تحت سيطرة مصر أو سوريا. كانت أرض الموعد تُعانِي من الصراعات سواء في عصر البطالمة أو السلوقيين. كان البطالمة غالبًا ما يتبنُّون النظام الفارسي في الإدارة، حيث كان رئيس الكهنة اليهودي ليس قائدًا روحيًا فحسب، بل ويشبه أميرًا يجمع الجزية لحساب مصر. خضع النصيب الأكبر من اليهود ودفعوا الجزية للعرش المصري فعاشوا في سلامٍ نسبي، وانتفعوا بخبرة المصريين في الزراعة والتجارة. أما بعد خضوعهم للسلوقيين، فقد رحَّب رئيس الكهنة سمعان الثاني بالسوريين، فساعدوه على إصلاح الهيكل.
عاصر ابن سيراخ الصراع المُرّ بين البطالمة Ptolemy والسلوقيين Seleucid. كل من الفريقين يودّ السيطرة على إسرائيل. ولم يكن الفلاح البسيط أو العامل يشغله هذا الصراع مع أحد الفريقين كما يظهر في كتابات يوسيفوس المؤرخ اليهودي وهو يستعرض تاريخ أسرة (طوبيا) Tobiads التي صار لها نفوذ قوي مع غنى، تحالفت مع القادة من الأمم، فما يشغلهم كسب ثقتهم وتقديرهم لهم على حساب حفظ التوراة[16].
كانت الحركة الهيلينية في إسرائيل بطيئة في القرن الثالث ق.م.، لكنها تزايدت بسرعة في بداية القرن الثاني ق.م. لتبنِّي الثقافة الهيلينية. كان أسلاف ابن سيراخ مشغولين بالتقاليد الخاصة بالحكمة، يُعَلِّمون أبناءهم كيف يسلكون في العالم من أجل الكرامة والسلوك في السياسة والأعمال الحرة، وبهذا يجدون سعادتهم. وكان دور ابن سيراخ هو إقناع تلاميذه أن هذه الأهداف لن تتحقَّق إلاَّ بحفظ العهد مع إله إسرائيل.
لم يُعالِج هذا الأمر بضيق أفقٍ، إنما أَوْضَح أن تحقيق أهدافهم يحتاج إلى التعرُّف الحقيقي على الأسفار المقدسة وحفظ الوصية الإلهية بروح التقوى ومخافة الربّ.
ما أحزن سيراخ تأثُّر إيمان بعض اليهود بالفكر الهيليني. غير أنه لم يهدف إلى مهاجمة الثقافة الهيلينية، لأنه هو نفسه درسها واستخدمها، فيما لا تتعارض مع الإيمان وتقليد اليهود. إنما أراد أن يؤكد لليهود كما للأمم أن الحكمة الحقيقية هي من عند الله[17].
أدرك ابن سيراخ الخطر الذي قام بسبب المجابهة بين الحضارة اليهودية والحضارة الهيلينية. فكتب يُدافِع عن الثقافة اليهودية الدينية والحضارية وعن نظرته إلى الله والعالم واختيار الله لشعبه. أراد سيراخ أن يؤكد لليهود كما للأمم أن الحكمة الحقيقية انطلقت أولًا من أورشليم وليس من أثينا.
هذا وما كان يشغل ابن سيراخ تعزيز الإيمان بإله إسرائيل والتقاليد اليهودية، غير أن بعض عباراته عن الصداقة، ونظرته بين الجنسين الذكور والإناث جاءت متناغمة مع بعض الآراء الهيلينية، وإن كانت تحمل مسحة إيمانية. ما يشغله أن يرى الإنسان سالكًا بروح الحكمة (50: 27)، وأن ينمو فيها، وهذا يتطلَّب الالتصاق بالشريعة الإلهية.
حاول أن يقنع أبناء دينه أن شعب إسرائيل، خاصة الذين في الشتات، لديهم الحكمة الحقيقية الموجودة في الشريعة، وبالتالي لا يحتاجون إلى مكتسبات الفكر والحضارة اليونانية التي تحمل جزءًا من الحق لكن يشوبه بعض الباطل. يؤكد على الشريعة واختيار الله لإسرائيل بكونه شعبه المحبوب لديه. ويُوَضِّح أن بلوغ الحكمة من خلال الاستماع لرجال الله الحكماء وتنفيذ الوصية (6: 32-37). يُعَدُّ أحد ملامح سفره أنه يحتوي على عنصرين أساسيين، أولهما دراسة الكتاب المقدس وتفسيره وحفظ التقاليد، وثانيهما الأخذ بجدية التمتُّع بالحياة، كما يُقَدِّمها الكتاب المقدس.
كتب سيراخ لطبقة الحكماء اليهود، الذين اهتموا بالفلسفة مع تجاهلهم للسلوك بحسب الشريعة خاصة في مصر، الذين تولُّوا مناصب هامة بجانب الكهنة والأنبياء "لأن الشريعة لا تبيد (تختفي) عن الكاهن، ولا المشورة عن الحكيم، ولا الكلمة عن النبي" (إر 8: 18). هذا العمل الذي صار نافعًا لليهود في كل الشتات.
يرى البعض أن يشوع بن سيراخ استطاع بحياته وفكره المقدس أن يسد الفجوة بين الحكماء القدامى أصحاب الأمثال من جهة والربيين (كُتَّاب التلمود)، مُعَلِّمًا أن الحكمة تطورت من خلال الخبرة العملية. كما قدَّم الله كمصدر لكل حكمة، وأَكَّد بروح الله أن بدء الحكمة مخافة الرب. "الحِكْمَةُ بَنَتْ بيتها. نحتتْ أعمدتها السَّبْعَة" (أم 9: 1) ويُفَسِّرها مثلهم، وهذا يعني معرفة الله كخالقٍ وسيدٍ، والتعهُّد له بتبعيته والثقة فيه وتمجيده، وينتهي كل ذلك إلى حياة التقوى الشخصية، كما يؤكد أن الإنسان الذي له هذه الحكمة يقتني السعادة والخير والحياة الطويلة[18].
هذا العمل هو جسر نعبر به على فهم بعض تعاليم الربّيين (المُعَلِّمين اليهود) القدماء كما يُدخِلنا في جو العناصر الحكميّة التي نجدها في العهد الجديد.


اللغة

استخدمت النسخة New American Bible ما وُجِد من النصوص العبرية للسفر كنص أساسي مع بعض مقتطفات مما وُجِد في الكتابات اليهودية. جاء في الملاحظات الواردة في المقدمة، النص العبري الموجود حاليًا مُترجَم عن اليونانية.
في الفترة 1896-1900م اُكتُشف حوالي ثلثيّ السفر بنص عبري في معبد يهودي بالقاهرة، غير أن النص اليوناني أكثر وضوحًا من العبري. وإن كان غالبية ما ورد في النصّين متطابقًا معًا.
يوجد إجماع عام على أن النسخة الأصلية للسفر قد دُوِّنَت باللغة العبرية، حتى قبل اكتشاف أجزاء عبرية من السفر في كل من قمران وقلعة مسادا والمجمع اليهودي في مصر القديمة، ويقول القديس جيروم إنه رأى الأصل العبري نفسه ولديه النسخة العبرية وإن كنا لم نعد نسمع عنها فيما بعد إلا من خلال كتابات الربيين اليهود أنفسهم.
تأتي أهمية الأصل العبري في التأكُّد من أن كلًا من المترجم اليوناني أو المطلعين الأوائل على السفر -بعد زمن ابن سيراخ- قد نهلوا من النبع الأصلي بالفعل، وصاروا شهودًا أمناء لوجود الأصل الذي دوَّنه ابن سيراخ، وذلك بعد وفاته بزمن قصير.
تم تغطية حوالي 1100 بيت شعر من المخطوطات وثمانية آخرين من كتابات الربيين، فالمجموع الكلي 1108 من حوالي 1616 بيت شعر أصلي مُقدَّم بالأحرف اللاتينية في النص اليوناني.
الكاتب وحفيده ابن سيراخ المترجم

يُدعَى الكاتب "سمعان بن يشوع بن ألعازر بن سيراخ". يشوع اسم عبري معناه "يهوه يُخَلِّص". وسمعان اسم عبري معناه "مُستمِع". وألعازر اسم عبري معناه "الله قد أعان"، وسيراخ ربما لفظة أرامية، تعني أسير "سيرا".
في مقدمة الترجمة اليونانية التي قام بها حفيده، يشرح متى قام جدُّه بترجمة السفر إلى اليونانية ولماذا. أَمَّا هدفه فهو أن يُعرِّف الشتات اليهودي بعمل جدِّه. صارت اليونانية اللغة الدارجة، فقدَّم الحفيد كتاب جدِّه للذين يرغبون أن يتعلَّموا، أن يُصلحوا أخلاقهم، وأن يعيشوا بحسب الشريعة. محاولة نبيلة، لكنَّها لا تخلو من الصعوبات التي أدركها المترجم"لأن ما يُعَبِّر عنه بالعبرية ليس له ما يُعادِله بدقةٍ إذا تُرجِم إلى لغة أخرى" (مقدمة)[19].
شخصية واضع السفر

1. يحمل روح الأُبوَّة الروحية، كشف لتلاميذه كيف يتمسَّكون بالوصية الإلهية، وكيف يُمارِسون العبادة، خاصة الصلاة، ويحسبهم أبناء له (سي 2: 1؛ 3: 12، 17؛ 4: 1؛ 6: 18، 23 إلخ).
2. مُحِب للحكمة: يقف كثير من الدارسين في دهشة أمام هذه الشخصية العجيبة، فهو يحب الحكمة منذ شبابه بروح الصلاة والتأمل والطاعة للشريعة (51: 30-13). قدَّم الحكمة باعتبارها ينبوع لكل البركات، يهبها الرب لخائفيه، ويوصي بالتلمذة للحكمة، وقد افتتح مدرسة لتعليم الحكمة للشبان، واجه فيها الحركة الهيلينية وأخذ منها ما أخذ، وحذَّر من أضرارها باعتدال.
3. مُحِب لدراسة الشريعة: اهتم بالشريعة والنبوات. اشتاق أن يتمتَّع الكل بالشريعة في وقتٍ مُبَكِّرٍ (33: 18، 34: 9-12)، وخبرته وتجاربه. كَرَّس نفسه للدراسة في الكتب المقدسة.
4. مُحِب للانتفاع بخبرة الآخرين: كان كثير الأسفار، وقد أدرك أهميتها، ليتعلَّم الكثير (34: 11). يحتمل أن هذه الأسفار كانت ضمن بعثات رسمية، غير أنه عند عودته إلى أورشليم صُدِم لرؤية اليهود يخجلون من الشريعة، مُفَضِّلين الفلسفة اليونانية عنها (42: 2-1؛ 41: 8).أشار إلى أنه واجه الكثير من التجارب والضيقات حتى الموت، غير أن الرب خلَّصه منها (34: 12؛ 51: 1 -7).
5. رجل صلاة وتسبيح: يُحب الصلاة ويَعْرَف قوتها (23: 6-1؛ 35: 16-17). تشهد تسابيحه عن نظرته لعجائب الطبيعة، وعن قدرته الشخصية كشاعرٍ. يشمل السفر ثلاث تسابيح رئيسية: التسبحة الأولى (1: 1-18)؛ والتسبحة الثانية (الأصحاح 24)؛ والتسبحة الثالثة (الأصحاح 51).
6. يهتم بالصداقات البنَّاءة: "الصديق الأمين دواء الحياة، والذين يخافون الربّ يجدونه" (6: 16).
7. يعتزّ بماضي آبائه، خاصة موسى وهرون وداود وسمعان بن أونيا الكاهن الأعظم.
8. يعشق الطبيعة الجميلة: له نشيد عن عظمة الخالق بأسلوبٍ جذَّابٍ (42: 15 - 43: 33).
9. كان إنسانًا لطيفًا متواضعًا، بالرغم من تلميحه أن الرب اختاره كمستودع للحكمة الإلهية من خلال دراسة الأسفار وتتبُّع أقوال الحكماء والخبرة الشخصية والتأمل في الحياة، إذ يقول: "أنا كنت آخِر من استفاق ليلتقط في الكرم وراء القطَّافين. ببركة الربّ وصلتُ في الوقت المناسب، وملأت معصرتي كمن قطف العنب" (33: 16-17). هكذا يظهر تواضعه باعترافه أنه امتداد لسابقيه.
ما كان يخشاه هو خطية الكبرياء، يُحَذِّرنا منها دائمًا بكونها من أخطر الخطايا، والتي يُقابِلها التحلِّي بالتواضع، ليس بمعنى قبول المهانة، إنما في نظره التواضع يلازمه الكرامة واعتزاز الإنسان بما وهبه الله من وزنات وقدرات. يدعونا أن نُمَيِّز بين التواضع واهب الكرامة الحقيقية (10: 31-28) والمذلة التي تُسَبِّب حالة من الإحباط.
10. اللهجة التي يُقدِّم بها نصائحه: "اسمعوني يا قادة الشعب، وأصغوا إليَّ يا رؤساء الجماعة" (33: 19)، تُبرِز أنه كان يشغل منصبًا رفيعًا في أورشليم.
11. كان متزوجًا بامرأة فاضلة، رُزِق منها بأولاد أحسن تربيتهم في حزمٍ ليُجَنِّبهم المتاعب التي تُواجِه المُنحلِّين (30: 7 -13). وكان يُحَذِّر بكل قوةٍ من الارتباط بزوجة شريرة. سكن في أورشليم وارتبط بطبقة الكُتَّاب هناك، وكانت لديه ثروة كبيرة، كما خصَّص وقتًا كبيرًا للدراسة في الكتب المقدسة التي كرَّس نفسه لها.
12. كان مُعجَبًا بجماعة الحسيديين (الأتقياء) ولم ينضم إليها. أشار إلى ثباتهم في مواجهة الإغراءات وشجاعتهم في الضيقات وثقتهم في الله (2: 1–11)؛ وقد تخرَّج منها الفريسيون بعد ذلك.
13. درس ابن سيراخ التقاليد الخاصة بالحكمة في مصر واليونان. وكان يبحث عن الحكمة أولًا من أجل نفسه كما من أجل كل طالبي الحكمة الذين يدرسون على يديه.
بُنية السفر وأقسامه

لا يتَّفِق الدارسون على تقسيم واحد للسفر، ليس بسبب تشويش أو خلط داخل السفر، وإنما بسبب حيوية النص وثرائه، فقد جمع سيراخ بروح الله القدوس تعاليمه وسكبها في نصائح ينتقل بها من موضوع إلى آخر، ويحتوي سفره على الكثير من الاستطرادات والشروحات، استخدم الأمثال والقصص الطريفة، قيل عن السيد المسيح "وبدون مَثَلٍ لم يكن يكلمهم" (مت 13: 34؛ مر 4: 34).
يمتاز السفر عن بقية أسفار الحكمة بأنه يضم عبارات طويلة تُرَكِّز على اقتناء الحكمة. تُعرَف بُنية السفر بثمان قطع شعرية، يراها كثير من الدارسين أنها مقدمات لثمانية أقسام رئيسية للسفر:
القطعة الأولى (1: 1 -10): فهم الحكمة وأين توجد.
القطعة الثانية (4: 11-19): تطبيق الحكمة شخصيًا.
القطعة الثالثة (6: 18-37): تطبيقها اجتماعيًّا.
القطعة الرابعة (14: 20-15: 10): الحكمة في الحديث والفكر.
القطعة الخامسة (24: 1-33): الحكمة في الحياة المنزلية.
القطعة السادسة (32: 14-33): استخدام الحكمة وأخذ قرارات صحيحة.
القطعة السابعة (38: 24-39: 11): أصحاب الحرف اليدوية وأصحاب الأعمال الكتابية.
القطعة الثامنة (42: 15-43: 33): تمجيد أعمال الله في الخليقة وفي التاريخ.
ملحق (50: 25-51: 30).
قصيدة ختامية (51: 13-30).

ويقوم البعض بتقسيمه إلى ستة أقسام:
القسم الأول (1: 1-16: 23): الحكمة والفطنة وأقوال متنوعة.
القسم الثاني (16: 24-23: 27): الله؛ عمله في الخلق، خلقة الإنسان، العهد مع الله، عدله وعظمته ورحمته، التوبة. العطاء، تعلم الفطنة، الثرثرة وعدم الحُكْم على أحدٍ قبل معاتبته. الحكمة الحقيقية والحكمة الكاذبة، متى نتكلم ومتى نصمت، مناقضات وحكم متنوعة (20: 18-31).
القسم الثالث (24: 17-3 3: 19): الحكمة والشريعة، ما نُحِبُّه وما نكرهه، إكليل الشيوخ، أمور بهيجة، المرأة الفاضلة والمرأة الشريرة، ما يُحزِن الحكيم، مخاطر التجارة، الكلمة تمتحن الإنسان، البحث عن البرّ، محادثة السفهاء، الفضول يقتل الصداقة، الخبث يُعاقب الإنسان حيث يخطئ، الحقود والخصومات وشر اللسان.
القسم الرابع (33: 20- 42: 14). نصائح متعددة في الحياة.
القسم الخامس (42: 15- 50: 24): مجد الله في الطبيعة وفي التاريخ.
القسم السادس (50: 25- 51: 30) الخاتمة ومقصد الكاتب، نشيد شكر.

ويقوم آخرون بتقسيمه إلى ثلاثة أقسام:
القسم الأول: حكم وإرشادات (1-43).
القسم الثاني: سير آباء أوّلين (44-50).
القسم الثالث: خاتمة وصلاة (51).

يرى آخرون أن السفر ينقسم إلى خمسة أقسام:

1. الحكمة في الشريعة (1-10).
2. الأسرة والأصدقاء (11-22).
3. الشاب المتسيِّب والنساء (23-32).
4. الصلاة (33-43).
5. أبطال الإيمان عبر التاريخ (44-51).
استحسنتُ هذا التقسيم، لكونه يُحَقِّق رسالة السفر كما في ذهن الكاتب. كل قسم يُمَثِّـل معالجة جانب من جوانب الثقافة الهيلينية وعجزها عن تحقيق ما يُقَدِّمه الله للمؤمنين بفكرٍ إيجابي دون الهجوم العنيف على الثقافة الهيلينية أو التسخيف منها.
1. في حديثه عن الحكمة في الشريعة (ص 1-10)، يؤكد أن الحكمة هي هبة من الله تُقدَّم لخائفي الربّ أو أناس الله الأتقياء دون تجاهل عطية العقل والخبرة العملية والدراسة والتلمذة على الحكماء وتقدير مجهود الحكماء والعقلاء السابقين[20].
2. في حديثه عن الأسرة والأصدقاء (ص 11-22)، يُقَدِّم الجانب الإيماني للأفكار الفلسفية، فإن أخذنا أفلاطون كمثالٍ لفيلسوف يوناني له شهرته وتقديره بين الفلاسفة اليونانيين القدامى، فقد ركَّز على رفع الفكر إلى المدينة المثالية، أي "الجمهورية"، كنموذجٍ حيّ يليق بالعالم أن يقتدي به. جاءت هذه المدينة خيالية يستحيل وجودها وتحقيقها عمليًا. أما شريعة الله فترفع قلوب المؤمنين وعقولهم إلى المدينة السماوية، أورشليم العليا أُمِّنا (غل 4: 26)، فنتمتَّع عمليًا بعربونها في قلوبنا كما في حياتنا الكنسية والأُسريّة وفي المجتمع، خلال تقديس الأسرة والأصدقاء، ونتذوَّق الشركة مع الله القدوس، ونتمتَّع بعذوبة الحياة السماويَّة خلال حياتنا اليومية.
3. بالنسبة للنساء (ص 23-32)، فقد وُجِدَت من بين الأصنام عبادة إلهة الجمال واهبة الخصوبة أفروديت. ومن الفلاسفة من احتقر المرأة وحسبها نجسة بطبيعتها. أما الشريعة الإلهية فتُقَدِّس الزواج وتُقِيم منه أيقونة لحياة العُرْسِ السماوي الأبدي. فالزوجة الحكيمة الصالحة لا تُقارَن بكائنٍ ما، أما الشريرة فتُدَمِّر زوجها وأسرتها.
4. الصلاة (ص 33-43) هي الوسيلة للالتصاق بواهب الحكمة السماويَّة، مُقدِّس الحياة البشرية على كل المستويات: قلب المؤمن والأسرة والكنيسة والمجتمع.
5. بالنسبة لأبطال الإيمان عبر التاريخ (ص 44-51)؛ لم يُهاجِم سيراخ الفلاسفة كما لم يبرز أخطاءهم في الفكر أو السلوك. وإنما قدَّم ما هو إيجابي، فاختار أمثلة رائعة من أناس الله الأتقياء المُتَّسِمين بالحكمة السماوية مع مخافة الربّ والتقوى. بدأ بأخنوخ الذي تأهَّل أن ينقله الربّ وهو في الجسد، كما قدَّم أمثلة من الآباء البطاركة مثل إبراهيم وإسحق ويعقوب ويوسف، ومن الأنبياء كموسى وإيليا وأليشع، ومن الكهنة كهرون وفينحاس وسمعان بن أونيا إلخ، وحكام وقضاة وملوك مثل داود الملك وسليمان وحزقيّا. مع تنوُّع دورهم في حياة المجتمع وتباين مواهبهم وقدراتهم، أبرز أن السماء تُرَحِّب بالكل، وتجمعهم معًا بروح الحب والوحدة والقداسة، وليس خلال الجدل الفلسفي، وتُقِيم منهم "أهل بيت الله" (أف 2: 19).
الأفكار اللاهوتية والعقيدية والسلوكية في الربّ

أفكار ابن سيراخ[21]

1. معرفة الله وأسراره
2. المخافة الربّانية والحكمة والشريعة
3. الحكمة والعبادة المقدسة
4. الإنسان والكون
5. العدالة الاجتماعية والمثل الأخلاقية
6. اللسان
7. الأسرة المقدسة
8. الاهتمام بالوالدين خاصة في شيخوختهما
9. الشاب المتسيِّب والنساء
10. الصداقة
11. الولائم والحفلات
12. الخطية
13. الكبرياء
14. الاعتدال
15. أخلاقيات المنع
16. الحكمة والسيد المسيح

ما يشغل ابن سيراخ هو التعليم الخاص بالحكمة وممارستها مُمتزِجة بمخافة الربّ وحِفْظ الوصايا الإلهية، مع التعلُّم المستمر والانتفاع بخبرة الحكماء والعقلاء القدامى والحديثين. كما عالج السلوك العملي للحكمة في حياة المؤمن. وقد جاءت كتاباته تكشف عن مفاهيمه الإلهية عن التدبير الحكيم للقادة المدنيين والدينين، كما عالج الكثير من السلوك اللائق بالمؤمن. وعالج العلاقات المتبادلة بين القادة والشعب، الأغنياء والفقراء، الوالدين والأبناء، السادة والعبيد، كما أعطى اهتمامًا خاصًا بالشبان، خاصة وأنه كان يقوم بتعليم تلاميذه وتدريبهم ليتأهَّلوا للعمل ككتبةٍ، وكان جميعهم من الرجال.
قام أيضًا بالتحذير من الالتصاق بفئاتٍ مُعيَّنة من المجتمع، ومن التسرُّع في أخذ قرارات تفوق إمكاناتهم أو قدرتهم، أبرز أيضًا ضرورة الاهتمام بالصحة الجسدية بجانب الحياة الروحية، وعدم المبالغة في الحزن على الموتى.
وطالب بالتمييز بين الحياء والخجل، وإدراك ما هو لائق وما هو ليس بلائقٍ.

1. معرفة الله وأسراره

سفر ابن سيراخ كسائر أسفار الكتاب المقدس لم يهدف إلى تقديم منهج لاهوتي نظري systematic theology، إنما يهدف إلى بثِّ الشوق إلى معرفة الله وأسراره ورعايته الإلهية التي تمسُّ حياتنا وأبديتنا وشركة المجد، وعمل الله فينا لكي نسترد صورته فينا.
ما يشغل السفر تأكيد حقيقة الحكمة الصادقة وارتباطها بالتقوى أي مخافة الرب؛ مصدرها هو الربّ. وفي نفس الوقت تظهر تعاليمه واضحة عن وحدانية الله، وعلى سبيل المثال يقول: "ليعرفوك كما نعرفك نحن، لأنّه لا إله إلا أنت يا رب" (36: 4).
يرى ابن سيراخ أن الله يظهر في جميع أعماله، وأنه بعيد عن الميول التي تنادي بألوهية الكون.
الله هو خالق كل شيءٍ، جميع الأشياء المخلوقة هي نتاج الحكمة الإلهية، كما أَكَّد ذلك بوصف الله كمصدر لجميع المعرفة (42: 18-23).
الله موجود في كلّ مكانٍ (16: 17-23)، خلق العالم بتدبيرٍ عجيبٍ كوحدةٍ متناسقةٍ (16: 26-30). وبينما تعتقد الفلسفة الهيلينية أن عمل الله كخالق يتمثَّل في الصياغة والتشكيل والتجميل، فإن السفر هنا يؤكد أن الله هو خالق الكون من العدم كما ورد في سفر التكوين.
الله رحوم غافر الخطايا، "ما أعظم رحمة الرب ويُقَدِّم نفسه كفارة للراجعين إليه!" (17: 24). "إنه يرى ويَعْلَم نهايتهم أنها شريرة، لذلك يُقَدِّم لهم كفّارة كاملة. رحمة الإنسان هي لقريبه، أما رحمة الربّ فلكل ذي جسد. يُوَبِّخهم ويُدَرِّبهم ويُعَلِّمهم كراعٍ يردّ قطيعه إلى الحظيرة. إنه يرحم الذين يَقبْلَون تأديبه، والذين يبادرون إلى أحكامه" (18: 11-13).
أعماله لا تُستقصَى، "لا يسمح لأحدٍ أن يُخبِر بأعماله، لأنه من الذي يقدر أن يستقصي عظمة أعماله؟ من يقيس عظمة قدرته برقم؟ ومن يضيف إلى هذا القياس وهو يصف مراحمه؟ ما من أحد يقدر أن يُنقص منها أو يزيد عليها، ولا يوجد من يقدر أن يبحث في عجائب الربّ" (18: 3-5).
الله أعظم من كل أعماله، "كيف يمكننا أن نُسَبِّحَه كما ينبغي؟ فهو أعظم من جميع أعماله. رهيب هو الربّ وعظيم جدًا وعجيبة هي قوّته. مَجِّدوا الربّ وعَظِّموه ما استطعتم، فهو فوق هذا كله. وعندما تُعظِّمونه، عظِّموه بكل قوتكم، ولا تَكِلُّوا، فإنكم لن تُمَجِّدوه بالقدر الكافي. من رآه فيصفه؟ ومن يقدر أن يُعَظِّمه بالحق كما هو؟ مع هذا توجد خفايا كثيرة أعظم من هذه، فقد رأيناه، ولكن القليل من أعماله. لأن الربّ صنع كلّ الأشياء، ووهب الأتقياء (خائفي الربّ) حكمة" (43: 28-33).


2. المخافة الربّانية والحكمة والشريعة

يربط السفر بين المخافة الربّانية والحكمة والشريعة، جاء الحديث عن المخافة الربّانية أو مخافة الله في هذا السفر أكثر من 55 مرة. لم يتكرَّر هذا التعبير "مخافة الربّ" وما يعادله في أي سفر آخر بهذه الصورة سوى في سفر المزامير حيث ورد 79 مرة. لقد افتتح السفر بتأكيد "أن كل حكمة هي من الربِّ، ولا تزال معه إلى الأبد" (1: 1).
جاء تعبير المخافة الربّانية في هذا السفر بمعنى أخذ موقف التكريم التام والمهابة والتقدير لله القدير، خالق المسكونة. يؤكد هذا التعبير قوة الله وقدرته وجلاله وسلطانه.
لا تعني كلمة مخافة هنا الفزع أو الرعب، لأن مخافة الربّ هي اعتراف بسرّ السمو الإلهي المرتبط بالإيمان المُمتزج بالحب كما ورد في (تثنية 10: 12).
وكما يقول القديس هيلاري أسقفبواتييه: "كلّ مخافتنا في الحُبِّ"[22].
الإنسان الذي يتمتَّع بمخافة الرب تطول أيامه ويغتني ويتمتع بصحة جيدة (1: 12-13، 17-18).
يرى البعض أن ابن سيراخ يُحسَب ابنًا وارثًا للسيدة الرمزية "الحكمة" في شخصنتها (24: 1-32؛ 4-20). يحتفل بها ويكرمها كأوّل خليقة الله (1: 4؛ 24: 3)، وعطيّة الله الفائقة التي تُوهب لخائفي الربّ (1: 10، 26). كما يحسب نفسه وارثًا لمخافة الربّ، كبدء الانطلاق في رحلة نحو الحكمة. هذا في نظره لا يُقَلِّل من تقديره لمخافة الربّ، إذ يُقَدِّمها بداية الحكمة وكمالها وتاجها وجذرها أو أصلها (1: 14-20)، بل وهي كُلية الحكمة أيضًا (19: 20).
مخافة الربّ هي المفتاح الذي يفتح باب الحكمة للإنسان. هي أصل الحكمة وتاجها وكمالها "مَخافةُ الرَّبِّ مَجدٌ وفَخر وسُروٌر وإكْليلُ ابتِهاج... كمال الحكمة هو مخافة الرب، وتملأ الناس بثمارها... تملأ بيتهم كله بالمشتهيات، ومخازنهم بغلاتها
مخافة الربّ مجد وفخر وسرور وإكليل ابتهاج... مسرة الحكمة هي مخافة الربّ، وتُسكر الناس بثمارها... تملأ كل بيت من بيوتهم بالمشتهيات، ومخازنهم بغلاتها" (1: 9-15).

مخافة الربّ عند ابن سيراخ هي[23]:
1. بدء الحكمة (1: 12).
2. كمال قياس الحكمة (1: 14).
3. إكليل الحكمة (1: 16).
4. خائف الربّ لن يعصى كلماته (2: 15).
5. خائف الربّ يطلب رضا الربّ (2: 16).
6. مخافة الربّ تمارسها كل نفسٍ (7: 29).
7. مخافة الربّ هي توبة القلب بالرجوع إلى الربّ (21: 6).
8. لا شيء أفضل من مخافة الربّ (23: 27).
9. مخافة الربّ مثل فردوس البركة (40: 27).
أما عن الحكمة فهي الخط الرئيسي الذي يتخلَّل السفر من بدايته حتى نهايته، مؤكدًا أنها عطية إلهية. حكمة الله ليست فكرة مُجَرَّدة كحكمة الإنسان، إنما هي محيط يتعذَّر استيعابه، "لأن فكرها أعمق من البحر، ومشورتها أعمق من الهاوية العظيمة" (24: 29). يصورها الكاتب كشجرةٍ مُثمِرةٍ، وكرمةٍ تقدم كل الخيرات، خاصة الفرح الإلهي.
وردت كلمة "الحكمة" في سفر ابن سيراخ أكثر من ستين مرة. واعتبر طالب الحكمة ابنًا له.
يبدأ النصف الثاني من السفر بشخصنة الحكمة لتُعلِن أنها تُغَطِّي الأرض كلّها وتسكن في الأعالي، وتُقِيم عرشها في عمود السحاب، وتتمشَّى في أعماق الهاوية (24: 1-5). لتنصب خيمتها في يعقوب، أي في شعب الله، وتستقر في صهيون، لتُقِيم من المؤمنين شعبًا مجيدًا يحمل قوّة إلهيّة، يعتزّ الربّ نفسه به. وكأن الحكمة تطلب صداقة فريدة مع المؤمن كشخصٍ ومع المؤمنين كجماعةٍ مقدسةٍ. إنها تسقي شعب الله بمياه الروح كي تُحَوِّلهم من بريةٍ إلى جنةٍ مُبهِجةٍ (24: 30-31).
قد تبدو الوصايا أحيانًا اجتماعية بحتة، لكن السفر وهو يهتم بالحياة الاجتماعية على مستوى الجماعة والفرد في نفس الوقت، غير أنه يبرز الحضرة الإلهية وعمل النعمة في حياة المؤمنين.
يُمَيِّز القديس أغسطينوس بين حكمة الله الخالق، وبين الحكمة عطية الله. أو بين الحكمة كأقنوم إلهيّ أتى إلى البشرية ليُقَدِّم لهم الخلاص، وبين الحكمة كتدبيرٍ إلهيٍ لخلاصنا. فيقول: [خُلِقَت الحكمة قبل كل شيءٍ... هكذا يا لعظم الفارق بين الحكمة التي تخلق وتلك التي هي مخلوقة! إنه فارق عظيم مثل الفارق بين البرّ الذي يُبَرِّر والبرّ الذي يتحقَّق بالتبرير[24].]
هذا ويدعونا السفر إلى تكوين علاقات مقدسة مع أصدقاء حكماء. إذ يكون المؤمن مواليًا لله ومُخلِصًا لشريعته، يتمتَّع بالالتصاق بحكمة الله. غير أنه يلزم أن يكون حريصًا لئلا تتسلَّل الخطية إليه، إذ يقول ابن سيراخ: "وإن ضلّ تهجره، وتُسَلِّمه إلى هلاكه" (4: 19). لهذا فإن الخطاة المُصرِّين على الخطية هم حمقى ولن ينالوا حكمة: "الناس الأغبياء لا يجدونها، والخطاة لا يرونها. إنها بعيدة عن المتكبرين، والكذّابون لن يحتفظوا بها في ذهنهم" (15: 7-8). أما السالكون في حياة الفضيلة في الربِّ فإنهم يلاحقونها كالصياد ويترصدون آثارها (14: 22).
يشخصن personify السفر الحكمة؛ تارة يدعوها والدة تُعَظِّم أبناءها وتملأهم فرحًا (4: 12)، يرثونها (4: 16). كما يدعوها مُعَلِّمة teacher تؤدِّب تلاميذها (4: 17). إنها مثل زوجة الشاب الحكيم (15: 2). وهي محبوبة، يتودَّد إليها الحكيم (51: 13-21).
يُعتبَر حفظ الشريعة التي أعطاها الله لإسرائيل، عنصرًا هامًا في تعليم ابن سيراخ. فهو يوصي دومًا بالشريعة التي تقود إلى برِّ الله، وتحفظ روح الصداقة بين المؤمنين، كما تُوَجِّهنا إلى الأسلوب اللائق عندما نُوبِّخ صديقًا. إنها مصدر الحكمة الأصلية.
أهم ملامح السفر تُطابِق الشريعة مع الحكمة، فالحكمة هي الشريعة. "هذه كلها هي سفر ميثاق مع الإله العليّ والشريعة التي أوصانا بها موسى، ميراثًا لجماعات يعقوب" (24: 23). يؤكد ابن سيراخ أن الحكيم والبار يتَّحِدان معًا في شخص ذاك الذي يعمل مشيئة الله ويتقي الرب. هكذا تتجلَّى مخافة الربّ في حفظ الوصايا (1: 26؛ 2: 15؛ 10: 19).
يُظهِر ابن سيراخ تشديده على الشريعة، ليس كرجل دينٍ شرعيٍ، وإنما لأنها تُعلِن عن الله وعلاقته بالناس مبنية على حياة التقوى. لذلك فهو يفسر الشريعة بروح تقديس الفكر والكلام والسلوك، أي خلال الأعماق الخفية والسلوك الأخلاقي والاجتماعي في الرب.
رأى أن الشريعة والحكمة تياران متكاملان يصبّان في نهر عظيم مُتدفِّق وهائل لا ينضب (24: 23 -29)، وأن رسالته كمُعَلِّمٍ أن يُخرِج منه تعليمه لتلاميذه أو لأبنائه المحبوبين (24: 30 -34)، ليسقي نفوسهم كما لو كانت بستانه المحبوب لديه. إذ يقول:
"هذه الشريعة تملأ البشر بالحكمة، مثل فيشون، ودجلة[25] في أيام بكور الثمار. وهي تملأهم فهمًا، كالفرات ومثل الأردن في أيام الحصاد. هذه الشريعة تُشرِق بالتعليم مثل النور، وهي تفيض كالنيل بالتعليم، مثل جيحون في أيام القِطَاف (العنب). كما أن الإنسان الأول لم يعرف الحكمة كاملة، هكذا الإنسان الأخير لا يستقصي أعماقها. لأن فكرها أعمق من البحر، ومشورتها أعمق من الهاوية العظيمة. وأنا كقناة خارجة من النهر، ومثل مجرى خرج إلى جنة. قلت: "أسقي بستاني، وأُبلل مجمعات الزهور المتناسقة". فإذا بقناتي تصير نهرًا، وبنهري يصير بحرًا" (24: 25-31).
أَكَّد ابن سيراخ في أكثر من موضع أن الفرق بين "الحكمة البشرية المُجَرَّدة" "والحكمة الإلهية" أن الأخيرة مقرونة بالشريعة التي فيها أنفاس الله.
الحكمة عند ابن سيراخ ليست إلاَّ حفظ التوراة عمليًا (24: 23). هذا لا يعني تجاهُل التناغم بين الحكمة والتوراة. فالتوراة ليست ملخصًا للحكمة بالرغم من أن الحكمة مستقرة في التوراة، تُعرَف عندما تُمارَس التوراة. أيضًا التوراة هي تهذيب تعليمي يحيا به المؤمن بحكمةٍ، ويبلغ به إلى الحكمة، عطية الله لحافظي الحكمة.
يُوَضِّح ابن سيراخ أن حفظ التوراة ليس عقبة في تمتُّع الشخص أو الأمة بكرامة على مستوى العالم. على العكس حفظ المؤمن للتوراة يرفعه في الكرامة أمام العالم. كما أن الاستخفاف بالتوراة يدفع الأمة إلى العار والخزي حتى من غير المؤمنين. الإخلاص للشريعة الموسوية هو مصدر للكرامة حتى وإن كان الشخص فقيرًا.
درب الحكمة عند ابن سيراخ هو درب التقوى والقداسة، لهذا كرَّس نصيبًا كبيرًا من السفر للتعليم عن الحياة التقوية.
مخافة الربّ تستلزم اهتمامًا كبيرًا لتكريم الربّ مع الحرص على السلوك نحو الله والالتصاق به. لهذا ينصح طالبي المغفرة من الله أن يغفروا هم لإخوتهم (28: 1-7). هذا ويحذر الذين يعتمدون على مراحم الربّ وهم متهاونون في السلوك أن التباطؤ في العقوبة الإلهية لا يعني أن الخطية ليس لها فاعليتها في حياة الشخص والذين يتعامل معهم. لذلك يليق بالشخص أن يُسرِع إلى التوبة ولا يرجع ثانية إلى الخطية نفسها (34: 25-26).
التزم ابن سيراخ بالاعتدال حتى لا ننحرف يمينًا ولا يسارًا (تث 5: 32)، فإن كان يعلن كثيرًا عن فيض مراحم الله مهما كانت خطايانا، غير أنه يؤكد عدل الله وعدم قبوله للشرّ، خاصة إن كان ثمرة تهاون واستهتار.

3. الحكمة والعبادة المقدسة

يدعونا ابن سيراخ أن نجتهد في دراسة الشريعة (الكتاب المقدس) والتمتُّع بالحكمة الحقيقية، وفي نفس الوقت يؤكد أن العبادة عامل رئيسي للتمتع بالحكمة (37: 15)، لأنها عطية الله (39: 5-7). هذا لا يقلل من أهمية طلب المشورة من أناسٍ حكماء. الصلاة وليست الأحلام والخزعبلات هي مصدر المشورة الروحية (34: 1-8).
يربط العبادة المقدسة بالسلوك المقدس، فكلاهما تقدمة مقبولة ومرضية عند الرب. وأما إن مارسها المؤمن طقوس العبادة كروتين أو واجب بدون التهاب القلب بالحُبِّ والسلوك في حياة روحية فاضلة فهي مرفوضة. "لا تقل: "إن الله ينظر إلى كثرة تقدماتي، وإذا قربتها للعليّ فهو يَقبَلها". لا تكن خائرًا في صلاتك، ولا تهمل الصدقة" (7: 9–10).
كما يربط التقدمات بالحياة المقدسة، فمن يغتاب أخيه يُدَنِّس ثروته والعشور التي يُقَدِّمها. إنه لا يَقْبَل أية تقدمة يُصاحِبها ظلم الإخوة (35: 13-15). كما أبرز الرحمة في حياة المؤمن وعبادته.
مع تركيزه على التقدمات العقلية غير الدموية، غير أنها لا تحل محل الذبائح والتقدمات المادية، بل تُكَمِّلها. هذا وقد أعطى اهتمامًا خاصًا للعبادة في الهيكل.
يهتم أيضًا بربط الحكمة بالليتورجيا الكنسية[26]. فسفره فريد بين أسفار الحكمة، في حديثه عن الحياة الليتورجيا والكهنوت والخدمات الهيكلية (الكنسية). اهتم أن يعطي مجالًا واسعًا في برنامجه لجمال الليتورجية العجيبة (50: 5-13). وتكريم كهنة أورشليم خلال ممارسة العبادة كما يليق (7: 29-30). يشهد بذلك مديحه الرائع لهرون كرئيس الكهنة (45: 6-22)، وحديثه عن سمعان الكاهن الأعظم، إذ يقول:
"حين كان يرتدي حُلَّة مجد، ويلبس كمال الفخر، وفي صعوده إلى المذبح المقدّس، كان يُعظِّم ساحة المقدس. وعندما كان يتناول القطعة من أيدي الكهنة، وهو واقف على موقد المذبح، كان يحيط به إكليل من الإخوة، كشجيرة أرز في لبنان ويحيطون به مثل جذوع شجر النخيل. وكان جميع بني هارون في مجدهم، وتقدمة الربّ في أياديهم أمام كل جماعة إسرائيل. عند إتمام الخدمة على المذبح وتدبير تقدمة العليّ القدير... ثم ينزل ويرفع يديه على كل جماعة بني إسرائيل، ويفتخر باسمه (اسم الربّ). عندئذٍ ينحنون إلى أسفل ليسجدوا مرة ثانية لينالوا البركة من العليّ" (50: 11-14، 20-21).
وفي مديحه داود الملك، يقول: [أقام مُرَتِّلي المزامير أمام المذبح، ليُرسلوا ألحان عذبة بأصواتهم.
جعل للأعياد كرامتها، ونظَّم أزمانها خلال السنة، لتُسَبِّح اسم الله القدوس، ويدوي المقدس(الهيكل) منذ الصباح المُبَكِّر(47: 9-10).]
كما يذكر أن الله نفسه رتَّب الذبائح والباكورات (45: 20-25)، ويشهد بأن ذبائح البار مَرْضيَّة أمام الرب وِذْكرها لا يُنسى (35: 6).
اهتمت الكنيسة القبطية منذ البداية بهذا السفر، فاقتبست منه في أكثر من عشرين مناسبة خاصة في قراءات الصوم الكبير وصلوات البصخة المقدسة وليلة عيد القيامة وإقامة[27] الراهب.

4. الإنسان والكون[28]

خلق الله الإنسان على صورته (17: 3) ووهبه السيادة على المخلوقات (17: 1-4). وجعل الحكمة كالبخار تحتضن كل شيءٍ؛ لقد تمشَّت في أعماق الجحيم وعلى أمواج البحر (24: 5- 6). أما سمات الخليقة فهي التميُّز والتنوُّع والتناغم والتدبير المتكامل التي تضيفه الحكمة على أعمال الله (16: 26-30).
الإنسان ككائنٍ متميِّزٍ في عيني الله، منحه العقل وحرية الإرادة والمعرفة وشريعة الحياة (الناموس الطبيعي) يرشده في الطريق (17: 11). ولذلك فهو يتحمَّل مسئولية تصرُّفاته لإرادته الحُرَّة. من البدء خلق الله الإنسان حُرًا في ميوله ونزعاته. "خلق الإنسان في البدء، وتركه يستشير إرادته (البشرية). فإن شئت، تحفظ الوصايا، وتُتَمِّم بأمانة مسرَّته الصالحة. إنه يضع أمامك النار والماء، فتمدّ يدك إلى ما تريده. الحياة والموت أمام البشر، فما يختاره الإنسان يُعطَى له. لم يُوصِ أحدًا أن يكون شريرًا، ولا يأذن لأحدٍ أن يخطِئ" (15: 14-17، 20). فالله ليس مسئولا عن الخطية، لكن الإنسان مسئول بإساءة استخدامه للعطية الإلهية!
بِقَوْل ابن سيراخ إن المرأة هي بداية الخطية لا يعني مسئوليتها، وإنما يعني أنها أول من أخطأ، وبالتالي لا تقع عليها مسئولية سقوط نسلها. الموت هو أحد نتائج السقوط الكثيرة (40: 1-5).
كان الفلاسفة في ذلك الزمان يحاولون أن يُوَفِّقوا بين حرية الإنسان ووجود الشرّ من جهة، والإيمان بإله صالح قدير من جهة أخرى، وقد رأى ابن سيراخ أن الإنسان خُلِق حرًا.

5. العدالة الاجتماعية والمثل الأخلاقية

يُصِرُّ السفر على الحاجة إلى العدالة الاجتماعية (4: 1-10؛ 34: 21-35: 22). يُحَذِّر أيضًا الأغنياء من إساءة التعامل مع الفقراء. في مرارة يشير ابن سيراخ إلى جشع الأغنياء، فعِوَض مساعدة الفقراء يحسبونهم مراعيهم التي تفيض عليهم بخيرات أكثر (13: 18).
يتضمن السفر مجموعة كبيرة من المثل الأخلاقية والنصائح القيِّمة بالنسبة لكل حدث طارئ يمكن حدوثه في الحياة، وحِكَم صالحة لجميع شرائح المجتمع في مختلف ظروف الحياة، حيث تتعلَّق نسبة كبيرة منها بالعلاقات اليومية العادية بين الناس، سواء الأغنياء منهم أو الفقراء، فتحدَّث عن الشهامة والنبل، والسلوك على المائدة والآداب العامة واحترام قدرات الأفراد.
دور الإنسان في المجتمع: جاء السفر دعوة كي يتعرَّف الإنسان عن رسالته في المجتمع، أن يكون حكيمًا متواضعًا يهتم بأسرته، كما يفتح قلبه ومخازنه للفقراء والمحتاجين، ويحب أن يُقَدِّم لهم مما لديه من بركات، وينصف المظلومين ما استطاع.
المجتمع بكل فئاته يشغل قلب ابن سيراخ وفكره، فيكشف بروح الحكمة كيف يتعامل الإنسان ليس فقط مع أفراد أسرته، المحتاجين، المظلومين والأصدقاء، وإنما كيف يتعامل مع القادة في المجتمع، الكهنة، الحزانى، المرضى، الخطاة، الأغنياء، الشيوخ، النساء، الأرامل والعذارى.

6. اللسان

اللسان وهو آلة للبنيان، بدون تقديسه وضبطه يُفسِد الصداقات ويُسَبِّب نزاعات.
وعن الكلام والصمت يقول: "الزلّة على الأرض أفضل من الزلّة من اللسان" (20: 18)، "الحكيم يرفع نفسه بكلماته، والإنسان الفَطِن يُرضي العظماء" (20: 27).
"لا تُذَرّ مع كل ريح، ولا تَسلك في كل طريق، فإنّه هكذا يفعل الخاطئ ذو اللسانيْن... كن مُسرِعًا في الاستماع، ومتأنيًا في الإجابة. إن كنت تعرف شيئًا، فجاوب على سؤال قريبك، وإلا فاجعل يدك على فمك. في الكلام المجد والهوان، وسقوط الإنسان سببه لسانه. إياك أن تُدعَى نمّامًا، ولا تنصب كمينًا بلسانك، فإن السارق ينتظره الخزي، وعلى ذي اللسانيْن الحكم خطير" (5: 9، 11- 14).

7. الأسرة المقدسة

امتدح السفر البيت الذي فيه يحيا كل من الزوج والزوجة في وفاقٍ. كما امتدح المرأة الفاضلة بكونها عطية الرب التي لا تُقدَّر بثمنٍ، تُشرِق كالشمس على بيتها، مصدر للبهجة، إنها مُعِينَة لرجلها يستند عليها كما على عمودٍ.
"لطف الزوجة يُبهِج زوجها، ومهارتها تسمن عظامه. الزوجة الصامتة عطيّة من الربّ، والنفس المتأدِّبة لا تُقدَّر بثمنٍ. الزوجة المحتشمة نعمة فوق نعمة، وليس من ميزان يزن النفس العفيفة. مثل الشمس تُشرِق من أعالي السماء، جمال الزوجة الصالحة في بيتها المُرتَّب. مثل السراج الذي يضيء على المنارة المقدسة، جمال الملامح في حياة ذي الصحة الجيدة[29]" (26: 13-17).

8. الاهتمام بالوالدين خاصة في شيخوختهما

يوضح ابن سيراخ أن إكرام الوالدين جاء مباشرة بعد الوصية الخاصة بمحبة الله، ليؤكد أن علاقتنا بالوالدين تمسّ علاقتنا بالله نفسه. اهتم بعض الدارسين بما ورد في هذا السفر بخصوص إكرام الوالدين ورعايتنا لهم في شيخوختهم وفي مرضهم.
فأبرز Stacy Davis الآتي:
‌أ. أبرز الكتاب المقدس بعهديه أهمية تكريم الوالدين والاهتمام بهما.
‌ب. اهتمت المجتمعات المتقدمة برعاية الشيوخ، وخصَّصت ميزانيات ضخمة لذلك، فما هو موقف المؤمن من الوصايا الكتابية؟ هل لا يليق أن ينضم الوالدان إلى إحدى المؤسسات الخاصة برعاية الشيوخ مثل Senior houses؟
‌ج. لوحظ في المجتمعات الفقيرة نسبة انتحار الشيوخ قد تزايدت بشكلٍ كبيرٍ.
‌د. في الظروف المعاصرة، يصعب على الكثير من الأبناء أن يلحقوا الوالدين الشيخين في ذات مسكنهم.
‌ه. تزايد الخلافات خاصة بين الزوجات وحمواتهن، إذ تشعر الزوجة أنها سيدة البيت، بينما يصعب على حماتها أن تَقْبَل هذا الوضع، وتتصرَّف الحماة لا شعوريًا كمُربية البيت، حتى في التعامل مع الأحفاد.
خلال خبرة الكنيسة في مصر، هذا الأمر يجب الاهتمام به، للأسباب التالية:
‌أ. ارتفعت نسبة العاملين خارج وطنهم حتى بالنسبة للعائلات الغنية نسبيًا، ويصعب على الأسرة أن تتحرَّك ومعها الجد والجدة.
‌ب. إلى الآن يحسب كثير من العائلات أن التحاق الشيوخ ببيوت كبار السن إهانة لهم وعدم اهتمام الأبناء بوالديهم.
‌ج. صارت بيوت كبار السن أمرًا لا مفر منه في حالات كثيرة، وتبنَّت بعض الكنائس مثل هذه البيوت كنوعٍ من الرعاية لكبار السن، ولتحاشي المشاكل الأسرية الناجمة عن ضمّ الشيخين إلى الأسرة الصغيرة. وفي بعض الدول مثل الولايات المتحدة الأمريكية، تُساهِم الدولة في نفقات هذه البيوت سواء في إنشائها أو نفقاتها الشهرية، إذ تشعر أن المؤسسات والكنائس بهذا العمل تشترك في رفع بعض المسئوليات عن المؤسسات الحكومية.
‌د. ما يلزم تأكيده للطرفين الأبناء وكبار السن أن الالتحاق لبيوت السن لا يُحسَب إهانة للوالدين الشيخين ما دام الأبناء يُقَدِّمون مشاعر حب ورعاية واهتمام عاطفيًا وماديًا ما استطاعوا.

9. الشاب المتسيِّب والنساء[30]

يظن البعض أن ابن سيراخ كاره للنساء misogynist، بسبب نقده السلبي للنساء الشريرات. إذ قدَّم تحذيرات سلبية للشباب الذين كانوا تحت التعليم ليصيروا كتبة، منها:
V "لا تلتقِ بامرأة زانية، لئلا تقع في أشراكها" (9: 3).
V "لا تُسَلِّم نفسك إلى داعرات، لئلا تفقد ميراثك" (9: 6).
V "اصرف نظرك بعيدًا عن امرأة جميلة، ولا تتفرَّس في حسناء غريبة" (9: 8).
V "لا تتناول العشاء مع امرأة متزوجة لآخر، ولا تشترك معها في حفلات بها خمر" (9: 9).
وقد دافع البعض عنه:
أ. جاء السفر يضمّ 56 آية عن النساء، 28 آية تُقَدِّم الجوانب الإيجابية، و28 تُقَدِّم جوانب سلبية وتحذيرات. في سفر المزامير وُجِدَت تحذيرات من الرجال الأشرار (مز 140: 1-25؛ 141: 4). فكما يوجد نساء شريرات يوجد أيضًا رجال أشرار، وكما يوجد أبناء متمردون توجد بنات متمردات. لم يكن ابن سيراخ ضد المرأة، إنما ضد الشرّ سواء كان صادرًا من الرجل أو من المرأة. في الواقع انتقد بحزمٍ كلًا من الرجال والنساء الذين يُحَطِّمون نذر الزواج (23: 18-27). حتى إن أخفى الإنسان خطية الزنا عن شريك (أو شريكة) الحياة، فإن الله ينظر ما يفعله الإنسان خفية.
ب. تحدَّث بكل تقدير وتكريم للإناث السالكات في مخافة الربّ وبروح الحكمة سواء كن زوجات أو أمهات أو بنات. لقد أبرز التبايُن بين الفتاة الصالحة والفتاة المُتسلِّطة والعنيدة التي تجلب العار والخزي لأسرتها.
ج. واضح أنه لم يكن كارهًا للمرأة، كما جاء في البداية عن التزامات الوالدين (3: 11). لقد دافع عن كرامة كل الأمهات وتكريمهن، سواء كانت الأم صالحة أو شريرة، لأنها قدَّمت له عطية الحياة. كما أعلن ابن سيراخ عن صلاح الزواج بامرأة حكيمة وصالحة.
د. عالج موضوع "النساء" بما يناسب الثقافة المُعاصِرة له. بلا شك كانت ظروف المجتمع التي عاش فيها ابن سيراخ في القرن الثاني ق.م. تختلف عن الظروف التي نعيش فيها اليوم خاصة في الغرب. كان يُنظَر إلى البنات كثقلٍ على أكتاف الوالدين أكثر منهن بركة يتهللان بهن. كان الوالدان يلتزمان بالحفاظ على بتولية ابنتهما لئلا يغتصبها أحد فلا يَقْبَلها أحد حتى وإن كان السقوط خلال عمل قهري. وكانت الفتاة تعتمد كليةً على والدها إلى يوم زواجها حيث يصير رجلها هو المُلتزِم بكل احتياجاتها. غالبًا لم يكن لها دور في اختيار الزوج، وكان يمكن للوالد أن يُلزِم ابنته أن تتزوج رجل أرمل يكبرها بسنوات كثيرة. كان من حق الزوج أن يُطلِّق امرأته لأنه لا يُسرّ بها. فداود ترك زوجته ميكال ابنة شاول لأنها استخفَّت به وهو يرقص أمام تابوت العهد (2 صم 6: 20-23)، وماتت دون أن تنجب طفلًا. وبالمثل قام الملك أحشويروش بتطليق زوجته الملكة وشتي، لأنها رفضت الظهور لإبراز جمالها أمام الملك وهو في حالة سُكْر مع رجاله (إس 1).
هـ. كان ابن سيراخ أشبه بعميد لأكاديمية تضم شبابًا يتدرَّبون ليصيروا كتبة. كأستاذ ومُعَلِّم وأب روحي لمجموعة شباب يصيرون في المستقبل قادة، يليق بهم أن يكونوا قدوة للشباب. جاءت أحاديثه تُمَثِّل وصايا ونصائح وإرشادات لشباب في سن المراهقة المتأخرة.
و. بقوله: "من امرأة نشأت الخطية، وبسببها نموت نحن أجمعون" (25: 23)، حقًا لقد جُرِّبت حواء وأخطأت. لكنه هنا يشير إلى الخطية الأصلية (تك 3: 13)، التي أنتجت عقوبة الموت على الجنس البشري: "إلى تراب تعود" (تك 3: 19).
أما عن قوله: "خبث الرجل خير من امرأة تعمل ما هو صالح وهي تجلب الخزي والفضيحة" (42: 14)، هذه العبارة التي تُسَبَّب مشكلة للبعض سببها الترجمة من العبرية إلى اليونانية. كتب ابن سيراخ بالعبرية، وحفيده ترجم عمله إلى اليونانية. جاءت الترجمة الحرفية العبرية: "خشونة الرجل أفضل من سذاجة do-gooder امرأة". ما تحمله هذه العبارة ربما لأن ابن سيراخ كان يُوَجِّه حديثه للوالدين أو الأوصياء مُطالِبًا إياهم بالحزم مع الابنة العنيدة المُتمردة لئلا تجلب العار على الأسرة. النص العبري معناه "الأب الصارم أفضل من الأم المتهاونة بمبالغة والتي تُدَلِّل ابنتها". الخبث شرير بالنسبة للرجال والنساء. لكن الوالدية الصالحة غالبًا ما تتطلَّب حزمًا يراه الطفل خشونة وقسوة (عب 12: 11). أحيانًا الآباء كما الأمهات يمكن أن يكونوا متراخين في ليونة. بهذا يُترَك الطفل دون أن يضع له أحد حدودًا، ويقدم له توجيهًا قويًا ويسنده بالتهذيب الحازم.
ز. كثيرًا ما تحدَّث الحكيم عن الصداقة، وقد خشي أن يُسِيء البعض مفهوم الصداقة، فلا يدركون غايتها، ولا يعرفون حدودها، فيرتبط الشاب بنساء بغير حذرٍ. هذا وقد قدَّم ابن سيراخ أبيجايل كنموذجٍ رائعٍ للصداقة الحكيمة المقدسة، ونابال رجلها كنموذج للشخص الفظ غير المهذب.
ح. يقول Stacy Davis: [بينما يُشَخْصِن ابن سيرا الحكمة كمؤنث، لم يفعل هذا بالنسبة للحماقة.] كما يقول إن سيراخ وهو يُقَدِّم لنا الحكمة بكونها مؤنث، فإن أتباعها المُخلِصين والمُتحمِّسين لها ذكور وإناث، وقد أبرز الكتاب المقدس هذا، مثل عرضه لدبّورة النبية والقاضية الحكيمة بين القضاة، وتقوع "امرأة حكيمة" (2 صم 14: 2-20)، والمرأة الحكيمة التي في آبل أنقذت المدينة (2 صم 20: 16-22).
جاءت كتابات قمران تحمل نفس الفكر، فقد تكرَّر التعيير عن الحكمة "المرأة الحكمة Woman Wisdom" بينما لم تذكر قط "المرأة الحماقة Woman folly".
هذا وقد كانت اليهودية مُحاطة بثقافات تُحاوِل أن ترفع من شأن المرأة، فكانت تتعبَّد لآلهات goddess كما لآلهة. حاليًا لا زالت بعض الجماعات اليهودية تمتدح "السبت" بكونه "الملكة العروس السبت bride, O Queen Sabbath". وفي المسيحية تُكرم الكنائس الأرثوذكسية القديسة الملكة مريم بكونها والدة الإله بتجسده منها والعضو الأمثل في الكنيسة.
في العهد الجديد شُخصنت كل من الحكمة والحماقة بالمرأة، الأولى ترتدي الشمس (رؤ 12: 1)، والثانية المرأة الزانية التي ترتدي الأرجوان والقرمز وجالسة على الوحش (رؤ 17: 1، 4).
ط. قام بعمل ثوري بخصوص المرأة الصالحة بكونها بركة، في الوقت الذي كان فيه يتعامل بعض الرجال مع النساء كمقتنيات يُمكِن للرجل أن يهب إنسانًا ابنته كزوجة بغير إرادتها. عوض التعصُّب لجنس الرجل مدح الزوجة العاقلة. في سفر الأمثال مُدِحَت الزوجة النموذجية من أجل اهتمامها بالعمل وخدمتها للفقراء، أما في هذا السفر فيمدحها لأجل حكمتها وتعقلها بكونها بركة للأسرة.
V "سعيد هو الزوج لزوجة صالحة" (26: 1).
V "الزوجة الصالحة نصيب عظيم، وتكون نصيب من يخاف الربّ" (26: 3).
V "لا تتجاهل زوجة حكيمة وصالحة، فإن نعمتها أفضل من الذهب" (7: 19).
V "لطف الزوجة يُبهِج زوجها، ومهارتها تسمن عظامه" (26: 13).
V "الزوجة الصامتة عطيّة من الربّ" (26: 14).
V أشار إلى جاذبية المرأة الحكيمة الفاضلة، وأنها أفضل من الذهب. لقد نُسبت الحكمة للنساء كما للرجال.
تحقَّقت الثورة الحقيقية في تقدُّم عالم المرأة في الكتاب المقدس بتجسد الكلمة الإلهي، ربنا يسوع الناصري، واحترامه وتكريمه لأُمِّه. تَمَّم أول معجزة بناءً على طلبها (يو 2: 1-11).
صادَق ربنا يسوع نساء، فأحبّ مريم ومرثا ولعازر (يو 11: 5). أظهر حنوًا على أرمـلة نايين التي مات ابنها الشاب، فأقامه من الموت، ودفعه إلى أمه (لو 7: 11-15). كانت النساء أول من شهد لقيامة المسيح من الأموات في فجر الأحد.

10. الصداقة

يرى Jeremy Corley في بنيان السفر ككل أننا لا نجد حديثًا عشوائيًا عن الصداقة، بل جاء الحديث عنها في ذات نسيج السفر الداخلي.
فحين تكلم عن تطبيق الحكمة كشخصٍ، قدَّم القصيدة الأولى عن الصداقة (6: 5-17) بخصوص السلوك الحكيم في التعامل مع الأصدقاء الكامنين (الذين يحملون إمكانية الصداقة الصادقة).
وعندما عالج موضوع تطبيق الحكمة اجتماعيًا، كان من الطبيعي أن يتعرَّض كثيرًا للصداقة (7: 12، 18؛ 9: 10-16؛ 12: 8-9؛ 13: 15-23؛ 14: 13).
وعندما عالج موضوع تطبيق الحكمة في الحديث كما في التفكير، تحدَّث عن كسب الأصدقاء، مع مراعاة الحديث الذي يُحَطِّم الصداقة مثل الشتائم والإهانات (22: 19-26).
وعندما عالج موضوع تطبيق الحكمة في الحياة الأسرية، وضع في اعتباره ما يصيب الصداقة من ضرر بإفشاء أسرار الأسرة (27: 16-21). وعندما تحدَّث عن استخدام الحكمة في أخذ قرارات صالحة (37: 1-6)، قام بالتمييز بين الأصدقاء الصالحين والأشرار.

11. الولائم والحفلات

من المظاهر الاجتماعية التي كانت منتشرة في ذلك الحين والمبالغ فيها إقامة ولائم symposium، وستجد المزيد عن هذا الموضوع هنا في موقع الأنبا تكلاهيمانوت في صفحات قاموس وتفاسير الكتاب المقدس الأخرى. غير أن هذه الظاهرة ظهرت في الثقافة الفارسية والإمبراطوريات المتوالية (أس 1: 5-12؛ 5: 4-8؛ 6: 14-7: 2؛ دا 5: 1-4) وأيضًا الثقافة اليهودية (إش 5: 11-12؛ 1 مل 16: 15-16؛ مر 6: 21-22). هكذا لم تكن هذه الظاهرة في القرن الثاني ق.م. قاصرة على الثقافة الهيلينية. يمكن القول إن انتشار الثقافة اليونانية ضاعف هذه الظاهرة في بلادٍ كثيرة.
كانت هذه الولائم تقوم على المنافسة في تقديم أطعمة كثيرة، وخمرٍ بفيضٍ مع موسيقى وأمور أخرى ترفيهية. لم يكن ممكنًا مهاجمة هذه الولائم، إنما طالب ابن سيراخ بالاعتدال في كل شيءٍ: في الأكل والشرب وعدم السماح للإنسان أن يطلق العنان لنفسه بلا تقديس وضبط النفس مع مراعاة إمكانيات الآخرين ومشاعرهم.
يليق بالمؤمن في شركته في الولائم لا الانشغال بالأكل والشرب واللذة، بل أن يحفظ نفسه مقدسًا مع ضبط نفسه. وجَّه ابن سيراخ تلاميذه مراعاة الوقت المناسب والكمية المناسبة، والكلام المناسب. يعرف متى يبدأ مشاركته في الوليمة ومتى يتوقَّف عن تناول الطعام، ويعرف متى يتكلم ومتى يصمت، وأيضًا مراعاة عدم التأخُّر عن الرجوع إلى بيته.

12. الخطية[31]

الخطية شرّ، ولكن الله يُخرِج من الشرّ خيرًا بطرق شتى:
أ. ضعف الخاطئ في حد ذاته يُثِير عاطفة الله إن صحّ التعبير. "فلذلك يطيل الربّ أناته عليهم، ويفيض برحمته عليهم. إنه يرى ويَعْلَم نهايتهم أنها شريرة، لذلك يُقَدِّم لهم كفّارة كاملة. رحمة الإنسان هي لقريبه، أما رحمة الربّ فلكل ذي جسد. يُوَبِّخهم ويُدَرِّبهم ويُعَلِّمهم كراعٍ يردّ قطيعه إلى الحظيرة. إنه يرحم الذين يَقبْلَون تأديبه، والذين يبادرون إلى أحكامه" (18: 10-13).
ب. في الشريعة يعطي الإرشاد والتشجيع لتجنُّب الخطية، وحفظ الوصية يعطي قوة أخلاقية لتحفظ الخاطئ من إثارات الخطية. إنها تدعونا إلى طلب الحكمة والهروب من الحماقة. "من حفظ الشريعة سيطر على أفكاره، وكمال مخافة الربّ الحكمة. من لم يكن ذكيًا لا يتعلَّم، ولكن يوجد ذكاء يكثر المرارة" (21: 11-12). " من يخاف الربّ يَقْبَل التعليم، والمُبَكِّرون إليه ينالون رضاه. من يطلب الشريعة يمتلئ بها، وأما المرائي فيتعثَّر فيها... من يثق في الشريعة ينتبه إلى الوصايا، والذي يتَّكِل على الربّ لا تلحقه خسارة" (32: 14-15، 24).
ج. شعور الإنسان بميله إلى الخطية يجعله يتقرَّب إلى الله بالصلاة، والصلاة تهبنا العون لتجنُّبها أو التغلُّب عليها. "من الذي يقيم حارسًا لفمي، وخاتم التعقُّل على شفتي، فلا أسقط بسببهما، ولا يهلكني لساني؟" (22: 27). "أيها الربّ أبو حياتي وإلهها، لا تدع لي عينين متعاليتين بل اصرف عني الشهوة الشريرة. لا تسمح للنهم ولا للشهوات أن تسود عليَّ، ولا تُسَلِّمني إلى نفسِ وقحةٍ" (23: 4-6).
د. الغلبة على الإغراء يمكن أن يكون فرصة لاستحقاق المكافأة. "فالربّ لا يؤجِّل، ولا يُبطِئ في مساعدتهم. حتى يُحَطِّم أحقاء الذين بلا رحمة، ويجازي بالانتقام على الأمم حتى يمحو جموع المتكبرين، ويُحَطِّم صولجان الظالمين. حتى يكافئ الإنسان حسب أفعاله، وأعمال البشر حسب أفكارهم. حتى يجري القضاء لشعبه، ويفرحهم برحمته" (35: 19-23). "من الذي يُمتحَن به فيوجد كاملًا؟ له أن يفتخر بذلك. من الذي استطاع أن يتعدَّى ولم يتعدَّ؟ وأن يصنع الشر ولم يصنع؟ ستكون خيراته ثابتة، وتخبر الجماعة بصدقاته" (31: 10-11).
ه. حتى إن هزمتنا الخطية؛ فالتوبة تُقَرِّبنا بالأكثر إلى الله، وتلغي عقوبتها.
"قبل أن تمرض تواضع، وعند ارتكاب الخطايا أثبت رجوعك (لله)" (18: 20).
"أرضى أخنوخ الربّ، فنُقِل، كمثال للتوبة لكل الأجيال" (44: 16).

13. الكبرياء

كثيرًا ما تحدَّث عن الكبرياء بكونه بدء الخطايا التي استخدمها عدو الخير لسقوط الأبوين الأولين، وأنها خطية مُوَجَّهة ضد الله، حيث لا يتجاهل المخلوق خالقه فحسب، بل ويُعلِن حالة تمرُّد عليه، كما تقف عائقًا عن قدسية الإنسان وممارسة الحب لله والناس، بدء الكبرياء ارتداد المخلوق عن خالقه (10: 12-13؛ 10: 18، 21؛ 32: 12).
ما يُوَضِّحه ابن سيراخ أن الكبرياء كان غريبًا عن طبيعة الإنسان الأصلية، إذ يقول: "لم يُخلَق الكبرياء لأجل الناس، ولا حدّة الغضب لأجل مواليد النساء" (10: 18). لعل ابن سيراخ يود أن يؤكد للمؤمنين أن طبيعة الإنسان الأصلية تتَّسِم بالحرية، فلم يكن للكبرياء سلطانًا أن يقتحم قلب الإنسان وفكره، إنما بكامل إرادته استجاب لمشورة إبليس المتعجرف، ففقد الإنسان الحرية، وانحنت إرادته التي فسدت بالكبرياء.
إن كنا الآن قد صرنا خليقته الجديدة في المسيح يسوع، صارت كلمات الرب نيرًا حلوًا وهيّنًا إذ يقول: "تعلموا مني، لأني وديع ومتواضع القلب" (مت 11: 29).
يليق بنا أن نُمَيِّز بين اعتزازنا بعمل نعمة الله الذي وهبنا وزنات مُعَيَّنة أو نجاحًا في حياتنا الروحية أو في معاملاتنا في المجتمع، فلا نعجب من قول الرسول: "أستطيع كل شيء في المسيح الذي يقويني" (في 4: 13).

14. الاعتدال

خلق الله العالم بحكمةٍ وتدبيرٍ فائقٍ لأجل صالح الإنسان وبنيانه، وجاء السفر يدعو البشر إلى استخدام الخليقة بتدبيرٍ حسنٍ باعتدالٍ.
ففي الأمور المالية يطلب من الإنسان عند تقديم صدقة أو قرضٍ أو كفالةٍ أن يعرف لمن يُقَدِّم المال، وفيمَ يستخدمه وما هي حدود العطاء، وما هي إمكانية المعطي.
وفي الأكل والشرب يلتزم المؤمن بالاعتدال بوجهٍ عام لكي يُحافِظ على صحته.
وفي الولائم والحفلات تحدَّث عن آداب المائدة وعدم المبالغة في الأكل والشرب والموسيقى.
وفي المرض يذهب إلى الطبيب ولا يمتنع عن أخذ الأدوية (38: 1-15).
وفي الحزن على الميت يكون باعتدال (38: 16-23).
وفي استضافة صديقٍ له، يليق بالضيف ألا يكون ثرثارًا وألا يطيل المدة (32: 4-13).
وفي الكلام طالب ألا يكون الإنسان ثرثارًا، كما لا يصمت إن كانت توجد حاجة للكلمة كي تنقذ إنسانًا من الظلم.
في نقل الكلام يقول: "لا تكرر أبدًا كلمة، فلا تكون خاسرًا قط؛ لا تُخبِر بها صديقًا أو عدوًا، ولا تكشفها ما لم تخطئ إن كتمتها" (19: 7-8).
إن كان الحكيم يتَّسِم بالاعتدال في كل شيء، فالأحمق لا يعرف الاعتدال. إنه كإناءٍ مكسورٍ لا يحتفظ بشيء فيه بل يتكلم بلا ضابطٍ (21: 14).
يظهر عدم اعتدال الأحمق حتى في الضحك: "يرفع الأحمق صوته عند الضحك" (21: 20). وطريقة مشيه تشهد لتسَّرعه: "قدم الأحمق تسرع في دخوله بيت" (21: 22).
وفي تهوره يُسرع في الكلام دون التفكير في قلبه (عقله)، إذ يقول: "قلوب الحمقى في أفواههم، وأفواه الحكماء في قلوبهم (21: 26).

15. أخلاقيات المنع

من ملامح نصائح ابن سيراخ التي تستحق التفكير فيها بجديةٍ هي نصائحه عن المَنْعِ. جُمِعَت نصائح المصريين واليونانيين ولم يوجد فيها ما يمنع العمل من أجل نوال كرامة زمنية والعظمة الأرضية، بل بالعكس كانت غالبًا ما تدفع البشر إلى طلب هذه الأمور الزائلة. يرى البعض أن النهم والخمر والأهواء الجسدية هي أكثر الأمور التي تُهَدِّد ضبط النفس عند الرجال والشبان، لذلك يتطلَّع البعض إلى المال والخمر والنساء، هؤلاء الثلاثة لهم أثرهم السلبي في حياتهم.

16. الحكمة والسيد المسيح

شخصنة الحكمة، جعل ارتباطها بالسيد المسيح أمرًا طبيعيًا في حياة الكنيسة في العهد الجديد. منذ الخلقة انسكبت الحكمة من عرش الله كعطية للبشرية، تكشف عن محبة الله لكل البشر. أما وقد جاء حكمة الله نفسه متجسدًا، فصار لنا أن نتمتَّع بالاتحاد به، ولم تَعُد الحكمة الإلهية غريبة عنا.
سيراخ يُعِدّ الطريق لإنجيل المسيح

كان لسفر سيراخ فاعلية في حياة القادة اليهود منذ القرن الثاني قبل الميلاد، وربما كان موضع دراسة وإعجاب بعض المفكرين من الأمم أيضًا. كان هذا تمهيدًا لبثّ الاشتياق إلى الفكر الإنجيلي وقبوله.
أولًا: تأثَّر المفسرون اليهود للشريعة بسفر سيراخ؛ هذا أَعدّ البعض للتلامس مع ما ورد في إنجيل متى ورسالة يعقوب، خاصة ما ورد في الموعظة على الجبل، والتركيز على الإنسان الداخلي، وأيضًا عدم استطاعة الإنسان أن يتمتَّع بالمغفرة من الله ما لم يغفر هو لقريبه.
ثانيًا: يمكننا إدراك تهيئة سيراخ للفكر المسيحي بمقارنة العبارات الواردة بالسفر مع ما ورد في العهد الجديد:
تفسير سفر يشوع ابن سيراخ
سيراخ والديداكية

كلمة "ديداكية" Didache عن الحروف اليونانية الأولى لعنوان عمل يُسمَّى "تعليم الرب للأمم بواسطة الاثني عشر رسولًا". وهي تُعتبَر أهم وثيقة بعد كتابات الرسل، تكشف عن الحياة الكنسية الأولى من الجانب السلوكي والليتورچي والتنظيمي. يمكن مقارنة بعض العبارات التي في الديداكية بما ورد بسفر سيراخ:
أ. الصدقة والعطاء: "الماء يُطفِئ النار المُلتهِبة، والصدقة تُكَفِّر عن الخطايا" (3: 28). "إن كنت تملك شيئًا من تعب يديك، فقدِّم الفدية (بدم المسيح) عن خطاياك (بالعطاء)" (ديداكية 4: 6). "لا تبسط يدك للأخذ، وتقبضها عن الإيفاء" (4: 31). "لا تبسط يديك للأخذ وتطبقهما عند العطاء" (ديداكية 4: 5).
ب. الحكمة في الإحسان: "إذا أحسنت فاعرف إلى من تُحسِن، فتكون مشكورًا على أعمالك الصالحة" (12: 1). "ليكن إحسانك بعرق يديك إلى أن تعرف لمن تُعطِي" (ديداكية 1: 6).
أورشليم أم أثينا

كانت ظروف اليهود في القرن الثاني ق.م في غاية الصعوبة، وكان موضوع المناقشة الرئيسي في ذلك الحين هو: أيهما يجلب السعادة للفرد كما للشعب. في المظهر الخارجي بدأ نجم أثينا -مركز الفلسفة اليونانية- يتلألأ ويتفوَّق على أورشليم مدينة الله، للأسباب التالية:
أ. كان الحُكْم السائد في يد أثينا، حيث تلألأت الإمبراطورية اليونانية، وسادت على دول كثيرة من بينها إسرائيل (فلسطين)، بالرغم من العلاقات الطيبة بين اليونانيين واليهود في الفترة الأولى من قيام الإمبراطورية والسماح لليهود بتدبير الأمور على أيدي قادة يهود مقابل دفع جزية سنوية.
ب. كان كثير من اليهود في حزنٍ شديدٍ حيث قارن الشيوخ بين عظمة الهيكل الذي بناه سليمان وإعادة بنائه بعد الرجوع من السبي البابلي.
ج. انجذاب بعض قادة اليهود إلى الفلسفات اليونانية، وعدم مراعاتهم الالتصاق بالله وحفظ التوراة أو شريعة موسى.
لم يُهاجِم ابن سيراخ الفلسفة في الأصحاح الرابع والعشرين ولم يُقارِن بين أورشليم وأثينا، وإنما قدَّم حديثًا على لسان الحكمة فيه تُبرِز عظمة أورشليم كمصدر السعادة الحقيقية بكونها مدينة الله واهب الحكمة السماوية خلال وصاياه.
أ. الحكمة كأمٍ تفتخر وسط شعبها المختار "جماعة العليّ" [2].
ب. ليست حكمة بشرية أرضية، إنما خرجت من فم العلي، تجول في دائرة السماء [3- 4].
ج. إن كان لها شعب خاص، غير أنها ستجتذب كل الأمم، وتعمل في الشعوب، وتهبهم راحة سماوية [6-8].
د. مسكنها واستقرارها في صهيون [10].
ه. مدينة الحكمة أورشليم المحبوبة [11].
و. تحمل رائحة الحياة (رائحة المسيح الذكية) [15].
ز. تهب الشبع الداخلي بثماره الحلوة كالعسل والشهد [20].
ح. لن يملّ منها أحد، بل كلما تناولها إنسان ازداد جوعه وعطشه إليها [21].
ط. تُقِيم عهدًا مع البشر كما حدث مع الآباء البطاركة الأولين نوح وإبراهيم وإسحق ويعقوب.
ي. تفيض بالفهم بغير مكيال مثل أنهارٍ تروي النفوس [25-26].
ك. تشرق بالتعليم والمعرفة كالنور [27].
ل. تدخل بالإنسان إلى أعماقٍ بلا حدودٍ [28].
م. إنها عروس فتاة لن تشيخ [30]، تهب من يقتنيها نموًا مستمرًا وتقدُّمًا لا يتوقَّف [30].
هذه السمات الفريدة تنطبق على شخص السيد المسيح حكمة الله المتجسد، إنها عربون أورشليم العليا التي فتح الصليب أبوابها للمؤمنين المُلتصِقين بربّ المجد، ولا تتوفَّر في أثينا وفلسفاتها.
هذه السمات التي لحكمة الله المقدمة لحافظي الشريعة تعبر بنا من هيكل الرب في أورشليم إلى المقادس السماوية، وتحث حتى المقاومين للحق الإلهي أن يمتلئوا رجاءً، وأن يتمتَّعوا بهذه العطية سواء كانوا يونانيين أو سامريين أو غيرهم عبر العصور.
يقول كل من Hayward وRogers وغيرهما من الدراسين إن الأصحاح الرابع والعشرين من السفر يبرز أن مسكن الحكمة هو أورشليم التي هي أعظم من اليونان، وجاء وصفها أسمى من الإلهة المصرية إيزيس تفسير سفر يشوع ابن سيراخ تفسير سفر يشوع ابن سيراخ تفسير سفر يشوع ابن سيراخ تفسير سفر يشوع ابن سيراخ أيضًا[32].
من وحي سفر ابن سيراخ

لأَتمتَّع بالصداقة الإلهية فيتَّسِع قلبي لكل البشرية

v إلهي، بماذا أدعوك، وأنا منطلق في هذا السفر العجيب؟
أنت هو "الصديق السماوي"، إذ بالحق أنت ملجأ نفسي،
ودواء الحياة، والكنز الأبدي؟ (6: 14، 16)
أنت هو "المشير الواحد" بين الألف من أتقيائك القديسين،
تقودني إلى أحضانك الإلهية؟ (6: 6)
أنت هو "حكمة الله"، إذ تُقِيم في نفوسنا،
فتسكب فينا الحكمة والفهم والمعرفة؟ (1:1)
أنت هو "الأب الكليّ الحب"، إذ حُمِلت عني الصليب،
كي أَجِدَك مُرافِقًا لي في الطريق الضيق، وتُحوِّله إلى فردوسٍ عجيبٍ! (2: 3- 9)
أنت هو "ابن الإنسان القدوس"، نزلت من سماواتك، كي ألتصق بك في هذا العالم،
دون أن أرتعب من الالتصاق بك يا كليّ المجد! (2: 3)
أنت هو أب الأيتام وقاضي الأرامل، وإله المنسيّين والمرذولين! (7: 32)
أنت هو "ضابط التاريخ" حرَّكت وتُحَرِّك أُممًا إلى منتهى الدهور،
كي تُقَدِّم لي ولكل الأمم بشارة إنجيلك واهب التهليل!
أنت هو الكل في الكل! (1 كو 15: 28)
v أخبرني، لماذا كادت أن تسود الثقافة الهيلينية العالم قبل تجسُّدك،
وكادت فلسفتهم أن تُحَطِّم تقديس شعبك القديم للشريعة؟
في غيرة مُتَّقدة انطلق سيراخ يُعلِّم بأنك واهب الحكمة الحقيقية، وشريعتك هي مصدرها!
عظيم هو جهاده، فقد أعلن لشعبه اليهوديّ كما للأمم أنك صديق البشرية كلها!
يجد فيك اليهوديّ التحرُّر من الحرف القاتل في العبادة وفهمًا عميقًا للشريعة.
ويجد فيك الأمميّ ما لم تستطع كل فلسفات العالم أن تعطيه إياه.
في غيرته لم يحمل كراهية للفلسفة والعلم والفكر،
بل طلب من الفلاسفة مراجعة حساباتهم،
ومقارنة عقولهم المتشامخة عليك يا خالقها، بالأفكار المقدسة فيك.
دعا سيراخ الجميع، اليهود والأمم، أن ينطلقوا معي في جولة للتلامس مع قدرتك أيها الخالق،
ورعايتك الفائقة للمسكونة.
دعاهم لإدراك عظمتك ورعايتك الفائقة حتى للحيوانات والطيور.
انطلق باليهود من عبادة الحرف في ضيق أفقٍ إلى الحوار المفتوح والصداقة معك!
وانطلق بالأمم كي يترقَّبوا مجيئك إلى العالم،
بكونك الصديق الحقيقي، والمشير الفريد العجيب وواهب القيامة!
v بالحق ألهب سيراخ قلوبنا بالحب خلال التصاقنا بك،
فبقبولنا لك أيها الصديق السماوي،
انفتح لنا طريق الصداقة مع بني البشر.
رفعت أفكارنا في السماء، ودعوتنا للسلوك بالحكمة وروح التمييز في كل كبيرة وصغيرة.
v دعوتنا أن نُكَرِّس القلب بكامله لك أيها الصديق السماويُّ.
وإذ تحلّ فيه تقَّدس عواطفنا وأفكارنا وكلماتنا وسلوكنا!
v أرشدتنا إلى سكناك يا أيها الصديق السماويُّ في قلوبنا،
وحلولك في وسط عائلاتنا، وتقديسك لكل أعمالنا!
تُحوِّل عائلاتنا إلى سماوات جديدة متهللة!
دعوتنا ألا نخاف العدو كما لا نثق فيه،
من هو هذا العدو، سوى المُقاوِم لك أيها الصديق السماويُّ؟
v ماذا أَرُد لك عن عطاياك المخفية عن البشر؟
سمحت بترجمة التلمود إلى اليونانية، وثار الكثير من اليهود الأتقياء على ذلك.
لم يُدركِوا أنك أنت واضع الناموس ومُعلِن النبوات سمحت بذلك.
فلو لم يُترجَم التلمود إلى اليونانية بأمر بطليموس،
كيف كان يمكن لبولس الرسول أن يكرز بين الأمم والشعوب؟
قدَّم لهم النبوات، وما كان يمكنهم أن يقرأوها بالعبرية!
منذ عشرات القرون سمحت يا إلهي بترجمة التلمود،
كي أَتسلَّمه أنا في هذا القرن باللغة التي أستطيع أن أقرأها. يا لحُبّك لضعفي!

موضوع مغلق


الانتقال السريع

قد تكون مهتم بالمواضيع التالية ايضاً
الموضوع
سفر يشوع بن سيراخ 43: 31
تاملات فى سفر يشوع بن سيراخ
يشوع بن سيراخ
تفسير سفر حكمة بن سيراخ - د/ مجدى نجيب
سفر يشوع ابن سيراخ


الساعة الآن 01:54 PM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024