الراهب القمص بطرس البراموسي
سمات الحرية المسيحية
استكمالاً لمفهوم الحرية السليمة، يجب أن نوضح أن هذه الحرية يجب أن تتسم ببعض السمات التي تميزها عن حرية من يعيشون لملذات الجسد وشهوات العالم، وذلك حسب ما ورد في الكتاب المقدس، و تتلخص في:
1- حرية مسئولة.
(هكذا تكلموا و هكذا افعلوا كعتيدين إن تحاكموا بناموس الحرية) (يعقوب 2: 12). (كأحرار و ليس كالذين الحرية عندهم سترة للشر بل كعبيد الله) (1بطرس 2: 16).
2- حرية للبناء.
تتناسب وتتوافق مع مسيحيتي ولا يستعبدني فيها شيء (وأما الرب فهو الروح و حيث روح الرب هناك حرية) (2كورنثوس 3: 17).
3- تطلب وتهتم بما هو يبني أخوتي.
(فإنكم إنما دعيتم للحرية أيها الأخوة غير أنه لا تصيروا الحرية فرصة للجسد بل بالمحبة اخدموا بعضكم بعضاً) (غلاطية 5: 13).
النضج اللازم للحرية السليمة
أ- النضج النفسي:
ويقصد به استقرار النزعات الغريزية في الإنسان، وهى نزعات متناقضة كالحب والكراهية، تأكيد الذات والتبعية.. هذه النزعات تحتاج إلى سلطة ضابطة، ومن محصلة هذه النزعات مع السلطة الضابطة تبدأ الشخصية في النمو وتتجه إلى الاستقلال، ويصير الإنسان كائناً يمسك بيده زمام أموره، ولا يتجاهل طاقاته الغريزية بل يوجهها وفق خيره وخير الآخرين.
ب- النضج الاجتماعي والتربوي:
التربية والمحيط الاجتماعي قد يساعدان الإنسان على النمو، وبالتالي على بلوغ النضج واكتساب الحرية، ومن ناحية أخرى قد يعطلانه ويجعلان منه ذاتاً هزيلة تتحكم فيها غرائزها، فإما أن تنحرف أو تكون شخصية منقادة تابعة، مستبدلة عبودية النزوات بعبودية الضغوط الاجتماعية، وغالباً ما تتأرجح بين العبودية وفقاً للأحوال والظروف في ضياع ومتاهات مؤلمة.
ففي الشباب المبكر تستيقظ في الشاب قوة جديدة، وتتحرر طاقات تريد أن يكون لها وجود مستقل، وهى إن كانت أمر طبيعي في البداية، إلا أن استمرارها إلى مشارف بلوغ الشباب أمر يجعلنا نهتم بالموضوع، فمن حق الشباب تحقيق نفسه، ولكن ليس على حساب مجموعة القيم التي تنظم الحياة من حوله، ولا ضد الوالدين في تمرد أو رفض.
ج- النضج الروحي:
ندقق هنا في قول السيد المسيح "من يعمل الخطية هو عبد للخطية" (لو 34:8).
فالخطية هي المشكلة الأولى أمام الحرية الداخلية، وبالتالي أمام كل أنواع الحريات.
والمقصود بالنضج الروحي، الوعي الكافي لكي يختار الإنسان ممارساته الروحية عن رضي وفرح، فيصوم ليس لأن الصوم فرضاً عليه، ولكن لأنه يجد فيها اختياره وقناعته الداخلية الكاملة بأن هذا لخيره، كما ذكرنا أيضًا هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت في أقسام أخرى. وهكذا أيضاً في صلاته وكافة ممارساته الروحية.
وهناك أيضاً تأتى الطاعة كتاج للحرية الواعية المسئولة، ليست كاتضاع العبيد، ولكن تقدمة حرة واعية لذات يصحبها الفرح "أن أفعل مشيئتك يا إلهي سررت" (مز 40: 8) وحينما يكون الداخل حراً من أي تشويش حينئذ ينجلي السمع وتتميز الأصوات ويكمل الفرح. إن الطاعة ليست ضعف بل قوة، لأن القوي هو الذي يحتمل ويطيع كما أن الرب يسوع المسيح وضع ذاته علي الصليب واضعا لنا مثالا لكي نتبع خطواته.
وحينما يسكن المسيح في الداخل ويكون هو الملك والمسيطر، تهدأ الرياح ويهرب الظلام، ويصير الإنسان حراً من كل قيد، فيرتفع تلقائياً فوق قمة العالم حينما تنفك كل قيوده، لهذا قال الرب يسوع: "إن حرركم الابن فبالحقيقة تصيرون أحراراً" (يوحنا 8: 36).