|
رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
فالانتاين سفينتيتسكي الشهيد راهب في العالم راهب في العالم، الشهيد الجديد فالانتاين سفينتيتسكي، من أبطال القرن العشرين الروحيين لسؤ الحظ، نحن لا نعرف إلاّ القليل عن هذا المعلّم الكنسي الغيور. القليل الذي نعرفه عنه يأتي من معاصريه الليبرالليين الذين، عادةً ما كانوا لا يتنازلون من أجل التعرّف على فرادة وانتظام الفلسفة الآبائية التي كانت تشكّل جوهر الحياة بالنسبة للشهيد فالانتين. بسبب هذا، كان عدوهم الذي لم يستطيعوا فهمه، بسبب خبرة ارتداده الاصيلة. لقد حُفظ التعليم المقدّس حول الله والإنسان خلال القرون وازداد غنىً داخل سياج الكنيسة الأرثوذكسية. وهذا التعليم هو محيط لا يُسبَر غوره من الحكمة، ويجب أن نقاربه بخوف ورعدة فلا نشوّه أيّاً من حقائقه من خلال خطايانا وكبريائنا. لا يمكن أن ينمو هذا التعليم في أيدي العقائدية الدهرية المدّعية. كان عقل الأب فالانتي الفضولي في حالة رهبة أمام حقيقة التجسّد بالقَدر الذي يمكن الوصول إليها. بهذا الخصوص، لم يكن من هذا العالم، لكنه بقي في العالم كراعٍ قاد الناس إلى دنيا الاعتدال في الطعام والزراعة، التقشف والإيمان بالآخرة. من خلال تفاصيل حياته، نستطيع أن نخبر بأنه ولد في كازان، عام 1882، من عائلة بولندية أرستقراطية. تلقّى علوماً جيدة، وكان شاباً موهوباً ومثيراً جداً للإعجاب. كانت عيناه الواسعتان تنظران إلى العالم بكل جدّية. في سن الخامسة عشرة، كان بإمكانه مناقشة كانت (الفيلسوف الالماني) مع فلاسفة كبار، وعاجلاً بدأ بحملة عنيفة على رذائل المجتمع عن طريق الدفاع عن نظام صارم للجسد والروح. كان كلامه ينشئ انطباعاً صادقاً. أصدر على الأقل مجلتين، “مشاكل الدنيا” و “عيش الحياة”، تعالجان المشاكل المسيحية في مجتمع كان قادته المفكرون يقودون المسيحيين الاثوذكسيين الى فخ الأفكار والمذاهب البعيدة عن المسيح. ترك موسكو سنة 1905 متوجهاً الى بطرسبرغ من أجل الحصول على دعم “الأخوية المسيحية المجاهدة”. عرف قيمة المثال الرهباني لكل المسيحيين والحماس الرهباني ضد انحطاط المفكرّين الأحرار في ذلك الوقت. لقد كان هؤلاء المفكرون يسيرون بسرعة بعيداً عن تسليم الكنيسة المقدّس آخذين الأرثوذكسية غطاءً لا يلتزمون به. من كتاباته “مواطنو الملكوت” و “رحلاتي بين نسّاك جبال القوقاز” (موسكو 1915). هذه كانت مستوحاة من زيارته للإسقيط الرهباني في القوقاز. كتب أيضاً كتاباً آخراً عنوانه “ضد المسيح” لاقى نجاحاً باهراً. أيضاً له عملان قصيران “الرهبنة في العالم” و”ضد الاعتراف الجماعي” (1926)، يظهران الدليل على أهميته كرسول عصري للأرثوذكسية الأصيلة في زمن تكاثر الارتداد عن الدين. بعد الثورة، تزوّج وسيم كاهناً فكان مسؤولاً عن الكهنة في كنيسة “صليب القديس نيقولاوس الكبير” في موسكو. هناك في العشرينيات، اجتذب جماعة مصليّة كبيرة بسبب عظاته البليغة التي تلقّاها الناس كغذاء غني في وسط نقص عام للروحانية الأرثوذكسية الأصيلة في روسيا ذلك الوقت. لقد تردّد إلى دير أوبتينا فصار إبناً روحياً للشيخ اناطوليوس الذي كرّس أفضل أعماله له: ستة قراءات لسر الاعتراف وتاريخه الذي به سدّد ضربة لممارسة سر الاعتراف جماعياً، وهي كانت موضة بين الإكليروس الليبرالي في أيامه. كان الأب ﭭالنتين نصيراً متّقداً لممارسة صلاة يسوع باستمرار. لقد حافظ على هذا النظام الرهباني في تلك الأيام التي كانت يسود فيها المسيحيين فتور عام. لم يكن هذا ممكناً بالنسبة له، بل كان يعتبر القيام به واجباً للحفاظ على “ملح الأرض”. أي الحقائق الأرثوذكسية في قلوب أناس يتعرّضون لهجمات روح هذا العالم الدهري. واضعاً هذا نصب عينيه، قام بسلسلة احاديث، بين سنة 1921 حتى 1926، مستعيناً بالتعليم الرهباني الصارم من كتاب القديس يوحنا السلّمي “السلم إلى الله”. كان يكافح ليطبقه في الحياة اليومية في ذاك العالم المعاصر الذي أصبح معادياً للمسيحية. لقد أعطانا أحد أصدقائه، س.ي.فوديل، وصفاً مختصراً لكيف ينظر هذا الراعي الروحي المهتم بكليته بالآخرة إلى العالم: ” كان يبدو الأب فالنتيني ﺴﭭنتيتسكي كاهناً عادياً له عائلة. لكن من جهة أخرى، كان معلماً خبيراً للصلاة المستمرة. لقد عمل الكثير للدفاع عن الإيمان بشكل عام. لكنّ ميزته الأساسية كانت أنه دعا الناس للالتزام بالصلاة غير المنقطعة، التي هي اشتعال للروح لا يتوقف”. الصلاة، كان يقول، “تشيد جدراناً حول ديرنا الذي في العالم”. “كلّ خطيئة في الكنيسة لا تكون خطيئة الكنيسة بل ضد الكنيسة”. كان يعلّم أيضاً أنّه يجب أن لا نقاطع الصلاة العقلية المستمرة لأحدهم عندما نحضر الخدم الكنسية. ويتابع صديقه: “عندما عدت إلى موسكو من منفاي سنة 1925، كان لي الحظ لحضور القداس الإلهي الذي يقيمه الأب ﭭالنتين. دخلت عند نهاية الخدمة، وعندما خرج لصلاة ما وراء المنبر، كنت صُدمت لرؤية وجهه. لا أستطيع التعبير عن انطباعي بغير القول بأنه كان وجه إنسان قد انتهى لتوّه من تقديم نفسه تقدمة محترقة من الألم والحقيقة، وهو الآن مرتعش حتى الأعماق، يأتي إلينا غافلاً عن الأرضيين المحيطين به”. مرة أخرى أتذكّر كيف كنت، أثناء وجودي في سجن في بوتيركا سنة 1922، أعدو بلا توقف من بين السجناء عندما اصطدمت بالأب ﭭالنتيني. سألته بارتباك وغباء “إلى أين تذهب؟” فجأة، استنار وجهه على نحو رائع باعثاً دفءً داخلياً وقال: “لقد كنت آتياً إليك”. كان في العادة بعيداً، منغلقاً، صارماً وغير صبور. أمّا الآن فقد كان له اشراقة نورانية مشّعة وهادئة، اشراقة القداسة الروسية… كان آتياً مباشرة نحوي، نحو روحي التي كان ربما يحميها، في ذلك الحين، من الشر. هكذا، من الممكن أنّ السجن ينير النفس ويكشف على نحو رائع شيئاً كان، في وقت سابق، غير ممكن أن يُكشَف. سنة 1927 أصدر الميتروبوليت سرجيوس إعلانه الشهير الذي حجَّم الكنيسة إلى مستوى منظمة تشرف عليها الدولة. هذا الاستعباد للسلطات الملحدة لم يحتمله الرعاة الحقيقيون والمؤمنون في قطيع المسيح الذين لم يسمح لهم ضميرهم الموافقة على هذه التسوية الماكرة. قام عدد من رؤساء الكهنة والرعاة البسيطين بكتابة رسائل مفتوحة الى الميتروبوليت سرجيوس مستنكرين عمله ورافضين السير وراءه في هذا الطريق المؤدّي الى الدمار. في ديسمبر 1927 كتب الأب ﭭالنتين رسالة من هذا النوع معلناً فيها قطع الشراكة القانونية والصلاتية مع المتروبوليت سرجيوس ومجمع الأساقفة الذي يترأسه. لقد حدّدت فطنته الروحية الإجراء المتَّخَذ من قِبَل المتروبوليت سرجيوس كواحد من أخطر أشكال الإصلاح، فكتب إليه “لأنه في الوقت الذي تتخلّى فيه عن حرية الكنسية، أنت تحفظ خيال القانون والأرثوذكسية. هذا أسوأ من خرق قانون الانفصال”! كان الأب ﭭالنتاين متوقعاً بأن بادرة الفصل هذه سوف تفسّر على أنها إنفصال عن الكنيسة لذا كتب: ” لست أحدث إنشقاقا جديداً، ولا اكسر وحدة الكنيسة. أنني أبتعد وأقود رعيتي بعيداً عن فخ مُحدَث مخافة أن نخسر شيئاً فشيئاً ودون ان ندري، الحرية التي أعطانا إياها ربنا يسوع المسيح مخلص كل الناس، حرية مجانية بدمه هو” . (القانون الثامن للمجمع المسكوني الثالث.). نحن نعلم جيداً ما هي التبعات التي جعلت كل الذين رفضوا علناً إعلان البطريرك سرجيوس يعانون. ﻠﭙﭪ ريغيل Len Regal في عمله “مأساة الكنيسة الروسية” أظهر أن المتروبوليت سرجيوس أعلن سنة 1929 أن كل الذين عارضوا “إعلانه” هم أعداء الثورة ويجب أن يتم توقيفهم حالاً وقد تمّ إيقاف خمسة عشر أسقفاً. أمّا التعامل مع الموقوفين فكان بكل بساطة: كان يأتي إلى الأسقف عميل GPV ويطرح سؤالاً واحداً: “كيف تنظر إلى اعلان الميتروبوليت سرجيوس؟ إذا كان الجواب أنه لا يقبله فالعميل يستنتج حينها: “هذا يعني أنك معادٍ للثورة”، وتلقائياً يتمّ توقيف الأسقف وهكذا يتم تصفية كل من رفع صوته احتجاجاً. ولم يكن مصير الأب ﭭﺎلنتاين مختلفاً. في سنة 1928، ألقي القبض عليه من جديد وتم نفيه إلى سيبيريا، وهناك رقد بالرب تحت تأثير العذبات والمعاناة في 20 تشرين الأول 1931. وهكذا كان للأب ﭭﺎلنتاين إكليل النصر من الله لأنه حافظ على الإعلان المسيحي الأصيل وسلّط الضوء على مصدر الإغراء الماكر لعدو خلاصنا. ولهذا هو يقود إلى الفردوس مباشرة القطيع الذي أوكله إليه إلهنا الذي له المجد والعزة الى الأبد، آمين. |
|