|
رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
صمـــوئيـــــل الأول
[ للقمص / تادرس يعقوب ملطي ] وهب صموئيل لأمه التقية والعاقر حنة من قبل الرب ، إذ جاء ابنا لإيمانها وصلواتها ، تربى فى هيكل الرب ، ليكون سبب بركة للكثيرين . الأصحاح الأول ( 1 ) حنة التقية العاقر كان لألقانة امرأتان : [ فننة ] وتعنى " مرجانة " أو " لؤلؤة " ، ...... [ وحنة ] وتعنى " حنان " أو " نعمة" . ( أ ) قيل عن ألقانة أنه أفرايمى ( 1 : 3 ) لأنه سكن فى جبل افرايم ، لكنه كان من سبط لاوى من عشيرة قيهات ( 1 أى 6 : 22 – 28 ) ، لكنه لم يمارس منصب اللاويين . ( ب ) اعتاد ألقانة أن يأخذ كل أفراد أسرته سنويا إلى شيلوه ليسجد ويذبح للرب ، أى يقدم ذبيحة سلامة ( لا 7 : 11 – 21 ) ، يرى البعض أنه كان يصعد لتقديم ذبيحة خاصة بعائلته ، بخلاف التزامه بالصعود فى الأعياد الثلاثة : عيد الفطير أو الفصح ، عيد الحصاد أو الخمسين ، عيد المظال ( خر 23 : 14 ) . كانت شيلوه أو شيلو هى مركز العبادة ، اختارها يشوع مقرا للخيمة والتابوت ، وفيها قسم البلاد على الأسباط . سكنها عالى الكاهن وصموئيل النبى ، كما سكنها أخيا النبى ( 1 مل 14 : 2 ) . ( ج ) كان ألقانة يحب حنة العاقر ، ويعطيها نصيب أثنين الأمر الذى غالبا ما ألهب قلب ضرتها فننة ليزداد حسدا وغيرة ، .... على أى الأحوال حملت المرأتان رمزا لكنيستى العهدين القديم والجديد . فإن كانت فننة تعنى " لؤلؤة " وأنجبت أولادا ، فإن كنيسة العهد القديم قد تمتعت بكنوز الله إذ تسلمت الشريعة ونالت المواعيد وأنجبت رجال الله الآباء والأنبياء الخ ..... لكن هذه الأم الولود صارت عاقرا عندما رفضت الأيمان بيسوع المسيح ، وكما ترنمت حنة ، قائلة : " العاقر ولدت سبعة وكثيرة البنين ذبلت " 1 صم 2 : 5 . أما حنة فاسمها يعنى " حنانا " أو " نعمة " ، إذ تمتعت كنيسة العهد الجديد بحنان الله الفائق المعلن خلال ذبيحة الصليب ونعمة الروح القدس واهب البنوة لله والشركة معه ، إنها الكنيسة المحبوبة لديه ، جمعت من الأمم من كانوا عواقر لينجبوا بنين لله . لقد سمح الله لحنة التقية أن تشبع نفسها من المرارة ، لقد تركها الرب وسط الآلام " سنة بعد سنة " 1 صم 1 : 7 ، لكنها إذ انتظرت إلى ملء زمانها قدم لها الرب أكثر مما سألت أو فكرت ، فنالت " صموئيل " العظيم بين الأنبياء . ( د ) نتأمل عتاب رجلها الذى كان يحبها ، واهبا إياها نفسه قبل أن يقدم لها نصيبا مضاعفا ، إذ يقول لها : " يا حنة ، لماذا تبكين ؟ ولماذا لا تأكلين ؟ ولماذا يكتئب قلبك ؟ أما أنا خير لك من عشرة بنين ؟ ! 1 صم 1 : 8 .... هكذا يعاتبنا رب المجد يسوع عريس نفوسنا : " لماذا نحزن على أمور زمنية ؟ أو بسبب ضيقات وقتية ؟ أما أستطيع أن أشبعك وأعزيك ؟ أما يكفيك أنى عريس نفسك الأبدى ؟ ! ( 2 ) أبن الصلاة : كانت حنة مرة النفس ( 1 صم 1 : 10 ) ، هذه المرارة لم تمنعها عن أن تشترك فى الأكل مما قدم للرب ، إذ لم يكن هذا الأكل للتنعم واللذة إنما علامة شركة المؤمنين معا فى الذبيحة ليكون الكل مصالحا معا فى الله . اشتهت أن تنجب ليس كرغبة طبيعية فى الأنجاب وممارسة الأمومة ، وإنما لما هو أقوى ؛ فإن كل سيدة يهودية كانت تترقب أن يأتى المسيا من نسلها ، كما يظهر من تسبحة حنة نفسها عندما قدمت ابنها عارية للرب كل أيام حياته ( 1 صم 2 : 1 – 10 ) . بعد الأكل قامت تصلى صلاة شخصية سرية أمام هيكل الرب ( دعيت الخيمة هيكل الرب ) – صارت تصلى وعالى رئيس الكهنة يراقبها لكنه لم يقدر أن يدرك سر قوة صلاتها ، بل حسب المرأة سكرى ( 1 صم 1 : 14 ) ، أما الرب فاستجاب لها . صارت حنة مثلا حيا – عبر الأجيال – للصلاة الصامتة النابعة عن إيمان عميق داخلى ، وقد امتزجت صلاتها بإيمانها وأيضا بوداعتها . + دموعها سبقت لسانها ، بها ترجت أن يذعن الله لقبول طلبتها . + كانت دموعها تصرخ فى أكثر وضوح من أى بوق ، لذلك فتح الله رحمها ، وجعل الصخرة الصماء حقلا مثمرا . ( 3 ) ميلاد صمـــوئيــل : رجوع حنة إلى أسرتها بوجه باش لتشاركهم الحياة الأسرية بلا تذمر يكشف عن إدراكها أن علاج المشاكل ليس فى يد إنسان ولا فى الظروف الخارجية إنما فى الدخول إلى أعماق النفس واكتشاف إمكانيات الله فينا . لقد حان الوقت ليهب الله حنة ابنا ، دعته صموئيل ، وبقيت مع طفلها حتى تفطمه لتحقق نذرها بتقديمه عارية للرب ، يتراءى أمامه ويقيم فى بيته كل أيام حياته ( 1 صم 1 : 22 ) . ( 4 ) صموئيل عاريـــــة الرب : ( أ ) " ثم حين فطمته أصعدته معها " 1 : 24 ، ربما يتساءل البعض : كيف قدمته لبيت الرب بعد الفطام مباشرة ( بعد حوالى 9 شهور ) ؟ اعتادت الأمهات فى منطقة الشرق الأوسط ألا تفطم الولد تماما إلا فى الثالثة من عمره وفى بعض الحالات يترك حتى الخامسة ، ربما كنوع من التدليل . ( ب ) أما كلمة " أعرته " للرب ، فإنها وإن كانت لم تتراجع عن الوعد إذ سلمته للرب ليكون خادما له كل أيام حياته ، لكنها أرادت تأكيد ارتباطها به كأم لذا حسبته " عارية " . لقد وهبها الله إياه ، وهى تتمسك به كأبن لها وفى نفس الوقت تقدمه للرب كل أيام حياته ، إنها صورة حية للحب العائلى فى الرب . لقد أعارت حنة ابنها صموئيل للرب كل أيام حياته ، فأقامه الرب نبيا عظيما ( 1 صم 3 : 20 ) ، أدرج اسمه فى العهد القديم مع موسى وهرون ( مز 99 : 6 ، إر 15 : 1 ) ، وأشير إليه فى العهد الجديد كأول الأنبياء ( أع 3 : 24 ) ، ويعتبر صموئيل مؤسس مدارس الأنبياء ( 1 صم 19 : 20 ) فى الرامة والتى تبعتها مدارس أخرى فى بيت إيل ( 2 مل 2 : 3 ) وأريحا ( 2 مل 2 : 5 ) والجلجال ( 2 مل 4 : 38 ) ، كما يعتبر مؤسس النظام الملكى بالرغم من استيائه أولا منه ، فمسح شاول الذى نجح إلى حين ، ثم داود الذى توارث نسله الملوكية ، عاش صموئيل ليمسح داود ملكا لكنه تنيح قبل أن يتوج داود . إذ فطم صموئيل صعدت به أمه ( 1 صم 1 : 24 ) ، ولم يذكر الكتاب أن أباه هو الذى أصعده ، ليس لأن حنة اغتصبت رئاسة البيت ، وإنما لأجل إيمانها السامى سبقت رجلها وأرتفعت عليه فى عينى الرب ، فنسب إليها الصعود إلى بيته بالتقدمات المذكورة فى الأصحاح الأول . الأصحاح الثانى بينما كسر الكاهنان أبنا عالى الشريعة والناموس وأفسدا شعب الله والمقدسات إذا بصموئيل النبى ابن حنة – امرأة إيمان وصلاة وتسبيح – ينشأ فى حياة مقدسة فى الرب ، بمعنى آخر بينما نشأ ابنا كاهن فى جو دينى لكنهما لم يتمتعا بالحياة الداخلية القدسية ، إذا بصموئيل يتلامس مع أعماق روحانية أسرته ليحمل ثمرا مباركا . ( 1 ) تسبحة حنة الخلاصية : حقق الرب طلبة حنة فقامت تشكره وتسبحه ؛ كثيرون يلجأون إلى الرب وقت الضيق لكنهم ينسونه عند الفرج ، أما حنة فإنها لم تنسه بل ولم تشكره فقط على عطية صموئيل إنما بالأكثر دخلت إلى أعماق جديدة إذ رأت فيه رمزا لعمل الله الخلاصى ، فجاءت تسبحتها تقارب تسبحة القديسة العذراء مريم ( لو 1 : 46 – 55 ) ؛ حنة تسبح من أجل الرمز والقديسة مريم من أجل المسيا نفسه . " ...... ....... ...... فرح قلبى بالرب ، ارتفع قرنى بالرب ، اتسع فمى على أعدائى لأنى قد ابتهجت بخلاصك ، ليس قدوس مثل الرب ، لأنه ليس غيرك ، وليس صخرة مثل إلهنا " ....... ( 1 صم 2 : 1 ، 2 ) . بدأت حنة تسبحتها بإعلان فرحها لا لمجرد نوالها " صموئيل " كعطية إنما لتمتعها بواهب العطية نفسه ، هذا الفرح الداخلى يهب للنفس قوة فلا تخور تحت أى ظرف ، استخدام القرن ( قرن الثور ) ككناية عن " القوة " ، نالت قوة لا لإغاظة أعدائها أو مقاومتهم بل لكى يتسع فمها لتكرز لهم ببهجة الخلاص ، ليس شىء يقدر أن يحطم عداوة الأعداء مثل البهجة بخلاص الرب ، الذى يجتذب الأعداء للتمتع ببشارة الأنجيل المفرحة . جاء كلمة الله المتجسد القدوس ليضمنا إليه ، إنه الصخرة التى قدمت ماء لشعب إسرائيل فى وسط القفر ليشربوا ويرتووا ( خر 17 : 6 ) ، إذ يقول الرسول بولس : " لأنهم كانوا يشربون من صخرة روحية تابعتهم والصخرة كانت المسيح " ( 1 كو 10 : 4 ) " قسى الجبابرة انحطمت ، والضعفاء تمنطقوا بالبأس ، الشباعى آجروا أنفسهم بالخبز والجياع كفوا ، حتى إن العاقر ولدت سبعة وكثيرة البنين ذبلت . الرب يميت ويحيى ، يهبط إلى الهاوية ويصعد ، الرب يفقر ويغنى ، يضع ويرفع ، يقيم المسكين من التراب ، يرفع الفقير من المزبلة للجلوس مع الشرفاء ويملكهم كرسى المجد " ( 1 صم 2 : 4 – 8 ) إذ اختبرت حنة نعمة الله الفائقة أدركت أن موازين الله ومقاييسه تختلف عن موازين البشر ومقاييسهم ، هكذا انكسرت فننة المتشامخة فتحطمت قسيها ، صاركمن يؤجر نفسه ليجد خبزا يأكله ، ذبلت بالرغم من إنجابها للبنين ، فقدت الحياة وصارت كمن هبط إلى الهاوية ؛ افتقرت وانحطت إلى التراب ، وعلى العكس بروح الأتضاع تقبلت حنة من يد الله قوة فتمنطقت بالبأس وشبعت بعد الجوع ، وانجبت الكثيرين بعد العقر . + إذ ولد صموئيل كان رمزا للمسيح ..... السبعة أبناء هم الكنائس السبع ، لذا كتب بولس أيضا لسبع كنائس ، وعرض سفر الرؤيا للكنائس السبع لكى يحفظ رقم 7 ... . ( 2 ) ابن ألقانة وأبنا عالى : ما أبعد الفارق بين ابن ألقانة وحنة ، ابن الصلاة والأيمان ، وابنى عالى الكاهن ، الأول تربى فى خوف الله ، فكان سبب بركة لنفسه وعائلته وشعبه بل ولنا نحن إذ صار قدوة عبر الأجيال . وأما أبنا عالى الكاهن فقد استغلا مركز أبيهما لصالحهما الذاتى . تركا الرعية بين الذئاب ، بل صارا ذئبين يصنعان الشر ويعثران الشعب معهما ، وقد تهاون والدهما فى تأديبهما ، وحين أراد توبيخهما تكلم فى رخاوة ، فجلبا على نفسيهما وعلى والدهما وعائلتهما والشعب عارا ، وصارا عبرة لكل من يتهاون فى تربية أولاده . يلقب الكتاب المقدس ابنى عالى " بنى بليعال " لأنهما أخنارا الشر طريقا لحياتهما ، ركزا غرضهما فى أن يخطئا . قيل عن ابنى عالى انهما لم يعرفا الرب ( 1 صم 2 : 12 ) انهما ككاهنين عرفا الكثير عن الرب خلال التعليم والمعرفة النظرية ، لكنهما لم يعرفاه فى حياتهما العملية وسلوكهما . إذ فسد قلبا ابنى عالى استهانا بالطقس ( 1 صم 2 : 13 – 16 ) ، كما استخفا بالحياة الطاهرة والقداسة فأفسدا نساء شعب الله ( 1 صم 2 : 22 ) ، وأهانا الله نفسه ، فلم ينفذا طقس تقديم الذبائح كما أمر الرب ( لا 3 : 3 – 5 ) فأفسدا المقدسات . ( 3 ) مباركة الرب لألقانة وحنة : بدأ صموئيل خدمته أمام الرب وهو صبى متمنطقا بلباس أفود من الكتان ( 1 صم 2 : 18 ) ، يلبسها كمعطف يشد من الوسط بمنطقة . وهى كلباس اللاويين لا الكهنة . يؤكد الكتاب المقدس أن صموئيل بدأ خدمته وهو صبى ، بدأها فى جو كهنوتى فاسد للغاية ، لا يمكن إصلاحه أو مقاومته ... لكن الله الذى يخلص بالقليل كما بالكثير استخدم هذا الصبى للأصلاح . ( 4 ) تهاون عالى الكاهن مع أبنيه : كان توبيخ عالى الكاهن لبنيه برخاوة فى غير حزم ، لقد عرف أنهم يفسدون النساء المجتمعات فى باب خيمة الأجتماع . فصار مقدس الله مكان نجاسة وفساد ، وتحول ميناء السلام إلى هلاك للنساء المتجندات لخدمة الخيمة . لم يقم بأى تأديب ضدهم ، لقد أعلن لهم : " تجعلون شعب الرب يتعدون ، إذا أخطأ إنسان إلى إنسان يدينه الله فإن أخطأ إنسان إلى الرب فمن يصلى من أجله ؟ ! ( 1 صم 24 ، 25 ) . وسط هذا الفساد أرسل الله أحد رجاله ( نبى ) لتحذير عالى ، كان هذا الأنذار فرصة جديدة أعطيت لعالى الكاهن من قبل الله ليضع الأمور فى نصابها ، لكنه خلال ضعف شخصيته لم يكرم الله بردع أبنيه وتأديبهما ، بل احتقره بتكريمه لأبنيه الشريرين أو بتهاونه فى تأديبهما حسب الشريعة ، يقول الرب : " حاشا لى ، فإنى أكرم الذين يكرموننى والذين يحتقروننى يصغرون " ( 1 صم 2 : 30 ) . + + يقارن القديس يوحنا الذهبى الفم بين عالى رئيس الكهنة الذى نال كرامات عظيمة فسقط تحت الدينونة القاسية بسبب تهاونه وبين صموئيل النبى الذى رفضه الشعب ( 1 صم 8 : 7 ) فكرمه الله نفسه ، فيقول عن الرعاة : ( الأهانة مكسب لهم والكرامة ثقل عليهم ) اعلن رجل الله لعالى رئيس الكهنة تأديبات الرب له ولنسله : + انتقال الكهنوت من نسله ، إذ عزل أبياثار فى أيام سليمان وتعين صادوق من نسل أليعازر وتسلمه نسله حتى أيام السيد المسيح . + فقدان القوة من بيته إذ يموت نسله شبابا ( 1 صم 2 : 31 ) . + يرى ضيق المسكن ، حيث يأخذ الفلسطينيون التابوت ( 1 صم 4 : 11 ) + يشتهى نسله الموت ولا يجدونه . قدم له علامة مرة للتأديب الإلهى وهى موت أبنيه فى يوم واحد . الأصحاح الثالث دعـــــوة صموئيـــــل ( 1 ) دعـــوة صموئيل : يبدو أن الله دعا صموئيل قبيل الفجر ، وسط الظلام الخارجى الحالك ، إذ قيل : " وقبل أن ينطفىء سراج الله وصموئيل مضطجع فى هيكل الرب الذى فيه تابوت العهد " 3 : 3 جاء فى خر 27 : 21 – أن السراج ( المنارة ) يشعل من المساء حتى الصباح ، وكأن دعوة الرب جاءت قبل الصباح فى نهاية الليل . بجانب الظلام الملموس وجد ظلام آخر ، إذ قيل : " وكانت كلمة الرب عزيزة فى تلك الأيام ؛ لم تكن رؤيا كثيرة " 1 صم 3 : 1 وسط هذا الظلام الحالك ، والمجاعة الروحية ، أعد الله صبيا صغيرا يخدم الهيكل ( خيمة الأجتماع ) بأمانة ، خلاله ينير الله وسط شعبه . هكذا فى كل جيل يقيم الله بقية أمينة تشهد له وتخدمه بالروح والحق ، فعندما سقط الشعب فى العبودية أرسل لهم موسى ، وعندما ثار أريوس ضد لاهوت المسيح أرسل الله أثناسيوس وهكذا يبقى الله ساهراعلى كنيسته حتى إن ظن الظلام أنه قد ساد ، بمعنى آخر ، بقوله : " قبل أن ينطفىء سراج الله " 1 صم 3 : 3 عنى أنه وسط الظلام كان صاحب البيت نفسه – يهوه – ساهرا ، قائما على بيته ، مهتما برعاية شعبه . إذ قدم لنا الكتاب المقدس الظروف التى خلالها دعا الله صموئيل ، يقول : " كان عالى مضطجعا فى مكانه وعيناه ابتدأتا تضعفان ، لم يقدر أن يبصر ... وصموئيل مضطجع فى هيكل الرب الذى فيه تابوت الله " 1 صم 3 : 2 ، 3 . لم يكن صموئيل مضطجعا فى ذات الخيمة ، القدس أو قدس الأقداس ، وإنما فى أحد الأبنية الملحقة به وكان عالى مضطجعا فى حجرة أخرى فى ذات المبنى ، ومع هذا قيل عن صموئيل إنه مضطجع فى مكانه ؛ لماذا ؟ من حيث الجسد كان كلاهما مضطجعين فى مبنى واحد ، لكن فى عينى الله حسب صموئيل أنه فى هيكل الرب أمام تابوت الله حتى فى لحظات نومه ، إذ يقول مع العروس : " أنا نائمة وقلبى مستيقظ " نش 5 : 20 بجسده ينام خارج الخيمة أما قلبه فكان ملاصقا لها ، فى داخلها . أما عالى رئيس الكهنة فكان نائما فى مكانه ، أى حيث يوجد جسده تبقى نفسه حبيسة المكان ! نادى الرب صموئيل ، وكان الصبى فى حوالى الثانية عشرة من عمره ... سمع الصوت لأن أوتار قلبه تحمل حساسية لتسمع صوت الله وإن كان قد ظنه صوت عالى الكاهن . إذ سمع الصوت ظن عالى يناديه لذلك : " ركض إلى عالى وقال : هأنذا لأنك دعوتنى " 1 صم 3 : 4 . فى روح الحب والأتضاع " ركض " إلى عالى الكاهن ظنا أنه يطلب منه خدمة أو مساعدة ، والعجيب أن الأمر تكرر ثلاث مرات ، وفى كل مرة يسرع إلى الكاهن دون تذمر ... + طريق الطاعة هو أقصر المسالك وإن يكن أكثرها صعوبة . نادى الرب صموئيل بأسمه شخصيا ، ومع هذا لم يكن ممكنا لهذا المبارك أن يتعرف عليه ويلتقى به دون إرشاد عالى الكاهن الذى اتسم بالتهاون فى حق الله مع أولاده ، هكذا يليق بنا ألا نستهين بالكاهن كمرشد وأب ، إذ يقودنا للقاء الشخصى مع الله أبينا والرب يسوع مخلصنا بواسطة روح الله القدوس . " فجاء الرب ووقف ودعا كالمرات الأول : صموئيل صموئيل " 3 : 10 – هكذا يصور لقاء الله مع صموئيل كأنما قد ترك الرب عرشه الشاروبيمى ونزع الحجاب ليقف فى المسكن المقدس يدعو الصبى . يا له من تنازل إلهى عجيب ، ومحبة فائقة له نحو الأنسان ! الله يقف ليدعو صبيا إلى عمل فائق ! جاءت إجابة صموئيل : " فإن عبدك سامع " تعلن أن جوهر النبوة هو الأستماع والطاعة للصوت الإلهى . هكذا تدرب صموئيل النبى منذ طفولته على الطاعة ، مدركا أنها أفضل من ذبائح كثيرة ، الأمر الذى لم يختبره شاول الملك ( 1 صم 15 : 22 ) . ( 2 ) حديث صموئيل مع عالى : تحدث الرب مع صموئيل عن أمور مستقبلة كأنها تتحقق فى الحاضر ( 1 صم 3 : 11) ، معلنا له أنه يحقق ما سبق أن تكلم به عن بيت عالى من أمور مخيفة قائلا له : " أقسمت لبيت عالى أنه لا يكفر عن شر بيت عالى بذبيحة أو بتقدمة إلى الأبد " 1 صم 3 : 14 . لم يذكر له تفاصيل العقوبة ، إذ لا حاجة لتكرارها ، إنما كانت كلمات الرب واضحة وصريحة وحازمة ، ربما ليعطى لعالى وأبنيه فرصة للتوبة .... خاصة أن هذا الحديث تم قبل تحقيق الأحداث بحوالى عشر سنوات .... لقد خاف صموئيل أن يخبر عالى بالرؤيا ( 1 صم 3 : 15 ) ، ليس خوفا من أن يغضب عليه ، وإنما خشية جرح مشاعره وهو شيخ وقور وأب محبوب لديه جدا ، لم يرد أن يكدره ، لكن إذ طلب منه عالى تحدث فى صراحة ولم يخف عنه شيئا . كانت إجابة عالى تكشف عن تقواه بالرغم من ضعف شخصيته أمام ابنيه ، إذ قال : " هو الرب ، ما يحسن فى عينيه يعمل " 1 صم 3 : 18 . ( 3 ) الله يسند صموئيل : إذ دعا صموئيل لعمل نبوى قيادى أعطاه امكانيات العمل ألا وهى : + المعية مع الله : " وكبر صموئيل وكان الرب معه " 3 : 19 .... الله نفسه هو سر قوة أولاده ، يرافقهم ليهبهم نفسه ويقدم إمكانياته الإلهية بين أيديهم فلا يعوزهم شىء ، هذه هى عطيته لمحبوبيه ، معيته لهم ، كما حدث مع ابراهيم ، ويعقوب ، ويوسف ، وموسى ، ويشوع ، وجدعون ، وداود . + أعطاه نعمة فى عينى شعبه إذ : " لم يدع شيئا من جميع كلامه يسقط إلى الأرض ؛ وعرف جميع إسرائيل من دان إلى بير سبع أنه قد أؤتمن صموئيل نبيا للرب " 3 : 19 ، 20 . أى من أقصى الشمال إلى أقصى الجنوب ، أى فى كل أرجاء البلاد . + بدأ الله يتراءى فى شيلوه معلنا ذاته لصموئيل بكلمته ليقطع فترة الظلمة حيث كانت كلمة الرب عزيزة ( 1 صم 3 : 1 ) . الأصحــاح الرابع إذ خرج إسرائيل لمحاربة الفلسطينيين ، دون تقديس لحياتهم أو استشارة الرب ، انهزموا ، عوض التوبة والرجوع إلى الله حملوا تابوت العهد إلى المعركة مع الكاهنين حفنى وفينحاس ، أخذ تابوت العهد منهم ومات حفنى وفينحاس وسقط من اسرائيل ثلاثون ألفا وانكسرت رقبة عالى الكاهن ومات ( 1 ) أخذ تابوت العهد فى قض 13 : 1 قيل إن الرب دفع إسرائيل ليد الفلسطينيين أربعين سنة ، ربما الحوادث المذكورة هنا كانت خلال هذه الفترة ، لقد نزل الفلسطينيون إلى أفيق والأسرائيليون إلى حجر المعونة بالقرب منهم فى مواجهتهم . " أفيق " : كلمة عبرية ربما تعنى " قوة " أو " حصن " ، وجدت خمس مدن تحمل ذات الأسم . " حجر المعونة " : أخذت هذا الأسم بعد الحوادث المذكورة بحوالى 20 عاما ( 1 صم 7 : 12 ) ، وضع صموئيل حجرا تذكاريا بين المصفاة والسن ، فى جنوب شرقى أفيق . دارت المعركة بين الطرفين فانهزم إسرائيل جزئيا فى الحقل حيث قتل منهم أربعة رجل ( 1 صم 3 : 2 ) ، فرجع الشعب إلى المحلة ، هنا نسمع عن الشعب وليس عن رجال حرب أو عن جيش ، فقد كان الشعب يحارب بغير استعداد وفى غير نظام ، بجانب فظاعة فساده الخلقى . تساءل شيوخ إسرائيل : " لماذا كسرنا اليوم الرب أمام الفلسطينيين ؟ " 1 صم 3 : 3 كان يلزم أن تكون الأجابة : بسبب الفساد والأنحراف عن الله ، فيرجعوا إليه بالتوبة ويحل فى وسطهم كسر غلبتهم . لكن ما حدث هو تغطية على الفساد بحمل التابوت فى وسطهم ليخلصهم من أعدائهم ، وبالفعل جاءوا به من شيلوه مع الكاهنين الفاسدين حفنى وفينحاس . لماذا سمح الله بذلك ؟ + إحضارهم للتابوت لم يكن يحمل رجوعا قلبيا إلى الله بالتوبة وإنما اتكلوا على شكليات العبادة الظاهرة . + جاء حفنى وفينحاس إلى المعركة ومعهما التابوت ؛ لقد كانا فاسدين ومفسدين للشعب ، وقد ظنا أن الله يلتزم أن يحارب عن الشعب ليس من أجلهما ، إنما من أجل التابوت بكونه يمثل الحضرة الإلهية . حقا لقد أعلن الله أنه قادر أن يحمى التابوت وأن يدافع عن مجده لكنه بعد تأديب الشعب مع الكهنة بسبب فسادهم . + عند دخول تابوت العهد إلى المحلة هتف جميع اسرائيل هتافا عظيما حتى ارتجت الأرض ، أمام هذا الهتاف خاف الفلسطينيون ، قائلين : " قد جاء الله إلى المحلة " 1 صم 4 : 7 . لقد هتفوا بألسنتهم وحناجرهم حتى ارتجت الأرض ، أما قلوبهم فكانت ساكنة لا تتحرك نحو الله بالتوبة ، ولا ارتجت أجسادهم التى تدنست ، لهذا حتى وإن خاف الفلسطينيون لكنهم عوض التراجع ازدادوا حماسا وتشددوا ليستعبدوا إسرائيل ، وصارت لهم الغلبة ولكن إلى حين . هتف الشعب بألسنتهم ، ولم يدركوا أن الغلبة لا بهتاف اللسان إنما بنقاوة القلب والطاعة لله ، كما جاء فى سفر التثنية : " وإن سمعت سمعا لصوت الرب إلهك لتحرص أن تعمل بجميع وصاياه التى أنا أوصيك بها اليوم يجعلك الرب إلهك مستعليا على جميع قبائل الأرض ..... يجعل الرب أعداءك القائمين عليك منهزمين أمامك ، فى طريق واحدة يخرجون عليك وفى سبع طرق يهربون أمامك " . تث 28 : 1 ، 7 . ( 2 ) موت عالى الكاهن : إذ حدثت الضربة العظيمة [ انكسار الشعب ، وقتل 26000 شخص ، وموت الكاهنين ، وأخذ تابوت العهد ] ركض رجل بنيامينى إلى شيلوه ليبلغ الخبر ، وكانت على بعد حوالى 20 ميلا من حجر المعونة ، جاء أمام رئيس الكهنة وقد مزق ثيابه ووضع ترابا على رأسه ليجد عالى يراقب الطريق ..." لأن قلبه كان مضطربا لأجل تابوت الله "1 صم 4 : 13 . واضح أن عالى لم يكن موافقا على حمل التابوت إلى الميدان ، لكنه خضع لإرادة الشعب . سمع الرجل عن انكسار الشعب وموت الكثيرين وأيضا موت أبنيه أما خبر أخذ التابوت فلم يحتمله ، إذ سقط عن الكرسى إلى الوراء إلى جانب الباب فانكسرت رقبته ومات . لقد قضى لإسرائيل أربعين عاما ( 1 صم 4 : 18 ) ، لكن تهاون أبنيه فى مقدسات الله أفقده كل ثمر ، وأنهى حياته بصورة مؤسفة . ( 3 ) ميلاد أيخابود بن فينحاس : لقد دعت امرأة فينحاس طفلها " ايخابود " ( = ابن المجد ) ، قائلة : " زال المجد من اسرائيل لأن تابوت الله قد أخذ " 4 : 22 . لقد أخطأت الفهم ، فإن الواقع أن التابوت قد أخذ لأنه قد زال المجد من اسرائيل ! . فقد إسرائيل مجده بانحرافه عن الله وزيغانه عنه لذلك أسلم الله التابوت للأعداء لتأديب الطرفين معا . لقد كانت نكبتها فى أخذ التابوت أشد وقعا على نفسها من موت حميها ورجلها ، لقد أدركت أن خسارتها بموت حميها وموت رجلها وخسارة ابنها بموت أبيه قبل أن يولد أمر لا يذكر أمام خسارة الشعب بفقدان التابوت ، علامة ترك الله شعبه . + + + الأصحاح الخامس سمح الله للفلسطينيين أن يأخذوا تابوت العهد لأجل تأديب إسرائيل ، ليدركوا أنهم بالأنحلال فقدوا حلول الله فى وسطهم ، وفى نفس الوقت أعلن الله مجده وقدرته إذ سقط داجون معبود الفلسطينيين وتحطم أمام التابوت وحلت بهم الأمراض لذا فكروا فى إعادته . سقوط داجون أمام تابوت العهد : يبقى الله أمينا بالرغم من عدم أمانتنا ( 2 تى 2 : 13 ) ، فإن كان بسبب انحلال شعبه سلم تابوت عهده للوثنيين لكنه أظهر قوته ومجده بسقوط داجون معبودهم ، كان يلزم لأهل أشدود أن يدركوا أنه لا شركة بين الله وداجون فى بيت واحد ، وأن يقبلوا الواحد دون الآخر . لكنهم تجاهلوا الأمر فجاءوا فى الصباح التالى ليجدوه أيضا ساقطا ورأسه ويداه مقطوعة على عتبة البيت ، لقد أكد لهم أن معبودهم بلا رأس ، عاجز عن القيادة والتدبير ؛ وأيضا بلا يدين عاجز عن العمل لحسابهم . إن كنا قد أقمنا فى القلب أو الفكر معبودا كداجون ، مثل محبة المال أو شهوة الجسد أو حب انتقام أو محبة المجد الباطل .... فإن دخول رب المجد يسوع وقبوله فى أعماقنا يحطم داجون ، ينزل به إلى الأرض ويقطع رأسه ويديه على العتبة كى نطأها تحت أقدامنا . داجون : يقال أن اسمه مشتق من الكلمة العبرية " داج " وتعنى سمكة . إله فلسطينى له رأس إنسان ويدا إنسان أما بدنه فعلى شكل سمكة . جاء الفلسطينيون بتابوت العهد إلى بيت داجون ظانين أن داجون قد انتصر على إله اسرائيل ، لكن هذا الأفتخار لم يدم طويلا . ضرب أهل أشدود بالبواسير : " فثقلت يد الرب على الأشدوديين وأخرجهم وضربهم بالبواسير فى أشدود وتخومها " 5 : 6 وكأن تابوت العهد الذى هو سبب نصرة وبركة للمؤمنين إن عاشوا فى حياة قدسية بالرب ، يصير هو نفسه سبب شقاء لغير المؤمنين ، وكما يقول الرسول بولس : " فإن كلمة الصليب عند الهالكين جهالة وأما عندنا نحن المخلصين فهى قوة الله " 1 كو 1 : 18 . جاء فى الترجمة السبعينية أن البلاد ضربت أيضا بالفئران على غير العادة وأكلت محصولاتهم . إذ شعر أشدود أن يد الرب قست عليهم وعلى إلههم داجون أرسلوا إلى أقطاب الفلسطينيين يطلبون مشورتهم بخصوص " تابوت إله إسرائيل " . غالبا ما تشاور أقطاب المدن الخمس الرئيسية : أشدود وغزة وأشقلون وجت وعقرون وقرروا نقل التابوت إلى مدينة جت ، جاء قرارهم فى الغالب لظنهم أنه متى انتقل التابوت من بيت الصنم يرفع الله غضبه عنهم . لم يدركوا أنه لا يمكن أن يبقى التابوت فى وسطهم مادام داجون أو غيره محتلا قلوبهم الداخلية ، ربما أيضا ظنوا أن ما حدث فى بيت داجون كان عرضا ، لذا أرادوا نقل التابوت للتأكد من دور التابوت وقدرته . ضرب أهل جت بالبواسير : " جت " كلمة عبرية تعنى " معصرة " ، وهى إحدى مدن فلسطين الخمس العظمى ، إذ نقل تابوت العهد إلى جت كانت الضربة أشد حتى يدرك الفلسطينيون أن ما يحدث ليس اعتباطا إنما هو تأديب إلهى ، إذ قيل : " إن يد الرب كانت على المدينة باضطراب عظيم جدا ، وضرب أهل المدينة من الصغير إلى الكبير ونفرت لهم البواسير " 1 صم 5 : 9 ضرب أهل عقرون بالبواسير : المدينة الشمالية من مدن الفلسطينيين الخمس العظمى ، تسمى الآن " عاقر " ، إذ نقل إليها تابوت العهد على غير رغبة شعبها كانت يد الله ثقيلة جدا هناك ، فصرخوا : " فصعد صراخ المدينة إلى السماء " 1 صم 5 : 12 ..لقد طلبوا عودة التابوت إلى مكانه . قرار جماعى بإعادة التابوت : يعتبر هذا القرار شهادة لقداسة الله وقدرته ، وكأن الله استخدم حتى شرهم لأستنارتهم ؛ منذ البداية كانوا يعلمون أنه إله قوى خلص شعبه من مصر بعجائب ( 1 صم 4 : 7 ، 8 ) لكنهم تشددوا لمقاومته ، أما الآن فقد أيقنوا أنهم لن يستطيعوا مقاومته ، لقد حقق الله ما قيل فى إشعياء النبى : " أنا الرب هذا اسمى ، ومجدى لا أعطيه لآخر ، ولا تسبيحى للمنحوتات " إش 42 : 8 . + + + عودة تابوت العهد لقد طالت مدة إقامة تابوت العهد فى وسط الوثنيين إلى سبعة أشهر ، ليتأكد الكل أن ما حل بالوثن ( الإله داجون ) وما حل بالناس ( مرض البواسير ) وأيضا بالأرض ( جرذان أو فئران كبيرة تأكل المحاصيل ) لم يكن محض صدفة إنما علامة غضب الله على الوثنيين ، وأيضا لكى يقدم المؤمنون توبة صادقة مشتاقين بالحق للتمتع بالحضرة الإلهية المعلنة بوجود التابوت فى وسطهم عمل قربان إثم : " وكان تابوت الله فى بلاد الفلسطينيين سبعة أشهر " 6 : 1 . لا نعرف ما هى مشاعر إسرائيل نحو الأحداث فى ذلك الوقت ، لقد دهشوا أن التابوت أخذ منهم كما فى خزى وضعف والكاهنين قتلا وكثيرين سقطوا وفقد الشعب كرامته .... لقد مرت الأيام والأسابيع وأيضا الشهور ولم يسمعوا شيئا عن التابوت ، لكن الله كان يعمل مؤكدا قدرته على الخلاص ، وشعر الوثنيون بالرهبة أمام الله ، فاستعدوا الكهنة والعرافين قائلين : " ماذا نعمل بتابوت الرب ؟ أخبرونا بماذا نرسله إلى مكانه ؟ " 6 : 2 . لقد استخدم الله حتى كهنة الوثنيين والعرافيين للشهادة له ، وكما يقول القديس يوحنا الذهبى الفم : [ شهد أعداء الله أنفسهم له ؛ نعم قدم معلموهم أصواتهم عنه ] . طلب الكهنة والعرافون ألا يرسلوا التابوت فارغا بل يردوا له قربان إثم اعترافا منهم أنهم أخطأوا وأن ما حل بهم هو تأديب وثمرة لإثمهم فى حق الله ، وكنوع من التعويض الأدبى والمادى لما أصاب شعبه . كانت العادة لدى الوثنيين تقديم تمثال الجزء المصاب بمرض للآلهة عند البرء من المرض ، ولذا طلب الكهنة والعرافون تقديم خمسة بواسير من ذهب وخمسة فئران من ذهب ، غير أن الشعب زادوا على هذا العدد وصنعوا فئران الذهب بعدد جميع المدن من المدينة المحصنة إلى قرية الصحراء لأن الضربة كانت عامة ( 1 صم 6 : 18 ) . أدرك الوثنيون حقيقتين : أن الله لا يرشى بذهب أو فضة إنما ما يقدمونه من قربان إثم هو اعتراف وشهادة لمجده ، : " أعطوا إله اسرائيل مجدا لعله يخفف عنكم وعن آلهتكم وعن أرضكم " 1 صم 6 : 5 وكذلك أن مقاومته لن تجدى ، فقد أغلظ فرعون قلبه فهلك ( 1 صم 6 : 6 ) ، كأن ما حدث منذ حوالى 350 عاما فى مصر ( فى ذلك الوقت ) انتشرت معرفته فى كل البلدان فى منطقة الشرق الأوسط . رد التابوت على عجلة جديدة : لقد عمل الفلسطينيون عجلة جديدة تجرها بقرتان مرضعتان لم يعلهما نير ( 6 : 7 ) ، تحمل تابوت العهد وقربان الإثم ، بالفعل استقامت البقرتان فى الطريق ، وكانتا تسيران فى سكة واحدة ، وأقطاب الفلسطينيين يسيرون وراء تابوت الرب . ما أروعه منظرا يشهد لحب الله لشعبه ! فمهما طالت إقامة التابوت فى أرض الأعداء ، لكن الله يشتاق أن يسكن وسط شعبه ويحل فيهم ، لقد ساق البقرتين رغم ميلهما الطبيعى لصغيريهما ، واستقامتا فى الطريق نحو شعب الله ، ما أعظم رحمة الله بنا ، فإنه يريد أن يتناسى أخطاءنا ويسكن فينا ويستريح فى أحشاءنا . حجر شهادة فى حقل يهوشه : إن كانت العجلة تمثل كنيسة العهد الجديد التى تضم شعبا من فريقين : من أصل يهودى ومن الأمم ، وقد صار الكل بروح الله " جديدا " فى الرب كمن لم يعلهما نير ، فإن العجلة انجذبت إلى حقل يهوشع البيتشمسى ( 6 : 18 ) ، لماذا ؟ " يهوشع " هو أسم مأخوذ عن " يسوع ( يشوع ) " ... لأنهما كانا مقادتين بقوة الأسم ، كما حدث قبلا مع الشعب الذى تبقى من الخارجين من مصر ، لقد قادهم إلى الأرض ذاك الذى حمل أسم يسوع ( يشوع ) والذى كان يدعى قبلا يهوشع . بقى حجر الشهادة الذى وضع عليه تابوت العهد فى حقل يهوشع شاهدا لعمل الله مع شعبه ( 1 صم 6 : 18 ) ، تتطلع إليه الأجيال لتذكر رعاية الله واهتمامه بأولاده . ضرب أهل بيتشمس : ( أ ) كنا نتوقع من الشعب أن يسقطوا على وجوههم عند معاينتهم للتابوت ، ويقدموا توبة للرب ، ويستدعوا الكهنة واللاويين لحمله والأحتفال به ، لكنهم فى تجاهل للشريعة التفوا حول التابوت ، ضرب من الشعب خمسون ألف رجل وسبعون رجلا ، لقد كرمه الفلسطينيون بالرغم من جهلهم أكثر من الشعب المعطى له وصايا صريحة بشأنه ، نحن أيضا كم مرة ندوس مقادس الله ونتقدم إلى الأسرار الإلهية فى تهاون ونستمع إلى كلمته بغير خشوع ؟ ! ( ب ) يميز الكتاب بين الخمسين ألفا والسبعين المضروبين بسبب رؤية التابوت ، ربما لأن الخمسين ألفا من كل بنى إسرائيل الذين سمعوا من كل موضع وجاءوا يحتفلون برجوعه بينما السبعون هم وحدهم من بيتشمس ، يرى البعض أن النسخ العبرية القديمة لم تذكر سوى رقم 70 . لم يرجع التابوت إلى شيلوه ، غالبا لأنها كانت قد دمرت بواسطة الفلسطينيين ؛ هذا واضح من الحفريات ومن إرميا 7 : 12 . أصعد التابوت من بيتشمس إلى قرية يعاريم ، على تخم يهوذا وبنيامين ، كانت تابعة ليهوذا ( قض 18 : 2 ) . يرجح أنها قرية العنب التى تسمى أيضا أباغوش تبعد حوالى 9 أميال غرب أورشليم . بقى بها تابوت العهد حتى نقله داود النبى إلى بيدركيدون وبيت عوبيد أدوم الجتى ( 1 أيام 13 – 5 – 13 ، 2 أيام 1 : 4 ) . + + + التوبة طريق النصرة كان صموئيل النبى يهيىء الشعب للتوبة قرابة 20 عاما ، وأخيرا نادى بالتوبة الجماعية من كل القلب ، والعودة الكاملة لله ، ورفض كل عبادة غريبة ، وبعد الصلاة والصوم قدم عنهم ذبيحة ، وعندئذ إذ تقدم الفلسطينيون لمحاربتهم أرعدهم الرب نفسه وأزعجهم لينكسروا أمام الشعب . لقد برز صموئيل النبى فى هذا الأصحاح كقاض وكممثل للحكم الإلهى مثل موسى ( إر 15 : 1 ) ومثل يشوع ( يش 24 ، 1 صم 12 ) ، وكأحد القضاة لكن على مستوى أعلى فى الشفاعة . يعتبر هذا الأصحاح مقدمة للأصحاح التالى ، فيه أبرز فساد النظام الملكى المقام من أجل مظاهر بشرية . تابوت الرب فى بيت أبيناداب : أثار تابوت العهد رعبا ليس فقط فى مدن فلسطين العظمى وإنما أيضا فى بيتشمس ، أما أهل قرية يعازيم فقد أدركوا أنه يمثل حضرة الله ، هو نار آكلة بالنسبة للمرتدين عنه والمنحرفين أما بالنسبة لمحبيه فحافظ لهم وسر فرحهم وتعزيتهم . لهذا صعدوا بفرح وأتوا به فى احترام ووقار ، وجاءوا به إلى بيت أبيناداب ليبقى هناك قرابة مئة عام حتى نقله داود النبى ( 2 صم 6 : 1 – 4 ) . كلمة " أبيناداب " تعنى " أبا الكرم أو النبل " ، وكأنه لا يمكن التمتع بالحضرة الإلهية ما لم تحمل النفس الداخلية نوعا من الكرم أو السخاء فى العطاء . وضع التابوت فى بيت فى الأكمة أى على مكان عال ، وقدس أليعازر ( تعنى الله معين ) بن أبيناداب لأجل حراسة التابوت ، غالبا ما كان لاويا وليس كاهنا . كان التابوت فى قرية يعازيم بينما أقيمت الخيمة فى نوب بلا تابوت مما عطل العبادة فيها أو جعلها عبادة غير كاملة ، وكان هذا إعلانا عن حالة الخمول الروحى والأنحطاط التى بلغ إليها الشعب . سار صموئيل يجول بين الشعب ليعدهم لحياة التوبة والرجوع إلى الله . ( 2 ) الرجوع القلبى والعملى لله : بعد موقعة أفيق التى مات فيها أبنا عالى الكاهن وعالى نفسه ، بدأ صموئيل النبى يمارس عمله القيادى الهادىء والبناء . اتخذ إقامته غالبا فى الرامة حيث التف حوله بعض الشباب وصاروا نواة لأول مدرسة للأنبياء ، فى هذه الفترة تزوج صموئيل وأنجب ابنين دعاهما : يوئيل " يهوه هو الله " ، ......أبيا " الرب هو أبى " . فى هذه الفترة عاد تابوت العهد إلى إسرائيل ووضع فى قرية يعازيم بينما نقلت الخيمة إلى نوب ، وتعطلت بعض الشعائر الدينية ، أما صموئيل فلم يكف عن العمل الهادىء البناء على المستوى الفردى والأهتمام بالشباب ، مع ممارسة حياة الصلاة . خلال هذا الأصلاح الهادىء انفتحت القلوب بالحب لله وبالتالى تجمعت القلوب معا بالحب الأخوى وروح الوحدة . بعد عشرين سنة من وجود تابوت العهد فى قرية يعازيم وجد صموئيل الفرصة سانحة للمناداة بالتوبة الجماعية والرجوع لله مع الكشف عن سر فشل الشعب وعن طريق النصرة ، إذ تحدث صموئيل مع كل بيت إسرائيل ( أى مع الجماعة كلها ) قائلا : " إن كنتم بكل قلوبكم راجعين إلى الرب فانزعوا الآلهة الغريبة والعشتاروت من وسطكم ، وأعدوا قلوبكم للرب وأعبدوه وحده فينقذكم " 1 صم 7 : 4 . سر ضعف الأنسان التعريج بين الطريقتين وعدم رجوعه بكل القلب إلى الرب ، كأن يتمسك بشكليات العبادة الخارجية بينما يقيم فى أعماقه إلها خفيا " كـ الأنا " . ( 3 ) الصلاة والصوم والذبيحة : التوبة بما يلازمها من تغيير القلب الداخلى وعبادة هى أمر شخصى يمس حياة المؤمن وعلاقته الخفية مع الله ، لكنها فى نفس الوقت هى ممارسة جماعية ، إذ يقول صموئيل النبى : " اجمعوا كل إسرائيل إلى المصفاة " 7 : 5 توبة خاطىء واحد تفرح ملائكة السماء ( لو 15 : 10 ) ، وتسند الكثيرين على الأرض وتدفعهم للتوبة معه ، ومع كل سقوط واستهتار خفى نسيىء إلى الجماعة كلها . جاءت التوبة القلبية تحمل أعمالا ظاهرة أيضا : + نزع الآلهة الغريبة ( 1 صم 7 : 4 ) . + التقاء جماعى فى المصفاة للعبادة بروح واحد ( 1 صم 7 : 4 ) + صموئيل النبى يصلى إلى الرب لأجلهم ( 1 صم 7 : 5 ) + استقاء ماء وسكبه أمام الرب ( 1 صم 7 : 6 ) + صوم جماعى ( 1 صم 7 : 6 ) . + الأعتراف بالخطايا للرب أمام صموئيل النبى ( 1 صم 7 : 6 ) + الحاجة إلى ذبيحة للمصالحة مع الله ( 1 صم 7 : 9 ) . يبرز صموئيل النبى دور الله فى حياة شعبه ، فإنهم إذ يجتمعون للتوبة يحتاجون إلى يد الله الخفية تعمل فيهم لذلك يقول : " فأصلى لأجلكم إلى الرب " 1 صم 7 : 5 . هنا يبرز صموئيل النبى كراع روحى ، يعرف أنه لن يقدر أن يقود شعب الله بدون الصلاة . " فاجتمعوا إلى المصفاة واستقوا ماء وسكبوه أمام الرب " 1 صم 7 : 6 يرى البعض أنه اشارة إلى سكب قلوبهم بالتوبة أمام الرب ، أو علامة الأعتراف بالضعف ، أو تأكيد للقسم ، فى ذلك الوقت كان صموئيل النبى يقضى بينهم كقاض ، لا خلال السلطة وإنما بعد تقديم صلوات طويلة مستمرة وإصلاح دائم بينهم وعمل روحى هادىء ثم توبة جماعية ورجوع إلى الله . ( 4 ) الرب واهب النصرة : مع كل جهاد روحى هادف يثور عدو الخير لا لخطأ أرتكبه الأنسان أو ارتكبته الجماعة ، وإنما هى علامة رفض الظلمة للنور ، ومقاومة عدو الخير لمملكة الله . لقد اجتمع أقطاب الفلسطينيين أيضا وصعدوا إلى إسرائيل ( 1 صم 7 : 7 ) ، فخافوا أن يتكرر معهم ما حدث فى موقعة أفيق ( 1 صم 4 ) ، لكنهم إذ كانوا تحت قيادة روحية سليمة يمارسون التوبة طلبوا من صموئيل النبى ألا يكف عن الصراخ من أجلهم إلى الرب ليخلصهم ... قدم صموئيل محرقة للرب علامة تسليم نفوس الشعب ليد الرب تماما ، واستجاب الرب خلال الطبيعة بواسطة رعد أو زلزال ، واهبا إياهم الغلبة والنصرة ، إذ ضربوا العدو إلى ما تحت بيت كار ( تعنى بيت الخرفان ) غرب المصفاة ، يظن أنها بيت كارم الحالية ، أو عين الكروم . مع كل نمو روحى نواجه حربا جديدة ، تؤول إلى تزكيتنا وتكليلنا ما دمنا فى يد الله . تحققت النصرة فى ذات الموقع الذى حدثت فيه الهزيمة قبلا وأخذ التابوت ( 1 صم 4 : 1 ) ، لذلك أخذ صموئيل حجرا ونصبه ، ودعاه : " حجر المعونة " ........، لكى يكون شاهدا على عمل الله فى حياة شعبه الراجعين إليه . هذا التذكار يجدد روح الشعب باستمرار حتى لا ينحرفوا عن الله . يقول رب المجد يسوع : " إن سكت هؤلاء فالحجارة تصرخ "لو 19 : 40 .... إذ أقام صموئيل هذا الحجر لكى يبعث حياة الشركة فى كل من يتطلع إليه . لعل هذه النصرة لإسرائيل أعطت مجالا للمصالحة بين إسرائيل والأموريين ( 1 صم 7 : 14 ) ليعيش الشعب إلى حد ما فى جو من السلام والطمأنينة . ( 5 ) قضاء صموئيل فى مواضع متعددة : يعتبر صموئيل النبى هو المصلح الروحى الحقيقى فى تلك الآونة حتى كادت عبادة البعل تختفى تماما فى الفترة ما بين بدء النظام الملكى حتى أوائل عصر سليمان الحكيم .... يلاحظ أن صموئيل النبى أقام أكثر من مكان للعبادة مثل بيت إيل والجلجال والمصفاة ، لقد أراد صموئيل أن يؤكد أن سر القوة هو فى العلاقة الخفية فى القلب مع الله ، دون تجاهل العبادة الجماعية بروح الوحدة والحب . لقد بقى الأمر كذلك حتى جاء سليمان الحكيم وأقيم هيكل الرب الواحد فى أورشليم بأمر إلهى ، ليجمع الكل معا بالروح الواحد حول هيكل واحد للرب + + + الباب الثانى بـــــدء عصر الملـــوك انشغل الشعب بمظاهر العظمة والأبهة التى لملوك الأمم المحيطين بهم ، وحسبوا ذلك مجدا وكرامة حرموا هم منها ، لذا استغلوا شيخوخة صموئيل النبى وعدم سلوك أبنيه فى طريق أبيهما ليطلبوا من صموئيل إقامة ملك يقضى لهم كسائر الأمم ( 8 : 5 ) . ( 1 ) طلب ملك : ربما يتساءل البعض : لو لم يطلب الشعب ملكا ، هل كان الله قد أعد لهم إقامة مملكة ؟ ( أ ) لا نجد للنظام الملكى موضعا حقيقيا فى الشريعة الموسوية إلا ما جاء فى تث 17 : 14 – 20 . ربما كان هذا نبوة عن إقامة نظام ملكى فى أرض الموعد ، وربما كانت نصائح تقدم للشعب إن اختار له ملكا وقواعد يلتزم بها الملك ليعيش كما يليق كعضو فى الجماعة المقدسة . ( ب ) كان الخطأ لا فى طلب إقامة ملك إنما فى تعجل الأحداث وفى إساءة فهم النظام الملكى ، فمن جهة الزمن كان الله يدبر لهم إقامة ملك قلبه مثل قلب الله ، فقد سمح بمجىء راعوث من بين الأمم ، تلك التى من نسلها يخرج داود النبى والملك لو أنتظروا قليلا لنالوا أفضل مما طلبوا ، ولما أقيم شاول الجميل الصورة الذى سبب لهم شقاء عظيما . كان يمكنهم اختيار قائد للحرب دون الأرتباط بالنظام الملكى وتسليم القيادة فى أيدى نسله بالوراثة لماذا لم يوبخ الله صموئيل على انحراف أبنيه كما فعل مع عالى ؟ ربما لأن عالى كان رئيس كهنة وقد ارتكب ابناه الكاهنان خطايا بشعة ورجاسات تستوجب لا العزل بل القتل حسب الشريعة ، وكان الأبنان يعملان مع أبيهما وتحت مئوليته كرئيس كهنة ، أما بالنسبة لأبنى صموئيل ، فيحتمل أن يكون انحرافهما – قبول الرشوة – جاء مؤخرا بعدما تسلما العمل بفترة ، فابتدأ الأثنان بالأستقامة لكن محبة المال أغوتهما ، هذا وكان الأثنان يعملان فى بئر سبع وليس مع أبيهما فى الرامة ، وربما جاء اختيارهما بناء على رغبة الشعب لأنهما لا يرثان المركز ( القاضى ) بالخلافة . اعتراض شيوخ إسرائيل على انحراف ابنى صموئيل يكشف عن وجود ضمير حى فيهم ، على خلاف فترة حكم عالى الكاهن إذ لا نجد أحدا يعترض على تصرفات أبنيه البشعة . يليق بكل قائد أن يحذر من محبة المال والرشوة فقد أفسد المال قلبى القاضيين وسبب متاعب لهما ولأبيهما كما للشعب . ( 2 ) صموئيل النبى يحسب ذلك إهانة له : لقد حسب صموئيل النبى ذلك الطلب رفضا لعمله القضائى ، وحسب الرب ذلك رفضا له هو شخصيا كملك على شعبه ، إذ قال لصموئيل نبيه : " إسمع لصوت الشعب فى كل ما يقولون لك ، لأنهم لم يرفضوك أنت بل إياى رفضوا حتى لا أملك عليهم " 8 : 7 . ما أعظم حكمة صموئيل ، فإنه كرجل صلاة لم يثر عليهم ولا وبخهم بل طلب أولا مشورة الله وإرشاده ، وقد وهبه الله راحة أن الشعب لم يرفض صموئيل بل رفض الرب نفسه ، والعجيب أن الله يطلب من صموئيل : " اسمع لصوت الشعب فى كل ما يقولون لك " . إنه يقدس الحرية الأنسانية ، ويستجيب للطلبات الجماعية وإن كان يكشف لهم الحق منذرا إياهم بسبب سوء رغبتهم . إنه لا يلزمهم ولا يقهرهم على نظام معين بل يطلب منهم أن يتفهموا الحق بكامل حريتهم . ( 3 ) الله يقبل طلبتهم مع تحذيرهم : استجاب الله لطلبتهم ، هذا لا يعنى رضاه عن ذلك ، إنما كما يقول المزمور : " يعطيك سؤل قلبك " مز 37 : 4 . فإن كان سؤل قلبنا سماويا ننعم بالسماويات كبركة لنا ، وإن كان سؤل قلبنا لغير صالحنا أو بنياننا يسمح بتحقيقه لأجل التأديب ، وكما يقول المرتل : " فأعطاهم سؤلهم وأرسل هزالا فى أنفسهم " مز 106 : 15 . ( 4 ) صموئيل يحذر الشعب : تحدث صموئيل النبى مع الشعب فى صراحة ووضوح بجميع كلام الرب ، ليكشف لهم عن مساوىء طلبتهم لإقامة ملك ، والتى تتلخص فى الآتى : ( أ ) تسخير بنيهم للخدمة العسكرية لا لصالح الشعب إنما بالأكثر لصالحه الشخصى كعبيد له . ( ب ) يستغل بناتهم كعطارات وطباخات وخبازات لترفه عنه هو وعائلته ورجاله . ( ج ) يغتصب أجود حقولهم لحساب خصيانه ( كبار موظفيه ) وعبيده . ( د ) استغلال طاقاتهم فى زراعة أرضه الخاصة والعمل لحسابه . ( هـ ) إذ يحل بهم الظلم لا يجدون من يصرخون إليه ، فإن الله نفسه لا يسمع لهم لأنهم هم اختاروا ملكهم حسب هواهم الشخصى . لم يسمع الشعب لنصيحته بل أصروا على إقامة ملك ( 1 صم 8 : 19 ) ، عندئذ فض صموئيل الأجتماع ليذهب كل واحد إلى مدينته ( 1 صم 8 : 22 ) ، وقد تأكد الجميع أن صموئيل يدبر لهم الأمر . + + + الأصحاح التاسع ( 1 ) شاول وأتن أبيه الضالة : إذ سأل الشعب صموئيل النبى أن يقيم لهم ملكا أختير " شاول " الذى يعنى " سؤال " ملكا . لقد أعطاهم ملكا حسب سؤل قلبهم ، إنسانا حسن الصورة طويل القامة ، أما قلبه فلم يكن مستقيما ، لم يتجاهل الكتاب المقدس الجوانب الطيبة التى اتسم بها شاول بل على العكس أبرزها ، لكن لم يحتمل شاول الغنى والكرامة إذ كشفا انعوجاج قلبه الداخلى واهتمامه بحب الكرامة الزمنية والمظاهر الخارجية لذا انتهت حياته برفض الله له وحرمان نسله من تولى الملك . يروى لنا هذا الأصحاح الأحداث التى انتهت بمسح شاول ملكا ، أحداث قد يراها البعض عارضة ، أو محض صدفة ، تبدو أحداثا تافهة بلا قيمة ، لكن الوحى الإلهى يكشف لنا كيف أن الله ضابط الكل ، يحول الأحداث جميعها – مهما بدت تافهة – لتحقيق خطة إلهية من جهتنا ، وليس شىء ما يتم بالصدفة . هنا نجد أتن قيس تضل فيخرج شاول يبحث عنها لا ليجد الأتن وإنما لكى يدعى للملك ، خروج الغلام معه ، الذى يشير عليه أن يلتقيا بالرائى ، أيضا وجود نصف شاقل فضة لدى الغلام ، لقاء شاول والغلام مع الفتيات الخارجات ليستقين ، لقاؤهما مع الرائى ..... هذه جميعا بدت فى الظاهر كأنها كأنها أمور تمت بلا تدبير مسبق ، لكن الواقع أن الله كان وراء كل هذه الأمور يستخدمها لتحقيق خطته ، ليتنا نؤمن أن كل ما يمر بحياتنا – مهما بدأ تافها – يسير بتدبير الله العارف حتى بعدد رؤوسنا ( مت 10 – 30 ) والمعتنى بالعصافير . ( 2 ) الغلام يشير عليه باللقاء مع الرائى : إذ أراد شاول العودة حتى لا ينشغل أبوه بأمره هو والغلام ، سأله الغلام أن يستشير رجل الله ليخبرهما عن طريقهما التى يسلكان فيها ( 1 صم 9 : 6 ) اعتاد اليهود أن يدعوا النبى " رجل الله " ، لأنه يعمل على التقدم بالشعب إلى الله خلال الصلاة والوصية الإلهية والأرشاد والنبوة ؛ كما يدعى " إنسان الروح " هو 9 : 7 ، بكونه مهتما بالروحيات ، يعمل بقيادة روح الله ، وأيضا يدعى " الرائى " إذ ينظر إلى بعض أمور المستقبل كما ببصيرة روحية مفتوحة . تساءل شاول : " ماذا نقدم للرجل ، لأن الخبز قد نفذ من أوعيتنا وليس من هدية نقدمها لرجل الله ، ماذا معنا ؟ " 1 صم 9 : 7 . إن كان شاول قد جهل اسم الرائى وموضع سكناه لكنه تربى منذ الطفولة ألا يدخل بيت الله بيد فارغة ، ولا يلتقى برجل الله بيد فارغة . وكانت العادة السائدة أن يقدم الأنسان من طعامه أو محصولاته كما من أمواله . هذه العادة عاشتها الكنيسة الأولى ، فقيل عن والد القديس تكلا هيماتوت الأثيوبى ، وهو كاهن ، أنه لم يكن يدخل الكنيسة بيد فارغة ، الكاهن الروحى محب للعطاء أكثر من الأخذ .... أينما وجد يشتاق أن يعطى ، أقول إن كل نفس تلتقى بالله المحبة يحمل طبيعة العطاء فى أعماقه ، يفرح ويشبع داخليا مع كل عطاء للغير . كان مع الغلام ربع شاقل فضة ، وهو مبلغ زهيد للغاية ، لم يخجل هو وشاول من تقديمه ، فإن العبرة لا فى الكمية بل فى طبيعة العطاء ذاتها أو اتساع القلب بالحب . كانت الرامة – مدينة صموئيل – قائمة على أكمتين ، لذا قيل " وفيما هما صاعدان فى مطلع المدينة " أى متجهان نحو باب المدينة ، ألتقيا بفتيات خارجات لأستقاء الماء ، قلن لهما : " هوذا هو أمامكما ، أسرعا الآن ، لأنه جاء اليوم إلى المدينة لأنه اليوم ذبيحة للشعب على المرتفعة " 1 صم 9 : 12 إن كانت الرامة القائمة على أكمتين تمثل كنيسة المسيح القائمة على العهدين ، القديم والجديد ، فإنه يليق بكل قلب أن يترك ما هو عند السفح ويصعد بروح الله خلال كلمة الله – العهدين – ليعيش فى الرامة كراء ينعم بالبصيرة المفتوحة المطلعة على أسرار الله وأمجاده السماوية ؛ ماذا قالت الفتيات لهما ؟ : " عند دخولكما المدينة للوقت تجدانه قبل صعوده إلى المرتفعة ليأكل ، لأن الشعب لا يأكل حتى يأتى لأنه يبارك الذبيحة ، بعد ذلك يأكل المدعوون " 1 صم 9 : 13 . إذ ننعم بالصعود إلى كنيسة المسيح ، ماذا نرى ؟ نرى مسيحنا الذى تقدم ليأكل ، مقدما جسده المبذول ذبيحة حب مشبعة لشعبه ، يبارك الذبيحة بيديه الطاهرتين ليعطى مدعويه ليأكلوا ويشبعوا ويثبتوا فيه . لما دخل الرجلان إلى وسط المدينة " إذا بصموئيل خارج للقائهما ليصعد إلى المرتفعة " 1 صم 9 : 14 . هكذا إذ ننعم بالعضوية الكنسية ، ندخل إلى كنيسته فيحملنا إلى جبل الجلجثة ( المرتفعة ) لنتمتع بسر الذبيحة واهبة المصالحة والمشبعة لأحتياجات النفس . ( 4 ) صموئيل يكشف لشاول رسالته : لقد كشف الله أولا لصموئيل النبى بخصوص مسح شاول ملكا أو رئيسا لشعبه ، وذلك قبل اللقاء معه بيوم ( 1 صم 9 : 15 ) . ويلاحظ أن كلمة " رئيس " جاءت هنا فى العبرية تعنى " رئيسا " أو " أميرا " غير أن الحديث عنه هنا كملك ، كما أن المسحة ذاتها تعنى نواله الملوكية . استضاف صموئيل النبى شاول ، وكشف له كل شىء ، إذ قال له : " وأما الأتن الضالة لك منذ ثلاثة أيام فلا تضع قلبك عليها ، لأنها قد وجدت ، ولمن كل شهى إسرائيل ؟ أليس لك ولكل بيت أبيك ؟! 1 صم 9 : 20 فى اتضاع أجاب شاول : " أما أنا بنيامينى من أصغر أسباط اسرائيل ، وعشيرتى أصغر كل عشائر أسباط بنيامين ؟! فلماذا تكلمنى بمثل هذا الكلام ؟ ! 1 صم 9 : 21 . هنا يليق بنا أن نقف قليلا لندرك عطايا الله للإنسان المرتفع إلى مدينة الرامة ، أى إلى الكنيسة ، والملتقى مع صموئيل رمز السيد المسيح . ( أ ) طلب صموئيل النبى من شاول ألا ينشغل بالأتن الضالة ، فإنها أمر تافه للغاية أمام ما سيناله من عطايا ، مقابل هذا أعلن له أنها قد وجدت ، وأنه ينال كل شهى إسرائيل ، ألم يسألنا السيد المسيح ألا نتهتم بشىء إلا بملكوت الله وهذه كلها تزاد لنا ؟ فإن الله فى محبته يهبنا فى هذا العالم مئة ضعف ( مت 19 : 29 ) . بجانب تمتعنا بملكوت الله . لنترك عنا الرتباك بالأتن الضالة ، فيردها الرب إلينا ويعطينا مركبات وخيل ، اما ما هو أعظم فإنه يهبنا ملكوته السماوى ، كما بقيادة مركبته السماوية ، لنترك الأتن الوضيعة الأرضية فنتقبل مركبة الله السماوية ! ( ب ) أخذه صموئيل هو وغلامه إلى المنسك ، أى إلى الغرفة بالمرتفعة عند المذبح المعدة للولائم الخاصة بالذبائح ، وجعلهما على رأس المدعوين وهم نحو ثلاثين رجلا ( 1 صم 9 : 22 ) ، ثم أوصى الطباخ أن يقدم له الساق وما عليها ( 1 صم 9 : 24 ) ، على أى الأحوال من يترك الأنشغال بالزمنيات يرتفع كما إلى الوليمة السماوية وينعم بالطعام السماوى وينال كرامة مضاعفة وشبعا . ( جـ ) تمتع شاول بحديث سرى مع صموئيل عند طلوع الفجر على السطح ( 1 صم 9 : 25 ، 26 ) ، هكذا إذ ننعم بالطعام السماوى ندخل إلى علاقة سرية مع مسيحنا ، نلتقى به مبكرا ، حيث نوجد كما على السطح ، مرتفعين نحو السماء لننظر أسراره الإلهية وننصت إلى كلماته الخاصة ، محدثا إيانا عن إقامتنا ملوكا روحيين ( رؤ 1 : 6 ؛ 5 : 10 ) . |
20 - 05 - 2012, 07:11 PM | رقم المشاركة : ( 2 ) | ||||
..::| العضوية الذهبية |::..
|
صمـــوئيـــــل الأول
[ للقمص / تادرس يعقوب ملطي ] وهب صموئيل لأمه التقية والعاقر حنة من قبل الرب ، إذ جاء ابنا لإيمانها وصلواتها ، تربى فى هيكل الرب ، ليكون سبب بركة للكثيرين . الأصحاح الأول ( 1 ) حنة التقية العاقر كان لألقانة امرأتان : [ فننة ] وتعنى " مرجانة " أو " لؤلؤة " ، ...... [ وحنة ] وتعنى " حنان " أو " نعمة" . ( أ ) قيل عن ألقانة أنه أفرايمى ( 1 : 3 ) لأنه سكن فى جبل افرايم ، لكنه كان من سبط لاوى من عشيرة قيهات ( 1 أى 6 : 22 – 28 ) ، لكنه لم يمارس منصب اللاويين . ( ب ) اعتاد ألقانة أن يأخذ كل أفراد أسرته سنويا إلى شيلوه ليسجد ويذبح للرب ، أى يقدم ذبيحة سلامة ( لا 7 : 11 – 21 ) ، يرى البعض أنه كان يصعد لتقديم ذبيحة خاصة بعائلته ، بخلاف التزامه بالصعود فى الأعياد الثلاثة : عيد الفطير أو الفصح ، عيد الحصاد أو الخمسين ، عيد المظال ( خر 23 : 14 ) . كانت شيلوه أو شيلو هى مركز العبادة ، اختارها يشوع مقرا للخيمة والتابوت ، وفيها قسم البلاد على الأسباط . سكنها عالى الكاهن وصموئيل النبى ، كما سكنها أخيا النبى ( 1 مل 14 : 2 ) . ( ج ) كان ألقانة يحب حنة العاقر ، ويعطيها نصيب أثنين الأمر الذى غالبا ما ألهب قلب ضرتها فننة ليزداد حسدا وغيرة ، .... على أى الأحوال حملت المرأتان رمزا لكنيستى العهدين القديم والجديد . فإن كانت فننة تعنى " لؤلؤة " وأنجبت أولادا ، فإن كنيسة العهد القديم قد تمتعت بكنوز الله إذ تسلمت الشريعة ونالت المواعيد وأنجبت رجال الله الآباء والأنبياء الخ ..... لكن هذه الأم الولود صارت عاقرا عندما رفضت الأيمان بيسوع المسيح ، وكما ترنمت حنة ، قائلة : " العاقر ولدت سبعة وكثيرة البنين ذبلت " 1 صم 2 : 5 . أما حنة فاسمها يعنى " حنانا " أو " نعمة " ، إذ تمتعت كنيسة العهد الجديد بحنان الله الفائق المعلن خلال ذبيحة الصليب ونعمة الروح القدس واهب البنوة لله والشركة معه ، إنها الكنيسة المحبوبة لديه ، جمعت من الأمم من كانوا عواقر لينجبوا بنين لله . لقد سمح الله لحنة التقية أن تشبع نفسها من المرارة ، لقد تركها الرب وسط الآلام " سنة بعد سنة " 1 صم 1 : 7 ، لكنها إذ انتظرت إلى ملء زمانها قدم لها الرب أكثر مما سألت أو فكرت ، فنالت " صموئيل " العظيم بين الأنبياء . ( د ) نتأمل عتاب رجلها الذى كان يحبها ، واهبا إياها نفسه قبل أن يقدم لها نصيبا مضاعفا ، إذ يقول لها : " يا حنة ، لماذا تبكين ؟ ولماذا لا تأكلين ؟ ولماذا يكتئب قلبك ؟ أما أنا خير لك من عشرة بنين ؟ ! 1 صم 1 : 8 .... هكذا يعاتبنا رب المجد يسوع عريس نفوسنا : " لماذا نحزن على أمور زمنية ؟ أو بسبب ضيقات وقتية ؟ أما أستطيع أن أشبعك وأعزيك ؟ أما يكفيك أنى عريس نفسك الأبدى ؟ ! ( 2 ) أبن الصلاة : كانت حنة مرة النفس ( 1 صم 1 : 10 ) ، هذه المرارة لم تمنعها عن أن تشترك فى الأكل مما قدم للرب ، إذ لم يكن هذا الأكل للتنعم واللذة إنما علامة شركة المؤمنين معا فى الذبيحة ليكون الكل مصالحا معا فى الله . اشتهت أن تنجب ليس كرغبة طبيعية فى الأنجاب وممارسة الأمومة ، وإنما لما هو أقوى ؛ فإن كل سيدة يهودية كانت تترقب أن يأتى المسيا من نسلها ، كما يظهر من تسبحة حنة نفسها عندما قدمت ابنها عارية للرب كل أيام حياته ( 1 صم 2 : 1 – 10 ) . بعد الأكل قامت تصلى صلاة شخصية سرية أمام هيكل الرب ( دعيت الخيمة هيكل الرب ) – صارت تصلى وعالى رئيس الكهنة يراقبها لكنه لم يقدر أن يدرك سر قوة صلاتها ، بل حسب المرأة سكرى ( 1 صم 1 : 14 ) ، أما الرب فاستجاب لها . صارت حنة مثلا حيا – عبر الأجيال – للصلاة الصامتة النابعة عن إيمان عميق داخلى ، وقد امتزجت صلاتها بإيمانها وأيضا بوداعتها . + دموعها سبقت لسانها ، بها ترجت أن يذعن الله لقبول طلبتها . + كانت دموعها تصرخ فى أكثر وضوح من أى بوق ، لذلك فتح الله رحمها ، وجعل الصخرة الصماء حقلا مثمرا . ( 3 ) ميلاد صمـــوئيــل : رجوع حنة إلى أسرتها بوجه باش لتشاركهم الحياة الأسرية بلا تذمر يكشف عن إدراكها أن علاج المشاكل ليس فى يد إنسان ولا فى الظروف الخارجية إنما فى الدخول إلى أعماق النفس واكتشاف إمكانيات الله فينا . لقد حان الوقت ليهب الله حنة ابنا ، دعته صموئيل ، وبقيت مع طفلها حتى تفطمه لتحقق نذرها بتقديمه عارية للرب ، يتراءى أمامه ويقيم فى بيته كل أيام حياته ( 1 صم 1 : 22 ) . ( 4 ) صموئيل عاريـــــة الرب : ( أ ) " ثم حين فطمته أصعدته معها " 1 : 24 ، ربما يتساءل البعض : كيف قدمته لبيت الرب بعد الفطام مباشرة ( بعد حوالى 9 شهور ) ؟ اعتادت الأمهات فى منطقة الشرق الأوسط ألا تفطم الولد تماما إلا فى الثالثة من عمره وفى بعض الحالات يترك حتى الخامسة ، ربما كنوع من التدليل . ( ب ) أما كلمة " أعرته " للرب ، فإنها وإن كانت لم تتراجع عن الوعد إذ سلمته للرب ليكون خادما له كل أيام حياته ، لكنها أرادت تأكيد ارتباطها به كأم لذا حسبته " عارية " . لقد وهبها الله إياه ، وهى تتمسك به كأبن لها وفى نفس الوقت تقدمه للرب كل أيام حياته ، إنها صورة حية للحب العائلى فى الرب . لقد أعارت حنة ابنها صموئيل للرب كل أيام حياته ، فأقامه الرب نبيا عظيما ( 1 صم 3 : 20 ) ، أدرج اسمه فى العهد القديم مع موسى وهرون ( مز 99 : 6 ، إر 15 : 1 ) ، وأشير إليه فى العهد الجديد كأول الأنبياء ( أع 3 : 24 ) ، ويعتبر صموئيل مؤسس مدارس الأنبياء ( 1 صم 19 : 20 ) فى الرامة والتى تبعتها مدارس أخرى فى بيت إيل ( 2 مل 2 : 3 ) وأريحا ( 2 مل 2 : 5 ) والجلجال ( 2 مل 4 : 38 ) ، كما يعتبر مؤسس النظام الملكى بالرغم من استيائه أولا منه ، فمسح شاول الذى نجح إلى حين ، ثم داود الذى توارث نسله الملوكية ، عاش صموئيل ليمسح داود ملكا لكنه تنيح قبل أن يتوج داود . إذ فطم صموئيل صعدت به أمه ( 1 صم 1 : 24 ) ، ولم يذكر الكتاب أن أباه هو الذى أصعده ، ليس لأن حنة اغتصبت رئاسة البيت ، وإنما لأجل إيمانها السامى سبقت رجلها وأرتفعت عليه فى عينى الرب ، فنسب إليها الصعود إلى بيته بالتقدمات المذكورة فى الأصحاح الأول . الأصحاح الثانى بينما كسر الكاهنان أبنا عالى الشريعة والناموس وأفسدا شعب الله والمقدسات إذا بصموئيل النبى ابن حنة – امرأة إيمان وصلاة وتسبيح – ينشأ فى حياة مقدسة فى الرب ، بمعنى آخر بينما نشأ ابنا كاهن فى جو دينى لكنهما لم يتمتعا بالحياة الداخلية القدسية ، إذا بصموئيل يتلامس مع أعماق روحانية أسرته ليحمل ثمرا مباركا . ( 1 ) تسبحة حنة الخلاصية : حقق الرب طلبة حنة فقامت تشكره وتسبحه ؛ كثيرون يلجأون إلى الرب وقت الضيق لكنهم ينسونه عند الفرج ، أما حنة فإنها لم تنسه بل ولم تشكره فقط على عطية صموئيل إنما بالأكثر دخلت إلى أعماق جديدة إذ رأت فيه رمزا لعمل الله الخلاصى ، فجاءت تسبحتها تقارب تسبحة القديسة العذراء مريم ( لو 1 : 46 – 55 ) ؛ حنة تسبح من أجل الرمز والقديسة مريم من أجل المسيا نفسه . " ...... ....... ...... فرح قلبى بالرب ، ارتفع قرنى بالرب ، اتسع فمى على أعدائى لأنى قد ابتهجت بخلاصك ، ليس قدوس مثل الرب ، لأنه ليس غيرك ، وليس صخرة مثل إلهنا " ....... ( 1 صم 2 : 1 ، 2 ) . بدأت حنة تسبحتها بإعلان فرحها لا لمجرد نوالها " صموئيل " كعطية إنما لتمتعها بواهب العطية نفسه ، هذا الفرح الداخلى يهب للنفس قوة فلا تخور تحت أى ظرف ، استخدام القرن ( قرن الثور ) ككناية عن " القوة " ، نالت قوة لا لإغاظة أعدائها أو مقاومتهم بل لكى يتسع فمها لتكرز لهم ببهجة الخلاص ، ليس شىء يقدر أن يحطم عداوة الأعداء مثل البهجة بخلاص الرب ، الذى يجتذب الأعداء للتمتع ببشارة الأنجيل المفرحة . جاء كلمة الله المتجسد القدوس ليضمنا إليه ، إنه الصخرة التى قدمت ماء لشعب إسرائيل فى وسط القفر ليشربوا ويرتووا ( خر 17 : 6 ) ، إذ يقول الرسول بولس : " لأنهم كانوا يشربون من صخرة روحية تابعتهم والصخرة كانت المسيح " ( 1 كو 10 : 4 ) " قسى الجبابرة انحطمت ، والضعفاء تمنطقوا بالبأس ، الشباعى آجروا أنفسهم بالخبز والجياع كفوا ، حتى إن العاقر ولدت سبعة وكثيرة البنين ذبلت . الرب يميت ويحيى ، يهبط إلى الهاوية ويصعد ، الرب يفقر ويغنى ، يضع ويرفع ، يقيم المسكين من التراب ، يرفع الفقير من المزبلة للجلوس مع الشرفاء ويملكهم كرسى المجد " ( 1 صم 2 : 4 – 8 ) إذ اختبرت حنة نعمة الله الفائقة أدركت أن موازين الله ومقاييسه تختلف عن موازين البشر ومقاييسهم ، هكذا انكسرت فننة المتشامخة فتحطمت قسيها ، صاركمن يؤجر نفسه ليجد خبزا يأكله ، ذبلت بالرغم من إنجابها للبنين ، فقدت الحياة وصارت كمن هبط إلى الهاوية ؛ افتقرت وانحطت إلى التراب ، وعلى العكس بروح الأتضاع تقبلت حنة من يد الله قوة فتمنطقت بالبأس وشبعت بعد الجوع ، وانجبت الكثيرين بعد العقر . + إذ ولد صموئيل كان رمزا للمسيح ..... السبعة أبناء هم الكنائس السبع ، لذا كتب بولس أيضا لسبع كنائس ، وعرض سفر الرؤيا للكنائس السبع لكى يحفظ رقم 7 ... . ( 2 ) ابن ألقانة وأبنا عالى : ما أبعد الفارق بين ابن ألقانة وحنة ، ابن الصلاة والأيمان ، وابنى عالى الكاهن ، الأول تربى فى خوف الله ، فكان سبب بركة لنفسه وعائلته وشعبه بل ولنا نحن إذ صار قدوة عبر الأجيال . وأما أبنا عالى الكاهن فقد استغلا مركز أبيهما لصالحهما الذاتى . تركا الرعية بين الذئاب ، بل صارا ذئبين يصنعان الشر ويعثران الشعب معهما ، وقد تهاون والدهما فى تأديبهما ، وحين أراد توبيخهما تكلم فى رخاوة ، فجلبا على نفسيهما وعلى والدهما وعائلتهما والشعب عارا ، وصارا عبرة لكل من يتهاون فى تربية أولاده . يلقب الكتاب المقدس ابنى عالى " بنى بليعال " لأنهما أخنارا الشر طريقا لحياتهما ، ركزا غرضهما فى أن يخطئا . قيل عن ابنى عالى انهما لم يعرفا الرب ( 1 صم 2 : 12 ) انهما ككاهنين عرفا الكثير عن الرب خلال التعليم والمعرفة النظرية ، لكنهما لم يعرفاه فى حياتهما العملية وسلوكهما . إذ فسد قلبا ابنى عالى استهانا بالطقس ( 1 صم 2 : 13 – 16 ) ، كما استخفا بالحياة الطاهرة والقداسة فأفسدا نساء شعب الله ( 1 صم 2 : 22 ) ، وأهانا الله نفسه ، فلم ينفذا طقس تقديم الذبائح كما أمر الرب ( لا 3 : 3 – 5 ) فأفسدا المقدسات . ( 3 ) مباركة الرب لألقانة وحنة : بدأ صموئيل خدمته أمام الرب وهو صبى متمنطقا بلباس أفود من الكتان ( 1 صم 2 : 18 ) ، يلبسها كمعطف يشد من الوسط بمنطقة . وهى كلباس اللاويين لا الكهنة . يؤكد الكتاب المقدس أن صموئيل بدأ خدمته وهو صبى ، بدأها فى جو كهنوتى فاسد للغاية ، لا يمكن إصلاحه أو مقاومته ... لكن الله الذى يخلص بالقليل كما بالكثير استخدم هذا الصبى للأصلاح . ( 4 ) تهاون عالى الكاهن مع أبنيه : كان توبيخ عالى الكاهن لبنيه برخاوة فى غير حزم ، لقد عرف أنهم يفسدون النساء المجتمعات فى باب خيمة الأجتماع . فصار مقدس الله مكان نجاسة وفساد ، وتحول ميناء السلام إلى هلاك للنساء المتجندات لخدمة الخيمة . لم يقم بأى تأديب ضدهم ، لقد أعلن لهم : " تجعلون شعب الرب يتعدون ، إذا أخطأ إنسان إلى إنسان يدينه الله فإن أخطأ إنسان إلى الرب فمن يصلى من أجله ؟ ! ( 1 صم 24 ، 25 ) . وسط هذا الفساد أرسل الله أحد رجاله ( نبى ) لتحذير عالى ، كان هذا الأنذار فرصة جديدة أعطيت لعالى الكاهن من قبل الله ليضع الأمور فى نصابها ، لكنه خلال ضعف شخصيته لم يكرم الله بردع أبنيه وتأديبهما ، بل احتقره بتكريمه لأبنيه الشريرين أو بتهاونه فى تأديبهما حسب الشريعة ، يقول الرب : " حاشا لى ، فإنى أكرم الذين يكرموننى والذين يحتقروننى يصغرون " ( 1 صم 2 : 30 ) . + + يقارن القديس يوحنا الذهبى الفم بين عالى رئيس الكهنة الذى نال كرامات عظيمة فسقط تحت الدينونة القاسية بسبب تهاونه وبين صموئيل النبى الذى رفضه الشعب ( 1 صم 8 : 7 ) فكرمه الله نفسه ، فيقول عن الرعاة : ( الأهانة مكسب لهم والكرامة ثقل عليهم ) اعلن رجل الله لعالى رئيس الكهنة تأديبات الرب له ولنسله : + انتقال الكهنوت من نسله ، إذ عزل أبياثار فى أيام سليمان وتعين صادوق من نسل أليعازر وتسلمه نسله حتى أيام السيد المسيح . + فقدان القوة من بيته إذ يموت نسله شبابا ( 1 صم 2 : 31 ) . + يرى ضيق المسكن ، حيث يأخذ الفلسطينيون التابوت ( 1 صم 4 : 11 ) + يشتهى نسله الموت ولا يجدونه . قدم له علامة مرة للتأديب الإلهى وهى موت أبنيه فى يوم واحد . الأصحاح الثالث دعـــــوة صموئيـــــل ( 1 ) دعـــوة صموئيل : يبدو أن الله دعا صموئيل قبيل الفجر ، وسط الظلام الخارجى الحالك ، إذ قيل : " وقبل أن ينطفىء سراج الله وصموئيل مضطجع فى هيكل الرب الذى فيه تابوت العهد " 3 : 3 جاء فى خر 27 : 21 – أن السراج ( المنارة ) يشعل من المساء حتى الصباح ، وكأن دعوة الرب جاءت قبل الصباح فى نهاية الليل . بجانب الظلام الملموس وجد ظلام آخر ، إذ قيل : " وكانت كلمة الرب عزيزة فى تلك الأيام ؛ لم تكن رؤيا كثيرة " 1 صم 3 : 1 وسط هذا الظلام الحالك ، والمجاعة الروحية ، أعد الله صبيا صغيرا يخدم الهيكل ( خيمة الأجتماع ) بأمانة ، خلاله ينير الله وسط شعبه . هكذا فى كل جيل يقيم الله بقية أمينة تشهد له وتخدمه بالروح والحق ، فعندما سقط الشعب فى العبودية أرسل لهم موسى ، وعندما ثار أريوس ضد لاهوت المسيح أرسل الله أثناسيوس وهكذا يبقى الله ساهراعلى كنيسته حتى إن ظن الظلام أنه قد ساد ، بمعنى آخر ، بقوله : " قبل أن ينطفىء سراج الله " 1 صم 3 : 3 عنى أنه وسط الظلام كان صاحب البيت نفسه – يهوه – ساهرا ، قائما على بيته ، مهتما برعاية شعبه . إذ قدم لنا الكتاب المقدس الظروف التى خلالها دعا الله صموئيل ، يقول : " كان عالى مضطجعا فى مكانه وعيناه ابتدأتا تضعفان ، لم يقدر أن يبصر ... وصموئيل مضطجع فى هيكل الرب الذى فيه تابوت الله " 1 صم 3 : 2 ، 3 . لم يكن صموئيل مضطجعا فى ذات الخيمة ، القدس أو قدس الأقداس ، وإنما فى أحد الأبنية الملحقة به وكان عالى مضطجعا فى حجرة أخرى فى ذات المبنى ، ومع هذا قيل عن صموئيل إنه مضطجع فى مكانه ؛ لماذا ؟ من حيث الجسد كان كلاهما مضطجعين فى مبنى واحد ، لكن فى عينى الله حسب صموئيل أنه فى هيكل الرب أمام تابوت الله حتى فى لحظات نومه ، إذ يقول مع العروس : " أنا نائمة وقلبى مستيقظ " نش 5 : 20 بجسده ينام خارج الخيمة أما قلبه فكان ملاصقا لها ، فى داخلها . أما عالى رئيس الكهنة فكان نائما فى مكانه ، أى حيث يوجد جسده تبقى نفسه حبيسة المكان ! نادى الرب صموئيل ، وكان الصبى فى حوالى الثانية عشرة من عمره ... سمع الصوت لأن أوتار قلبه تحمل حساسية لتسمع صوت الله وإن كان قد ظنه صوت عالى الكاهن . إذ سمع الصوت ظن عالى يناديه لذلك : " ركض إلى عالى وقال : هأنذا لأنك دعوتنى " 1 صم 3 : 4 . فى روح الحب والأتضاع " ركض " إلى عالى الكاهن ظنا أنه يطلب منه خدمة أو مساعدة ، والعجيب أن الأمر تكرر ثلاث مرات ، وفى كل مرة يسرع إلى الكاهن دون تذمر ... + طريق الطاعة هو أقصر المسالك وإن يكن أكثرها صعوبة . نادى الرب صموئيل بأسمه شخصيا ، ومع هذا لم يكن ممكنا لهذا المبارك أن يتعرف عليه ويلتقى به دون إرشاد عالى الكاهن الذى اتسم بالتهاون فى حق الله مع أولاده ، هكذا يليق بنا ألا نستهين بالكاهن كمرشد وأب ، إذ يقودنا للقاء الشخصى مع الله أبينا والرب يسوع مخلصنا بواسطة روح الله القدوس . " فجاء الرب ووقف ودعا كالمرات الأول : صموئيل صموئيل " 3 : 10 – هكذا يصور لقاء الله مع صموئيل كأنما قد ترك الرب عرشه الشاروبيمى ونزع الحجاب ليقف فى المسكن المقدس يدعو الصبى . يا له من تنازل إلهى عجيب ، ومحبة فائقة له نحو الأنسان ! الله يقف ليدعو صبيا إلى عمل فائق ! جاءت إجابة صموئيل : " فإن عبدك سامع " تعلن أن جوهر النبوة هو الأستماع والطاعة للصوت الإلهى . هكذا تدرب صموئيل النبى منذ طفولته على الطاعة ، مدركا أنها أفضل من ذبائح كثيرة ، الأمر الذى لم يختبره شاول الملك ( 1 صم 15 : 22 ) . ( 2 ) حديث صموئيل مع عالى : تحدث الرب مع صموئيل عن أمور مستقبلة كأنها تتحقق فى الحاضر ( 1 صم 3 : 11) ، معلنا له أنه يحقق ما سبق أن تكلم به عن بيت عالى من أمور مخيفة قائلا له : " أقسمت لبيت عالى أنه لا يكفر عن شر بيت عالى بذبيحة أو بتقدمة إلى الأبد " 1 صم 3 : 14 . لم يذكر له تفاصيل العقوبة ، إذ لا حاجة لتكرارها ، إنما كانت كلمات الرب واضحة وصريحة وحازمة ، ربما ليعطى لعالى وأبنيه فرصة للتوبة .... خاصة أن هذا الحديث تم قبل تحقيق الأحداث بحوالى عشر سنوات .... لقد خاف صموئيل أن يخبر عالى بالرؤيا ( 1 صم 3 : 15 ) ، ليس خوفا من أن يغضب عليه ، وإنما خشية جرح مشاعره وهو شيخ وقور وأب محبوب لديه جدا ، لم يرد أن يكدره ، لكن إذ طلب منه عالى تحدث فى صراحة ولم يخف عنه شيئا . كانت إجابة عالى تكشف عن تقواه بالرغم من ضعف شخصيته أمام ابنيه ، إذ قال : " هو الرب ، ما يحسن فى عينيه يعمل " 1 صم 3 : 18 . ( 3 ) الله يسند صموئيل : إذ دعا صموئيل لعمل نبوى قيادى أعطاه امكانيات العمل ألا وهى : + المعية مع الله : " وكبر صموئيل وكان الرب معه " 3 : 19 .... الله نفسه هو سر قوة أولاده ، يرافقهم ليهبهم نفسه ويقدم إمكانياته الإلهية بين أيديهم فلا يعوزهم شىء ، هذه هى عطيته لمحبوبيه ، معيته لهم ، كما حدث مع ابراهيم ، ويعقوب ، ويوسف ، وموسى ، ويشوع ، وجدعون ، وداود . + أعطاه نعمة فى عينى شعبه إذ : " لم يدع شيئا من جميع كلامه يسقط إلى الأرض ؛ وعرف جميع إسرائيل من دان إلى بير سبع أنه قد أؤتمن صموئيل نبيا للرب " 3 : 19 ، 20 . أى من أقصى الشمال إلى أقصى الجنوب ، أى فى كل أرجاء البلاد . + بدأ الله يتراءى فى شيلوه معلنا ذاته لصموئيل بكلمته ليقطع فترة الظلمة حيث كانت كلمة الرب عزيزة ( 1 صم 3 : 1 ) . الأصحــاح الرابع إذ خرج إسرائيل لمحاربة الفلسطينيين ، دون تقديس لحياتهم أو استشارة الرب ، انهزموا ، عوض التوبة والرجوع إلى الله حملوا تابوت العهد إلى المعركة مع الكاهنين حفنى وفينحاس ، أخذ تابوت العهد منهم ومات حفنى وفينحاس وسقط من اسرائيل ثلاثون ألفا وانكسرت رقبة عالى الكاهن ومات ( 1 ) أخذ تابوت العهد فى قض 13 : 1 قيل إن الرب دفع إسرائيل ليد الفلسطينيين أربعين سنة ، ربما الحوادث المذكورة هنا كانت خلال هذه الفترة ، لقد نزل الفلسطينيون إلى أفيق والأسرائيليون إلى حجر المعونة بالقرب منهم فى مواجهتهم . " أفيق " : كلمة عبرية ربما تعنى " قوة " أو " حصن " ، وجدت خمس مدن تحمل ذات الأسم . " حجر المعونة " : أخذت هذا الأسم بعد الحوادث المذكورة بحوالى 20 عاما ( 1 صم 7 : 12 ) ، وضع صموئيل حجرا تذكاريا بين المصفاة والسن ، فى جنوب شرقى أفيق . دارت المعركة بين الطرفين فانهزم إسرائيل جزئيا فى الحقل حيث قتل منهم أربعة رجل ( 1 صم 3 : 2 ) ، فرجع الشعب إلى المحلة ، هنا نسمع عن الشعب وليس عن رجال حرب أو عن جيش ، فقد كان الشعب يحارب بغير استعداد وفى غير نظام ، بجانب فظاعة فساده الخلقى . تساءل شيوخ إسرائيل : " لماذا كسرنا اليوم الرب أمام الفلسطينيين ؟ " 1 صم 3 : 3 كان يلزم أن تكون الأجابة : بسبب الفساد والأنحراف عن الله ، فيرجعوا إليه بالتوبة ويحل فى وسطهم كسر غلبتهم . لكن ما حدث هو تغطية على الفساد بحمل التابوت فى وسطهم ليخلصهم من أعدائهم ، وبالفعل جاءوا به من شيلوه مع الكاهنين الفاسدين حفنى وفينحاس . لماذا سمح الله بذلك ؟ + إحضارهم للتابوت لم يكن يحمل رجوعا قلبيا إلى الله بالتوبة وإنما اتكلوا على شكليات العبادة الظاهرة . + جاء حفنى وفينحاس إلى المعركة ومعهما التابوت ؛ لقد كانا فاسدين ومفسدين للشعب ، وقد ظنا أن الله يلتزم أن يحارب عن الشعب ليس من أجلهما ، إنما من أجل التابوت بكونه يمثل الحضرة الإلهية . حقا لقد أعلن الله أنه قادر أن يحمى التابوت وأن يدافع عن مجده لكنه بعد تأديب الشعب مع الكهنة بسبب فسادهم . + عند دخول تابوت العهد إلى المحلة هتف جميع اسرائيل هتافا عظيما حتى ارتجت الأرض ، أمام هذا الهتاف خاف الفلسطينيون ، قائلين : " قد جاء الله إلى المحلة " 1 صم 4 : 7 . لقد هتفوا بألسنتهم وحناجرهم حتى ارتجت الأرض ، أما قلوبهم فكانت ساكنة لا تتحرك نحو الله بالتوبة ، ولا ارتجت أجسادهم التى تدنست ، لهذا حتى وإن خاف الفلسطينيون لكنهم عوض التراجع ازدادوا حماسا وتشددوا ليستعبدوا إسرائيل ، وصارت لهم الغلبة ولكن إلى حين . هتف الشعب بألسنتهم ، ولم يدركوا أن الغلبة لا بهتاف اللسان إنما بنقاوة القلب والطاعة لله ، كما جاء فى سفر التثنية : " وإن سمعت سمعا لصوت الرب إلهك لتحرص أن تعمل بجميع وصاياه التى أنا أوصيك بها اليوم يجعلك الرب إلهك مستعليا على جميع قبائل الأرض ..... يجعل الرب أعداءك القائمين عليك منهزمين أمامك ، فى طريق واحدة يخرجون عليك وفى سبع طرق يهربون أمامك " . تث 28 : 1 ، 7 . ( 2 ) موت عالى الكاهن : إذ حدثت الضربة العظيمة [ انكسار الشعب ، وقتل 26000 شخص ، وموت الكاهنين ، وأخذ تابوت العهد ] ركض رجل بنيامينى إلى شيلوه ليبلغ الخبر ، وكانت على بعد حوالى 20 ميلا من حجر المعونة ، جاء أمام رئيس الكهنة وقد مزق ثيابه ووضع ترابا على رأسه ليجد عالى يراقب الطريق ..." لأن قلبه كان مضطربا لأجل تابوت الله "1 صم 4 : 13 . واضح أن عالى لم يكن موافقا على حمل التابوت إلى الميدان ، لكنه خضع لإرادة الشعب . سمع الرجل عن انكسار الشعب وموت الكثيرين وأيضا موت أبنيه أما خبر أخذ التابوت فلم يحتمله ، إذ سقط عن الكرسى إلى الوراء إلى جانب الباب فانكسرت رقبته ومات . لقد قضى لإسرائيل أربعين عاما ( 1 صم 4 : 18 ) ، لكن تهاون أبنيه فى مقدسات الله أفقده كل ثمر ، وأنهى حياته بصورة مؤسفة . ( 3 ) ميلاد أيخابود بن فينحاس : لقد دعت امرأة فينحاس طفلها " ايخابود " ( = ابن المجد ) ، قائلة : " زال المجد من اسرائيل لأن تابوت الله قد أخذ " 4 : 22 . لقد أخطأت الفهم ، فإن الواقع أن التابوت قد أخذ لأنه قد زال المجد من اسرائيل ! . فقد إسرائيل مجده بانحرافه عن الله وزيغانه عنه لذلك أسلم الله التابوت للأعداء لتأديب الطرفين معا . لقد كانت نكبتها فى أخذ التابوت أشد وقعا على نفسها من موت حميها ورجلها ، لقد أدركت أن خسارتها بموت حميها وموت رجلها وخسارة ابنها بموت أبيه قبل أن يولد أمر لا يذكر أمام خسارة الشعب بفقدان التابوت ، علامة ترك الله شعبه . + + + الأصحاح الخامس سمح الله للفلسطينيين أن يأخذوا تابوت العهد لأجل تأديب إسرائيل ، ليدركوا أنهم بالأنحلال فقدوا حلول الله فى وسطهم ، وفى نفس الوقت أعلن الله مجده وقدرته إذ سقط داجون معبود الفلسطينيين وتحطم أمام التابوت وحلت بهم الأمراض لذا فكروا فى إعادته . سقوط داجون أمام تابوت العهد : يبقى الله أمينا بالرغم من عدم أمانتنا ( 2 تى 2 : 13 ) ، فإن كان بسبب انحلال شعبه سلم تابوت عهده للوثنيين لكنه أظهر قوته ومجده بسقوط داجون معبودهم ، كان يلزم لأهل أشدود أن يدركوا أنه لا شركة بين الله وداجون فى بيت واحد ، وأن يقبلوا الواحد دون الآخر . لكنهم تجاهلوا الأمر فجاءوا فى الصباح التالى ليجدوه أيضا ساقطا ورأسه ويداه مقطوعة على عتبة البيت ، لقد أكد لهم أن معبودهم بلا رأس ، عاجز عن القيادة والتدبير ؛ وأيضا بلا يدين عاجز عن العمل لحسابهم . إن كنا قد أقمنا فى القلب أو الفكر معبودا كداجون ، مثل محبة المال أو شهوة الجسد أو حب انتقام أو محبة المجد الباطل .... فإن دخول رب المجد يسوع وقبوله فى أعماقنا يحطم داجون ، ينزل به إلى الأرض ويقطع رأسه ويديه على العتبة كى نطأها تحت أقدامنا . داجون : يقال أن اسمه مشتق من الكلمة العبرية " داج " وتعنى سمكة . إله فلسطينى له رأس إنسان ويدا إنسان أما بدنه فعلى شكل سمكة . جاء الفلسطينيون بتابوت العهد إلى بيت داجون ظانين أن داجون قد انتصر على إله اسرائيل ، لكن هذا الأفتخار لم يدم طويلا . ضرب أهل أشدود بالبواسير : " فثقلت يد الرب على الأشدوديين وأخرجهم وضربهم بالبواسير فى أشدود وتخومها " 5 : 6 وكأن تابوت العهد الذى هو سبب نصرة وبركة للمؤمنين إن عاشوا فى حياة قدسية بالرب ، يصير هو نفسه سبب شقاء لغير المؤمنين ، وكما يقول الرسول بولس : " فإن كلمة الصليب عند الهالكين جهالة وأما عندنا نحن المخلصين فهى قوة الله " 1 كو 1 : 18 . جاء فى الترجمة السبعينية أن البلاد ضربت أيضا بالفئران على غير العادة وأكلت محصولاتهم . إذ شعر أشدود أن يد الرب قست عليهم وعلى إلههم داجون أرسلوا إلى أقطاب الفلسطينيين يطلبون مشورتهم بخصوص " تابوت إله إسرائيل " . غالبا ما تشاور أقطاب المدن الخمس الرئيسية : أشدود وغزة وأشقلون وجت وعقرون وقرروا نقل التابوت إلى مدينة جت ، جاء قرارهم فى الغالب لظنهم أنه متى انتقل التابوت من بيت الصنم يرفع الله غضبه عنهم . لم يدركوا أنه لا يمكن أن يبقى التابوت فى وسطهم مادام داجون أو غيره محتلا قلوبهم الداخلية ، ربما أيضا ظنوا أن ما حدث فى بيت داجون كان عرضا ، لذا أرادوا نقل التابوت للتأكد من دور التابوت وقدرته . ضرب أهل جت بالبواسير : " جت " كلمة عبرية تعنى " معصرة " ، وهى إحدى مدن فلسطين الخمس العظمى ، إذ نقل تابوت العهد إلى جت كانت الضربة أشد حتى يدرك الفلسطينيون أن ما يحدث ليس اعتباطا إنما هو تأديب إلهى ، إذ قيل : " إن يد الرب كانت على المدينة باضطراب عظيم جدا ، وضرب أهل المدينة من الصغير إلى الكبير ونفرت لهم البواسير " 1 صم 5 : 9 ضرب أهل عقرون بالبواسير : المدينة الشمالية من مدن الفلسطينيين الخمس العظمى ، تسمى الآن " عاقر " ، إذ نقل إليها تابوت العهد على غير رغبة شعبها كانت يد الله ثقيلة جدا هناك ، فصرخوا : " فصعد صراخ المدينة إلى السماء " 1 صم 5 : 12 ..لقد طلبوا عودة التابوت إلى مكانه . قرار جماعى بإعادة التابوت : يعتبر هذا القرار شهادة لقداسة الله وقدرته ، وكأن الله استخدم حتى شرهم لأستنارتهم ؛ منذ البداية كانوا يعلمون أنه إله قوى خلص شعبه من مصر بعجائب ( 1 صم 4 : 7 ، 8 ) لكنهم تشددوا لمقاومته ، أما الآن فقد أيقنوا أنهم لن يستطيعوا مقاومته ، لقد حقق الله ما قيل فى إشعياء النبى : " أنا الرب هذا اسمى ، ومجدى لا أعطيه لآخر ، ولا تسبيحى للمنحوتات " إش 42 : 8 . + + + عودة تابوت العهد لقد طالت مدة إقامة تابوت العهد فى وسط الوثنيين إلى سبعة أشهر ، ليتأكد الكل أن ما حل بالوثن ( الإله داجون ) وما حل بالناس ( مرض البواسير ) وأيضا بالأرض ( جرذان أو فئران كبيرة تأكل المحاصيل ) لم يكن محض صدفة إنما علامة غضب الله على الوثنيين ، وأيضا لكى يقدم المؤمنون توبة صادقة مشتاقين بالحق للتمتع بالحضرة الإلهية المعلنة بوجود التابوت فى وسطهم عمل قربان إثم : " وكان تابوت الله فى بلاد الفلسطينيين سبعة أشهر " 6 : 1 . لا نعرف ما هى مشاعر إسرائيل نحو الأحداث فى ذلك الوقت ، لقد دهشوا أن التابوت أخذ منهم كما فى خزى وضعف والكاهنين قتلا وكثيرين سقطوا وفقد الشعب كرامته .... لقد مرت الأيام والأسابيع وأيضا الشهور ولم يسمعوا شيئا عن التابوت ، لكن الله كان يعمل مؤكدا قدرته على الخلاص ، وشعر الوثنيون بالرهبة أمام الله ، فاستعدوا الكهنة والعرافين قائلين : " ماذا نعمل بتابوت الرب ؟ أخبرونا بماذا نرسله إلى مكانه ؟ " 6 : 2 . لقد استخدم الله حتى كهنة الوثنيين والعرافيين للشهادة له ، وكما يقول القديس يوحنا الذهبى الفم : [ شهد أعداء الله أنفسهم له ؛ نعم قدم معلموهم أصواتهم عنه ] . طلب الكهنة والعرافون ألا يرسلوا التابوت فارغا بل يردوا له قربان إثم اعترافا منهم أنهم أخطأوا وأن ما حل بهم هو تأديب وثمرة لإثمهم فى حق الله ، وكنوع من التعويض الأدبى والمادى لما أصاب شعبه . كانت العادة لدى الوثنيين تقديم تمثال الجزء المصاب بمرض للآلهة عند البرء من المرض ، ولذا طلب الكهنة والعرافون تقديم خمسة بواسير من ذهب وخمسة فئران من ذهب ، غير أن الشعب زادوا على هذا العدد وصنعوا فئران الذهب بعدد جميع المدن من المدينة المحصنة إلى قرية الصحراء لأن الضربة كانت عامة ( 1 صم 6 : 18 ) . أدرك الوثنيون حقيقتين : أن الله لا يرشى بذهب أو فضة إنما ما يقدمونه من قربان إثم هو اعتراف وشهادة لمجده ، : " أعطوا إله اسرائيل مجدا لعله يخفف عنكم وعن آلهتكم وعن أرضكم " 1 صم 6 : 5 وكذلك أن مقاومته لن تجدى ، فقد أغلظ فرعون قلبه فهلك ( 1 صم 6 : 6 ) ، كأن ما حدث منذ حوالى 350 عاما فى مصر ( فى ذلك الوقت ) انتشرت معرفته فى كل البلدان فى منطقة الشرق الأوسط . رد التابوت على عجلة جديدة : لقد عمل الفلسطينيون عجلة جديدة تجرها بقرتان مرضعتان لم يعلهما نير ( 6 : 7 ) ، تحمل تابوت العهد وقربان الإثم ، بالفعل استقامت البقرتان فى الطريق ، وكانتا تسيران فى سكة واحدة ، وأقطاب الفلسطينيين يسيرون وراء تابوت الرب . ما أروعه منظرا يشهد لحب الله لشعبه ! فمهما طالت إقامة التابوت فى أرض الأعداء ، لكن الله يشتاق أن يسكن وسط شعبه ويحل فيهم ، لقد ساق البقرتين رغم ميلهما الطبيعى لصغيريهما ، واستقامتا فى الطريق نحو شعب الله ، ما أعظم رحمة الله بنا ، فإنه يريد أن يتناسى أخطاءنا ويسكن فينا ويستريح فى أحشاءنا . حجر شهادة فى حقل يهوشه : إن كانت العجلة تمثل كنيسة العهد الجديد التى تضم شعبا من فريقين : من أصل يهودى ومن الأمم ، وقد صار الكل بروح الله " جديدا " فى الرب كمن لم يعلهما نير ، فإن العجلة انجذبت إلى حقل يهوشع البيتشمسى ( 6 : 18 ) ، لماذا ؟ " يهوشع " هو أسم مأخوذ عن " يسوع ( يشوع ) " ... لأنهما كانا مقادتين بقوة الأسم ، كما حدث قبلا مع الشعب الذى تبقى من الخارجين من مصر ، لقد قادهم إلى الأرض ذاك الذى حمل أسم يسوع ( يشوع ) والذى كان يدعى قبلا يهوشع . بقى حجر الشهادة الذى وضع عليه تابوت العهد فى حقل يهوشع شاهدا لعمل الله مع شعبه ( 1 صم 6 : 18 ) ، تتطلع إليه الأجيال لتذكر رعاية الله واهتمامه بأولاده . ضرب أهل بيتشمس : ( أ ) كنا نتوقع من الشعب أن يسقطوا على وجوههم عند معاينتهم للتابوت ، ويقدموا توبة للرب ، ويستدعوا الكهنة واللاويين لحمله والأحتفال به ، لكنهم فى تجاهل للشريعة التفوا حول التابوت ، ضرب من الشعب خمسون ألف رجل وسبعون رجلا ، لقد كرمه الفلسطينيون بالرغم من جهلهم أكثر من الشعب المعطى له وصايا صريحة بشأنه ، نحن أيضا كم مرة ندوس مقادس الله ونتقدم إلى الأسرار الإلهية فى تهاون ونستمع إلى كلمته بغير خشوع ؟ ! ( ب ) يميز الكتاب بين الخمسين ألفا والسبعين المضروبين بسبب رؤية التابوت ، ربما لأن الخمسين ألفا من كل بنى إسرائيل الذين سمعوا من كل موضع وجاءوا يحتفلون برجوعه بينما السبعون هم وحدهم من بيتشمس ، يرى البعض أن النسخ العبرية القديمة لم تذكر سوى رقم 70 . لم يرجع التابوت إلى شيلوه ، غالبا لأنها كانت قد دمرت بواسطة الفلسطينيين ؛ هذا واضح من الحفريات ومن إرميا 7 : 12 . أصعد التابوت من بيتشمس إلى قرية يعاريم ، على تخم يهوذا وبنيامين ، كانت تابعة ليهوذا ( قض 18 : 2 ) . يرجح أنها قرية العنب التى تسمى أيضا أباغوش تبعد حوالى 9 أميال غرب أورشليم . بقى بها تابوت العهد حتى نقله داود النبى إلى بيدركيدون وبيت عوبيد أدوم الجتى ( 1 أيام 13 – 5 – 13 ، 2 أيام 1 : 4 ) . + + + التوبة طريق النصرة كان صموئيل النبى يهيىء الشعب للتوبة قرابة 20 عاما ، وأخيرا نادى بالتوبة الجماعية من كل القلب ، والعودة الكاملة لله ، ورفض كل عبادة غريبة ، وبعد الصلاة والصوم قدم عنهم ذبيحة ، وعندئذ إذ تقدم الفلسطينيون لمحاربتهم أرعدهم الرب نفسه وأزعجهم لينكسروا أمام الشعب . لقد برز صموئيل النبى فى هذا الأصحاح كقاض وكممثل للحكم الإلهى مثل موسى ( إر 15 : 1 ) ومثل يشوع ( يش 24 ، 1 صم 12 ) ، وكأحد القضاة لكن على مستوى أعلى فى الشفاعة . يعتبر هذا الأصحاح مقدمة للأصحاح التالى ، فيه أبرز فساد النظام الملكى المقام من أجل مظاهر بشرية . تابوت الرب فى بيت أبيناداب : أثار تابوت العهد رعبا ليس فقط فى مدن فلسطين العظمى وإنما أيضا فى بيتشمس ، أما أهل قرية يعازيم فقد أدركوا أنه يمثل حضرة الله ، هو نار آكلة بالنسبة للمرتدين عنه والمنحرفين أما بالنسبة لمحبيه فحافظ لهم وسر فرحهم وتعزيتهم . لهذا صعدوا بفرح وأتوا به فى احترام ووقار ، وجاءوا به إلى بيت أبيناداب ليبقى هناك قرابة مئة عام حتى نقله داود النبى ( 2 صم 6 : 1 – 4 ) . كلمة " أبيناداب " تعنى " أبا الكرم أو النبل " ، وكأنه لا يمكن التمتع بالحضرة الإلهية ما لم تحمل النفس الداخلية نوعا من الكرم أو السخاء فى العطاء . وضع التابوت فى بيت فى الأكمة أى على مكان عال ، وقدس أليعازر ( تعنى الله معين ) بن أبيناداب لأجل حراسة التابوت ، غالبا ما كان لاويا وليس كاهنا . كان التابوت فى قرية يعازيم بينما أقيمت الخيمة فى نوب بلا تابوت مما عطل العبادة فيها أو جعلها عبادة غير كاملة ، وكان هذا إعلانا عن حالة الخمول الروحى والأنحطاط التى بلغ إليها الشعب . سار صموئيل يجول بين الشعب ليعدهم لحياة التوبة والرجوع إلى الله . ( 2 ) الرجوع القلبى والعملى لله : بعد موقعة أفيق التى مات فيها أبنا عالى الكاهن وعالى نفسه ، بدأ صموئيل النبى يمارس عمله القيادى الهادىء والبناء . اتخذ إقامته غالبا فى الرامة حيث التف حوله بعض الشباب وصاروا نواة لأول مدرسة للأنبياء ، فى هذه الفترة تزوج صموئيل وأنجب ابنين دعاهما : يوئيل " يهوه هو الله " ، ......أبيا " الرب هو أبى " . فى هذه الفترة عاد تابوت العهد إلى إسرائيل ووضع فى قرية يعازيم بينما نقلت الخيمة إلى نوب ، وتعطلت بعض الشعائر الدينية ، أما صموئيل فلم يكف عن العمل الهادىء البناء على المستوى الفردى والأهتمام بالشباب ، مع ممارسة حياة الصلاة . خلال هذا الأصلاح الهادىء انفتحت القلوب بالحب لله وبالتالى تجمعت القلوب معا بالحب الأخوى وروح الوحدة . بعد عشرين سنة من وجود تابوت العهد فى قرية يعازيم وجد صموئيل الفرصة سانحة للمناداة بالتوبة الجماعية والرجوع لله مع الكشف عن سر فشل الشعب وعن طريق النصرة ، إذ تحدث صموئيل مع كل بيت إسرائيل ( أى مع الجماعة كلها ) قائلا : " إن كنتم بكل قلوبكم راجعين إلى الرب فانزعوا الآلهة الغريبة والعشتاروت من وسطكم ، وأعدوا قلوبكم للرب وأعبدوه وحده فينقذكم " 1 صم 7 : 4 . سر ضعف الأنسان التعريج بين الطريقتين وعدم رجوعه بكل القلب إلى الرب ، كأن يتمسك بشكليات العبادة الخارجية بينما يقيم فى أعماقه إلها خفيا " كـ الأنا " . ( 3 ) الصلاة والصوم والذبيحة : التوبة بما يلازمها من تغيير القلب الداخلى وعبادة هى أمر شخصى يمس حياة المؤمن وعلاقته الخفية مع الله ، لكنها فى نفس الوقت هى ممارسة جماعية ، إذ يقول صموئيل النبى : " اجمعوا كل إسرائيل إلى المصفاة " 7 : 5 توبة خاطىء واحد تفرح ملائكة السماء ( لو 15 : 10 ) ، وتسند الكثيرين على الأرض وتدفعهم للتوبة معه ، ومع كل سقوط واستهتار خفى نسيىء إلى الجماعة كلها . جاءت التوبة القلبية تحمل أعمالا ظاهرة أيضا : + نزع الآلهة الغريبة ( 1 صم 7 : 4 ) . + التقاء جماعى فى المصفاة للعبادة بروح واحد ( 1 صم 7 : 4 ) + صموئيل النبى يصلى إلى الرب لأجلهم ( 1 صم 7 : 5 ) + استقاء ماء وسكبه أمام الرب ( 1 صم 7 : 6 ) + صوم جماعى ( 1 صم 7 : 6 ) . + الأعتراف بالخطايا للرب أمام صموئيل النبى ( 1 صم 7 : 6 ) + الحاجة إلى ذبيحة للمصالحة مع الله ( 1 صم 7 : 9 ) . يبرز صموئيل النبى دور الله فى حياة شعبه ، فإنهم إذ يجتمعون للتوبة يحتاجون إلى يد الله الخفية تعمل فيهم لذلك يقول : " فأصلى لأجلكم إلى الرب " 1 صم 7 : 5 . هنا يبرز صموئيل النبى كراع روحى ، يعرف أنه لن يقدر أن يقود شعب الله بدون الصلاة . " فاجتمعوا إلى المصفاة واستقوا ماء وسكبوه أمام الرب " 1 صم 7 : 6 يرى البعض أنه اشارة إلى سكب قلوبهم بالتوبة أمام الرب ، أو علامة الأعتراف بالضعف ، أو تأكيد للقسم ، فى ذلك الوقت كان صموئيل النبى يقضى بينهم كقاض ، لا خلال السلطة وإنما بعد تقديم صلوات طويلة مستمرة وإصلاح دائم بينهم وعمل روحى هادىء ثم توبة جماعية ورجوع إلى الله . ( 4 ) الرب واهب النصرة : مع كل جهاد روحى هادف يثور عدو الخير لا لخطأ أرتكبه الأنسان أو ارتكبته الجماعة ، وإنما هى علامة رفض الظلمة للنور ، ومقاومة عدو الخير لمملكة الله . لقد اجتمع أقطاب الفلسطينيين أيضا وصعدوا إلى إسرائيل ( 1 صم 7 : 7 ) ، فخافوا أن يتكرر معهم ما حدث فى موقعة أفيق ( 1 صم 4 ) ، لكنهم إذ كانوا تحت قيادة روحية سليمة يمارسون التوبة طلبوا من صموئيل النبى ألا يكف عن الصراخ من أجلهم إلى الرب ليخلصهم ... قدم صموئيل محرقة للرب علامة تسليم نفوس الشعب ليد الرب تماما ، واستجاب الرب خلال الطبيعة بواسطة رعد أو زلزال ، واهبا إياهم الغلبة والنصرة ، إذ ضربوا العدو إلى ما تحت بيت كار ( تعنى بيت الخرفان ) غرب المصفاة ، يظن أنها بيت كارم الحالية ، أو عين الكروم . مع كل نمو روحى نواجه حربا جديدة ، تؤول إلى تزكيتنا وتكليلنا ما دمنا فى يد الله . تحققت النصرة فى ذات الموقع الذى حدثت فيه الهزيمة قبلا وأخذ التابوت ( 1 صم 4 : 1 ) ، لذلك أخذ صموئيل حجرا ونصبه ، ودعاه : " حجر المعونة " ........، لكى يكون شاهدا على عمل الله فى حياة شعبه الراجعين إليه . هذا التذكار يجدد روح الشعب باستمرار حتى لا ينحرفوا عن الله . يقول رب المجد يسوع : " إن سكت هؤلاء فالحجارة تصرخ "لو 19 : 40 .... إذ أقام صموئيل هذا الحجر لكى يبعث حياة الشركة فى كل من يتطلع إليه . لعل هذه النصرة لإسرائيل أعطت مجالا للمصالحة بين إسرائيل والأموريين ( 1 صم 7 : 14 ) ليعيش الشعب إلى حد ما فى جو من السلام والطمأنينة . ( 5 ) قضاء صموئيل فى مواضع متعددة : يعتبر صموئيل النبى هو المصلح الروحى الحقيقى فى تلك الآونة حتى كادت عبادة البعل تختفى تماما فى الفترة ما بين بدء النظام الملكى حتى أوائل عصر سليمان الحكيم .... يلاحظ أن صموئيل النبى أقام أكثر من مكان للعبادة مثل بيت إيل والجلجال والمصفاة ، لقد أراد صموئيل أن يؤكد أن سر القوة هو فى العلاقة الخفية فى القلب مع الله ، دون تجاهل العبادة الجماعية بروح الوحدة والحب . لقد بقى الأمر كذلك حتى جاء سليمان الحكيم وأقيم هيكل الرب الواحد فى أورشليم بأمر إلهى ، ليجمع الكل معا بالروح الواحد حول هيكل واحد للرب + + + الباب الثانى بـــــدء عصر الملـــوك انشغل الشعب بمظاهر العظمة والأبهة التى لملوك الأمم المحيطين بهم ، وحسبوا ذلك مجدا وكرامة حرموا هم منها ، لذا استغلوا شيخوخة صموئيل النبى وعدم سلوك أبنيه فى طريق أبيهما ليطلبوا من صموئيل إقامة ملك يقضى لهم كسائر الأمم ( 8 : 5 ) . ( 1 ) طلب ملك : ربما يتساءل البعض : لو لم يطلب الشعب ملكا ، هل كان الله قد أعد لهم إقامة مملكة ؟ ( أ ) لا نجد للنظام الملكى موضعا حقيقيا فى الشريعة الموسوية إلا ما جاء فى تث 17 : 14 – 20 . ربما كان هذا نبوة عن إقامة نظام ملكى فى أرض الموعد ، وربما كانت نصائح تقدم للشعب إن اختار له ملكا وقواعد يلتزم بها الملك ليعيش كما يليق كعضو فى الجماعة المقدسة . ( ب ) كان الخطأ لا فى طلب إقامة ملك إنما فى تعجل الأحداث وفى إساءة فهم النظام الملكى ، فمن جهة الزمن كان الله يدبر لهم إقامة ملك قلبه مثل قلب الله ، فقد سمح بمجىء راعوث من بين الأمم ، تلك التى من نسلها يخرج داود النبى والملك لو أنتظروا قليلا لنالوا أفضل مما طلبوا ، ولما أقيم شاول الجميل الصورة الذى سبب لهم شقاء عظيما . كان يمكنهم اختيار قائد للحرب دون الأرتباط بالنظام الملكى وتسليم القيادة فى أيدى نسله بالوراثة لماذا لم يوبخ الله صموئيل على انحراف أبنيه كما فعل مع عالى ؟ ربما لأن عالى كان رئيس كهنة وقد ارتكب ابناه الكاهنان خطايا بشعة ورجاسات تستوجب لا العزل بل القتل حسب الشريعة ، وكان الأبنان يعملان مع أبيهما وتحت مئوليته كرئيس كهنة ، أما بالنسبة لأبنى صموئيل ، فيحتمل أن يكون انحرافهما – قبول الرشوة – جاء مؤخرا بعدما تسلما العمل بفترة ، فابتدأ الأثنان بالأستقامة لكن محبة المال أغوتهما ، هذا وكان الأثنان يعملان فى بئر سبع وليس مع أبيهما فى الرامة ، وربما جاء اختيارهما بناء على رغبة الشعب لأنهما لا يرثان المركز ( القاضى ) بالخلافة . اعتراض شيوخ إسرائيل على انحراف ابنى صموئيل يكشف عن وجود ضمير حى فيهم ، على خلاف فترة حكم عالى الكاهن إذ لا نجد أحدا يعترض على تصرفات أبنيه البشعة . يليق بكل قائد أن يحذر من محبة المال والرشوة فقد أفسد المال قلبى القاضيين وسبب متاعب لهما ولأبيهما كما للشعب . ( 2 ) صموئيل النبى يحسب ذلك إهانة له : لقد حسب صموئيل النبى ذلك الطلب رفضا لعمله القضائى ، وحسب الرب ذلك رفضا له هو شخصيا كملك على شعبه ، إذ قال لصموئيل نبيه : " إسمع لصوت الشعب فى كل ما يقولون لك ، لأنهم لم يرفضوك أنت بل إياى رفضوا حتى لا أملك عليهم " 8 : 7 . ما أعظم حكمة صموئيل ، فإنه كرجل صلاة لم يثر عليهم ولا وبخهم بل طلب أولا مشورة الله وإرشاده ، وقد وهبه الله راحة أن الشعب لم يرفض صموئيل بل رفض الرب نفسه ، والعجيب أن الله يطلب من صموئيل : " اسمع لصوت الشعب فى كل ما يقولون لك " . إنه يقدس الحرية الأنسانية ، ويستجيب للطلبات الجماعية وإن كان يكشف لهم الحق منذرا إياهم بسبب سوء رغبتهم . إنه لا يلزمهم ولا يقهرهم على نظام معين بل يطلب منهم أن يتفهموا الحق بكامل حريتهم . ( 3 ) الله يقبل طلبتهم مع تحذيرهم : استجاب الله لطلبتهم ، هذا لا يعنى رضاه عن ذلك ، إنما كما يقول المزمور : " يعطيك سؤل قلبك " مز 37 : 4 . فإن كان سؤل قلبنا سماويا ننعم بالسماويات كبركة لنا ، وإن كان سؤل قلبنا لغير صالحنا أو بنياننا يسمح بتحقيقه لأجل التأديب ، وكما يقول المرتل : " فأعطاهم سؤلهم وأرسل هزالا فى أنفسهم " مز 106 : 15 . ( 4 ) صموئيل يحذر الشعب : تحدث صموئيل النبى مع الشعب فى صراحة ووضوح بجميع كلام الرب ، ليكشف لهم عن مساوىء طلبتهم لإقامة ملك ، والتى تتلخص فى الآتى : ( أ ) تسخير بنيهم للخدمة العسكرية لا لصالح الشعب إنما بالأكثر لصالحه الشخصى كعبيد له . ( ب ) يستغل بناتهم كعطارات وطباخات وخبازات لترفه عنه هو وعائلته ورجاله . ( ج ) يغتصب أجود حقولهم لحساب خصيانه ( كبار موظفيه ) وعبيده . ( د ) استغلال طاقاتهم فى زراعة أرضه الخاصة والعمل لحسابه . ( هـ ) إذ يحل بهم الظلم لا يجدون من يصرخون إليه ، فإن الله نفسه لا يسمع لهم لأنهم هم اختاروا ملكهم حسب هواهم الشخصى . لم يسمع الشعب لنصيحته بل أصروا على إقامة ملك ( 1 صم 8 : 19 ) ، عندئذ فض صموئيل الأجتماع ليذهب كل واحد إلى مدينته ( 1 صم 8 : 22 ) ، وقد تأكد الجميع أن صموئيل يدبر لهم الأمر . + + + الأصحاح التاسع ( 1 ) شاول وأتن أبيه الضالة : إذ سأل الشعب صموئيل النبى أن يقيم لهم ملكا أختير " شاول " الذى يعنى " سؤال " ملكا . لقد أعطاهم ملكا حسب سؤل قلبهم ، إنسانا حسن الصورة طويل القامة ، أما قلبه فلم يكن مستقيما ، لم يتجاهل الكتاب المقدس الجوانب الطيبة التى اتسم بها شاول بل على العكس أبرزها ، لكن لم يحتمل شاول الغنى والكرامة إذ كشفا انعوجاج قلبه الداخلى واهتمامه بحب الكرامة الزمنية والمظاهر الخارجية لذا انتهت حياته برفض الله له وحرمان نسله من تولى الملك . يروى لنا هذا الأصحاح الأحداث التى انتهت بمسح شاول ملكا ، أحداث قد يراها البعض عارضة ، أو محض صدفة ، تبدو أحداثا تافهة بلا قيمة ، لكن الوحى الإلهى يكشف لنا كيف أن الله ضابط الكل ، يحول الأحداث جميعها – مهما بدت تافهة – لتحقيق خطة إلهية من جهتنا ، وليس شىء ما يتم بالصدفة . هنا نجد أتن قيس تضل فيخرج شاول يبحث عنها لا ليجد الأتن وإنما لكى يدعى للملك ، خروج الغلام معه ، الذى يشير عليه أن يلتقيا بالرائى ، أيضا وجود نصف شاقل فضة لدى الغلام ، لقاء شاول والغلام مع الفتيات الخارجات ليستقين ، لقاؤهما مع الرائى ..... هذه جميعا بدت فى الظاهر كأنها كأنها أمور تمت بلا تدبير مسبق ، لكن الواقع أن الله كان وراء كل هذه الأمور يستخدمها لتحقيق خطته ، ليتنا نؤمن أن كل ما يمر بحياتنا – مهما بدأ تافها – يسير بتدبير الله العارف حتى بعدد رؤوسنا ( مت 10 – 30 ) والمعتنى بالعصافير . ( 2 ) الغلام يشير عليه باللقاء مع الرائى : إذ أراد شاول العودة حتى لا ينشغل أبوه بأمره هو والغلام ، سأله الغلام أن يستشير رجل الله ليخبرهما عن طريقهما التى يسلكان فيها ( 1 صم 9 : 6 ) اعتاد اليهود أن يدعوا النبى " رجل الله " ، لأنه يعمل على التقدم بالشعب إلى الله خلال الصلاة والوصية الإلهية والأرشاد والنبوة ؛ كما يدعى " إنسان الروح " هو 9 : 7 ، بكونه مهتما بالروحيات ، يعمل بقيادة روح الله ، وأيضا يدعى " الرائى " إذ ينظر إلى بعض أمور المستقبل كما ببصيرة روحية مفتوحة . تساءل شاول : " ماذا نقدم للرجل ، لأن الخبز قد نفذ من أوعيتنا وليس من هدية نقدمها لرجل الله ، ماذا معنا ؟ " 1 صم 9 : 7 . إن كان شاول قد جهل اسم الرائى وموضع سكناه لكنه تربى منذ الطفولة ألا يدخل بيت الله بيد فارغة ، ولا يلتقى برجل الله بيد فارغة . وكانت العادة السائدة أن يقدم الأنسان من طعامه أو محصولاته كما من أمواله . هذه العادة عاشتها الكنيسة الأولى ، فقيل عن والد القديس تكلا هيماتوت الأثيوبى ، وهو كاهن ، أنه لم يكن يدخل الكنيسة بيد فارغة ، الكاهن الروحى محب للعطاء أكثر من الأخذ .... أينما وجد يشتاق أن يعطى ، أقول إن كل نفس تلتقى بالله المحبة يحمل طبيعة العطاء فى أعماقه ، يفرح ويشبع داخليا مع كل عطاء للغير . كان مع الغلام ربع شاقل فضة ، وهو مبلغ زهيد للغاية ، لم يخجل هو وشاول من تقديمه ، فإن العبرة لا فى الكمية بل فى طبيعة العطاء ذاتها أو اتساع القلب بالحب . كانت الرامة – مدينة صموئيل – قائمة على أكمتين ، لذا قيل " وفيما هما صاعدان فى مطلع المدينة " أى متجهان نحو باب المدينة ، ألتقيا بفتيات خارجات لأستقاء الماء ، قلن لهما : " هوذا هو أمامكما ، أسرعا الآن ، لأنه جاء اليوم إلى المدينة لأنه اليوم ذبيحة للشعب على المرتفعة " 1 صم 9 : 12 إن كانت الرامة القائمة على أكمتين تمثل كنيسة المسيح القائمة على العهدين ، القديم والجديد ، فإنه يليق بكل قلب أن يترك ما هو عند السفح ويصعد بروح الله خلال كلمة الله – العهدين – ليعيش فى الرامة كراء ينعم بالبصيرة المفتوحة المطلعة على أسرار الله وأمجاده السماوية ؛ ماذا قالت الفتيات لهما ؟ : " عند دخولكما المدينة للوقت تجدانه قبل صعوده إلى المرتفعة ليأكل ، لأن الشعب لا يأكل حتى يأتى لأنه يبارك الذبيحة ، بعد ذلك يأكل المدعوون " 1 صم 9 : 13 . إذ ننعم بالصعود إلى كنيسة المسيح ، ماذا نرى ؟ نرى مسيحنا الذى تقدم ليأكل ، مقدما جسده المبذول ذبيحة حب مشبعة لشعبه ، يبارك الذبيحة بيديه الطاهرتين ليعطى مدعويه ليأكلوا ويشبعوا ويثبتوا فيه . لما دخل الرجلان إلى وسط المدينة " إذا بصموئيل خارج للقائهما ليصعد إلى المرتفعة " 1 صم 9 : 14 . هكذا إذ ننعم بالعضوية الكنسية ، ندخل إلى كنيسته فيحملنا إلى جبل الجلجثة ( المرتفعة ) لنتمتع بسر الذبيحة واهبة المصالحة والمشبعة لأحتياجات النفس . ( 4 ) صموئيل يكشف لشاول رسالته : لقد كشف الله أولا لصموئيل النبى بخصوص مسح شاول ملكا أو رئيسا لشعبه ، وذلك قبل اللقاء معه بيوم ( 1 صم 9 : 15 ) . ويلاحظ أن كلمة " رئيس " جاءت هنا فى العبرية تعنى " رئيسا " أو " أميرا " غير أن الحديث عنه هنا كملك ، كما أن المسحة ذاتها تعنى نواله الملوكية . استضاف صموئيل النبى شاول ، وكشف له كل شىء ، إذ قال له : " وأما الأتن الضالة لك منذ ثلاثة أيام فلا تضع قلبك عليها ، لأنها قد وجدت ، ولمن كل شهى إسرائيل ؟ أليس لك ولكل بيت أبيك ؟! 1 صم 9 : 20 فى اتضاع أجاب شاول : " أما أنا بنيامينى من أصغر أسباط اسرائيل ، وعشيرتى أصغر كل عشائر أسباط بنيامين ؟! فلماذا تكلمنى بمثل هذا الكلام ؟ ! 1 صم 9 : 21 . هنا يليق بنا أن نقف قليلا لندرك عطايا الله للإنسان المرتفع إلى مدينة الرامة ، أى إلى الكنيسة ، والملتقى مع صموئيل رمز السيد المسيح . ( أ ) طلب صموئيل النبى من شاول ألا ينشغل بالأتن الضالة ، فإنها أمر تافه للغاية أمام ما سيناله من عطايا ، مقابل هذا أعلن له أنها قد وجدت ، وأنه ينال كل شهى إسرائيل ، ألم يسألنا السيد المسيح ألا نتهتم بشىء إلا بملكوت الله وهذه كلها تزاد لنا ؟ فإن الله فى محبته يهبنا فى هذا العالم مئة ضعف ( مت 19 : 29 ) . بجانب تمتعنا بملكوت الله . لنترك عنا الرتباك بالأتن الضالة ، فيردها الرب إلينا ويعطينا مركبات وخيل ، اما ما هو أعظم فإنه يهبنا ملكوته السماوى ، كما بقيادة مركبته السماوية ، لنترك الأتن الوضيعة الأرضية فنتقبل مركبة الله السماوية ! ( ب ) أخذه صموئيل هو وغلامه إلى المنسك ، أى إلى الغرفة بالمرتفعة عند المذبح المعدة للولائم الخاصة بالذبائح ، وجعلهما على رأس المدعوين وهم نحو ثلاثين رجلا ( 1 صم 9 : 22 ) ، ثم أوصى الطباخ أن يقدم له الساق وما عليها ( 1 صم 9 : 24 ) ، على أى الأحوال من يترك الأنشغال بالزمنيات يرتفع كما إلى الوليمة السماوية وينعم بالطعام السماوى وينال كرامة مضاعفة وشبعا . ( جـ ) تمتع شاول بحديث سرى مع صموئيل عند طلوع الفجر على السطح ( 1 صم 9 : 25 ، 26 ) ، هكذا إذ ننعم بالطعام السماوى ندخل إلى علاقة سرية مع مسيحنا ، نلتقى به مبكرا ، حيث نوجد كما على السطح ، مرتفعين نحو السماء لننظر أسراره الإلهية وننصت إلى كلماته الخاصة ، محدثا إيانا عن إقامتنا ملوكا روحيين ( رؤ 1 : 6 ؛ 5 : 10 ) . |
||||
|