|
رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
آباؤنا الرسل الأطهار بعد أن قاموا بمهمتهم ، التى أرسلهم المسيح فيها، رجعوا إليه وقدموا له تقريراً، وكان هذا التقرير تقريراً تفصيلياً، لأنه يقول: " ولما رجع الرسل أخبروه بجميع ما فعلوا"، وهذا التقرير فيه أدب ، بأنه ينبغى على المرسل أن يقدم تقريراً لمن أرسله، ومن الأدب ومن الوفاء، ومن الإتضاع ومن الإحترام اللائق بمن أرسلهم ، أن يأتوا ويقدموا له تقريراً مفصلاً عما صنعوا. وهذا التقرير يذكرنا بالتقرير المفروض على كل واحد منا ، أن يقدمه عن حياته فى يوم الحساب، وكما يقول الحكيم الجامعة : هناك على كل عمل حساب ، سيقدم كل واحد من البشر، عن أعماله تقريراً فى يوم الحساب، وطبقا لهذا التقرير ، وحكم المحاسب العظيم، على صدق هذا التقرير وعلى أمانته وعلى دقته، وعلى مطابقته للشريعة وللضمير المستقيم، يكون الحكم ويكون الجزاء، ويكون المصير لهذا الإنسان أو ذاك. هناك أُناس قد تخونهم ذاكرتهم، الذاكرة العقلية والذاكرة الروحية أيضا، قد تخونهم هذه الذاكرة أو تلك، فينسون ولا يذكرون كل شىء. وهناك أيضا أُناس يذكرون ما يحلو لهم، ولكنهم يتجاهلون الأمور غير السارة، التى لا يحلو ذكرها، والتى يخجلون من ذكرها. وهناك أُناس آخرون من الطيبين والقديسين، حينما يقدمون فى ذلك اليوم تقريرهم، يخجلون من أن يذكروا أعمالاً، وإن كانت فى ذاتها مقدسة، إنما يشعرون أنها لا تستحق أن تُذكر، فى حضرة قدوس القديسين. ومن أمثلة ذلك ما يذكره المسيح له المجد، حينما يأتى فى مجده ليدين الأحياء والأموات، كما سجل القديس متى، فى الأصحاح الخامس والعشرين من بشارته، أن الأبرار الذين سيكونون عن يمين الديان العادل، يكلمهم المسيح قائلا: تعالوا أيها المباركون من أبى ، رثوا الملكوت المعد لكم، من قبل إنشاء الله، لأنى كنت جائعاً فأطعمتمونى، فيجيبه الأبرار قائلين: متى يارب رأيناك جائعاً فأطعمناك، متى رأيناك محبوساً فأتينا إليك؟ ليس معنى هذا أن الأبرار يُكَذّبوا المسيح، أو ينفوا صدق ما قال، ولكن شعروا أن كل ما صنعوه من أعمال البر، التى حسبها المسيح أنها بر، لا تستحق أن تُذكَر، بل وهم أيضا بالفعل قد نسوها، نسوها لأنها أفعال متكررة، ولم تعد تلفت نظرهم، لأنهم اعتادوا عليها، فصارت الفضيلة بالنسبة لهم عادة، ومادامت أصبحت عادة، فلن يعودوا يلتفتون إليها التفاتة خاصة، أو أنها تعير انتباههم، فنسوا ما صنعوا . ولكن المسيح له المجد، أبان فى يوم الدين أنه هو لا ينسى، إذا نسى الأبرار عملهم، ونسوا أعمال الخير التى صنعوها، فالله لا ينسى، لأن على كل عمل حساب، ولأنه سيجزى كل واحد على حسب أعماله، لأن الله عادل، والعدالة وإن كانت غير مستقرة فى الدنيا، لكنها لابد أن تستقر هناك فى العالم الآخر، ولابد أن ينال الإنسان جزاء ما صنع خيراً كان أم شراً. وفى المثل العظيم المبارك، الذى قدمه رب المجد، المبنى على قصة لعازر والغنى، حينما كان الغنى فى مكان العذاب، رفع عينيه فرأى لعازر فى حضن إبراهيم، ووجه الخطاب إلى إبراهيم أب الآباء، وقال: يا أبتى إبراهيم ارسل لعازر ليبل طرف لسانى، لأنى معذب فى هذا اللهيب، اسمعوا ما يقوله الرب، قال إبراهيم رداً على هذا السؤال: تذكر يا ابنى، أنك قد استوفيت خيراتك فى حياتك، ولعازر استوفى البلايا، فأنت تتعذب وهو يتعزى، أى أن القانون عادل، الكفتين لابد أن يتعادلا، أنت استوفيت خيراتك فى حياتك، أخذت كل شىء، وقد كان هذا الاستيفاء لخيراتك، على حساب الفضيلة، فأنت تتعذب وهو يتعزى. حكم عادل، وهذا هو الجواب، الذى تجاوبه الكنيسة على الذين يعترضون دائما، على الظلم الذى فى الدنيا، إن الدنيا فيها ظلم كثير، وأحيانا الظالم يكون من النوع القوى الجبار، الغنى المقتدر، الذى ينجح فى تخطيطه وفى تنفيذ إرادته، والمظلوم أحياناً يكون مقصوص الأجنحة، فلا يملك حتى أن يرفع عن نفسه الظلم، وربما لايجد إنساناً آخر يساعده أو يعاونه، فى رفع هذا الظلم عنه، بل ربما تتألب عليه الظروف، سواء بإثارة الشيطان أو بَشْر البشر، أو بنوع من النفاق الإجتماعى، ربما تتألب هذه الظروف جميعا، ضد هذا الإنسان المظلوم، فيزداد الظلم عليه أكثر، لدرجة أن بعض الناس يكفرون، ويقولون: أين هو الله؟ إذا كان الله فى الكون موجود، فلماذا يحدث هذا؟ وبعض الناس بناء على هذا ينكرون وجود الله، ويكفرون بالله، ويتعدون بالألفاظ وبالكلمات النابية على الحضرة الإلهية، وكأن الله فى نظر هذا الفريق من الناس غافل، أو لا يرى الظلم الواقع، ولا يرى الطغيان، ولا يتدخل، مع أنه هو العادل لا يتدخل ليضع حداً لهذا، الإجابة على هذا السؤال، أن الدنيا لا تستقر فيها العدالة، لأن الله أعطى الإنسان موهبة عظيمة تليق بكرامته، كمن خُلق على صورة الله ومثاله، وهذه الموهبة هى موهبة الحرية، فمادام الله قد وهب الحرية للبشر، فالله لا يتعارض مع نفسه، ولا يتناقض معها، فإذا كانت الحرية حقيقية، فإذن الله يترك الناس أحراراً يتصرفون، وسوء التصرف كحسم التصرف تماماً، فهو دليل على الحرية التى وهبها الله للناس. لكن لا تتصوروا أن الله يرضى عن الظلم، أو أن الله يريد الظلم، إنه يقول فى بعض المواضع: " فى كل ضيقهم تضايق"، أى أن الله يتضايق من الظلم ويكره الظلم . لكن لماذا لا يتدخل فى حياتنا على الأرض؟ لأنه سبق فأعطى الحرية للبشر ، ولكن فى مقابل الحرية هناك مسئولية، فى مقابل الحرية هناك حساب، هناك على كل عمل حساب، لذلك فإذا رأينا العدالة غير مستقرة فى الحياة الحاضرة، فلا نتعجب ولا ننزعج، ولا نتسرع فى الحكم، ولا نظن أن الله غافل، أو أن الله يريد الشر أو يريد الظلم ، حاشا.. لكن لأن الله عادل لابد للعدالة أن تستقر، لذلك لابد من حساب، يوفر للعدالة حقها كاملا ً، لابد إذن للمظلوم أن يُنصف ولابد للظالم من أن يُعاقب، لابد وويل للإنسان الذى يظلم، لأن عقابه فى ذلك اليوم محجوز، وحينئذ طوبى للإنسان الذى ينال عقابه فى الدنيا، ربما أن هذا العقاب ينبهه إلى خطأه، ويدعوه إلى التوبة، ولكن إذا تكثفت خطايا الإنسان، وإذا زادت مظالمه وشروره، فالله عادة يهمله، وهذا الإهمال معناه أنه يُدّخر لنفسه غضباً فى يوم الغضب، واستعلان دينونة الله العادلة. |
|