|
رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
أَلا يَجوزُ لي أَن أَتصرَّفَ بِمالي كما أَشاء؟ أَم عَينُكَ حَسودٌ لأَنِّي كريم؟ )) تشير عبارة " لا يَجوزُ لي أَن أَتصرَّفَ بِمالي كما أَشاء؟ " إلى حرية الله في العَمَل، فهو صالح وله الحق أن يُعطي أو لا يعطي كما يشاء. وينبغي أن نحرص على ألاَّ يُثير فينا صلاح الله وجَوده أية شكوى أو تذمر. فهنا العدالة موجودة، لكن مع الطِّيبة. أمَّا عبارة " كما أَشاء " فتشير إلى إرادة السَّيِّد في العطاء، هذا ما يُسمَّى النِّعْمَة. السَّيِّد يُعطى ليس بحسب الأعمال والاستحقاق فحسب، إنما أيضا بحسب محبَّته ورحمته ونعمته. يريد يسوع أن يُبيِّن من خلال المَثل أن رأفة الله تفوق معايير البشر في المكافأة المفهومة كأجرة مُستحقَّة. فالمِقياس البشري لتحديد مقدار الأُجرَة المستحقَّة هو مقدار الإنتاج الذي يُقدِّمه العامل لرَبّ العَمَل. أمَّا مقياس المكافأة عِندَ الله هو طاعة المسيحيين لإرادته تعالى وثقتهم بكلامه. إن الله هو السَّيِّد المُطلق الذي لا يرضى أن تتطاول عليه خليقته وتناقشه الحساب فيما يُقرِّر أو يفعل. هل يستطيع السَّيِّد أن يفعل ما يشاء؟ السَّيِّد يتصرف هنا بحريَّة لَيَخدم لا ليُخدم (مرقس 10: 45). أمَّا عبارة "عَينُكَ حَسودٌ" في الأصل اليوناني πονηρός (ومعناها شريرة) فتشير إلى الحَسَد الذي يؤدي إلى التذمر، وكثيرًا ما ينسب الكتاب المقدس الحَسَد إلى العين، كما ورد في الشريعة " واحذَرْ أَن يَخطُرَ في قَلبِكَ هذا الفِكْرُ التَّافِه، فتَقول: قد قَرَبّتِ السَّنةُ السَّابِعة، سَنةُ الإِبْراء، فتَسوءَ عَينُكَ إلى أَخيكَ الفَقيرِ ولا تُعطِيَه شَيئًا، فيصرُخُ إلى الرَبّ علَيكَ وتَكونُ علَيكَ خَطيئَة "(تثنية الاشتراع 15: 9)، وكما ورد أيضا في الأمثال "لا تَأكُلْ خُبزَ حَسودِ العَين ولا تَشتَهِ طَيِّباتِه" ( أمثال 23: 6). فقد أخذ هذا الإنسان الحسود ماله بحسب ما اتَّفق به رَبّ البيت معه، لكن ما أحزنه أن ينال إخوته مثله. لم يقم حزنه على حرمانه من شيء، وإنَّما من أجل الخير الذي ناله الغير. انه يرى "الظلم" الواقع عليه، بسبب الشُّعور الخفيّ بالرضى عن الذات، لأنّه قد عمل لساعات أطول، وبالتالي فإنّه أفضل من غيره، لكنَّه لا يرى طيبة صاحب العَمَل بسبب عينه الحسود؛ فلنسمع إذاً قول رسول المسيح، بولس: "لا نُعجَبْ بِأَنْفُسِنا ولا يَتحَدَّ ولا يَحسُدْ بَعضُنا بَعضًا"(غلاطية 5: 26). أمَّا عبارة " أَم عَينُكَ حَسودٌ لأَنِّي كريم؟ " فتشير إلى حقيقة كوننا نحسد بعضنًا، بسبب الأنانية التي تُعم القلب. وما دمنا نحسد بعضنًا، فلن نستطيع أن نفهم كَرْمِ الله وصلاحه. لا يرضى الله بأن يحسُد النَّاس بعضُهم بعضاً بسبب كَرْمِه، لانَّ الحسد نوع غامض من العداوة. يعلق القدّيس باسيليوس " ضرر الحسد يعود على صاحبه ويرتدّ إليه كما يرتدّ السهم عن الأجسام الصلبة إلى راميه". ويدعونا السَّيِّد المسيح إلى الكف عن الحَسَد أمام كَرْمِ الله ومحبته حيث أنَّ كل شيء ينبع من النِّعْمَة. فالحَسَد هو كره نعْمَة الله على الآخرين، وتمنَّي أن تزولَ عنهم، أو أن يُسلبَها إيَّاهم؛ ويُشبِّه الحكماء الحَسَد " نَخر العِظام" (أمثال 14: 30)، إنه سُمٌّ يؤدّي إلى الانقسام ويسبّب المنافسات العقيمة ويفرّق بين الجماعة بالخصومات (رومة 13: 13) وبالمشاحنات (1 قورنتس 3: 3) وبالمرارة (يعقوب 3: 14). أي حسد تجاه أي شخص هو في الواقع حسد تجاه الله، وتجاه سخائه. أمَّا عبارة " كريم؟" في الأصل اليوناني ἀγαθός (معناه صالح) فتشير إلى الكريم الذي يعطي بسخاء للدلالة على الله الصَّالح، كما ورد في حديث يسوع مع الشَّاب الغني " إِنَّما الصَّالِحُ ἀγαθός واحِد"(متى 19: 17). وتدل عطية الله على جوده الإلهي. وهذه العطيِّة ليست عائدة على أعمالنا بل عائدة على كَرْمِه، فالنِّعْمَة هي عطيَّة مجانيَّة لا تعطى استحقاقا لأعمالنا بل هي محبة من الله، كما جاء في تعليم بولس الرَّسول" أمَّا اللهُ فقَد دَلَّ على مَحبتِّهِ لَنا بِأَنَّ المسيحَ قد ماتَ مِن أَجْلِنا إِذ كُنًّا خاطِئين" (رومة 5: 8). يدل رَبّ البيت على الله، كما ظهر في شخص يسوع. لذلك يجب ألاّ نتذمر على الله لو وجدنا الله يعطى آخَر نصيبًا أكبر منا مع أننا عملنا أكثر منه. العَمَل ليس هو مقياس عطايا الله لنا إنما صلاحه ونعمته وحريته تعالى. وبدلًا من أن نكون حسودًين لأنّ أولئك الأشخاص المساكين حصلوا على أجرٍ جيّد. لِمَ لا يفرح قلبُنا للمشاركة بفرح الأب السماوي عندما يهتدي أبناؤه في آخر ساعة؟ وجاء القول المأثور "السَّعادَةُ في العَطاءِ أَعظَمُ مِنها في الأَخْذ" (أعمال الرسل 20: 35). والحُبُّ يتجاوز متطلبّات العدالة، حيث يأخذ كلّ ذي حقِ حقّهُ. أنّ السَّيِّد ليس رَبّ عمل فقط وإنّما أب. وأنّ جميع العُمَّال الآخرين هم أبناءه وإخوة. أخوّة متجذّرة في هذه الأبوّة. هذا هو منطق ملكوت الله إنه ملكوت لا يُدفع أجر المرء بالساعة، لكن كل شيء يُعطى وفقًا لصلاح الله وبسخاء ودون أيّ استحقاق منّا. وخلاصة مثل رَبّ البيت انه برَّر نفسه وأثبت انه عادل وان له حقًا أن يساوي العَمَلة في الأُجرَة كما يستحسن له. |
|