|
رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
الْمحبَّةُ لا تَسقُطُ أبدًا عظة الأحد السّادِس مِن زمن الفصح الْمجيد قَبلَ بِضعةِ أَيّام، وَتحديدًا يَومَ الأربعاءِ الْمَاضي العَاشرِ مِنْ أَيّار، جَرَى لِقاءٌ أَخويٌّ جَميل، جَمَعَ بينَ رَأْسيِّ الكَنيسةِ الكَاثوليكيّة والكَنيسةِ القِبطيّةِ الأرثوذكسيّة. حيثُ الْتَقى البابا فَرنسيس مع البابا تواضروس الثّاني، في سَاحةِ القِدّيسِ بُطرس في حَاضِرةِ الفاتيكان، أَمامَ حَشدٍ مِن الْمَؤمنين، لِأحياءِ ذِكْرَى الّلقاءِ الّذي جَمَعَ بَينَ البابا بولس السّادس والبابا شنودة الثالث، عام 1973، لِإيقادِ الشُّعلَةِ في دَربِ الوَحدةِ، وَإذْكَاءِ حِوارِ الْمَحبَّةِ بَينَ الكَنيسَتينِ الشَّقِيقَتَين. حِوارُ الْمَحبّةِ هَذا، هو استِمَرارٌ لِمَا عَلَّمَهُ وَأَوصَى بِه الْمَسيح: ﴿أَحِبّوا بَعضُكُم بَعضًا كَمَا أَحبَبتُكُم﴾ (يوحنّا 12:15)، وهوَ يَتَمَاشَى مَع رَغبةِ الْمَسيحِ وَإرادَتِه: ﴿لِيَكونوا بِأجمَعِهم وَاحِدًا﴾ (يوحنّا 21:17). وَمع ذلك، لا نَزالُ نَصْطَدِمُ بِوَاقِعٍ مُغَايرٍ تَمامًا! فَكَثيرًا مَا عَلَّمَ الْمَسيحُ عنِ الْمَحَبَّة، وَكثيراً مَا نَكثَ الْمَسيحيَّونَ عَهدَ الْمَحبَّة، وكَانوا مِنْ جُملَةِ الْمُخالِفينَ للْمَحبَّة! وفي الوَقتِ الّذي عَاشَ فيهِ الْمَسيحُ الْمَحبّةَ بِتَمَامِهَا، وَضَربَ أَعظَمَ مِثالٍ في الْمَحبّةِ الّتي تَبذِلُ نَفسَها، إذ: ﴿لَيسَ لأَحَدٍ حُبٌّ أَعظمُ مِن أَن يَبذِلَ نَفَسَه في سَبيلِ أَحِبَّائِه﴾ (يوحنّا 13:15)، عَمِلَ "بَعضُ أَتْبَاعِهِ" عَلَى تَعزيزِ الانْقِسَامَاتِ بَدلَ رَأبِها. وَفي الوَقتِ الّذي عَلَّمَت فيهِ الكَنيسةُ عَنِ الْمَحبّةِ، مِن خِلالِ كِتَاباتِها وَرَسَائِلِها وَقِدِّيسيهَا، نَرَى البَعضَ يَطُلّونَ عبرَ النَّوافِذِ الإعلامِيَّة، بَينَ الفَينَةِ والأخُرى، بِتَصريحاتٍ تُؤَجِّجُ البُغض، وتُمزّقُ جَسَدَ الْمَسيحِ أَكثر، بَدَلًا مِنَ السَّعيِّ وَراءَ الْمُصالَحَة، وَإعادَةِ الوَحدَةِ والُّلحمَةِ، وَتَغليبِ لُغَةِ الْمَحبّة عَلَى لُغةِ الخُصومَةِ والشِّقَاق! ﴿إذا كُنْتُم تُحبّوني، حَفِظتُم وَصاياي﴾ (يوحنّا 15:14). فالْمَحبَّةُ لَيسَتْ مُجرّدَ شِعَاراتٍ نَنْثُرُها، أَو كَلِماتٍ نُردِّدُها، أَو حَتّى صَلواتٍ نَتلوها، إنّما هيَ أَفعَالٌ نُمارِسُها وَنَأتيها، إذْ: ﴿إنْ عَمِلتُم بِمَا أُوصيكُم بِه، كُنتم أَحِبّائي﴾ (يوحنّا 14:15). وفي الوقتِ عَينِه، الْمَحَبَّةُ فَضيلَةٌ ضَريبَتُها ثَقيلَة، خُصوصًا عِندَمَا تُمنَحُ لِمَن لا يَستَحِق، أو لِمَن لا يُبادِلُ الْمَحبَّةَ بالْمَحَبَّة! ولذلِكَ هيَ فَضيلَةٌ إلهيّة، اللهُ مَصدَرُهَا، لأنَّ اللهَ يُحبُّ الجميعَ بِلا اسْتِثناء، والْمسيحُ قَد سَفَكَ دَمَهُ لِأجلِ خَلاصِ الجَميع، وَهوَ الّذي أَوصَانَا فَقَال: ﴿أَحِبّوا أعداءَكم، وَصلّوا مِن أجلِ مُضطَهِديكم، لِتصيروا بَني أبيكمُ الّذي في السّموات. لأنّهُ يُطلِعُ شَمسَهُ على الأشرارِ والأخيار، وَيُنزِلُ الْمَطرَ عَلى الأبرارِ والفُجّار﴾ (متّى 44:5-45). فَالْمَحَبَّةُ إذًا للّذي يَستَحِق وللّذي لا يَستحِق، لِلوَفيِّ وَللخَائِن، لِلحَامِدِ وَلِلشَّاتِم، لِلمَادِحِ وَلِلذَّام، لِلصَّادِقِ الأَمين وَللكَذَّابِ الْمُفتَري، لِلْمُعتَرِفِ بالجَميل وَلِنَاكرِ الْمَعروفِ أَيضًا، لأنّهُ: ﴿إنْ أَحبَبتُم مَنْ يُحبُّكُم، فَأيُّ أَجرٍ لَكم؟﴾ (متّى 46:5). وَعليه، تَتربّعُ الْمَحَبَّةُ في أَعَلى دَرَجَاتِ سُلِّمِ الكَمَال، وهيَ أَعظَمُ الفَضَائِل وَأَصعَبُهَا بُلوغًا، بالْمَعنى الشَّامِلِ غَيرِ الْمُقَيّدِ وَغيرِ الْمَشروط. فَلِكُلٍّ مِنّا واقِعُهُ الخاص وَظروفُهُ الْمُختَلِفة، الّتي كَثيرًا مَا تَقِفُ حَائِلًا بَيني وَبينَ الْمَحبَّةِ الشَّامِلَة. فَمَعِ النَّاسِ تَربِطُني عَلاقَاتٌ مُتَباينَة، مَبنِيّة عَلَى تَجارِبَ وَمَواقِفَ وَذِكريات، مِنهَا الجيِّدَة وَالطّيبَة، وَمِنها السَّيئَة والْمُؤذيَة. وَعَلَيه، تَجِدُ نَفسَك تُحبُّ البَعضَ وَتُسعَدُ بِلِقَائِهم وَعِشرَتِهم، وَتَزدَري البَعضَ الآخر وَتَتَجَنّبُ حتّى السّلام عَليهم. لِذلكَ يَا أَحِبَّة، الْمُنَظّرونَ عَنِ الْمَحبَّةِ كُثر، وَالَّذينَ يَعيشَونَها بِحَقيقَتِهَا قَلائِل! تَسْمعُ عِظَاتٍ طِوَال عَنِ الْمَحبّة، وتَرَى أَعمَالًا شَحيحَة وَأَبوابًا مُغلَقَة وقُلوبًا مَليئَة وَأيَادٍ مَغلُولَة، مِن الوَاعِظينَ ومِنَ الْمُسْتَمِعين. حَتّى أَنَّ كثيرًا مِنَ النّاسِ لَم تَعُد تُؤمِنُ بالْمَحَبَّة، مِن كَثرةِ الظُّلمِ والحِقدِ وَالبَاطِل والكَذِب، الّذي يُلوّثُ وَاقِعنَا ويُسمِّمُ ظُروفَنا. وبالرّغمِ مِن كُلِّ ذلك، مَنْ هوَ مِقيَاسُنَا، وَمَا هوَ مِعيارُنا لِلمَحبَّة: النَّاسُ أمِ الْمَسيح؟! إذا كَانَ النّاسُ همُ الْمِقيَاس، فالْمحبَّةُ فَضيلَةٌ مَصيرُها الفَشَل. أَمَّا إذا كانَ الْمسيحُ مِعياري ومِثالي، فَالْمَحَبَّةُ لا تَسقُطُ أَبَدًا! |
|