الجهاد والبتولية
ويتساءل القديس: ”ما الذي يُريدنا أن نفعله بعد هذا؟“ ويُجيب بأنه يُريد أغصان الصفصاف التي يرمُز بها إلى البِّر لأنَّ النبي يقول عن البَّار ”ينبُت مِثل الصَّفصاف على مجاري المياه“ (إش 44 : 4). وأخيرًا لِيُتوج الكُلّ، أوصى بأن يُحضِر غصن من شجرة الـAgnos (لم تَرِدْ في نص الكِتاب المُقدس لكن القديس ميثوديوس هو الذي أضافها) لِتُزين الخيمة لأنها هي شجرة العِفة...
”ليذهب العابِثون الآن الذين، بسبب حُبُّهم للشهوات والملذات، رفضوا العِفة، كيف سيدخلون إلى العيد، هؤلاء الذين لم يُزيِنوا خيمتهم بأغصان العِفة، تلك الشجرة المُباركة التي صنعها الله؟“، ويدعو ميثوديوس العذارى قائِلًا: ”تعالوا أيتها العذارى لنتأمَّل في الكِتاب المُقدس ووصاياه، لِنرى كيف أنَّ الكلِمة الإلهي جعل العِفة تاج هذه الفضائِل التي ذكرناها، ونعلم كم هي لائِقة ومرغوبة من أجل القيامة، وكيف أنه بدونها لا يستطيع أحد أن ينال المواعيد، وكما نقتني نحن الذين نذرنا بتوليتنا هذه العِفة، كذلك يقتنيها أيضًا هؤلاء الذين يعيشون مع زوجاتِهِمْ“.
وينصح القديس هؤلاء الذين يحبون الجِهاد، الأقوياء الذِهن، أن يُكرِّموا العِفة كشيء مجيد جدًا، كثير الفائِدة والنفع، لأنَّ كلّ من يوجد في الحياة الأبدية غير مُتزيِن بأغصان العِفة لن ينال الراحة لأنه لم يَطِع وصية الله بحسب الناموس ولم يدخُل أرض الموعِد، لأنه لم يحتفِل مُسبقًا بعيد المظال، إذ لن يدخُل الأرض المُقدسة إلاَّ الذين احتفلوا بعيد المظال.
بعد أن نصح القديس هؤلاء الذين يحبون الجِهاد بأن يكرِموا العِفة، يبدأ هو نفسه في مدحها، لأنه لا شيء يُعين الإنسان في طريق الكمال مثل العِفة، لأنها وحدها تجعل النَّفْس محكومة مضبوطة وتحفظها حُرَّة نقية من العالم، لذا عندما علَّمنا السيِّد المسيح أن نقتنيها وأظهر لنا جمالها الفائِق، دُمِرت مملكة العدو الشِّرِّير، الذي قبل الزمان أسَرْ واستعبِِد كلّ جِنْس الإنسان، لذلك لم يُرضي القُدماء الله، لأنَّ الناموس وحده لم يكُن كافيًا لتحرير الجِنْس البشري من الفساد، حتّى أشرقت البتولية بعد الناموس وحُكِمت البشرية بوصايا الله، وما كان البشر الأوَّلون لِيُقاتِلوا، لأنَّ الناموس لم يكُن كافيًا لخلاصِهِمْ، ولكن منذ أن تجسَّد المسيح وتزيَّن جسده بالبتولية، تحطَّم الطاغية الهمجي الذي هو سيِّد الخطية، فَسَادَ السلام والإيمان والغلبة.
يرى القديس ميثوديوس أنَّ شجرة العُلِّيقة تمدح البتولية والعِفة، لأنَّ العُلِّيقة وشجرة أل Agnos هما نفس الشجرة، لكن البعض يُسمونها عُلِّيقة والبعض الآخر Agnos وربما كان ذلك لأنَّ كليهِما مُرتبِط بالبتولية التي دُعِيَت عُلِّيقة وAgnos:
عُلِّيق: بسبب قُوَّتها وثباتها أمام الشهوات.
Agnos: بسبب عِفتها الدائِمة.
لذلك يذكُر الكِتاب المُقدس أنَّ إيليا النبي وهو يهرب من وجه المرأة إيزابِل (1مل 19: 4) أتى أولًا تحت شجرة العُلِّيق، وهناك أُعطِيَ قُوَّة وطعامًا، وهذا يرمُز إلى أنَّ ذاك الذي يهرب من الشهوات، من امرأة، تكون له شجرة العِفة ملجأ وظِلْ.
ويرى القديس أنَّ التدريب الذي يُعِد النَّفْس منذ الطفولة للمجد البهيج جدًا والمجيد، ويزرع في النَّفْس رجاءً كبيرًا، هو العِفة التي تهِب الأبدية لأجسادنا، وتجعل البشر يُفضِلونها بإرادتهم ويمدحونها فوق كلّ الأشياء الأخرى... والبعض عن طريقها يُخطبون للكلمة ويحيون في بتولية.