|
رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
الرِّيَاء بين الشَّخص في حقيقته والشَّخص في مظاهره (متى 23: 5-7) لم يكشف يسوع المسيح رِيَاء الكَتَبَة والفِرِّيسيِّينَ بين القول والفعل فحسب، إنما أيضا بين حقيقة شخصهم ومظهرهم. فموضوع نقد يسوع الثَّاني للكَتَبَة والفِرِّيسيِّينَ هو التَّظاهر بالفضيلة لكي يراهم النَّاس (متى 6: 1-6). لم يكن يهمهم الفريسيون أن يكونوا أتقياء، بل كان يكفيهم مجرد ظهورهم بمظهر التَّقوى ليحوزوا إعجاب النَّاس ومديحهم. يهتمون بالمظهر دون الاهتمام بالجَّوهر، يهتمون بأن تكون أياديهم نظيفة قبل الأكل مع أن قلوبهم مملوءة بالنَّجاسة، فقال لهم يسوع تكرارًا، مشهِّرًا رِيَاءهم بجرأة "الوَيلُ لَكم أَيُّها الكَتَبَة والفِرِّيسيُّونَ المُراؤون، فإِنَّكم أَشبَهُ بِالقُبورِ المُكَلَّسَة، يَبدو ظاهِرُها جَميلاً، وأَمَّا داخِلُها فمُمتَلِئٌ من عِظامِ المَوتى وكُلِّ نَجاسَة (متى 23: 27). لكل وظيفة مزاياها وامتيازاتها، فأحب الكَتَبَة والفرِّيسيُّون المَزايا المرتبطة بوظائفهم، ولكن هذه المزايا والامتيازات أصبحت للكتبة والفِرِّيسيِّينَ أهم من تَأدية العمل بأمانة. لان الدِّين أصبح عندهم في عَصائبهم التي يُعرِّضونها، وفي أرديتهم التي يُطوِّلونها، وفي ابتغاء المقاعد الأولى، وصدور المَجالِسِ وتلقي التَّحيات في السَّاحات. فقد جاء وصفهم واضحًا "يُعَرِّضونَ عَصائبَهم ويُطِّولونَ أَهدابَهم ويُحِبُّونَ المَقعَدَ الأَوَّلَ في المآدِب، وصُدورَ المَجالِسِ في المَجامع، وتَلَقِّيَ التَّحِيَّاتِ في السَّاحات، وأَن يَدعُوَهُمُ النَّاس رابي" (متى 23: 5-7). وصفهم يسوع انهم مراؤون، لأنَّهم عنوا بالأشياء المادية العرضية دون الرُّوحية الجَّوهرية فصّرح قائلا "جَميعُ أَعمالِهم يَعمَلونَها لِيَنظُرَ النَّاسُ إِلَيهم" (متى 23: 5). حذَّر يسوع من رِيَاء الكَتَبَة والفِرِّيسيِّينَ الذين يُحبُّون التظاهر أنهم أتقياء ليحظوا بإكرام النَّاس لهم، بينما هم في الحقيقة زائفون مُتظاهرون. وأطاعوا الشَّريعة ليس إكرامًا لله بل لإظهار أنفسهم أنَّهم صالحين أتقياء. ليس الرِّيَاء الدِّيني مجرد كذب، إنَّه غش للغير بقصد كسب تقديره عن طريق ممارسات دينية لا تكون النَّيّة فيها بسيطة. فيبدو المرائي كأنَّه يعمل من أجل الله، في حين أنه يعمل في الواقع من أجل ذاته والأنانية. إنَّ أكثر الأعمال صلاحًا، كالصَّدقة، والصَّلاة، والصَّوم، تُفسد وتنحرف عن صلاحها، عند الاهتمام "بالظهور أمام النَّاس" (متى 6: 2 و5 و16، 23: 5). فأنهم مراؤون لان سلوكهم لا يعبّر عن أفكار قلوبهم وقد وصفهم يسوع بالعُميان. "أَيُّها القادَةُ العُميان، يا أَيُّها الَّذينَ يُصَفُّونَ الماءَ مِنَ البَعوضَةِ ويَبتَلِعونَ الجَمَل" (متى 23: 24). فالمرائي من فرط رغبته في خداع الآخرين، ينتهي به الآمر إلى خداع نفسه ذاتها، فيصبح في حكم الأعمى عن حالته، عاجزًا أن يرى النَّور. إن للقادة الرُّوحيين دورًا لا بُدّ منه على الأرض، ولكن ألا يأخذون مكان الله نفسه، وذلك عندما يستبدلون بالشَّريعة الإلهيَّة سُنناً بشريَّة. إنهم عُميان يريدون أن يقودوا غيرهم، "إِنَّهُم عُميانٌ يَقودونَ عُمياناً. وإِذا كانَ الأَعمى يَقودُ الأَعمى، سَقَطَ كِلاهُما في حُفْرَة" (متى 15: 14)، وتعليمهم ما هو إلا خميرة خبيثة حذّر يسوع تلاميذه منهم قائلا " إِيَّاكُم وَخَميرَ الفِرِّيسيِّينَ، أَي الرِّيَاء" (لوقا 12: 1). "أيُّها الفِرِّيسيُّ الأَعمى، طَهِّر أَوَّلاً داخِلَ الكَأس، لِيَصيرَ الظَّاهِرُ أَيضاً طاهراً" (متى 23: 26). هناك كثيرون من النَّاس في أيّامنا، ممّن يعرفون الكتاب المقدّس وتعاليم الكنيسة، لكنّهم، مثل الفِرِّيسيِّينَ لا يتركون لهما الفُرصة كي يُغيّرا حياتهم، فيقولون أنّهم يتبعون الرَّبّ يسوع، ولكنّهم لا يعيشون مبادئه، مبادئ المحبّة، وهذا ما دفع المهاتما غاندي أن يخاطب المَسيحيّين قائلاً: "خذوا مسيحيّتكم وأعطوني مسيحَكم". |
|