أنت هو لا أنت هو
(أنا وأنت)
بعد السقوط في الخطية:
أحيكم باسم الله ، رب السلام مرة أخرى لنبحر في أعماق العهد القديم ونكتشف أشياء جديدة يكشفها لنا الرب المجيد في رحلة جديدة في طريق الأيمان ، فيكون لنا سلامٌ حقيقيٌّ مع الله إلى الأبد.
لقد عرفنا من خلال المرات السابقة في التوراة، أن الرب الإله خلق أول رجل وامرأة على صورته. وتعلمنا أيضاً، لماذا خلقهما. لقد أراد الله منهما أن يحباه بكل فكرهما، وقلبهما، وقوتهما. وكنتيجة لذلك، يستمتعان معه بعلاقة رائعة وعميقة إلى الأبد.
ومن هنا، رأينا كيف أن الله وضع اختباراً بسيطاً أمام آدم، ليرى ما إذا كان آدم يحبه بقدرٍ كافٍ يجعله يطيعه أم لا. أوصى الله آدم، قبل خلق المرأة، قائلاً له:
‘‘من جميع شجر الجنة تأكل أكلاً، وأما شجرة معرفة الخير والشر فلا تأكل منها؛ لأنك يوم تأكل منها موتاً تموت’’ (تكوين 16:2، 17)
وهكذا ، اختبر الله آدم، وحذره من أن عقاب المعصية سيكون هو الموت، والانفصال عنه. فقد أحب الله آدم، وأراده أن يستمتع بعلاقة معه إلى الأبد. ومع ذلك، ففي حلقتنا السابقة، قرأنا أن آدم وحواء أنصتا إلى إبليس، وعصيا الله، عندما أكلا من الشجرة التي حرَّمها.
ومن ثمَّ، نريد أن نكمل في معرفة التوراة أكثر، في الفصل الثالث من سفر التكوين، لنرى ماذا حدث بعد أن أخطأ آدم وحواء إلى الله. ويقول الكتاب في العدد السابع من هذا الفصل:
‘‘وعندئذٍ انفتحت أعينهما وعلما أنهما عريانان. فخاطا أوراق تين وصنعا لأنفسهما مآزر.’’ (تك 7:3)
والآن، ما هو أول شيء فعله آدم وحواء، بعد أن عصيا الله؟
لقد حاولا أن يخفيا عارهما وإثمهما! لقد تعلمنا سابقاً، أنه قبل أن أكل آدم وحواء من شجرة معرفة الخير والشر:
‘‘كانا كلاهما عريانين .. آدم وامرأته .. وهما لا يخجلان’’ (تك25:2).
إلا أن الآن، قد تغيَّر فكرهما تجاه جسديهما. إذ قد بدأا يحسان بالذنب والعار أمام القدوس الذي ينبغي أن يدينهما. ولذا، كمحاولة لإخفاء عارهما، خاطا أوراق شجر التين، وغطَّيا عريهما. ومع ذلك، فتغطية جسديهما بأوراق الشجر لم تمحُ الشعور بالذنب من قلبيهما.
ويقول الكتاب بعد ذلك:
‘‘وسمعا صوت الرب الإله ماشياً في الجنة عند هبوب ريح النهار، فاختبأ آدم وامرأته من وجه الرب الإله في وسط شجر الجنة.’’ (تك 8:3)
كم كانت الأشياء مختلفة بالنسبة لآدم وحواء بعد أن أخطأا! فقبل أن يعصيا الله، كانا يفرحان كلما أتى الرب الإله إلى الجنة ليتحدث معهما. أما الآن، فعندما سمعاه يقترب، ارتجفا من الخوف والخجل، وحاولا أن يختبئا منه بين أشجار الجنة.
ولكن، لماذا خاف آدم واختبأ من الله؟
هذا ليس من الصعب استنتاجه. فإذا حاول شخصٌ ما سرقةَ حقلٍ، ماذا سيفعل هذا الشخص إذا ما سمع صوت مالك الحقل يقترب؟
بالطبع سيحاول أن يختبئ. وعلى نفس المنوال، فآدم، الذي كان قد أخذ ما حرمه الله، كان يحاول أن يختبئ. لقد علم آدم جيداً أنه قد تعدَّى على الله.
هل كان يجب أن يخاف آدم بعد أن عصى وصية الله؟
بالطبع! لماذا؟ لأن الله كان قد قال له بوضوح:
‘‘في اليوم الذي ستأكل من شجرة معرفة الخير والشر فإنك موتاً تموت !’’
هل سينفذ الله كلمته؟
هل سيموت آدم حقاً؟
ماذا تعتقد أنت؟
هل سيعاقب الله فعلاً الرجل والمرأة اللذين خلقهما؟
يقول البعض أنه لا ينبغي أن نجيب سؤالاً بسؤالٍ آخر. إلا أن أحسن إجابة لهذا السؤال هي سؤالٍ آخر، ألا وهو: ماذا فعل الرب إذاً للوسيفر، الشيطان، بعد أن رفض سيادة الله عليه؟ هل برأ الله الشيطان، والملائكة الذين أخطأوا؟ لا، لم يبرئهم، بل طردهم الله من محضره المقدس. ليس هذا فقط، بل أيضاً خلق لهم النار الأبدية! وعلى مثال الشيطان، رفض آدم سلطة قانون الله عليه.
هل كان في مقدور الله أن يقول: ‘‘إن هذا ليس بالأمر الخطير الذي يستدعي العقاب .. !!’’، ويجعل آدم يمضي حراً دون أن يدينه؟
بالطبع لا، هذا مستحيل. فالله قدوس، ولابد أن يدين الخطية. فقد قال ليوناردو دافينشي، وهو أحد أعظم الناس الذين عرفهم التاريخ : ‘‘إن من لا يعاقب الشر، كمن يوصي بفعله!’’ إن الله لا يستطيع أبداً أن يوافق على الشر، بل لابد أن يعاقبه. ويكتب حبقوق النبي في سفره:
‘‘يا رب إلهي يا قدوسي .. عيناك أطهر من أن تنظرا الشر، ولا تستطيع النظر إلى الجور.’’ (حبقوق 12:1 ،13) نعم، وأيضاً يقول: ‘‘الرب يدين شعبه. مخيفٌ هو الوقوع في يدي الله الحي.’’ (عبرانيين 30:10 ،31)
فإن طبيعة الله المقدسة تتطلب منه أن يدين ويعاقب كل خطية. ولذا كان من الضروري أن يدين الله آدم وحواء على خطيتهما. ولذا نقرأ في العدد التالي:
‘‘فنادى الرب الإله آدم، وقال له: أين أنت؟’’ (تك 9:3)
ماذا فعل الله بعد أن أخطأ آدم؟
لقد ذهب الله ليبحث عن آدم منادياُ إياه: ‘‘أين أنت؟’’
هل ذهب آدم ليبحث عن الله؟
لا، بل كان يحاول أن يختبئ من الله! ولماذا نادى الرب آدم؟
ألم يكن الله يعرف أين هو؟
الله الذي يرى ويعرف كل شيء كان قد عرف بالتحديد أين كان يختبئ آدم. لقد نادى الرب آدم، لأنه أراد أن يدرك آدم خطيته ويعترف بها أمامه. لقد كان الله لا يزال يحب آدم رغم أنه عصاه.
بماذا أجاب آدم عندما سأله الله: ‘‘أين أنت؟’’
يقول الكتاب:
‘‘فقال آدم سمعت صوتك في الجنة فخشيت لأني عريانٌ، فاختبأت. فقال الله: من أعلمك أنك عريان (يا آدم)؟
هل أكلت من الشجرة التي أوصيتك أن لا تأكل منها. فقال آدم .. المرأة التي جعلتها معي، هي أعطتني من الشجرة، فأكلت !’’
(تك10:3ـ13)
هل سمعت كيف أجاب آدم وحواء الله ؟
لقد راح كل منهما يلقي باللوم على الآخرين. اتهم آدم الله وحواء قائلاً: إنه ليس خطأي . إنه خطأ المرأة التي جعلتها أنت معي! أما حواء فراحت تلقي باللوم على الحية قائلة: لا تلومني .. لقد خدعتني الحية ! إلا أن الله الذي يعرف قلب الإنسان، عرف أن كليهما مذنبان. فالله، لم يجعلهما يأكلان من ثمر الشجرة. الشيطان أيضاً .. لم يجعلهما يأكلان منه. صحيح أن الشيطان يستطيع أن يجرب ويخدع الناس، ولكنه لا يستطيع إجبار أي شخص على الخطية. نعم، لقد أغوى الشيطان حواء. ولكن ما فعلته هي، هو الخطية أمام الله. وأما بالنسبة لآدم، فيقول لنا الكتاب أنه لم يُغوَ (1تي 14:2)، ولكنه اختار بكامل معرفته أن يسلك في طريقه الخاص. لقد علم آدم تماماً ما أمر به الله، ولكنه اختار أن يضل عن طريق البر، ويتبع طريق الضلال. ولم يتوقف آدم عند حد معصية الله، ولكنه أضاف خطيةً أخرى إلى خطيته بمحاولته وضع اللوم على الآخرين.
ويحاول الناس، حتى هذا اليوم، أن يلوموا الآخرين على أخطائهم، ولكن الله يعلم الحق. يتكلم الله من خلال الكتاب المقدس قائلاً:
أين أنت؟
أجبني! ماذا فعلتَ؟
لماذا ترفض أن تصدق كلمتي وتطيعها؟
لماذا تحتقر صلاحي؟
لماذا تحاول أن تلوم الآخرين على أخطائك أنت؟
‘‘لأنه مكتوب: أنا حيٌّ يقول الرب إنه لي ستجثو كل ركبة، وكل لسان سيحمد الله. فإذاً كل واحد منا سيعطي عن نفسه حساباً لله.’’ (رومية 11:14، 12)
وعندما نستمر في قراءة هذا الفصل الكتابي، نرى كيف أن الله أصدر حكمه على الحية والشيطان وحواء وآدم. إذ يقول الكتاب:
‘‘فقال الرب الإله للحية لأنك فعلتِ هذا، ملعونة أنت من جميع البهائم ومن جميع وحوش البرية. على بطنك تسعين، وتراباً تأكلين كل أيام حياتِك. وأضع عداوة بينك وبين المرأة، وبين نسلك ونسلها. هو يسحق رأسك، وأنتِ تسحقين عقبه. وقال للمرأة: تكثيراً أكثِّر أتعاب حبلك، وبالوجع تلدين أولاداً. وإلى رَجلِك يكون اشتياقك، وهو يسود عليك. وقال لآدم: لأنكبعرق وجهك تأكل خبزاً حتى تعود إلى الأرض التي أُخِذت منها. لأنك تراب وإلى التراب تعود.’’ سمعت لقول امرأتك، وأكلت من الشجرة التي أوصيتُك قائلاً لا تأكل منها، ملعونة الأرض بسببك، بالتعب تأكل منها كل أيام حياتك. وشوكاً وحسكاً تنبت لك، وتأكل عشب الحقل. (تك 14:3ـ19)
هل ترى ما نتج عن خطيتهما؟
لقد نتج عنها الحزن والألم، والشوك والحسك، والتعب والعرق، والمرض .. والموت. نعم، ‘‘لأن أجرة الخطية هي موت.’’ (رومية 23:6) ماذا قال الله أنه سيحدث لآدم وحواء إذا أكلا من الشجرة المحرمة؟
لقد قال الله: ‘‘في اليوم الذي تأكلا من الشجرة موتاً تموتا.’’ فهل مات آدم وحواء موتاً جسدياً، ودُفنا؟ بالطبع لا. ولكن هل ماتا حقاً في هذا اليوم. نعم، لقد ماتا حقاً. ففي ذلك اليوم عينه، مات آدم وحواء في نفسيهما، لأن علاقتهما مع الله قد انقطعت.
وكما تعلمنا سابقاً، أن الموت هو الانفصال عن الله. لقد فصل آدم وحواء نفسهما عن الله، مصدر الحياة، عندما خالفا الله ولم يطيعاه. عندما اختار آدم وحواء أن يصدقا الشيطان، وان يتبعاه، جازفا بصداقتهما مع الله، وخسراها، وخسرا معها نصيبهما في حياته. فقد أصبحا أعداء الله، لأنهما تحالفا مع الشيطان، عدو الله. وهكذا، ماتت علاقتهما مع الله.
ولتوضيح ذلك، دعنا نفترض أن لك عدواً، وتحالف صديقك مع هذا العدو، ألا يكون من الحقيقي أن صديقك قد صار عدوك بهذا الشكل؟ هكذا، تموت العلاقة بينك وبين صديقك. فكما يقول المثل: ‘‘صديق عدوك هو عدوك.’’ وعلى نفس المثال، فكل من يطيع الشيطان هو عدو لله. وهكذا تفصل الخطية الإنسان عن الله.
و هناك حقيقة يجب أن نفهمها ونتذكرها، وهي أننا كلنا مولودون ‘‘أمواتاً بالذنوب والخطايا’’ (أفسس 1:2)، و‘‘مفصولين عن حياة الله’’ (أفسس 18:4). ربما لا يعجبنا هذا، ولكن هذا هو ما تقوله كلمة الله. ففي اليوم الذي خالف فيه آدم الله، أصبح آدم خاطئاً. آدم، الذي أخطأ، هو أبو الجنس البشري. وهكذا، وكنتيجة لخطية آدم، صار كل نسله خطاة. وكما يقول المثل: ‘‘من شابه أباه فما ظلم’’. وأيضاً أدَّت خطية آدم إلى انفصاله عن الله. فآدم الذي رفض سيادة الله عليه، هو أبو كل حيّ. والنتيجة أن كل نسل آدم يُولَد مفصولاً عن الله. وكما أن المثل يقول: ‘‘أن الوباء لا ينحصر في مصدره’’، هكذا تعلن كلمة الله، إذ تقول:
‘‘دخلت الخطية إلى العالم، وبالخطية الموت، وهكذا اجتاز الموت إلى جميع الناس، إذ أخطأ الجميع.’’ (رومية 12:5)
إن جدَّنا آدم، الذي فصل نفسه عن الله، هو مثل غصنٍ قُطِع من شجرة. وماذا يحدث للغصن عندما لا يصبح متصلاً بشجرته؟
إنه يذبل ويموت. وماذا يحدث للأغصان المتفرعة من الغصن المفصول؟
هل ستظل حية؟
بالطبع لا، فهي تموت أيضاً، لأنها تنتمي إلى هذا الغصن المقطوع اليابس. وعلى نفس المنوال، فكل أبناء آدم هم مثل تلك الأغصان الصغيرة المتفرعة من الغصن الذي قُطِع. فبسبب خطية آدم، فهو مثل الغصن اليابس، ونحن واحدٌ معه. إن خطية جدنا آدم أثّرت على جميعنا. فنحن جميعاً نشترك في طبيعته، والدينونة التي وقعت عليه.
لقد كتب النبي داود في سفر المزامير قائلاً:
‘‘هاأنذا بالإثم صُوِّرت ، وبالخطية حبلت بي أمي’’ (مز 5:51)
إن الخطية تشبه إلى حدٍ كبير مرض الإيدز ـ وهو مرضٌ مخيفٌ صار منتشراً في كل العالم. فعندما يدخل الإيدز جسم الإنسان، فإنه لا يفارقه أبداً. والشخص المصاب بالإيدز يستطيع أن ينقله لأطفاله. الإيدز مرضٌ قاتل، ولم يجد الإنسان أي علاجٍ له بعد. وكذلك هي الخطية، فهي كارثةٌ رهيبة انتشرت في كل الأرض. الخطية مميتة، وتؤدي إلى الهلاك الأبدي للإنسان. والإنسان نفسه لم يجد لها علاجاً.
ولكن دعونا نسبح الله اليوم بقلوب فرحة، لأن الله نفسه قد قدَّم علاجاً لينقذنا من عقوبة الخطية، ومن موتها. إلا إننا علينا أن نصدِّق علاج الله، ونقبله.
إن شاء الله في المرة المقبلة سنرى كيف أعطى الله آدم وحواء وكل نسلهما وعداً رائعاً بشأن مخلصٍ عظيمٍ سيأتي إلى العالم، ويخلِّص جميع الخطاة من خطاياهم، ومن الشيطان، والجحيم.
أصدقائي
أشكركم لكم. وليبارككم الله وأنتم تتأملون في الكلمات التي كتبها داود النبي:
‘‘هاأنذا بالإثم صُوِّرت ، وبالخطية حبلت بي أمي.’’ (مز 5:51)
وأكيد للحديث بقية...قريباً.....
أشكرك أحبك كثيرا
يسوع يحبك...هو ينتظرك
بيدو