|
رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
لا تستقر عصاهم على الصديقين يُسِيءُ إِلَى الْعَاقِرِ الَّتِي لَمْ تَلِدْ، وَلاَ يُحْسِنُ إِلَى الأرملة [21]. يعجز الشر عن أن يسيء إلى الأم الولود، وإنما يسيء إلى العاقر التي لم تلد وكما يعجز ألا يحسن إلى العروس المتهللة بعريسها لكن لا يحسن إلى الأرملة. من هي العاقر هنا؟ ومن هي الأرملة؟ النفس التي لا تتمتع بعمل نعمة الله، فلا تقدر أن تشهد لإنجيل المسيح، ويكون لها أبناء للرب تحسب عاقرًا. قيل عن الكنيسة إنه ليس فيها عقيم، بل الكل متئم (نش 4: 2؛ 6: 6). مثل هذه النفوس المثمرة بالروح القدس لن يقدر شرير ما أن يمسها، بل تتحول مقاومته وهجماته عليها إلى نصرات مستمرة، وتتمتع بأكاليل المجد. ما يمارسه الشرير ضد العروس المتحدة بعريسها السماوي لا يًحسب إلا إحسانًا لها، إذ يزداد بالأكثر بهاؤها، وتنعم بشركة الصلب مع عريسها، أما التي تترمل بتركها عريسها كمن مات ولا وجود له في قلبها وفكرها، فإن الشرير لا يحسن إليها، بل يدمرها بشره. يقدم أيضًا البابا غريغوريوس (الكبير)التفسير الرمزي التالي لهذه العبارة. * "إنه يطعم العاقر، والتي لا تحمل، ولا يفعل صلاحًا للأرملة" [21]. من هي هذه التي يُشار إليها بالعاقر، إلا الجسد الذي يطلب الزمنيات وحدها، إذ يعجز عن أن يلد أفكارًا صالحة؟ ومن التي تُحسب أرملة إلا النفس؟ فقد أراد الخالق أن يوٌحدها معه، جاء الزواج في حجال الرحم الجسدي، وكما يشهد المرتل قائلًا: "مثل العريس الخارج من حجاله" (مز 5:19). بحق تُدعى أرملة حيث خضع بعلها للموت من أجلها، والآن يعيش في موضع آخر في السماء، مخفيًا عن عينيها. لهذا فإن الإنسان الشرير يقوت العاقر، ويحتقر عمل الخير للأرملة، لأنه لا يبالي بالنفس وبحياتها، بينما يطيع شهوات الجسد. البابا غريغوريوس (الكبير) يُمْسِكُ الأَعِزَّاءَ بِقُوَّتِهِ. يَقُومُ فَلاَ يَأْمَنُ أَحَدٌ بِحَيَاتِهِ [22]. يرى أيوب أن الشرير في كبريائه واعتزازه بنفسه يُزعج حتى العظماء على الأرض، ويعجز أقوى الأقوياء عن أن يقفوا أمامه. وعندما يثور، ففي هياجه يبطش بكل من هم حوله، لا يأمن أحد بحياته، وفي نفس الوقت لا يأمن هو نفسه بحياته، لأن "يده على كل واحد، ويد كل واحد عليه" (تك 16: 12) . يرى البابا غريغوريوس (الكبير) أن الشرير هو الإنسان المبتدع الذي في كبرياء قلبه يظن أنه أبرع من الكل، محتقرًا الآخرين. إنه ينتفخ بعلمه ومعرفته، مع أن معرفته غير صادقة، لأن كل ما يشغله هو مجده الذاتي وكرامته. لهذا كما يقول الرسول بولس: "اختار الله ضعفاء العالم ليخزي بهم الأقوياء" (1 كو 1: 27). *يقول يوحنا: "من يقول إنه يعرف الله ولا يحفظ وصاياه فهو كاذب" (1 يو 4:2). وهكذا يقول بولس: "يظنون أنهم يعرفون الله، لكنهم بالأعمال ينكرونه" (تي 6:1). وهكذا يقول يعقوب: "إيمان بدون أعمال ميت" (يع 20:2، 26). البابا غريغوريوس (الكبير) يُعْطِيهِ طُمَأْنِينَةً فَيَتَوَكَّلُ، وَلَكِنْ عَيْنَيه عَلَى طُرُقِهِمْ [23]. مع ما يسببه الشرير من متاعب حتى للأعزاء يحطم نفسه، يمد يده على الغير، وهم يمدون أياديهم عليه. مع هذا يطيل الله أناته عليه، فيسمح له مع غطرسته أن ينجح في هذا العالم، ويعيش في رخاءٍ وراحةٍ وقتيةٍ، بل وتنتهي حياته بسلام، كما حدث مع إسماعيل المتسم بالعنف، فقد عاش ومات أمام جميع إخوته (تك 16: 12؛ 25: 18). هنا يقول أيوب: "يعطيه طمأنينة فيتوكل" (23). يبدو كمن هو تحت حماية خاصة من العناية الإلهية، حتى يدهش الإنسان كيف يعيش الشرير في العالم ناجحًا، وكيف ينجو حتى من الأخطار الكثيرة التي يسببها لنفسه. إذ يطيل الله أناته على الشرير، يستغل هذا الموقف، فيظن أنه لن يمسه ضرر، فيتواكل. "لأن القضاء على أعمالهم الرديئة لا يجري سريعًا" (جا 8: 11). يظنون أن الله لا يبالي بشرورهم، ولن يدعوهم للدينونة. نجاحه وسلامته الزمنية تجعله متواكلًا. يظن الشرير أنه محبوب لدى الله، أفضل من جميع الذين على الأرض، وأنه موضوع رعايته الإلهية بسبب برِّه الذاتي. تخطئ عينا الشرير النظر، إذ ترى أن حياته الشريرة هي طريق الحق، فيزداد كبرياءً وتشامخًا، وإذ بعيني الرب على طريق الشرير، مشتاقًا أن يتخلى الشرير عن كبرياء قلبه، ويسلك طريق الصليب في تواضعٍ. * يقول بولس: "أما تعلم أن طول أناة الله إنما تقتادك إلى التوبة؟ ولكن بسبب قساوة قلبك غير التائب تذخر غضبًا لنفسك في يوم الغضب، وإعلان حكم الله العادل" (رو 4:2-5)... "لأن عينيه على طرقه"، إذ يهتم الخاطي بطرقه، ويعتمد على ذهنه وحده، تتطلع عيناه إلى الأمور النافعة له مؤقتًا فقط. أظهر (السيد المسيح) الحق لأعين الذين تبعوا هذه الطرق، إذ طلب من قلوب تلاميذه المنتفخة أن تطلب المجد الحقيقي... قائلًا: "أتستطيعان أن تشربا الكأس التي أشربها أنا؟"... وهكذا قُدمت كأس الآلام أمام أعينهم كأمرٍ يقتدون به، حتى يجدوا أولًا طريق التواضع، إن كانوا يطلبون مباهج العظمة. البابا غريغوريوس (الكبير) يَتَرَفَّعُونَ قَلِيلًا ثُمَّ لاَ يَكُونُونَ، وَيُحَطُّون. كَالْكُلِّ يُجْمَعُونَ، وَكَرَأْسِ السُّنْبُلَةِ يُقْطَعُونَ [24]. يبدو الأشرار كأنهم محبوبون من السماء، ويظنون أنهم رُفعوا في كرامة، ليس من خطرٍ يلحق بهم، وإذا بهم ينهارون فيكونون كمن هم غير موجودين. ينحط كبرياؤهم ويوضع في التراب، ويحل بهم الموت كجميع البشر، يُقطعون كسنبلةٍ، فتزول كل كرامة باطلة. *"يتمجدون إلى حين، لكنهم لا يستمرون" [24]. مجد الأشرار، وإن استمر إلى عدة سنوات، تحسبه أذهان الضعفاء أنه يستمر طويلًا وأنه مستقر. ولكن إذ يزول في نهاية مفاجئة، يبرهن بطريقة واضحة أنه يستمر لمدةٍ قصيرةٍ... للمجد (الزمني) حد يجعل منه مجدًا زائلًا وتافهًا. تمجيد الإنسان لذاته يعجز عن الاستمرارية، لأنه ينفصل عن الأساس المتين للجوهر الأبدي، ويسقط تحت دمار، لأنه بتمجيد الذات يسقط في ذاته، يقول المرتل: "تطرحهم عندما يرتفعون" (مز 18:73)، إذ يسقطون في الداخل... يقول مرة أخرى: "إنه إلى لحظات، فلا يكون الشرير بعد" (مز 10:37). لهذا يقول يعقوب: "ما هي حياتكم؟ إنها بخار يظهر قليلًا" (يع 14:4). لذلك إذ يعبِّر النبي على قصر مدة المجد الجسدي يقول: "كل جسدٍ هو عشب، وكل جماله كزهر القش" (إش 6:40)... "مثل نهاية سنابل الحنطة يُسحقون". بالتأكيد تشامخ المتكبرين يتحطم تحت ضغط الغربلة النهائية، بينما حياة المختارين تتمجد. البابا غريغوريوس (الكبير) بستان الرهبان وَإِنْ لَمْ يَكُنْ كَذَا فَمَنْ يُكَذِّبُنِي، وَيَجْعَلُ كَلاَمِي لاَ شَيْئًا؟ [25]. يختم أيوب حديثه بتحدٍ جريءٍ لكل من هم حوله، ليكذبوا ما قاله إن استطاعوا. *الإنسان البار حتى وإن نطق بشيءٍ ما خطأ، فإنه أبعد ما يكون عن أن يدينه الأشرار السالكون في حياة شريرة... فإن هؤلاء الأشخاص الذين لا يزالون يعيشون على مبادئ مخادعة يفقدون الجرأة أن يوبخوا الخداع. البابا غريغوريوس (الكبير) |
|