الرهبان يدخلون بيت الطاعة رجال الكنيسة يغادرون فيس بوك
بدأ رهبان الكنيسة القبطية الأرثوذكسية، تنفيذ قرارات لجنة الرهبنة وشئون الأديرة بالمجمع المقدس، التى من ضمنها إغلاق أى صفحات أو حسابات على وسائل التواصل الاجتماعى.
واجتمعت اللجنة برئاسة البابا تواضرس الثانى، بابا الإسكندرية بطريرك الكرازة المرقسية، أمس، لمناقشة انضباط الحياة الرهبنية والديرية فى ضوء حادثة مقتل الأنبا أبيفانيوس أسقف ورئيس دير القديس أبو مقار بوادى النطرون، واتخذت عدة قرارات منها منع الظهور الإعلامى للرهبان بأى صورة ولأى سبب وبأى وسيلة، أو تورطهم فى أى تعاملات مالية، إلى جانب غلق صفحاتهم الإلكترونية.
وقالت مصادر لـ«الدستور»، إن القرارات جاءت بعد تلقى البابا تواضروس، عدة شكاوى حول تقاعس عدد من الرهبان عن أداء طقوس وقوانين الرهبنة، مشيرة إلى أن البابا كانت لديه نية لإصدار هذه القرارات فى وقت لاحق، إلا أن حادث مقتل الأنبا أبيفانيوس، كان سببًا فى التعجيل بالأمر.
البطريرك: مضيعة للعمر والنقاوة ومستجيبون: امتثلنا طاعة لا خوفًا من العقاب
بادر البابا تواضروس الثانى فى تطبيق قرارات اللجنة على نفسه، وقرر إغلاق صفحته على موقع التواصل الاجتماعى «فيسبوك».
وقال البابا فى تدوينته الأخيرة عبر الصفحة: «الوقت أثمن عطية يعطيها الله لنا يوميًا ويجب أن نحسن استخدامها، والمسيحى يجب أن يقدس وقته والراهب يترك كل شىء لتصير الحياة كلها مقدسة للرب».
وأضاف: «الاهتمام بمواقع التواصل الاجتماعى صار مضيعة للعمر والحياة والنقاوة، ولأن الطاعة من نذورى الرهبانية التى يجب أن أصونها وأحفظها، أتوقف عن صفحة فيسبوك الخاصة بى وأغلقها، وأحيى كل أخوتى وأبنائى الذين نهجوا هذا النهج طاعة لقرارات كنيستى المقدسة».
من جانبه، أعلن الأنبا رافائيل، الأسقف العام لكنائس وسط القاهرة، إغلاق حسابه أيضا على «فيسبوك».
وذكر «رافائيل» فى تدوينته الأخيرة: «بصفتى راهبًا قبطيًا أرثوذكسيًا سأغلق حسابى على صفحة فيسبوك وكل الوسائل الأخرى، ويكفى التواصل مع الأقباط من خلال التليفون العادى والسكرتارية».
وأشار إلى أن التواصل مع رعايا الكنيسة يمكن أن يتم عن طريق تطبيق على الجهاز المحمول، يرسل من خلاله كلمات كتابية من الإنجيل.
فى ذات السياق، أعلن الراهب القس بولس الأنبا بيشوى، تضامنه مع قرار اللجنة، قائلا: «أرجوكم عن تجربة أن تثقوا فى أن قرارات الكنيسة وقداسة البابا تواضروس الثانى والمجمع المقدس دائمًا هى الصواب، وصدقونى فهم الأدرى بصالح الكنيسة، وهم الأدرى ببواطن الأمور التى لا تعرفونها، وهم من يواجهون المشاكل ويتحملونها ولا يتحدثون، فليس كل ما يعرف يقال».
وأضاف: «علينا أن نعيش فى طاعة الكنيسة ونخلص لها وليس لأشخاص ونصلى لها ونترك أمورها لرعاتها، فلا تلتفتوا للشائعات، وأطيعوا الكنيسة بحب وثقة، وصلوا لسيدنا البابا تواضروس أن يعينه الله فى كل أمر، فهو فى مسئولية كبيرة وأيام صعبة».
أما القس بولس الأنبا بولا، الراهب بدير الأنبا بولا بالبحر الأحمر، فذكر فى تدوينة أخيرة على صفحته بـ«فيسبوك»: «لقد كان موقع التواصل الاجتماعى سببًا رئيسيًا للتعرف ولقاء مجموعات متعددة من الشباب الواعد المهتم بالأبحاث والدراسات اللاهوتية ومختلف العلوم الكنسية، والتى أشجعكم وأحثكم على بذل المزيد والمزيد من الوقت والجهد فيها».
وأردف: «لأجل الكنيسة التى نحن جميعًا غارقون فى حبها حتى النخاع، وبهذه المناسبة أود أن أعبر لكم عن امتنانى، فلقد استفدت كثيرًا منكم سواء من الأبحاث أو الآراء التى يقدمها كل منكم على صفحته الخاصة، مهما اتفقت أو اختلفت معها فى الشكل أو المضمون لأنى موقن بأنه لا يستطيع المرء أن يقيم الحجة القوية على صحة رأى، ما لم يكن عارفًا بما يقدمه من يخالفه فى الرأى». وتابع: «طاعة لكلمات الكنيسة الأرثوذكسية المقدسة المتمثلة فى مجمعها المقدس، ولكونى ابنًا لهذه الكنيسة كما أنتم أيضا أبناء لا أُجراء، ليس خوفًا من عقوبة ما لأن الابن الحُر لا يخاف شيئًا بينما الأجير يخضع خوفًا من العقاب بعد التوصيات الأخيرة للجنة المجمع المقدس الخاصة بشئون الرهبنة فيما يختص بغلق مواقع التواصل الاجتماعى- بناء عليه سوف أغلق هذه الصفحة الخاصة بى على موقع Facebook». من جهته، أعلن الأنبا دانييل أسقف سيدنى، إغلاق صفحته الخاصة على «فيسبوك»، قائلا: «الراهب يترك كل شىء لتصير الحياة كلها مقدسة لله، طاعةً لكنيستى القبطية الأرثوذكسية، وأبينا قداسة البابا المعظم الانبا تواضروس وآبائى المطارنة والأساقفة أعضاء لجنة الرهبنة بالمجمع المقدس، سأتوقف عن صفحتى الخاصة هذه على فيسبوك وأغلقها، لأن الطاعة من نذورى الرهبانية التى يجب أن أصونها وأحفظها». فى سياق متصل، قال القس بولس حليم، المتحدث الرسمى باسم الكنيسة القبطية الأرثوذكسية، إن الكنيسة كانت فى أشد الاحتياج لمثل هذه القرارات، مشيرًا إلى أنها عبرت عن نبض الشارع الكنسى، لأنها تضبط الحياة الرهبانية بقوة. وأضاف حليم، لـ«الدستور»، أن هناك رد فعل إيجابيا تجاه القرارات داخل الكنيسة، لأنها تسهم فى استمرار الكنيسة القبطية كمنارة للعالم كله.
نشطاء وباحثون: ثورة إصلاحية وعودة لـ«الرهبنة الحقيقية»
وصف الكاتب والباحث سليمان شفيق القرارات بـ«الجيدة»، وقال: «أتمنى أن يكون المناخ مواتيًا لتطبيقها، لأنها تحاول أن تعيد الرهبنة إلى الأسس التى قامت عليها على يد القديسين الأنبا أنطونيوس والانبا باخوميوس والانبا شنودة فى كونها رهبنة أخوة».
وأضاف: «المتغيرات التى ألمت بالرهبنة فى ظل ثورة المعلومات قد حولتها إلى إكليروس متبتل، حيث إن هناك تقريبًا أسقفًا لكل ١٠ رهبان وكاهنًا لكل ٥ رهبان، وحوالى ٢٠٪ من الرهبان يعيشون خارج الأديرة».
وتابع: «كل هذه المتغيرات، جعلت الرهبنة فى احتياج إلى إصلاح حقيقى، وأعتقد أن القرارات بداية للحفاظ على واحد من أعظم منجزات الحضارة الروحية للكنيسة القبطية الأرثوذكسية».
أما فادى يوسف، مؤسس «ائتلاف أقباط مصر»، فقال إن القرارات جاءت فى الوقت المناسب، لتصحيح المسار الرهبانى وضبط السلوك داخل الأديرة.
وأضاف: «بخصوص الأديرة غير المعترف بها، فما بنى على باطل فهو باطل ويجب أن يقوم القائمون على تلك الأديرة بالخضوع لقرارات المجمع المقدس، ويقوم كل راهب بالرجوع إلى ديره الأصلى، والالتزام بالحياة الرهبانية داخله».
وتابع: «القرارات بمثابة ثورة للإصلاح الرهبانى والكنسى، وكل ما استحدث على الرهبان غير مفيد روحيا يجب أن يعزل، ويرجع الراهب إلى الحياة الأولى التى أسسها الانبا انطونيوس الكبير»، لافتًا إلى أن الكنيسة حازمة وحاسمة فى قراراتها، وأن أى مخالفة ستقابل بالتجريد الفورى، وهذا ما جعل الرهبان يغلقون صفحاتهم فى أقل من ٢٤ ساعة من صدور بيان المجمع.
من جانبه، قال الباحث القبطى مينا أسعد إن القرارات التى أصدرتها لجنة شئون الرهبنة والأديرة بالمجمع، حملت جانبًا إداريًا وفقًا لرؤية لجنة الرهبنة، وتقييمهم للوضع الحالى، وهى قرارات لا يمكن إبداء الرأى فيها.
وذكر أسعد: «قرارات إغلاق صفحات التواصل الاجتماعى تأخرت قليلًا لكنها سليمة، وليست مستحدثة، وكنا نتمنى ألا يسرى القرار على الآباء الأساقفة لما لهم من دور رعوى خطير فى العالم».
وتابع: «سبق أن أصدر البابا كيرلس السادس قرارًا بعودة الرهبان لأديرتهم، وأصدر المجمع المقدس قرارًا برئاسة البابا شنودة الراحل، بمنع وجود تليفونات لدى الرهبان أو فى القلالى».
من جانبه، قال كريم كمال رئيس الاتحاد العام لائتلاف «أقباط من أجل الوطن» الباحث فى الشأن القبطى، إن القرارات تعيد الرهبنة القبطية إلى مسارها الصحيح من حيث الانضباط والروحانيات.
وأضاف: «الرهبنة القبطية عمود أساسى فى الكنيسة، إذ منها يخرج بطاركة ومطارنة وأساقفة الكنيسة، وأيضًا هى منارة دائمة يصلى رهبانها من أجل الكنيسة، لذلك يجب أن تكون خالية من الشوائب، ورهبانها فى حالة صلاة وموت عن العالم، وأيضًا فى حالة طاعة دائمًا للكنيسة والقيادة الدينية».
ووصف الكاتب والمفكر القبطى كمال زاخر القرارات بأنها خطوة مهمة للأمام فى اتجاه ضبط منظومة الرهبنة وحمايتها من الفوضى، ومن التضخم غير المبرر وغير المنضبط، وتعيد الاعتبار للمحاور الأساسية التى تقوم عليها الرهبنة والحياة الديرية.
وأضاف: «يبدأ الدير فى استرداد سلامه ويجد الراهب فرصته فى تحقيق ما ترك العالم من أجله، الوحدة والنسك والعبادة والتجرد، وتحميه من ضغوط التواجد اليومى للزوار، وعدم التزام كثيرين بالقواعد التى تفرضها الأديرة على الزيارات».
من ناحية أخرى، قال نادر صبحى، مؤسس حركة «شباب كريستيان»، إن قرار تجريد الرهبان المسئولين عن أديرة غير معترف بها من الكنيسة هو سلاح ذو حدين يجمع بين الإيجابية والسلبية.
هذا الخبر منقول من : الدستور