|
رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
إلقاء إرميا في السجن: "5 فَقَالَ الْمَلِكُ صِدْقِيَّا: «هَا هُوَ بِيَدِكُمْ، لأَنَّ الْمَلِكَ لاَ يَقْدِرُ عَلَيْكُمْ فِي شَيْءٍ». 6 فَأَخَذُوا إِرْمِيَا وَأَلْقُوْهُ فِي جُبِّ مَلْكِيَّا ابْنِ الْمَلِكِ، الَّذِي فِي دَارِ السِّجْنِ، وَدَلُّوا إِرْمِيَا بِحِبَال. وَلَمْ يَكُنْ فِي الْجُبِّ مَاءٌ بَلْ وَحْلٌ، فَغَاصَ إِرْمِيَا فِي الْوَحْلِ." [5-6]. ربما لم يصرح الملك بقتله ظنًا منه أنه طالما كان النبي على قيد الحياة فإن الله يمكن أن يرجئ عقاب يهوذا المتنبأ عنه في (إر 37: 15)، أو يريد الملك قتله لكن ليس بيديه، إنما بأيدي الرؤساء، وهذا من شيمة الإنسان الضعيف الذي يشتهي الشيء، لكنه يدفع الآخرين إلى تنفيذه، لكي يبرر نفسه فيما بعد! كان لمعظم البيوت في أورشليم آبار خاصة (2 مل 18: 31، أم 5: 15) لتخزين المياه المتجمعة من الأمطار أو من الينابيع، وكانت في العادة على شكل كمثري ذات فتحة صغيرة من أعلى حتى يمكن تغطيتها عند الضرورة لمنع الحوادث أو تلوث الماء. وبحلول عام 1200 ق.م. كانت الآبار تقوى بالأسمنت، مثل خزان قمران. اهتز صدقيا الملك أمام كلمات إرميا، الذي ربما كان يشعر بمخافة أمامه، إذ كان يخشاه. لكنه إذ كان ضعيف الشخصية سلمه إلى أيدي رجاله الأشرار قائلًا لهم: "ها هو بيدكم، لأن الملك لا يقدر عليكم في شيء" [5]. كان للرؤساء سلطة الحكم عليه ولكن حكم الإعدام لا بُد من موافقة الملك عليه. وقد أبدي هذا بوادر الضعف والاستسلام فلم يرتدعوا، إلاَّ أنه لم يسمح لهم بقتله رأسًا، لذلك ألقوه في الجب ليموت هناك جوعًا. كلمات الملك نفسها [5] تكشف عن شخصيته الضعيفة أو عن مركزه الضعيف، فكانت السلطة الحقيقية في يد الرؤساء الذين كانوا يحركون الملك كدمية في أيديهم، لأن نبوخذنصر أقامه ملكًا بعد سبي يهوياكين، وربما كان غير مقبولٍ من أحدٍ في الأمة كملك حقيقي، بل ينتظر الكل عودة الملك المسبي يهوياكين. لقد صدر الحكم بإلقائه في جب به وحل ليموت هناك. وقد فضَّل إرميا أن يموت في وحْل الجُب ولا تُدفن كلمة الله في وحل العصيان أو المجاملة على حساب الحق. كان يمكنه أن يهرب من هذا الوحْل إن تراجع عن نبواته وتخلّي عن كلمة الله ورسالته... لكنه رفض! ألقوه ليموت جوعًا دون سفك دمه، ولم يدركوا أنهم يقتلون أنفسهم إذ حرموا أنفسهم من خبز الملائكة، كلمة الله. قَبِلَ أن يموت جسديًا بجوع من خبز العالم ولا يموت جوعًا من خبز الملائكة! * تُرك إرميا وحده يسبح الله؛ ألقوه في جب مملوء وحلًا، أما نفس هذا الرجل فكانت أثمن من كل الشعب. أتريد أن تعرف ماذا يمكن لإنسان واحدٍ أن يفعل؟ كان يشوع بن نون وحده، بينما كان العالم كله مسكونًا. هناك كانت توجد جماهير بلا عدد أما هو فكان وحده بمفرده وأمر الشمس والقمر فتوقفا. أعطى إنسان أمرًا فاهتمت السماء! انصتت السماء إليه لأنه كان ينصت للرب... ماذا يقول (ميا)؟ "جلست وحدي لأنك قد ملأتني غضبًا" (إر 15: 17). كيف كنت وحدك في المدينة؟ أقول كنت وحدي لأنه لم يكن أحد معي يشاركني هدفي . القديس جيروم إذ أُلقى إرميا في الجب السفليّ تحولت حياته إلى صلاة، فصرخ إلى الله قائلًا: "دعوت باسمك يا رب من الجب الأسفل، لصوتي سمعت، لا تستر أذنك عن زفرتي عن صياحي، دنوت يوم دعوتك، قلت: لا تخف. خاصمت يا سيد خصومات نفسي... رأيت يا رب ظلمي. أقم دعواي..." (مرا 3: 55-59). حين أُغلقت كل الأبواب في وجهه وجد أبواب الله مفتوحة. وجد أذني الرب تميل إليه وهو في الجب لتسمع صرخات قلبه الداخلية. يؤكد له الرب وعوده السابقة منذ لحظات دعوته: "لا تخف!"؛ ويشاركه آلامه، فيحسب الخصومات ضد إرميا كأنها خصومات ضد الله نفسه. يصير الله هو القاضي وهو المحامي الذي يقيم دعوى إرميا ضد مضطهديه. إن كان هذا الأصحاح قد كشف عن دور عبد ملك الكوشي في خلاص إرميا، فإن مراثيه تكشف عن الذي قام بالدور الحقيقي هو الله سامع صلوات المظلومين... تحرك بالحب لينصت إلى أنينه، وحرَّك عبد ملك بالحنان ودبّر خلاص إرميا من الجب! |
|