|
رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
هوية المسيحيين: ملح ونور
يؤكد المجمع الفاتيكاني الثاني دور المسيحيين العلمانيين: "هم مدعوون بصورة خاصة إلى أن يجعلوا الكنيسة حاضرة وفعَّالة في تلك الأماكن والظروف التي لا يمكنها إلا بواسطتهم أن تكون ملح الأرض المسيحيون هم مِلحُ الأَرض ونورُ العالَم كما يُعرّفهم يسوع المسيح (متى 5: 13-16) معلنا مشاركتهم له في نشر النور والعناية في الحياة المسيحية الحقيقية. وليس هناك أجمل من هذا التعريف لهوية المسيحيين ورسالتهم ودورهم في العالم كما جاء في تعليم الكنيسة الكاثوليكية "إنهم نواة وحدة ورجاء وخلاص بالغ الفعالية للبشرية كلها" (التعليم المسيحي للكنيسة الكاثوليكية رقم 782). ويُعلق البابا فرنسيس "إن عالم اليوم يحتاج لأشخاص يكونون ملح الأرض ونور العالم" (عظة 16/5/2018). والمسيحيون مدعوون إلى أن يكونوا مِلحُ الأَرض ونور العالم ومن هنا تكمن أهمية البحث في وقائع النص وتطبيقاته. أولا: وقائع النص الانجيلي (متى 5: 13-16) 13 أَنتُم مِلحُ الأَرض، فإِذا فَسَدَ المِلْح، فأيُّ شَيءٍ يُمَلِّحُه؟ إِنَّه لا يَصلُحُ بَعدَ ذلك إِلاَّ لأَنْ يُطرَحَ في خارِجِ الدَّار فَيَدوسَه النَّاس تشير عبارة "أنتم ملح الأرض" الى تلاميذ المسيح عموما، أي الذين يؤمنون بالمسيح. هل نستحق أن نكون كملح الأرض؟ أمَّا عبارة " ملح الأرض" فتشيرالى حاجة الملح الى الأرض والعكس بالعكس، رمز هنا ملح الارض الى التلاميذ الذينينبغي ان يكون لهم مفعول الملح في العالم كما يكون للملح مفعوله في الأطعمة، إنه يُطيِّب الطعام ويحفظه من الفساد، بالإضافة الى أنه مُعقّم ومُطهّر للجروح. وهكذا تلاميذ المسيح ينبغي ان يُطيّبوا عالم الناس ويحفظونهم من الفساد من خلال عهدهم الابدي مع الله، إذ يذكر الكتاب المقدس عهد الملح (عدد 18: 19) بمعنى الميثاق الابدي (2 اخبار 13: 5). وأن الملح يزيد من الاطعمة شهيّة (أيوب 6: 6) ويحفظ الاطعمة (باروك 6: 27). ويُستعمل في التعاقد للدلالة على ثبات قيمته، فالملح يُمثل العهد بين الله والبشر حيث أن إضافة الملح للذبائح كانت تمثل العلاقة المرجوَّة مع الله. كما أن الملح علامة ترمز للحكمة لما فيه من عمق التأثير حتى ولو بكمية ضئيلة. ويقصد يسوع هنا أن المسيحي الحقيقي هو الذي يعطى لحياة البشر مذاقها ومعناها. وبالرغم من أن كميته تكون قليلة إلا أنه يملح طعامًا كثيرًا. ولكن الملح لا يفيد الطعام شيئا ما لم يمتزج معه. وهكذا المسيحي يستطيع بقدوته الصالحة أن يؤثر في حياة الكثيرين ويجتذبهم إلى الحياة مع الله، كما أنه يمنع الفساد الروحي عن كثير من البشر. ويُعلق القديس يوحنا الذهبي الفم "أنتم ملح الأرض" يعني أن الطبيعة البشريّة كلها قد فقدت نكهتها، وأنكم قد فسدتم بسبب خطاياكم، لذلك يطلب يسوع منكم فضائل نافعة وضرورية للعناية بالجميع"؛ التلاميذ هم ملح الأرض ليس من تلقاء ذواتهم او من نظامهم ولكن من قوة المسيح العاملة فيهم؛ واخيرا يرمز الملح الى الزهد في النفس، وهو صفة لا يكون التلميذ بدونها اصيلا. لهذا يُفرض على الانسان التجرّد، ويُطلب منه ان يتبدّل كما يتبدّل الطعام حين يُوضع فيه الملح؛ أمَّا عبارة "فإِذا فَسَدَ المِلْح، فأيُّ شَيءٍ يُمَلِّحُه؟ فتشير الى تحذير يسوع من الخطر فقدان الملح طعمه. وبحسب تفسير متى الإنجيلي، ينبغي أن يكون المؤمن هو "ملح الأرض " (متى 5: 13)، أي أنه ينبغي أن يحفظ عالم البشر ويعطيه مذاقا خلال عهده مع الله، وإلاَّ فإن المؤمن يصبح عديم الجدوى، ويستحق أن يُطرح خارج الدار (لوقا 14: 35) على غرار المدعو الذي ليس عليه حُلة العرس (متى 22: 12)، وعلى غرار العبد الذي دَفن وزنة سيده (متى 25: 30). لان ملح العهد، بمعنى أن التعاقد مع الرب يصبح ملغياً في حال فسخه. عندما يتوقف المسيحيين عن كونهم هبة من أجل الآخرين ويقرِّرون العيش لأنفسهم، هم لا يتوقفون فقط عن الخدمة بل يموتون. ويشير الملح أيضا الى إنذار للمسيحيين: يجب عليهم ألا يفسدوا، اي ان لا يبتعدوا عن الحكمة والنقاوة الادبية بل ان يكونوا مُخلصين لأنفسهم ولله وللإنجيل. وإذا لم يبذلوا جهدهم للتأثير في العالم إيجابيا فما هي فائدتهم؟ فلا قيمة لهم! ويُعلق القديس هيلاريون " من فقد طعم الملح يُصبح بلا نفع لغيره ولنفسه". فالناس إذا فسدوا فيُمكنهم ان يصلحهم المسيحيون. لكن إذا فسد المسيحيون فإنهم يهلكون ويُهلكون معكم آخرين. وفي هذا الصدد قال يسوع "كُلُّ شَجَرةٍ طَيِّبَةٍ تُثمرُ ثِماراً طَيِّبَة، والشَّجَرَةُ الخَبيثَةُ تُثمِرُ ثِماراً خَبيثة" (متّى 7: 17). وكيف يستطيع المسيحي ان يقول للناس لا تكذبوا، وهو يكذب! ويقول للناس لا تسرقوا، وهو يسرق! ويقول للناس عيشوا بالقداسة، وهو يدنّس المقدسات! ويعلق الأديب والشاعر الفرنسي بول كلوديل "الانجيل هو الملح. إلا ان بعض المسيحيين قد حوّلوه الى سُكْرٍ إن لم يعملوا بما يعلِّمون"، وعندئذ يكونوا هم سبب تجديف على اسم الرب كما يقول بولس الرسول "يُجَدَّفُ بِاسمِ اللهِ بَينَ الوَثَنِيِّينَ وأَنتُمُ السَّبَب "(رومة 2: 24)، ويضيف القديس يوحنا الذهبي الفم "سيحاسب المسيحي لا من أجل حياته فحسب، بل من أجل العالم كله"؛ أمَّا عبارة "فأيُّ شَيءٍ يُمَلِّحُه؟" فتشير الى الملح الذي يفقد خواصه الكيمائية بعد بضع سنوات فيُطرح. لأنه يُصبح بلا ملوحة كما جاء في انجيل مرقس “المِلْحُ شَيءٌ جَيِّد، فإِذا صارَ المِلحُ بلا مُلوحَة، فَبِأَيِّ شَيءٍ تُمَلِّحونَه؟ (متى 9: 50). فإذا سار معلمو الشعب ومرشدوه على طريق الضلال، فمن الذي يُهديهم؟ وفي هذ الصدد يقول صاحب الرسالة الى العبرانيين " الَّذينَ تلقَّوُا النُّورَ مَرَّةً وذاقوا الهِبَةَ السَّماوِيَّة وصاروا مُشارِكينَ في الرُّوحِ القُدُس وذاقوا كَلِمَةَ اللهِ الطَّيِّبَة وقِوى العالَمِ المُقبِل، إِذا سَقَطوا مَعَ ذلِك، يَستَحيلُ تَجْديدُهم وإِعادَتُهم إِلى التَّوبَة لأَنَّهم يَصلِبونَ ابنَ اللّهِ ثانِيَةً لِخُسْرانِهِم وُيشَهِّرونَه" (عبرانيين6: 4-6). ويُعلق القديس ايرونيموس "إن سقط الآخرون ربّما يستطيعون أن ينالوا العفو، ولكن إن سقط المعلّم، فإنه بلا عذر، ويسقط تحت انتقام غاية في القسوة". أمَّا عبارة " إِنَّه لا يَصلُحُ بَعدَ ذلك " فتشير الى الملح الذي لا يعود ملحا إذا فقدَ ملوحته؛ وكذا نقول عن المسيحي إن لم يشع المسيح وإنجيله فقّدَ قيمته وهويته. امَّا عبارة " يُطرَحَ في خارِجِ الدَّار " فتشير الى التلاميذ الذين يتوقفون عن التأثير الذي أراده الله من وجودهم، فلا يكونوا بلا نفع فقط، بل يُصبحون موضوع ازدراء الناس أيضا. 14 أَنتُم نورُ العالَم. لا تَخْفى مَدينَةٌ قائِمَةٌ عَلى جَبَل تشير عبارة "أَنتُم نورُ العالَم" الى حاجة النور الى العالم والعكس بالعكس مما يدل على حضور وارتباطهم مع الناس ومن أجل الجميع والعالم. إن فُقدان هذه العلاقة يُفقد التلاميذ معنى رسالتهم. وهنا يشير يسوع الى دور المسيحيين الذي يعكس نور المسيح للعالم؛ إذا كان الملح يؤثر داخلا، فالنور يؤثر خارجاً. فهم نور المسيح لأنهم يمنحون العالم حقاً وقداسة وعلما وينقُّونه من الضلال، وهم يستمدّون نورهم من المسيح لأنَّهم شركاء نوره (أفسس 5: 8). والمسيح نفسه هو نور من نور" الذي أشرق في قلوبهم. انه "نور العالم" (يوحنا 8: 12). فعلى المسيحيين ان يروا "النور" المؤدي الى الحياة الحقيقية لدى الآب السماوي في شخص المسيح الذي دخل بالصليب في مجد الآب؛ والمسيحيون يرسلون نورهم الى العالم بتعاليمهم وقدوتهم. فهل ندرك معنى أن نكون نورا للأخرين؟ أمَّا عبارة "العالم" في النص اليوناني κόσμος, (معناها الكون) فتشير الى جملة الموجودات التي لها مكان وزمان. ويُعلّق القديس يوحنا الذهبي الفم "لا أرسلكم إلى مدينتين أو عشرة مدن أو عشرين مدينة، ولا إلى أمَّة واحدة كما أرسلت الأنبياء، إنّما أرسلكم إلى البرّ والبحر والعالم كله، الذي صار في حالة شرّيرة"؛ أمَّا عبارة "لا تَخْفى مَدينَةٌ قائِمَةٌ عَلى جَبَل" فتشير الى النور الظاهر. فعلى المسيحيين ان يظهروا بتأثيرهم وقدوتهم للعالم، والا لا نفع من نورهم. ولا يمكن للمضايقات أن تُخفي الحق أو تُبطل خدمة البشارة وعمل الله. ويعلق القديس يوحنا الذهبي الفم "أظن أنه لا يمكن لمدينة كهذه أن تُخفي، هكذا يستحيل أن ينتهي ما يكرزون به إلى السكون والاختفاء". أمَّا عبارة "مَدينَةٌ قائِمَةٌ عَلى جَبَل" فتشير الى أورشليم، فهي مبنية على جبل صهيون (رؤية 21: 10)، وأورشليم هي رمز للكنيسة وللنفس البشرية المؤسسة على صخر الدهور، ولذلك تسمى الكنيسة منارة (رؤية 1، 2، 33). فالكنيسة في تاريخ العالم بمنزلة مدينة على جبل لأنها هي منارة العالم. 15 ولا يُوقَدُ سِراجٌ وَيُوضَعُ تَحْتَ المِكيال، بل عَلى المَنارَة، فَيُضِيءُ لِجَميعِ الَّذينَ في البَيْت تشير عبارة "سراج" الى وعاء كان يُصنع من فخار او نحاس ويوضع فيه سائل قابل للاشتعال، كالزيت او النفط او القطران، ثم يوضع فيه فتيل يشعلونه عند حلول الظلام. وهكذا المسيحيون يوقدون بزيت النعمة ويحترقون، أي يقدِّموا أجسادهم ذبائح حية كما ورد في توصيات بولس الرسول "إِنِّي أُناشِدُكم إِذًا، أَيُّها الإِخوَة، بِحَنانِ اللّهِ أَن تُقَرِّبوا أَشْخاصَكم ذَبيحَةً حَيَّةً مُقَدَّسةً مَرْضِيَّةً عِندَ الله. فهذِه هي عِبادَتُكمُ الرّوحِيَّة" (رومة 12: 1)؛ والروح القدس يُشعلهم ويجعلهم نوراً يعكس نور المسيح الذي فيهم؛ والسراج يرمز أيضا الى الهداية كما يترنم صاحب المزامير "كَلِمَتُكَ مِصْباح لِقَدَمي ونورٌ لِسَبيلي" (مزمور 119: 104)، كلام الله هو النور الذي يضيء طريقنا، وهو نور لخطواتنا، ويُعلق القديس يوحنا الذهبي الفم على لسان السيد المسيح "أنا الذي اوقد النور، أمَّا استمرار إيقاده فيتحقق من خلال جهادكم أنتم. وبالتأكيد لا تقدر المصائب ان تعطل بهاءَكم إن كنتم لا تزالون تسلكون حياة تليق بنعمته، فتكونون سبباً لتغيير العالم كله"؛ أمَّا عبارة "يُوضَعُ تَحْتَ المِكيال" فنشير في القديم الى عادة حيث كان الناس يحملون محصولهم من القمح في الليل لكيلا يراهم أحد ويصيبهم بالحسد ثم يضعون السراج أي القنديل تحت المكيال الذي يستخدم لتعيين حجم الحبوب لبيعها، وطبعا المكيال يخفي ضوء القنديل فلا يرى الناس كمية القمح! أما عبارة "المِكيال" فتشير الى وعاء ذو سعة معيَّنة من حديد أو خشب يُستعمل لكيل السَّوائل والموادّ الجافّة، ويرمز المكيال الى الحسابات البشرية المادية التي كثيراً ما تقف عائقاً أمام الإيمان (يوحنا 6: 5–7) وتمنع انطلاق النور، لذلك حينما أرسل السيد تلاميذه للكرازة سحب منهم كل الإمكانيات المادية" لا تَقتَنوا نُقوداً مِن ذَهَبٍ ولا مِن فِضَّةٍ ولا مِن نُحاسٍ في زَنانيرِكم" (متى 10: 9) لكي ينزع عنهم كل تفكير مادي، تاركًا كل الحسابات في يديّ الرب نفسه، فيكون هو غناهم وطعامهم وشرابهم ولباسهم وحمايتهم! والمكيال يشير أيضا الى الخطيئة التي تحجب النور الروحي تحت وعاء بحيث يغلِّف الانسان روحه بملذات العالم، فيحبس الروح، فيتحوّل الجسد الى عائق للروح؛ كما أنه يرمز الى الانحرافات السلوكية والدينية، وكما يرمز أخير الى إخفاء أو إهمال صوت الخير والحق، وقد يكون نتيجة الكبرياء والتمركز حول الذات. كم مكيال حاول ويحاول البعض من ساسة ومن ملحدين وناقمين إخفاء نور المسيح ونور الكنيسة ونور القديسين فيها؟ أمَّا عبارة "المنارة" فتشير الى الكنيسة؛ ويُعلق يوحنا الذهبي الفم "أظن انه لا يمكن لسراج على المنارة ان يُخفى، هكذا يستحيل ان ينتهي ما يكرزون به الى السكون والاختفاء". أمَّا عبارة "فَيُضِيءُ لِجَميعِ الَّذينَ في البَيْت" فتشير الى المسيحيين الذين إذا عاشوا للمسيح وأظهروا للآخرين من هو المسيح بشهادة سيرتهم الصالحة، فإن حياتهم نور يُضِيءُ لِجَميعِ الَّذينَ في الكنيسة وفي العالم؛ أمَّا عبارة "البَيْت" فتشير الى بيت الفقراء الذي يتألف من غرفة واحدة كما هو الحال في بلاد الشرق، ويرى القديس أوغسطينوس "ان البيت هنا يعني مسكن البشر اي العالم ولكنه يشير أيضا الى الكنيسة". يركّز يسوع في هذه الآية على قدرة النور وحِدّته. لا يستطيع أحد إخفاءه او مقاومة إشعاعه. نور المسيحيين يُنير على الجميع كما ينير السراج على كل الجالسين في البيت. لا يجوز لتلاميذ المسيح ان يخفوا ما قبلوه من المسيح، لان الله أراد منهم ان يكونوا واسطة لنشر تعاليم الانجيل للعالم. 16 هكذا فَلْيُضِئْ نُورُكُم لِلنَّاس، لِيَرَوْا أَعمالَكُمُ الصَّالحة، فيُمَجِّدوا أَباكُمُ الَّذي في السَّمَوات تشير عبارة "فَلْيُضِئْ نُورُكُم" الى نور الروح القدس الساكن في المسيحيين (رومة 8: 11)؛ أمَّا عبارة "لِلنَّاس" في الأصل اليوناني ἔμπροσθεν τῶν ἀνθρώπων (معناها قدام الناس) فتشير الى عيون الناس، لا خفية عنهم. ومن هنا ضرورة ان تكون اعمال تلاميذ الصالحة ظاهرة لا خفية. أمَّا عبارة "لِيَرَوْا أَعمالَكُمُ الصَّالحة" فلا تشير إلى أفكار وتعاليم بل إلى أعمال التطويبات وهي العيش بروح الفقر بالاعتماد على عون الله، وعيش الرحمة والوداعة والعدالة بين الناس وطهارة القلب واستقامة الحياة الشخصية. ولذا يحث القديس بطرس المسيحيين "أَن يَتَجَنَّبوا شَهَواتِ الجَسَد، ويسِيروا سِيرةً حَسَنةً في العالم، حتَّى إِذا افتَرَوا علَيكم أَنَّكم فاعِلو شَرّ شاهَدوا أَعمالَكمُ الصَّالِحَة فمَجَّدوا اللّهَ يَومَ الافتِقاد". اما إذا أطفأ المسيحيون هذا النور، تفقد حياتهم معناها، ويصبحون مسيحيين بالاسم فقط. أمَّا عبارة "فيُمَجِّدوا أَباكُمُ الَّذي في السَّمَوات" فتشير الى المسيحيين الذين لا يعملون الاعمال الصالحة لتمجيد أنفسهم وطلب مدح الناس لهم كما كان يفعل الفرِّيسيين بل لمجد الله كي يسبِّحوه ويحمدوه تعالى. ويُعلق القديس أوغسطينوس" لم يقل "لِيَرَوْا أَعمالَكُمُ الصَّالحة" فقط، بل أضاف "فيُمَجِّدوا أَباكُمُ الَّذي في السَّمَوات"، لأن الإنسان يُرضي الآخرين بأعماله الصالحة، لا لأجل إرضائهم في ذاته، بل لتمجيد الله في عمله، لأنه يليق بالذين يعجبون بالأعمال الصالحة أن يمجّدوا الله لا الإنسان، وذلك كما أظهر ربّنا عند شفاء المفلوج، إذ يقول متى الانجيلي: "مَجَّدوا اللهَ الَّذي أَولى النَّاسَ مِثلَ هذا السُّلطان" (متى 9: 8). يقتضي ان يتخذ المسيحيون نور الحق في هذا العالم المظلم، كما يتخذ الناس السراج في بيوتهم فيضيئوا للناس بقدوتهم وفضائلهم. في البيت المنير ليس المجد للأضواء بل لصاحب البيت، وفي المدينة العامرة ليس المجد للبناء بل للباني. ثانيًا: تطبيقات النص الإنجيلي وتحليله (متى 5: 13-16) بعد دراسة موجزة عن وقائع النص الإنجيلي (متى 5: 13-16)، نستنتج انه يتمحور حول هوية المسيحيين: أنهم ملح الأرض ونور العالم. وحين يدعو يسوع المسيحيين الملح والنور، يدل على دورهم الضروري في المجتمع، شرط ان يظلوا ملحاً حقيقياً لم يفقد طعمه، ونوراً على المنارة يُضيء للناس في الظلام. أَنتُم مِلحُ الأَرض (متى 5: 13) الملح هو مركّب كيميائيا من الصوديوم وهو عنصر معدني فريد، والكلور وهو غاز سام. يتحد هذان العنصران ليُشكلا تركيبًا مفيدًا، وهو تدبير رائع من الخالق لخير الجنس البشري كما يترنَّم صاحب المزامير "ما أَعظَمَ أَعْمالكَ يا رَبّ لقد صَنعتَ جَميعَها بِالحِكمة فاْمتَلأَتِ الأَرضُ مِن خَيراتِكَ" (مزمور 104: 24). والملح في اللغة اللاتينية Sal. وفي أيام روما الامبراطورية كان الجنود يتلقون جزءا من راتبهم (salarium) ملحًا. وعندما كان يسوع المسيح على الارض كان الملح متوافرًا إلى حد بعيد. مثلا، زودت مياه البحر الميت مصدرًا جيدًا للملح (التكوين 19: 26). والجميل أن عنصر الملح لا يخدم ذاته، الملح وحده لا يُؤكَل فهو غير صالح بمفرده، إنه وجد لخدمة الأرض وما عليها. والانسان لا يقدر ان يستغني عن الملح؛ فهو يُستعمله لحفظ الطعام ولإعطائه نكهة، وقد استخدم الله الملح في الكتاب المقدس بصورة متعددة مما يُبيِّن هوية المسيحيين ودورهم كملح الأرض. الملح هو من أكثر المواد الغذائية ضرورةً للإنسان كما جاء في تعليمات سفر يشوع بن سيراخ "رَأسُ ما تَحْتاجُ إِلَيه حَياةُ الإِنْسان الماءُ والنَّارُ والحَديدُ والمِلْح" (سيراخ 39: 26)، وفي موضع آخر يقول أيوب: "أَيُؤكَلُ التَّفِهُ بِغَيرِ مِلْح (أيوب 6: 6)، كذلك العالم بحاجة الى المسيحيين كحاجة الطعام الى ملح، وذلك للأمور التالي: (أ) كما ان "الملح هو رمز عهد الله مع البشر" (أحبار 2: 13) وبحسب طقوس الأضاحي القديمة ينبغي أن تكون كل التقدمات مُملّحة لتثبيت العهد" (الاحبار 2: 13)، كذلك المسيحيون يذكّرون عهد الله مع شعبه لتثبيته والمحافظة على الأمانة تجاهه سبحانه تعالى. (ب) كما ان الملح يُوضع على المحرقة المقرَّبة لله كما ورد في سفر حزقيال "قَرَبْهُما أَمامَ الرَّبّ، ولْيُلقِ الكَهَنَةُ علَيهما مِلْحًا وُيصعِدوهما مُحرَقَةً لِلرَّبّ" (حزقيال 43: 24)، وذلك لإعطاء مذاق وطعم "لخبز الإله" (الاحبار 21: 6)، لان الملح يُعطي الأطعمة نكهة وطعمًا (أيوب 6: 6)، كذلك على المسيحيين ان يؤثروا في الشعب وبأعمال المحبة والرحمة والخدمة (متى 5: 13). (ج) كما ان للملح خاصية حفظ الطعام من الفساد (باروك 6: 27) ويشير الى دوام تعاقد في "عهد الملح" (عدد 18: 19) ميثاق دائم، كالذي تمَّ بين الله وداود النبي (2 أيام 13: 5)، كذلك على المسيحيين ان يحيوا حياة فاضلة حياة الوداعة والرحمة وطهارة القلب والسلام فيحفظ حياته وحياة شركائه في المجتمع من فساد الخطيئة بالصوم والصلاة ومختلف الاماتات. إن مجرد وجود إنسان مسيحي حقيقي في وسط أناس كثيرين، يمنع بلايا ومصائب كثيرة كما قال الله لإبراهيم "إِن وجَدتُ في سَدومَ عشرة من الأبرار في المَدينة (سدوم)، فإِنِّي أَصْفَحُ عن المَكانِ كُلِّه مِن أَجْلِهم" (تكوين 18: 32). المسيحيون عليهم مسؤولية كبيرة تجاه خلاص الآخرين والمحافظة عليهم من الفساد الموجود في العالم. ويُعلق العلامة أوريجين، أحد آباء الكنيسة "كما ان الملح يحفظ اللحم من الفساد ويجعله صالحا للأكل مدة أطول، هكذا المسيحيون يصبحون ملحا يحفظون العالم من الخطايا والآثام". وفي هذا الصدد يقول يعقوب الرسول "فاعلَموا أَنَّ مَن رَدَّ خاطِئًا عن طريقِ ضلالِه خَلَّصَ نَفْسَه مِنَ المَوت وسَتَرَ كَثيرًا مِنَ الخَطايا" (يعقوب 5: 20). ولومن هذا المنطلق، مطلوب من الإنسان المسيحي عمومًا أن يكون سبب خلاص وحفظ للعالم من الشرور والفساد. (د) كما ان للملح وظيفة التطهير لدى رشّه في الماء، كما حدث مع أليشاع النبي الذي "شفى الماء الرديء (2 ملوك 2: 19-22)، ووظيفة الملح أيضا طرد الشرير (حزقيال 16: 4)، كذلك على المسيحيين أن يشفوا المرضى ويطردوا الشياطين كما أوصى يسوع تلاميذه "اِشْفوا المَرْضى واطرُدوا الشَّياطين "(متى 10: 8). (ه) كما ان الملح يرمز في الشرق الأوسط الى الضيافة والمشاركة في الخبز والملح، كذلك على المسيحيين ان يشاركوا الآخرين في الخدمة فيذبون فيهم كالملح في الطعام ويعطون الطعم الطيب للعلاقات بين الناس بالصدق والأمانة والطيبة والثقة والمحبة. ويوضّح بولس الرسول أهمية الملح في علاقة المسيحيين مع الآخرين بقوله "لِيَكُنْ كَلامُكم دائِمًا لَطيفًا مَليحًا فتَعرِفوا كَيفَ يَنبَغي لَكم أَن تُجيبوا كُلَّ إِنسان" (قولسي 6:4)؛ فكلمة مليح في الأصل اليوناني ἅλατι (مشتقة من الملح). ومن هذا المنطلق على المسيحيين ان يتكلموا باقتناع وحرارة وبقوة الروح القدس (1 قورنتس 2: 5) حول كلمة الله حيث يُمكنهم تحويل قلوب الناس الى حق كلمة الله. فكم هو حيوي ان يكون كلامهم كريما وجذابا ولينا. "الجَوابُ اللّيِّنُ يَرُدُّ الحَنَق والكَلامُ المُؤلمُ يُثيرُ الغَضَب" (أمثال 15: 1). ويوصي بولس الرسول "لا تَخرُجَنَّ مِن أَفْواهِكم أَيَّةُ كَلِمَةٍ خَبيثَة، بل كُلُّ كَلِمةٍ طيِّبةٍ تُفيدُ البُنْيانَ عِندَ الحاجة وتَهَبُ نِعمَةً لِلسَّامِعين" (أفسس 4: 29– 30). ويوصي المسيح تلاميذه "فَلْيَكُنْ فيكُم مِلحٌ" (مرقس 9: 50). (و) كما أن الملح أداة للإنذار والعقاب وعلامة لعنة بسبب الخيانة للرب، إذ عُوقبت زوجة لوط وتحوّلت إلى نصب ملح (تكوين 19: 26)، ويُبذر الملح فوق المدينة المهزومة (قضاة 9: 45)، وعندئذ "لن يخرج منها شيء من العشب" (تثنية 29: 23) كذلك المسيحيون إذا فسدوا يُصبح تعاقدهم مع الرب ملغيًا في حال فسخه، فهم يستحقون أن يُطرحوا خارج الكنيسة كما يقول الرب "إِنَّه لا يَصلُحُ بَعدَ ذلك إِلاَّ لأَنْ يُطرَحَ في خارِجِ الدَّار فَيَدوسَه النَّاس" (متى 5: 13)، فالملح يُنذر المسيحيين الا يَفسَدوا، بل ان يكونوا مُخلصين لأنفسهم وقبل كل شيء لإنجيل التطويبات (لوقا 14: 35). فلا عجب ان يُعلق القديس يوحنا الذهبي "أنتم أيها المسيحيون ستحاسبون لا من أجل حياتكم فحسب، بل من أجل العالم كله". (ز) كما ان الملح الذي يوضع في الطعام يذوب ويتلاشى ويختفي، ولكنه يؤثر تأثيرًا قويًا في هذا الطعام كذلك المسيحيون يفقدون حياتهم في سبيل المسيح كما جاء في تعليم يسوع "مَن حَفِظَ حياتَه يَفقِدُها، ومَن فَقَدَ حَياتَه في سبيلي يَحفَظُها" (متى 10: 39). (ح) كما أن للملح وسيلة واحدة لإيقاف نزيف الجروح في الجسم المُصاب وتحفظ حياة المُصاب كذلك على المسيحيين إعادة الحياة لعالم مليء بالخطيئة فيكونوا شركاء لعمل يسوع الذي هو "الطَّريقُ والحَقُّ والحَياة" (يوحنا 14: 6). وباختصار يريد يسوع من المسيحيين ان يعطوا لحياة البشر مذاقتها. لم يكتف يسوع ان يقول لنا "أَنتُم مِلحُ الأَرض" بل يحذّرنا لئلا نفسد، فلا نجد من يملِّحنا وينزع عنّا الفساد، فأضاف "إِذا فَسَدَ المِلْح، فأيُّ شَيءٍ يُمَلِّحُه؟ إِنَّه لا يَصلُحُ بَعدَ ذلك إِلاَّ لأَنْ يُطرَحَ في خارِجِ الدَّار فَيَدوسَه النَّاس". ويُعلق القديس أوغسطينوس: "يشفع الكاهن لدى الله من أجل الشعب الخاطئ، ولكن ليس من يشفع في الكاهن (متى أخطأ)". وفي نفس المفهوم يقول القديس ايرونيموس "إن سقط الآخرون ربّما يستطيعون أن ينالوا العفو، ولكن إن سقط المعلّم، فإنه بلا عذر، ويسقط تحت انتقام غاية في القسوة". يا لها من مسؤولية كبيرة ألقاها يسوع على عاتق المسيحيين. ومن هنا المنطلق، قبل أن نسعى لخلاص الآخرين، علينا أن نعتني بخلاص أنفسنا، وقبل أن ندعو الآخرين للتوبة، علينا أن نقود أنفسنا في حياة التوبة، على خطى بولس الرسول: "أقَمَعُ جَسَدي وأُعامِلُه بِشِدَّة، مَخافةَ أَن أَكونَ مَرفوضًا بَعدَ ما بَشَّرتُ الآخَرين" (1 قورنتس 9: 27). إنه موقف خطير ومهين أن يفسد الملح الذي كان المفترض فيه أن يحفظ غيره من الفساد. ونستنتج مما سبق أن ارتباط المسيحيين بيسوع وبإنجيله يجعلهم جيدين كالملح. ولكن الملح لا يعود ملحًا إذا فقد ملوحته كما يقول الرب "المِلْحُ شَيءٌ جَيِّد، فإِذا صارَ المِلحُ بلا مُلوحَة، فَبِأَيِّ شَيءٍ تُمَلِّحونَه؟" (مرقس 9: 50)، كذلك المسيحيين إن لم يبقوا أمناء للمسيح وتعليم انجيله يطرحون في خارج الكنيسة والعالم ويحتقرهم كالملح الفاسد" إِنَّه لا يَصلُحُ لِلأَرضِ ولا لِلزِّبْل، بل يُطرَحُ في خارِجِ الدَّار" (لوقا 14: 35). وخلاصة القول، إن كلام يسوع لتلاميذه "أنتم ملح الأرض"، قد جاء للدلالة على إنسان التطويبات، ذاك الانسان الفقير والحليم والطاهر والمُضطَهد والداعي للسلام والساعي الى الكمال. هذا هو الانسان المسيحي الحقيقي الذي يعطى الحياة البشرية مذاقها، بالرغم من أن كميته قليلة. إنه يستطيع بقدوته الصالحة أن يؤثر في حياة الكثيرين ويجتذبهم إلى الحياة مع الله، كما أنه يمنع الفساد الروحي عن كثير من البشر المُعرَّضين الى خطر الانزلاق في العالم وشهواته. أمَّا إذا شابه المسيحيون العالم فلا قيمة لهم، ويُعلق القديس أوغسطينوس "إن كنتم أنتم الذين بواسطتكم تحفظ الأمم من الفساد، تخسرون ملكوت السماوات بسبب الخوف من الطرد الزمني، فمن هم الذين يُرسلهم الرب لخلاص نفوسكم، إن كان قد أرسلكم لأجل خلاص الآخرين؟" فلا داع للخوف، إن كنّا في محبتنا للبشر نشتهي أن نخدمهم ونذوب فيهم كالملح في الطعام لنقدّمهم خلال التوبة طعامًا شهيًا يفرح به الله، فإن الله لا يتركنا نذوب في الأرض. ولكن السؤال يُطرح كيف نكون "مُلحًا" نعطى الحياة نكهةً وطعمًا ومعنى؟ أَنتُم نورُ العالَم (متى 5: 14) النور أو الضوء هو طاقة مضيئة، في الغالب، يتصف على أنه شعاع كهرومغناطيسي تستطيع العين البشرية تلقيه والإحساس به، وهو المسؤول عن حاسة الإبصار. لأنه بدونه لا يستطيع الانسان أن يرى الأشياء حوله. فالنور وُجد لا يخدم ذاتيه إنما يُستخدم لرؤية الأشياء التي يقع عليها؛ وبدون نور لا لون ولا بهاء ولا حياة في العالم. فالعالم بحاجة الى نور الله، ونور المسيح ونور المسيحيين. (أ) نور الله يحتل النور مكاناً بارزاً بين الرموز الدينية في الكتاب المقدس. وأول عمل قام به الخالق، هو الفصل بين النور والظلام (تكوين 1: 3-4). وفي ختام الكتاب المقدس نجد الله نفسه نور الخليقة الجديدة "المَدينَةُ لا تَحْتاجُ إِلى الشَّمسِ ولا إِلى القَمَرِ ليُضيئا لَها، لأَنَّ مَجدَ اللهِ أَضاءَها، وسِراجُها هو الحَمَل" (رؤيا 21: 23). والنور يرمز إلى الله، على ما جاء في نبوءة أشعيا: "قومي آستنيري فإِنَّ نورَكِ قد وافى ومَجدَ الرَّبِّ قد أَشرَقَ علَيكِ" (أشعيا 60: 1). والنور علامة تُظهر بطريقة ملموسة شيئاً من صفات الله. إنه أشبه بانعكاس لمجده كما يترنَّم صاحب المزامير "أَنتَ المُلتَحِفُ بِالنُّورِ كرِداء الباسِطُ السَّماءَ كالسِّتارة" (مزمور 104: 2). ويعكس النور أيضا حكمة الله، التي هي فيض مجده تعالى "لأنَّ الحكمة إنعِكاسٌ لِلنَّورِ الأزَليَ ومِرآةٌ صافِيَةٌ لِعَمَلِ الله وصورَةٌ لِصَلاحه" (حكمة 7: 26)، فالنور هو من الجوهر الإلهي. وأمَّا النور في العهد الجديد فُيعتبر أفضل رمز لطبيعة الله كما جاء في تعليم يوحنا الرسول "إِليكمُ البَلاغَ الَّذي سمِعناه مِنه ونخبِرُكم به: إِنَّ اللهَ نورٌ لا ظَلامَ فيه" (1 يوحنا 1: 5). وبناء عليه يتضمّن النور حضور الله الذي صار قريباً (خروج 24: 10-11)، ويعطي إحساسًا بالاطمئنان كما جاء في صلاة المزامير "أَنِرْ بِوَجهِكَ على عَبدِكَ وخَلَصْني بِرَحمَتِكَ" (مزمور 31: 17). ويحمل حضور الله طابع الحماية فيُضيء خُطى الإنسان "كَلِمَتُكَ مِصْباح لِقَدَمي ونورٌ لِسَبيلي" (مزمور 119: 104)، وينير عينيه بإنقاذه من الخطر "أُنظُرْ واْستَجِبْ لي أَيُّها الرَّبّ إِلهي وأَنِرْ عَيَنيَّ لِئَلاَّ أَنامَ نَومةَ المَوت" (مزمور 13: 4). ويقود الله الإنسان البار إلى فرح يوم مضيء "لأنَّ يَنْبوعَ الحَياةِ عِندَكَ ونُعايِنُ النُورَ بِنورِكَ" (مزمور 36: 10)، وعلى هذا النحو يُمثل النور السعادة، وهو مصير الذي ينتظره الإنسان المؤمن كما يترنّم صاحب المزامير "الرَّبُّ نوري وخَلاصي" (مزمور 27: 1). (ب) نور المسيح المسيح بصفته ابن الله هو أيضا نور. نور من نور كما نعلن في قانون الايمان. هو النورُ الأزليّ، النورُ الذي لا زمنَ له، والذي ظهرَ في الزمنِ، ظهرَ في جسدِه وخَفِيَ في طبيعتِه، النورُ الذي أحاطَ بالرعاةِ، وقادَ المَجُوسَ في الطريق. وبإمكان كل إنسان أيا كان أصله او وضعه، ان يستنير به لتحقيق حياته "النُّورُ الحَقّ الَّذي يُنيرُ كُلَّ إِنْسان آتِياً إِلى العالَم" (يوحنا 1: 9). وقد أعلن يسوع نفسه النور، ولاسيما بأعماله وكلامه، إنه نور العالم "ما دُمتُ في العالَم. فأَنا نورُ العالَم" (يوحنا 9: 5). وفي مكان آخر يقول "مَن يَتبَعْني لا يَمْشِ في الظَّلام بل يكونُ له نورُ الحَياة" (يوحنا 8: 12)، "جِئتُ أَنا إِلى العالَمِ نوراً فكُلُّ مَن آمَنَ بي لا يَبْقَى في الظَّلام" (يوحنا 12: 46). إنه نور العالم لأنه يمنح نور الايمان لمن يجهلونه (2 قورنتس 4: 6). وظل النور الإلهي الذي كان يحمله يسوع على هذه الأرض مختبئاً وراء تواضع جسده. إلا أنه ظهر فيها بطريقة ملموسة أثناء التجلي. فذاك الوجه المُشعّ كالشمس، وتلك ثِيابُه "تَلألأَت كالنُّور" (متى 17: 2) تعبِّر مقدَّماً عن حالة المسيح القائم من بين الأموات. وقد ظهر نور المسيح للرسول بولس في نور ساطع كما جاء في قصة اهتدائه "بَينَما هو سائِرٌ، وقَدِ اقتَرَبَ مِن دِمَشق، إِذا نورٌ مِنَ السَّماءِ قد سَطَعَ حولَه" (أعمال 9: 3)، والنور الذي أشعّ به وجه المسيح هو، في الواقع، نور مجد الله ذاته "فإِنَّ اللّهَ الَّذي قال: لِيُشرِقْ مِنَ الظُّلمَةِ نُور هو الَّذي أَشرَقَ في قُلوبِنا لِيَشُعَّ نورُ مَعرِفَةِ مَجْدِ اللّه، ذلِكَ المَجْدِ الَّذي على وَجْهِ المسيح "(2 قورنتس 4: 6)، فبصفته ابن الله، "هو شُعاعُ مَجْدِه وصُورةُ جَوهَرِه" (عبرانيين 1: 3). وأضاء لنا نور المسيح كما صرَّح بولس الرسول "تَنبَّهْ أَيُّها النَّائِم وقُم مِن بَينِ الأَمْوات يُضِئْ لَك المسيح" (أفسس 5: 14) فانتعشنا بنوره "فالَّذينَ تلقَّوُا النُّورَ مَرَّةً وذاقوا الهِبَةَ السَّماوِيَّة وصاروا مُشارِكينَ في الرُّوحِ القُدُس" (عبرانيين 6: 4). ولذلك فان الرب يضع امامنا خطة واضحة للسلوك وهي سيرة ابناء لنور " بالأَمْسِ كُنتُم ظَلامًا، أَمَّا اليَومَ فأَنتُم نُورٌ في الرَّبّ. فسِيروا سيرةَ أَبناءِ النُّور" (أفسس 5: 8). كما ان الانسان من خلال النور يستطيع رؤية الأشياء على حقيقتها، كذلك يتمكن المرء من معرفة الحق بواسطة نور تعاليم المسيح وتبشير رسله الذين دعاهم نور العالم؛ ولذلك فإن المسيح يطلب من أتباعه المسيحيين أن يصبحوا علامة لحبِّه وسلامه ومصالحته وفرحه وعمله في العالم. فالمسيحيين مدعوّون للعيش كأبناء النور "أَنتُم نورُ العالَم (متى 5: 14)، وبمفعولهم كملح يكونوا مختفين والمسيح ظاهر فيهم، لكن في كونهم نور العالم يكونوا ظاهرين للناس. (ج) نور المسيحيين المسيحيون -المُعمَّدون في المسيح "نور العالم" (يوحنا 8: 12) -هم "نور العالم" (متى 5: 14). فليس للمسيحيين لنور اخر غير نور المسيح اشبه بالقمر الذي كل نوره انعكاس لنور الشمس. بما ان المسيحيين هم "شركاء مع الله الذي هو النور" (1 يوحنا 1: 5-7)، فقد عرّفهم يسوع بقوله لهم: "أَنتُم نورُ العالَم" (متى 5: 14). وكيف يكون ذلك؟ فيُجيب بولس الرسول "إِنَّ اللّهَ الَّذي قال: لِيُشرِقْ مِنَ الظُّلمَةِ نُور. هو الَّذي أَشرَقَ في قُلوبِنا لِيَشُعَّ نورُ مَعرِفَةِ مَجْدِ اللّه، ذلِكَ المَجْدِ الَّذي على وَجْهِ المسيح" (2 قورنتس 4: 6). ويُعلق أحد الكتّاب: "يُسمِّي يسوع المسيحيين نور العالم، لأنَّهم باستنارتهم بالنور الحقيقي الابدي يُصبحون نوراً في الظلام، وبإظهار نور الحق، يُبدِّدون ظلام الضلال من قلوب الناس". وفي هذا الصدد يقول يعقوب الرسول: "فاعلَموا أَنَّ مَن رَدَّ خاطِئًا عن طريقِ ضلالِه خَلَّصَ نَفْسَه مِنَ المَوت وسَتَرَ كَثيرًا مِنَ الخَطايا" (يعقوب 5: 20) وإذا كان المسيحيون شركاء في نور المسيح، فهم يُضيئون نورَه لِلنَّاس، لِيَرَوْا أَعمالَهم الصَّالحة، فيُمَجِّدوا أَباهم الَّذي في السَّمَوات (متى 5: 16). ويقول أحد الكتّاب تعليقا على هذه الآية " فمن يُعلم ويعمل بما يعلم به، يكون تعليمه حقيقياً. لكن من لا يعمل بما يُعلمه، لا يُعلِّم شيئاً بل يُدان. من الأفضل له ان يعمل بدون ان يُعلم، من ان يُعلِّم ولا يعمل بما يُعلمه. يُمجّد الرب على ايدي الذين يُعلِّمون ويعملون بما يُعلّمون ". فالناس تنتظر الاعمال لتصديق صحة التعليم. والمسيحيون هم نور العالم كله في شخصهم وعملهم قبل تعليمهم على خطى معلمهم الإلهي يسوع المسيح الذي كانت أقواله تطابق أفعاله تماماً. لذلك يستمد المسيحيون النور والقوة لرسالتهم من صلاتهم مع الله بالمسيح وقوة الروح القدس. وفي هذا الصدد يوق القديس اغناطيوس دي لويولا "نور نظرة يسوع يُضيء عيون قلبنا، ويُعلمنا ان نرى كل شيء في نور حقيقته واشفاقه على جميع الناس" (التمارين الروحية، 104). نستنتج مما سبق ان المسيحيين هم نور العالم بأعمالهم الصالحة خاصة من خلال شهادة المحبة وعيش روح التطويبات وبقدر انتمائهم للمسيح. ومن هذا المنطلق، لا يمكن ان نعمل الاعمال الصالحة الا بوساطة عملية مزدوجة، وهي خلع الاعمال السيِّئة ولبس ثوب التطويبات. فالمطلوب من المسيحيين أولا خلع أعمال الظلمة كي يلبسوا ثوب النور كما ورد في انجيل يوحنا " فكُلُّ مَن يَعمَلُ السَّيِّئات يُبغِضُ النُّور فلا يُقبِلُ إِلى النُّور لِئَلاَّ تُفضَحَ أَعمالُه. وأَمَّا الَّذي يَعمَلُ لِلحَقّ فيُقبِلُ إِلى النُّور" (يوحنا 3:20). لذلك يطلب بولس الرسول من المسيحيين: "لنَخلَعْ أَعمالَ الظَّلام ولْنَلبَسْ سِلاحَ النُّور، نلبس الرَّبَّ يسوعَ المسيح " (رومة 13: 12)؛ وأمَّا اعمال الظلمة فإنَّها تتضمن كل الخطايا بأنواعها (أفسس 5: 9-14)، ويذكر بولس الرسول منها: "قَصْفٌ وسُكْر، وفاحِشَةٌ وفُجور، وخِصامٌ وحَسَد، والانشغال بِالجَسَدِ لِقَضاءِ شَهَواتِه" (رومة 3: 12-13). وأمَّا أَعمالُ الجَسَد، فهي" الزِّنى والدَّعارةُ والفُجور وعِبادةُ الأَوثانِ والسِّحرُ والعَداوات والخِصامُ والحَسَدُ والسُّخطُ والمُنازَعاتُ والشِّقاقُ والتَّشيُّع والحَسَدُ والسُّكْرُ والقَصْفُ وما أَشبَه" (غلاطية 5: 19-21). أمَّا الأعمال الصالحة التي ينادي بها المسيح فهي ملخَّصة في عظة التطويبات (متى 5: 1-12): روح الفقر والوداعة، والرجاء والصلاح، والرحمة، ونقاوة القلب والمسالمة، والفرح في الاضطهاد من أجل المسيح وعمل كل ما هو صالح وبر وحق. ويعلق البابا فرنسيس " فقد كان التلاميذ صيادي سمك، وأناسا بسطاء غير أن يسوع نظر إليهم بعيني الله، وأراد أن يقول: إذا كنتم فقراء في الروح، ودعاء، أنقياء القلوب ورحماء... ستصبحون ملح الأرض ونور العالم!". ويُعدِّد بولس الرسول ثَمَرُ اعمال التطويبات وهي "المَحبَةُ والفَرَحُ والسَّلام والصَّبرُ واللُّطْفُ وكَرَمُ الأَخْلاق والإِيمانُ والوَداعةُ والعَفاف" (غلاطية 5: 22). وهذه التطويبات هي الطريق الى التحرُّر الحقيقي من الجشع والتحجُّر والعنف والكبرياء والدنس والبغض... ويُعلق غاندي "كلما توطّدت أواصر الصلة بيني وبين المسيحيين الحقيقيين، أي الذين يعيشون في سبيل الله، أدركت ان الموعظة على الجبل هي كل المسيحية لمن يريد ان يحيا حياة مسيحية". وهناك شهادة أخرى على المسيحين الذين أضاءوا نورهم للناس من خلال أعمالهم الصالحة، وهي شهادة صبية إفريقية أمام جثمان كاهن رعيتها صرّحت "كل الفقراء كانوا عائلته، وكل البشر إخوته. أطعم الجياع، كسا العراة، داوى المرضى، واسى المتألمين، دافع عن المظلومين، استقبل المشرَّدين، ساعد اللاجئين، وآوى المنكوبين. فليكن الله له رحيما". فالمسيحي ليس من يجتهد امام كل عذاب بشري ان يخفَّف من وطأته فقط، بل يسعى أيضا بكل طاقاته القضاء على مُسبِّباته من أجل تمجيد الله وخلاص النفوس. وهذه الشهادة تذكرنا بنبوءة أشعيا النبي "أَن تَكسِرَ للجائِعِ خُبزَكَ وأَن تُدخِلَ البائسينَ المَطْرودينَ بَيتَكَ وإذا رَأَيتَ العُرْيانَ أن تَكسُوَه وأَن لا تَتَوارى عن لَحمِكَ؟ حينَئِذٍ يَبزُغُ كالفَجرِ نورُكَ ويَندَبُ جُرحُكَ سَريعاً ويَسيرُ بِرُّكَ أَمامَكَ ومَجدُ الرَّبِّ يَجمعُ شَملَكَ" (أشعيا 58: 7 -8). وغاية المسيحين في القيام بالأعمال الصالحة ينبغي ان تكون في سبيل تمجيد الله لا من اجل تمجيد ذواتهم كما كان الحال مع أهل فيلبي "كُلُّهم يَسعى إِلى ما يَعودُ على نَفْسِه، لا إِلى ما يَعودُ على يسوعَ المسيح" (فيلبي 2: 21). يرى الناس أعمال المسيحيين الصالحة ولكن ليس لتمجيدهم، بل لتمجيد أبيهم الذي في السماوات. وكما أن السراج لا يوقد لكي ينظر الناس إليه، بل لكي ينظروا بواسطته شيئاً آخر أهمَّ منه، هكذا يكون عمل المسيحيين. لأن لا قيمة للملح في حدّ ذاته بل في فعله، ولا قيمة للسراج إلا في نوره. ويعلق القديس أوغسطينوس " انه من اجل تمجيد الله يجب ان نسمح لأعمالنا ان تُعرف". ويُشدِّد على ذلك القديس بطرس الرسول بقوله "سِيروا سِيرةً حَسَنةً بَينَ الوَثنِيِّين، حتَّى إِذا افتَرَوا علَيكم أَنَّكم فاعِلو شَرّ شاهَدوا أَعمالَكمُ الصَّالِحَة فمَجَّدوا اللّهَ يَومَ الافتِقاد" (1 بطرس 2: 12). وأمَّا القديس يوحنا الذهبي الفم فيعلق "الحياة التي نقدّمها أمامهم هي أكثر بهاءً من الشمس فإن تكلم علينا أحد بشرٍ، لا نحزن كمن شُوهت صورته، بل بالأحرى نحزن إن شوِّهت بعدلٍ". يسلك المسيحيون سلوك النور، ويُنيرون العالم بقدر ما يعكسون نور المسيح، وبقدر ما يخترقهم نور المسيح. وبقدر ما يبقون مرتبطين بمصدر النور ليُقدّموا للناس نظرة جديدة إزاء الأمور والحياة والتاريخ. لذلك يوصيهم بولس الرسول "تَكونوا بِلا لَومٍ ولا شائبة وأَبناءَ اللهِ بِلا عَيبٍ في جِيلٍ ضالٍّ فاسِد تُضيئُونَ ضِياءَ النَّيِّراتِ في الكَون" (فيلبي 2: 15). وعندما يصير المسيحيون نور العالم، يراهم جميع الناس فيصبحوا كالمدينة على جبل، "مَعْروضينَ لِنَظَرِ العالَم والمَلائِكَةِ والنَّاس" (1 قورنتس 4: 9). فهم نور على جبل، يكشفون عن الاتجاه نحو الله، ويُنيرون الطريق " للذين في الظلمات" (أشعيا 60: 2). ويُعلق القديس ايرونيموس "ما يستحق المديح ليس أنك في أورشليم، إنّما تمارس الحياة المقدّسة (كمدينة مقدّسة)، المدينة التي نبجِّلها ونطلبها، هذه التي لم تذبح الأنبياء (متى 23: 37)، ولا سفكت دم المسيح، وإنما تفرح بمجاري النهر، وهذه القائمة على الجبل فلا تُخفي (متى 5: 14)، يتحدّث عنها الرسول كأمٍ للقديسين (غلاطية 4: 26)، ويبتهج الرسول أن تكون له المواطنة فيها مع البرّ (فيلبي 3: 20)". فمن تطبق عليه التطويبات يكون حقاً نوراً للعالم وملحاً للأرض ومواطنا لأورشليم السماوية. لذلك لا نقول ليست في كنيستي حياة. لنملأها نحن بحياتنا. لا نقول كنيستي تحتاج إلى نهضة روحية وإلى إنعاش، لننهضها نحن سوياً ولننعشها كل على قدر استطاعته. لنكن ملحاً للأرض ونوراً للعالم. الخلاصة أوكل السيد المسيح تلاميذه رسالة كبيرة وهي: "أَنتُم مِلحُ الأَرض، أَنتُم نورُ العالَم". الملح والنور، يحدّدان هويّة تلاميذ المسيح ورسالتهم في المجتمع. أن روح المسيح وحده بإمكانه أن يجعلهم فعلاً ملحًا يعطي طعمًا ويحفظ من الفساد ونورًا ينير العالم، إذ يحملون نور الله الحي الى الذين يجهلونه أو يرفضونه. الملح والنور بلغة الانجيل ما هو الاَّ تعبير عن اعمال التطويبات التي يدعو إليها يسوع، والتطويبات هي السيرة المسيحية الزكيَّة بحسب قول بولس الرسول "لِتَكونوا بِلا لَومٍ ولا شائبة وأَبناءَ اللهِ بِلا عَيبٍ في جِيلٍ ضالٍّ فاسِد تُضيئُونَ ضِياءَ النَّيِّراتِ" (فيلبي 2: 15). فكل مسيحي يجب ان يكون تلميذا للمسيح، وكل تلميذ للمسيح يجب ان يكون ملحا ونوراً للعالمين. ولكن التلميذ لا يكون ملحا ونورا إلا في عيش التطويبات. وحياة الملح والنور هي حياة يسوع المسيح، هي حياة التطويبات. ومن هنا يشير متى الإنجيلي الى دور التلاميذ الضروري في المجتمع بان يكونوا شهوداً لحضور الله في حياتهم بان يكونوا ملح الأرض ونور العالم. فإن لم نعش حياة التطويبات فلسنا نحن ملح، ولا نحن نور. فلنحذر لملحنا من الفساد، نورنا من الإطفاء. ويؤكد المجمع الفاتيكانيّ الثاني دور المسيحيين العلمانيين "هم مدعوّون بصورةٍ خاصّةٍ إلى أن يجعلوا الكنيسةَ حاضرةً وفعَّالة في تلك الأماكن والظروف التي لا يمكنها إلاّ بواسطتهم أن تكون "ملح الأرض" (متى 5: 13). وهكذا، فإنّ كلّ عَلمانيّ، بقّوةِ النِّعم التي أعطيها، شاهدٌ وفي الوقت عينه أداةٌ حيةٌ لرسالةِ الكنيسة بالذات "على مقدار موهبة المسيح" (أفسس 4: 7) (دستور عقائدي في الكنيسة، نور الامم، العدد 33). ولذلك نحن مدعوون أن نكون كالقمر عندما ينعكس عليه ضوء الشمس يصبح متألقا في السماء فيمزق حجاب الظلام. وهنا يُذكرنا بولس الرسول " لأَنَّكم جَميعًا أَبناءُ النُّورِ وأَبناءُ النَّهار. لَسْنا نَحنُ مِنَ اللَّيلِ ولا مِنَ الظُّلُمات" (1 تسالونيقي 5: 5). ونورنا قوي لأنه مستمد من نور القيامة المنبثق من قبر مسيحنا الذي فيه كان انتصار النور والحياة ونهاية الموت والظلام. دعاء "أَطلعِ عَلينا نورَ وَجهِك، يا ربّ" (مزمور 4: 7) فنصبح ملحاً صالحا مستمدً من الملح الازلي، وان نكون نورا ساطعا مستمِّداً ضوؤه من النور الإلهي وبالتالي بِلا لَومٍ ولا شائبة وأَبناءَ اللهِ بِلا عَيبٍ في جِيلٍ ضالٍّ فاسِد نضيء ضِياءَ النَّيِّراتِ في الكَون مُتَمَسِّكينَ بِكَلِمَةِ الحَياة" (فيلبي 2: 15-16)، ونحيا بالتزام وأمانة رسالتنا المسيحية فنشع نور المسيح في العائلات والمدارس والمؤسّسات بأعمالنا الصالحة ونمجّد اسمه القدوس. آمين. قصة: غاندي ونور المسيحيين اشتهر المهاتما غاندي الزعيم الروحي للهند بشدة إعجابه بالمسيح، إذ كثيرًا ما كان يستشهد بأقوال المسيح علنًا، وخاصة بعظة التطويبات على الجبل. وذات يوم، سأل أحد الأشخاص غاندي قائلا: إن كنت تحب المسيح بهذا المقدار، فلمَ لا تصبح مسيحيًا؟ أجابه غاندي "عندما أعرف مسيحيًا يتبع المسيح، فسأفعل أنا كذلك بالطبع". إن إجابة غاندي، لا تبرِّره من عدم قبول الرب يسوع المسيح مخلصًا شخصيًا لحياته، نشكر الله بأن هناك الملايين الذين تبعوا المسيح وقد بذلوا حياتهم حتى الموت في سبيله. بالرغم من ذلك، فإن ما قاله غاندي هو بمثابة تحدّي ومسؤولية أمام المسيحيين المؤمنين بيسوع المسي الذي وصفهم يسوع نور العالم وملح الارض. الأب لويس حزبون - فلسطين |
|